العقد الفريد/الجزء الثالث/9
الفضل بن سهيل
كتب إلى أخيه الحسن: أحمد الله يا أخي فما يَبيتُ خليفة الله إلا على ذِكْرك. وإلى طاهر: لِخَيْرِ ما اتّضَعت. وإليه: لشرّ ما سموتَ. وإلى هرثمة وأشار عليه برأي: لا يُحَل مَا عَقدت. وفي قصة متظالم: كَفى بالله للمَظلوم ناصراً. ويا قصة رجل نَقب بيت المال: يدرأ عنه الحد إن كان له فيه سهم. ووقع إلى حاجبه: تَمهَّل وتَسهل. وإلى صاحب الشرطة: تَرفَّق توفق. وإلى رجل شكا غَلبة الدين. قد أَمرنا لك بثلاثين ألفاً وسنَشفعهما بمثلها ليرغب المستمنحون وفي قصه متظلم: طب نفساً فإن الله مع المظلوم وإلى رجل شكا إليه الدين: الدين سوء يَهيض الأعناق وقد أمرنا بقضائه. وفي قصة قوم قَطعوا الطريق إنما جَزاءُ الذين يحاربون الله ورسوله ويَسْعون في الأرض فساداً الآية. وفي امرىء قاتل شهد عليه العدول فشفع فيه: كتاب الله أحق أن يتبع. وفي قصه رجل شهد عليه أنه شتم أبا بكر وعمر: يضرب دون الحد ويشهر ضربه.
الحسن بن سهل ذو الرياستين
وقع في قصة متظلم: ينظر فيما رفع: فإن الحق منيع وإلا فشفاء السقيم دواء السقيم. وفي قصة قوم تظلموا من واليهم: الحق أولى بنا والعدل بغيتنا وإن صح ما أدعيتم عليه صرفناه وعاقبناه. وفي قصة امرأة حبس زوجها: الحق يحبسه والإنصاف يطلقه. وفي رقعة رائد قد أمرنا لك بشيء وهو دون قدرك في الأستحقاق وفوق الكفاية مع الاقتصاد. وكتب إليه رجل من الشعراء يقول له: رأيت في النوم إني راكب فرساً ولي وصيف وفي كفي دنانير فقال قوم لهم فهم ومعرفة رأيت خيراً وللأحلام تعبير رؤياك فسر غداً عند الأمير تجد في الحلم خيراً وفي النوم التباشير فوقع في أسفل كتابه: أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين. وأطلق له ما التمسه. ودخل بعض الشعراء على عبد الملك بن بشر بن مروان فأنشده: أغفيت عند الصبح نوم مسهد في ساعة ما كنت قبل أنامها فرأيت إنك رعتني بوليدةٍ رعبوبةٍ حسن علي قيامها وببدرة حملت إلي وبغلة دهماء مُشرفة يصل لجامها فدعوت ربي أن يثيبك جنة عوضاً يصيبك بردها وسلامها ليت المنابر يا بن مروان الندى أضحت وأنت خطيبها وإمامها فقال له عبد الملك بن بشر: في كُل شيء أصبتَ إلا البغلة فإني لا أملك إلا شَهباء. فقال له: امرأتي طالق أن كنت رأيتُها إلا شهباء إلا أنّي غَلِطت. وقَّع في كتاب رجل تظلم من أصحاب نَصْر بن شَبِيب: طلبتَ الحق في دار الباطل. وفي قصة رجل طلب قَبالة بعض أعماله: القَبالة مفتاح الفساد ولو كانت صلاحاً ما كنتَ لها موضعاً. وإلى السندي بن شاهك وجاءه منه كتاب يستعطفه وفيه: عِشْ ما لم أرك. وإلى خُزيمة بن خازم: الأعمال بخواتيمها والصَّنيعة باستدامتها وإلى الغاية ما جرى الجواد فحُمد السابق وذُمَ الساقط. وإلى العباس بن موسى الهادي واْستبطأه قي خراج ناحيته: وليس أخو الحاجات مَن بات نائماً ولكنْ أخوها مَن يبيت على رَحْل وفي رُقعة مُتنصّح: سننظر أصدقتَ أم كُنت من الكاذبين. وفي قصة محبوس: يُطلق وُيعتق. وفي رقعة مُستوصل: يُقام أوَده. وكتب أبو جعفر إلى عمرو بن عُبيد: أبا عثمان أعِنّي بأصحابك فإنهم أهلُ العدل وأصحابُ الصادق والمُؤثرون له فوقَّع في كتابه: ارفع علمَ الحق يَتْبعك أهله.
