صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/151

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

تطور الأشياء الطبيعي ، وأما المعتقد في دور انتصاره فانه لا يحاول أن يقاتل العقل نظرا لأن هذا الأخير لا يعارضه في ذلك الحين . حقا ليس ما هو أندر من ظهور أناس في دور الايمان هم من الاستقلال بحيث يجادلون في أمر المعتقد محادثة عقلية ، فيثبت لنا مثال ( باسكل ) ماذا تكون نتائج التنازع بين المنطق العاطفي والديني من جهة والمنطق العقلى من جهة أخرى : كان هذا المفكر الشهير يكتب في زمن يخضع الناس فيه للحقائق الدينية غير مناقشين ، أي في زمن لا يجرؤ فيه غير اولى العبقرية مثله على فحص هذه الحقائق فحصا عقليا ، ولكن ما أصابه من الفشل في مسعاه يؤيد مرة أخرى لنا عجز العقل عن التأثير في المعتقد ساق ذكاء ( باسكال ) الواسع الى اطلاعه على بطلان القصة القائلة إن الله انتقم لنفسه من ابنه على الخطيئة التي ارتكبها احد خلقه في بدء العالم ، ولكن سرعان ما در منطقه العقلى ساجداً أمام اندفاعات منطقه الديني ، إذ لما استحوذ عليه ما ألقاه المنطق الديني في قلبه من خوف الجحيم وكان مع ذلك يود أن يدافع عن معتقده ببراهين مقبولة اعتبر حياة الآخرة كناية عن مراهنة مخيفة ، لأن العذاب الأبدى بدى واقع ان كان وجود جهنم متحققا ، قال هذا الفيلسوف مؤكداً : « إزاء هذا الارتياب تجب المراهنة على وجود حياة في الآخرة ويجب على الانسان أن يسير كأن هذه الحياة موجودة » وبعـد أن اقتنع ( باسكال ) بذلك على هون حاول – ولكن عبئًا – أن يدعم عقيدته بمنطقه العقلى ، فالمعجزات والاخبار بالغيب من جملة البراهين التي تذرع بها هذا المفكر العظيم ليثبت صحة ايمانه إثباتا عقليا ، ولكن بما أن هذه الأدلة قد التجأت اليها جميع الأديان فانه لم يسعه سوى انكار ما حكت عنه هذه الأديان إذ قال يستطيع كل انسان أن يأتي بمثل ما عمله محمد الذي لم يجيء بمعجزة ولم ينبىء بغيب ، وأما ما أتى به يسوع المسيح فلن يقدر احد على فعل ما يدانيه » ، غير أن منطق ( باسكال ) الديني لم يسمح له بالبحث عن السبب في كون الاسلام والبوذية لها ما للنصرانية من الانصار والتابعين . ومع ما في برهنة هذا الحكيم من الدقة كان يشعر بضرورة دعم ايمانه بأدلة

(2) L