صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/155

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

و يجدر بنا أن نطنب في بيان الناموس "الث ، فهو يكفى لا يضاح الكيفية التي تتطور بها المعتقدات . ا اقد لوحظ افتراق المعتقدات الى فرق عقب انتصارها في جميع الديانات الكبيرة النصرانية والاسلام مثلاً ، والنصرانية نظراً لكونها أكثر الأديان تعقيداً ولدت كثيراً من الفرق والمذاهب ( كالمانوية والاريوسية والنسطورية الخ ) التي تطاحنت قروناً عديدة ، وقد زادت ثورة الاصلاح الديني هذا التطاحن شدة ، وما لبنت فرقة البروتستان أن انقسمت الى مذاهب نذكر منها مذهب الانغليكان ومذهب لوثر ومذهب كالفين الخ . و بما أن المذهب الذي هو وليد الدين يطمع بحكم الطبيعة في التغلب على بقية المذاهب فإنه لا يلبث أن يصبح عديم التسامح كالدين الذي صدر عنه ، ولذلك نعد من الخطاء والجهل بطبيعة المعتقد اعتبار ثورة الاصلاح الديني رمزاً لانتصار حرية الفكر ، فقد كان البروتستان في أول الأمر أشد من الكاثوليك تعصبا، وما أتى ( لوثر ) وخلفاؤه إلا بمبادى. جامدة مجردة عن الحكمة مشبعة من روح التعصب الذميم ، ثم إن (كالفين ) قسم الناس الى أخيار وضالين فقـال يجب على اولئك أن يضطهدوا هؤلاء ، وعند ما أصبح سيد مدينة ( جنيف ) سامها سوء العذاب فأسس فيها محكمة ضارعت محكمة التفتيش في ميلها الى سفك الدماء ، وقد اعدم مخالفه ( ميشل سيرفيت ) حرقا بالنار . , وفى ملحمة ( السان بارتلمي ) التي تجلى فيها الخصام الديني في فرنسا قتل البروتستان ، وأما في الأمكنة التي لهم الأكثرية فيها فأصبحوا من أشد السفاكين ، وما كان أحد الطرفين أقل نسامحا من الآخر في الدور المذكور . وسبب الانقسام في المعتقدات هو أن كل امرىء يميل فيها إلى مبادى، تؤثر فيه اكثر من البعض الآخر ، وبفعل هذا التأثير يحاول المؤمنون الذين لهم مزاج الرسول أن يقيموا كنيسة صغيرة ، فاذا نجحوا في مسعاهم يكونون قد أسسوا فرقة جديدة لا تلبث أن تنتشر بالعدوى النفسية ، ومما يعين على انقسام الأديان الى فرق هو ما في الكتب المقدسة من غموض والتباس ، فلهذا الغموض والالتباس يقدر كل عالم