توقيعات العجم
وقّع أرْدشير في أَزْمة عمّت المملكة: مِن العدل أن لا يفرح الملك ورعيتُه مَحزونون. ثم أَمر ففرَّق في الكُور جميعَ ما في بُيوت الأموال. وِرَفع رجل إلى كِسرى بن قُباذ رُقعة يُخبره فيها أنّ جماعة مِن بطانته قد فسدت نياتهم وخبُثت ضمائرهم منهم فلان وفلان. فوقَّع في أسفل كتابه: إنما أملك ظاهرَ الأجسام لا النيات وأحكم بالعدل لا بالهوى وأفحص عن الأعمال لا عن السرائر. ووقع كسرى في رقعة مَدْح: طُوبى للممدوح إذا كان للمَور مُستحقّا وللداعي إذا كان للإجابة أهلاً. وكتب إليه مُتنصِّح: إن قوماً من بطانته اجتمعوا للمُنادمة فعابوه وثَلموه. فوقّع: لئن كانوا نَطقوا بألسنة شتَّى لقد اجتمعت مساويهم على لسانك فجُرْحك أرغب وِلسانك أَكذب. ورفع إليه جماعةٌ من بطانته رُقعةً يَشكون فيها سًوء حالهم. فوقع: ما أنصفكم من إلى الشَّكيَّة أحوَجكم ثم فَرّق بينهم ما وسعهم وأغناهم. ووقع أنوشروان إلى صاحب خراجه: ما استُغزر الخراج بمثل العَدْل ولا استُنزر بمثل الجَوْر. ووقّع في قصة رجل تَظلّم منه: لا يَنبغي للملك الظلم ومِن عنده يُلتمس العَدل ولا البُخلُ ومن عنده يُتوقَع الجُود ثم أمر بإحضار الرّجل وقَعد منه بين يدي المُوبَذ. ووقّع في قصّة محبوسِ: مَن ركب ما نُهي عنه حيل بينه وبين ما يَشتهي. ورَفع إليه بعضُ خَدمه رقعةَ يُخبره فيها بكثرة عِياله وسُوء حاله فَعرف كذبه فوقَّع: إنّ اللهّ خَفّف ظَهرك فثقّلته وأحسن إليك فكَفرته فتُب إلى الله يَتُبْ عليك. ووقع في قصّة رجل سَعى إليه بباطل: باللسان احفَظ رأسَك. ووقّع في قصة رجل ذَكر أنّ بعض قرابة المَلك ظَلَمه وأخذ مالَه: لا تَصلح العامّة إلا ببَعض الحَيْف على الخاصة فإن كنتَ صادقاً أبحتُك جميع ما يَملكه. فلم يتظلّم بعدها أحدُ من قرابته.
