صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/143

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
- ١٤٣ -


لا رائد لهم سوى ما في البيئة من آراء ومعتقدات عامة ، ومن المفيد أيضا أن تكون الآراء العامة قليلة التسامح ، إذ الخوف من انتقاد الآخرين هو أحد الأسس الأخلاقية المتينـة ، ويكون التوسط في العقل اكثر فائدة للأمة إذا اجتمع مع بعض المزايا الخلقية ، وقد اطلعت انكلترا على ذلك بغريزتها فبقيت على رغم كونها من اكثر بلاد العالم حرية تقت كل فكر متطرف . ٤ – اشتداد المعتقد ، الشهداء . بين الرأي الموقت و بين المعتقد التام الذي يستولى على العقل وقوة التمييز مراحل قلما قطعت ، وحينها تجاز في بعض الأدوار النادرة تشتد اندفاعات المرء الدينية وما توجبه من المشاعر حتى لا تقدر على ردعها جميع الزواجر الاجتماعية وعقوبات القوانين ، ووقتئذ يظهر أمثال (بوليوكت) الذي حطم الأصنام والشهيد الذي لم يبال بسيف الجلاد والعدمي الذي رمى قنبلة بين جم غفير ليقتل أميراً . ومتى بلغ معتقد المرء هذه الشدة لم يقم وجهه حاجز فيستولى على أوضح منافعه وأعز مشاعره ويجعله يرى الخطأ صوابا والصواب خطأ ويدفعه إلى التضحية بنفسه في سبيل نشر ايمانه والذود عنه . والشهداء جميعهم ذوو نفسية واحدة ، أي لا فرق بين نفسية من ذهب منهم ضحية السياسة ونفسية من ذهب ضحية الدين أو المبادىء الاجتماعية ، ولا سحرتهم حلاوة المبدإ ضحوا بأنفسهم بوجوه مبتسمة انتصاراً له غير طامعين بثواب في الدنيا ولا في الآخرة أحيانا ، يؤيد ذلك تاريخ العدميين والارهابيين في روسيا الذين يلقون بأنفسهم الى التهلكة غير راجين دخول ملكوت السماوات . الحظان عدد هؤلاء المتهوسين قليل في كل دور ، ولو زادوا لقلبوا ومن حسن العالم ، والبحث عن الشهداء هو من خصائص عالم الأمراض النفسية ، ولما بين المتهوسين من شبه كبير على رغم التباين بين معتقداتهم فان درس اثنين أو ثلاثة منهم يؤدى الى الوقوف على حقيقة الباقين . ولا ينشأ عن الايمان تحول في الآراء فقط بل تتبدد أمام سلطانه مشاعر قوية