جمعَتْ ألفَ كتاب من كتب التواريخ المتعلقة بالأمم السالفة، والملوك الخالية والشعراء، فقالت لأبيها: ما لي أراك متغيِّرًا حامل الهم والأحزان وقد قال بعضهم في المعنى شعرًا:
فلما سمع الوزير من ابنته هذا الكلام، حكى لها ما جرى له من الأول إلى الآخر مع الملك، فقالت له: بالله يا أبتي زوِّجني هذا الملك، فإما أن أعيش، وإما أن أكون فداءً لبنات المسلمين، وسببًا لخلاصهن من بين يديه. فقال لها: بالله عليكِ لا تخاطري بنفسك أبدًا. فقالت له: لا بد من ذلك. فقال: أخشى عليك أن يحصل لك ما حصل للحمار والثور مع صاحب الزرع. فقالت له: وما الذي جرى لها يا أبت؟
قال: اعلمي يا ابنتي أنه كان لأحد التجار أموال ومواشٍ، وكان له زوجة وأولاد، وكان الله تعالى أعطاه معرفةَ أَلْسُنِ الحيوانات والطير، وكان مسكن ذلك التاجر الأرياف، وكان عنده في داره حمار وثور، فأتى يومًا الثورُ إلى مكان الحمار فوجده مكنوسًا مرشوشًا، وفي معلفه شعير مغربل وتبن مغربل وهو راقد مستريح، وفي بعض الأوقات يركبه صاحبه لحاجةٍ تعرضُ له، ويرجع على حاله، فلما كان في بعض الأيام، سمع التاجر الثورَ وهو يقول للحمار: هنيئًا لك ذلك، أنا تعبان وأنت مستريح تأكل الشعير مغربلًا، ويخدمونك، وفي بعض الأوقات يركبك صاحبك ويرجع، وأنا دائمًا للحرث والطحين. فقال له الحمار: إذا خرجتَ إلى الغيط، ووضعوا على رقبتك النافَ، فارقد ولا تَقُمْ ولو ضربوك، فإنْ قمتَ فارقد ثانيًا، فإذا رجعوا بك ووضعوا لك الفول فلا تأكله كأنك ضعيف، وامتنع من الأكل والشرب يومًا أو يومين أو ثلاثة؛ فإنك تستريح من التعب والجهد.
وكان التاجر يسمع كلامهما، فلما جاء السواق إلى الثور بعلفه، أكل منه شيئًا يسيرًا، فأصبح السواق يأخذ الثور إلى الحرث فوجده ضعيفًا، فقال له التاجر: خذ الحمار وحرِّثه مكانه اليومَ كله. فرجع الرجل وأخذ الحمارَ مكان الثور وحرَّثه اليومَ كله، فلما رجع آخِر النهار شكره الثور على تفضُّلاته حيث أراحه من التعب في ذلك اليوم، فلم يردَّ عليه الحمار جوابًا، وندم أشد الندامة، فلما كان ثاني يوم، جاء الزراع وأخذ الحمار وحرَّثه إلى آخِر النهار، فلم يرجع الحمار إلا مسلوخ الرقبة شديد الضعف، فتأمَّلَه الثور وشكره ومجَّدَه، فقال له الحمار: كنتُ مقيمًا مستريحًا، فما ضرَّني إلا فضولي. ثم قال: اعلم أني لك ناصح، وقد سمعت صاحبنا يقول: إن لم يَقُمِ الثور من موضعه، فأعطوه للجزار