فصول في المودة
كتب عبدُ الرحمن بن أحمد الحَراني إلى محمد بن سهل: أعزّك الله إنّ كل مجازاة قاصرةٌ عن حقّ السابق إلى اْفتتاح الوُدّ وقد علمتَ أني استقبلتك من الإقبال عليك بما لم تَسْتدعه واعتمدتُك من الرَّغبة فيك بما لم تُوله. وفصل لأبي عليّ البَصير: قد أكّد الله بيننا من الودّ ما نأمن الدهرَ على حل عَقده ونَقض مرائره وما يَستوي فيه ثقتنا بأنفسنا لك وثقتنا بما عندك. وفصل له: الحالُ فيما بيننا تَحتمل الدالّة وتُوجب الأنس والثِّقة وبَسْطَ اللسان بالاستزادة وأنا أمت إليك بالحُرمة المتقدِّمة وفصل لإبراهيم بن العباس: المودّة يَجمعنا حَبلها والصناعةُ تُؤلّفنا أسبابها وما بين ذلك من تراخٍ في لِقاء أو تخلّف قي مُكاتبة موضوع بيننا يجب العُذر فيه. وفصل لسعيد بن عبد الملك: أنا صَبّ إليك سامي الطَّرف نحوك وذِكْرك مُلْصق بلساني واسمُك حُلْو على لَهواتي وشخصُك ماثلٌ بين عيني وأنت أقربُ الناس من قلبي أخذهم بمجامع هواي. وفصل له: لنحنُ أحقّ بابتدائك بما ابتدأتنا به من الصّلة إلا أنك أحقًّ بالفَضل الذي سبقت إليه. وفصل لسعيد بن حميد: إنِّي أهديت مودتي إليك رغبةً ورَضِيتُ بالقبول منك مثوبةً فصِرتَ بقَبولها قاضياً لحق ومالكاً لرقّ وصرتُ بالتسرّع إلى الهديّة والتَّنظًّر للمَثوبة مُرتهن اللّسان بالجزاء واليدين بالوفاء. وفصل له: إني صادفت منك جوهرَ نفسي فأنا غيرُ محمود على الانقياد لك بغير زمام لأنّ النفس يقود بعضُها بعضاً. ولمحال أبو العتاهية: وللقَلْب على القَلْبِ دَليلٌ حين يَلْقاهُ وللنّاس مِنَ النّاس مَقاييس وأشباه وفصل ل: لساني رَطْب بذكرك وقَلبي مَعْمور بمحبتك حضرتَ أو غِبْتَ لَعمري لئن قَرت بقُرْبك أعينٌ لقد سَخِنت بالبَيْن منك عُيونُ فسِرْ أو أقِمْ وَقْفٌ عليك مودّتي مكانُك من قلبي عليك مَصون وفصل لإبراهيم بن المهدي: كتابي إليك كتاب مُخبر وسائل فأمّا الإخبار فعن تصرُف الخطوب بما يُوجب العُذر عنه صديقي العزي عَلَيَّ في إبطائي بالتعهّد له وأما السؤال فعن إمساك هذا الأخ الوَدود المَودود عن مثل ذلك وإن العُذر كاشفٌ ما سَلف مُصلح لما استؤنف.
فصول في الزيارة
كتب الحسين بن الحسن بن سَهل إلى صديق له: نحن في مأدُبة لنا تشرف على روضة تضاحك الشمسَ حُسناً قد باتت السماء تَطلُّها فهي شَرقة بمائها حاليةٌ بنُوّارها فبادر إلينا لنكون على سواء من استمتاع بعضنا ببعض. فكتب إليه: هذه صفة لو كانت في أقاصي الأطراف لوجب انتجاعُها وحثُّ المطيّ في ابتغائها فكيف في موضع أنت تَسْكنه وتَجمع إلى أنيق مَنْظره حُسْنَ وجهِك وطَيّب شمائلك وأنا الجواب. وفصل: كتب حكيم إلى حكيم: يا أخي إن أيام العمر أقلُّ من أن تحتمل الهَجر والسلام وفصل: كتب إسحاق بين إبراهيم الموصلي إلى أحمد بن يوسف في المَصير إليه وعند أحمد بن يوسف إبراهيمُ بن المهدي فكتب إليه: عندي من أنا عنده وحُجّتنا عليك إعلامُنا إياك. وفصل: إنه