بلدة عَلَى بحر القُلزم المسمى الآن بالبحر الأحمر، ثم يركبون منها إلى جُدّة سفناً تسمى الجلاب وواحدتها جلبة، وكذلك تجار الهند واليمن والحبشة كانوا يردون مصر بمتاجرهم من هذه الطريق، ولم تزل مسلكاً للحجاج في ذهابهم وإيابهم من سنة بضع وخمسين وأربعمائة إلى سنة بضع وستين وستمائة، وذلك منذ الشدة العظيمة زمن المستنصر الفاطمي وانقطاع الحج في البر إلى أن كسا الظاهر بيبرس الكعبة وأخرج قافلة الحاج في البر من الطريق القديمة المسلوكة إلى أيلة وغيرها، فقل سلوك الحجاج لهذه الصحراء واستمرت المتاجر تحمل فيها حتى بطل ذلك بعد سنة ٧٦٠، وكان أمر هذه الجلاب غريباً لأن ألواحها لم تكن تضم بالمسامير كما في سائر السفن، بل كانت تخاط بأمراس تفتل من قشر جوز الهند المسمى بالنرجيل وتعمل لها قلوع من حصر منسوجة من خوص شجر المقل وهو الدوم، وقد فصَّلنا الكلام عليها في رسالة لنا في السفن الإسلامية وأسمائها، أعاننا الله على إتمامها.
عود إلى رباط الآثار: وذكره السيوطي في حسن المحاضرة بما نصه: «رباط الآثار بالقرب من بركة الحبش عمره الصاحب تاج الدين ابن الصاحب فخر الدين ابن الصاحب بهاء الدين ابن حِنَّا وفيه قطعة خشب وحديد وأشياء أخر من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتراها الصاحب المذكور بمبلغ ستين ألف درهم فضة من بني إبراهيم أهل ينبع، ذكروا أنها لم تزل موروثة عندهم من واحد إلى واحد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحملها إلى هذا الرباط، وهي به إلى اليوم يتبرك بها». انتهى.