صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/144

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
- ١٤٤ -

الى الغاية كالخوف والحشمة وحب الأبوين ، و يشهد بصحة هذا القول تاريخ الشهداء الذين نعد القديسة ( بير بيتوا ) التي ظهرت في عهد الامبراطور ( سبتيم سيثير ) الرومانى مثالاً لهم ، فهذه القديسة الجميلة المثرية التي هي بنت رئيس مجلس شيوخ ( قرطاجنة ) والتي اعتنقت الديانة المسيحية سراً فضلت عرضها عارية أمام الجمهور اتلتقمها الحيوانات المفترسة على أن تحرق اللبان في الهيكل الامبراطوري .

ومما يعتقده المؤمنون أن هذه الأحوال دليل على قدرة آلهتهم ، فلا في أن هذا الاعتقاد وهم باطل ، ذلك لأن جميع الأديان والمذاهب السياسية لها شهداء كالذين أشرنا اليهم .

ومن بين ألوف الأمثلة نورد الديانة البابية التي انتشرت منذ ستين سنة في بلاد فارس مثلا على ما ذكرنا :

لقد ظن الشاه آنئذِ أنه يقدر على إطفاء هذا الايمان الجديد بسوم العذاب ، ولكن انظر ماذا حدث حسب تقرير ( غوبينو ) : « تقدم الأطفال والنساء نحو السيافة وهم ينشدون بصوت عال «الله خلقنا واليه مردنا» ، وكان الشهيد وقتها يبقره السياف ينهض قائما وهو يقول بحاسة «الله خلقنا واليه مردنا»، ومما شوهد على الخصوص أن جلادا قال لوالد إنه سيضرب على كتفيه عنقى ولديه إذ الم يرجع عن مذهبه ، فأجاب الوالد ملقيا نفسه على الأرض أنه لا يبالى بذلك ، ثم تقدم ولده الكبير - وكان في الرابعة عشرة – طالباً بصفته أكبر الأبنين أن يذبح قبل أخيه ، وكان أحد أشياع الباب وهو "معلق على سور تبريز لا ينطق الا بهذه الكلمة وهي : إلهى ، هل أنت راض عنى ؟ » .

ومثل ذلك الاضطهاد الذي عاناهُ في هذه الأيام أنصار مذهب ( السكوبسي ) في روسيا وأتباع مذهب ( المورمون ) في الولايات المتحدة ، وقد فضل جميع هؤلاء العذاب على الرجوع عن ايمانهم .

تثبت هذه الحوادث وما شاكلها ما في الروح الدينية من قوة قادرة على تبديد والألم على قهر المشاعر التي يقوم عليها كيان الانسان، فماذا يستطيع العقل أن يفعل أمامها؟