مَن ظمىء شوقُه من رؤيتك استوجب الري من زيارتك. ثم كتب تحت هذا: سِرْ إلينا تَفْديك تَفْسي من السو ء فقد طال عهدنا بالتَلاقِي وفصل: إلى الله أشكو شِدَة الوَحشة لغَيْبتك وفَرْط الحُزن من فِراقك وظُلْم الأيام بَعدك وأقول كما قال بعضُ المُحدثين: غَضارة دنيا أظلم العيشُ بعدَها وعند غُروب الشمس يًعرف فَقْدُها وفصل: الشوقُ إليك وإلى عهد أيًامنا التي حَسُنت بك حتى كأنها أعياد وقَصرُت بك حتى كأنها ساعات يفوت الصفات ومما يجدَده ويُكثر دواعيه تَصاقُب الدَيار وقُرب الجوار تَمَم الله لنا النَعمة المجددة فيك بالنّظر إلى الغُرة المُباركة التي لا وَحشة معها ولا أنس بعدها. وفصل: مَثُلنا - أعزك الله - في قُرب تجاورنا وبُعد تزاورنا ما قِيل في أهل القُبور: هُمُ جيرة الأحياء أما مزارهم فدانٍ وأما المُلتقى فَبعيد وكل عِلّة معك مُحتملة وكل جَفْوة مغفورة للشّغف بك والثقة بحَسن نيِّتك وسنأخذ بقول أبي قَيس بن الأسْلت: وُيكْرِمها جاراتُها فيزُرْنَها وتَغفل عن إتيانهنّ فَتُعْذَرُ وفصل: كتب حكيم إلى حكيم: يا أخي إن أيام القمر أقل من أن تحتمل الهجر والسلام وفصل: كتب أحمدُ بن يوسف: لا تجوز قَطيعة الصديق لأنها لا تَخْلو من أحد وَجْهن: إمّا ضَعف في نفس الاختيار وإمّا مَلل. وكلاهما لا حُجة فيه. وفصلِ: طال العهدُ بالاجتماع حتى كِدْنا نَتناكر عند الالتقاء وقد جعلك الله للسُّرور نِظاماَ ولأنس تَمامًا وجَعل المَشاهد مُوحِشة إذا خَلت منك. وكتب الحسنُ بن وَهب إلى محمد بن عبد الملك الزيات: أوجبَ العُذرَ في تراخي اللِّقاءِ ما توالَى مِن هذه الأنواءِ فسلامُ الإِله أهديهِ منَي كلّ يوم لسيدِ الوُزراء لستُ أدْري ماذا أقول وأشْكو مِن سماء تَعوقُني عن سَماء غير أني أدعو على تِلك بالثّكُ ل وأدعو لهذه بالبَقاء وقال آخر: أزور محمداً فإذا التقينا تكلّمت الضمائرُ في الصّدورِ فأرجع لم ألمه ولم يَلُمني وقد رضيَ الضَّمير عن الضمير كتب الحسنُ بن وَهب إلى مالك بن طَوْق في ابن أبي الشَيص: كتابي إليك خططتًه بيميني وفرّغت له ذهني فما ظنّك بحاجة هذا موقعُها مني أتراني أقبل العُذر فيها أو أقصّر في الشكر عليها وابن أبي الشّيص قد عرفته وعرفت نسبه وصفاته ولو كانت أيدينا تَنبسط ببره ما عدانا إلى غيرنا فاكتفِ بهذا منا. وفصل: كتابي إليك كتاب مَعْني بمن كُتب له واثق بمن كُتب إليه ولَن يَضيع بين الثقة والعناية حاملُه. وفصل: كتب العتابي فكاد أن يُخل بالمعنى من شدة الاختصار فكتب: حاملُ كتاب إليك أنا فكن له أنا والسلام. وفصل للحسن بن سهل: فلان قد استغنى باصطناعك إياه عن تَحْريكي إياك في أمره فإن الصنيعة حُرمة للمَصنوع إليه ووسيلةٌ إلى مُصطنِعه فبسَط الله يدَك بالخيرات وجعلك من أهلها ووَصل بك أسبابَها. وفصل له: مُوصِّك كتابي إليك أنا فكُن له أنا وتأمّله بعين مُشاهدتي وخُلتي فلسانُه أشكرُ ما آتيتَ إليه وأذمُّ ما قصرتَ فيه.
فصول في عتاب
كتب أحمد بن يوسف: لولا حُسن الظن بك - أعزك الله - لكان في إغضائك عنّي ما يَقبضني عن الطَّلبة إليك ولكنْ أمسك بَرمق من الرَّجاء عِلْمي برأيك في رعاية الحق وبَسطُ يدك إلى الذي لو قبضتَها عنه لم يكن له إلا كَرمُك مُذكراً وسُؤددك شافعا. فصل: ما أبعد البُرءَ من مريض داؤُه في دوائه وعلَته في حِمْيته وأنا منك كالغاصّ بالماء لا مَساغ له. وكما قال الشاعر: كنتُ من كُرْبتي أفر إليهم وهمُ كُربتي فأين الفِرارُ فصل: أنا مُنتظرٌ واحدة من اثنتين: عُتَبى تكون منك أو عُتبِى تُغني عنك. فصل: أما بعد فقد كنتَ لنا كلُك فاجعل لنا بعضَك ولا نرضى إلا بالكًل لك منا فصل: أنا ابقي على وُدك من عارض يغيره أو عتاب يقدح فيه وآمُلُ عائداً من حُسن رأيك يغني عن اقتضائك. فصل: ألهمك الله من الرُشد بحَسب ما مَنحك من الفَضل. ولو أنَ كل مَن نَزع إلى الصرم فصل: لعبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ذي الجناحين: أما بعد فقد عاقَني الشكّ في أمرك عن عزيمة الرأي فيك ابتدأني بلُطف عن غير خِبرة وأعقبتَه جفاء من غير ذنب فاطْمَعني أولك في إخائك وآيسني أخرك من وفائك فسبحان من لو شاء لكَشف من أمرك عن عَزيمة الرأي فيك فأقمنا على ائتلاف أو افترقنا على اختلاف. وفصل: إذا جعلتَ الظنً شاهداً تُعدل شهادته بعد أن جعلتَه حَكما يَحيف في حكومته فأين المَوئل من جَوْرك ولستُ أسلك طريقا من العَتب عليك إلا سده ما أنطوى عليه من مودتك. ولا سبيل إلى شِكايتك إلا إليك ولا استعانة إلا بك وما أحق مَن جعلك على أمره عَوناً أن تكون له إلى النجاح سَببا. وقال الشاعر: عجبتُ لقلبكَ كيف انقلبْ ومن طول ودّك أنَّى ذهبْ وأعجب من ذا وذا أنِّني أراك بعين الرِّضا من الغَضب وفصل: إن مسألتي إليك حوائجي مع عَتبك عليّ لمن اللؤم خالط إمساكي عنها في حالة ضرورة إليها مع عِلْمي بكرامك في السخط والرضا لعَجز غيرَ أني أعلم أقرَب الوسائل في طلب رضاك مُساءلتك ما سَنح من الحاجة إذ كنتَ لا تجعل عَتبك سبباً لمنع مَعْروفك. وفصل: لو كانت الشَكوك تحتلجني في صِحّة مودًّتك وكريم إخائك ودَوام عهدك لطال عَتْبي عليك في تواتر كتبي واحتباس جَواباتها عني ولكنّ الثقةَ بما تقْدِّم عندي تعذرك وتحسّن ما يُقبِّحه جفاؤك والله يديم نعمته لك ولنا بك. وفصل لابن المدبر: وَصل كتابُك المُفتتْح بالعِتاب الجميل والتَّقريع اللطيف: فلولا ما غَلب عليّ من السرور بسلامتك لتقطّعتُ غما بعتابك الذي لَطُف حتى كاد يَخفى عن أهل الرِّقة والفِطنة وغَلُظ حتى كاد يَفهمه أهلُ الجهل والبَلَه. فلا أعْدمني الله رضاك مُجازياً على ما استحقّه عَتبك وأتً ظالم فيه فهو وليُّ المخرج منه. وقالت أبو الدرداء: عتابُ الأخ خير من فَقْده وقال الشاعر: إذا ذَهب العتابُ فليس وُد وَيبقى الوُدُّ ما بَقِي العِتابُ وقال آخر في هذا المعنى: إذا كنت تَغضب من غير ذَنبٍ وتَعْتِبُ في كل يَوم عَليَّا طلبتُ رِضاك فإنْ عَزَني عَددتُك مَيْتاً وإنْ كنتَ حيّا فلا تَعجبنّ بما في يَديْك فأكثرُ منه الذي في يَديا وفصل في عتاب: العِتابُ قبل العِقاب فليكن إيقاعُك بعد وَعيدك ووعيدُك بعد وَعدك. وفصل: قَد حميتُ جانبَ الأمل فيك وقطعتُ أسباب الرجاء منك وقد أسلمني اليأسُ منك
فصول في التنصل
كتب ابن مكرم: لا وعظيم أملى فيك ما أتيت فيما بيني وبينك ذنْباً مُخطئاً ولا متعمَدًا ولعلّ فَلتة لم ألْقِ لها بالاً فأوطىء لها اعتذارًا وإن تكن فَنَفثُة حاسد زَخرفها على لسان واش َنبذها إليك في بعض غِرّاتك أصابت مني مَقْتلاً وشَفت منه غليلاً. وفصل: ليس يُزِيلني عن حُسن الظن بك فِعلٌ حَملك الأعداء عليه ولا يَقطعني عن رجائك عَتْبُ حَدث منك عليّ بل أرجو أن يَتقاضى كَرَمُك إنجاز وَعْدك إذ كان أبلغَ الشُفعاء إليك وأوجبَ الوَسائل لَديك. وفصل: أنت - أعزك الله - أعلم بالعَفو والعُقوبة من أن تُجازيني بالسُّوء على ذَنب لم أجنه بيد ولا لسان بك جَناه عليّ لسان واش. فأما قولُك إنك لا تُسَفَك سبيل العُذر فأنت أعلم بالكَرم وأرعى لحُقوقه وأعرف بالشّرَف وأحفظُ لذِماماته منِ أن تَرُدَّ يدَ مُؤمِّلك صِفْراً من عَفْوك إذا التمسه ومن عُذرك إذا جعل فضلكَ شافعاً فيه وذَريعة له. وفصل لإبراهيم بن العباس: الكريم أوسع ما تكون مَغفرته إذا ضاقت بالمُذنب معذرته. وفصل: يا أخي أشكو إلى الله وإليك تحامل الأيام عليّ وسُوء أثر الدهر عندي وأنّي مُعلَّق في حبائِل من لا يعرف موضعي ولا يَحلو عنده موقعي أطلبُ منه الخلاص فيزيدني كُلفاً وأرْتجي منه الحقّ فيزداد به ضَنًا فالثَّواءُ ثواء مقيم والنيّة نيّة ظاعن والزَماع زَماع مُرتحل. ما أذهب إلى ناحية من الحِيلة إلا وجدتُ من دونها مانعًا من العوائق فأحمل الذنبَ على الدهر وارجع إلى الله بالشَّكوى وأسأله جميلَ العُقبى وحُسن الصبر.
فصول في حسن التواصل
للمُفضل أن يَخُص بفضله مَن شاء وله الحمد فيما أعطى. ولا حًجة عليه فيما مَنع و كنْ كيف شئت فإني قد أوليتك خالصةَ سريرتي أرى ببقائك بقاءَ سرُوري وبدوام النِّعمة عندك دوامَها عندي. وفصل: قد أغنى الله بكرمك عن الذَّريعة إليك والاستعانة عليك لأنّ حُسن الظن فيك وتأميلَ نُجح الرَّغبة إليك فوق الشفعاء عندك. وفصل: قد أفردتُك برجَائي بعد الله وتعجّلت راحة اليأس ممن يجود بالوَعد ويَضن بالإنجاز ويُحسِّن الفضل ويَزهد في أن يتفضل ويَعيب الكَذب ولا يَصدق. وفصل: ضَعْني - أكرمك الله - من نَفسك حيثُ وضعتُ نفسي من رجائك وفصل: لا أزال - أبقاك الله - أسألً الكتابَ إليك. فمرّة أتوقف توقّف المُخفّف عنك من المؤونة ومَرِّة أكتب كتاب الراجع منك إلى الثقة والمُعتمد منك على المِقة. لا أعدمنا الله دوام عزك ولا سَلب الدنيا بهجتها بك ولا أخلانا من الصُّنع لك فإنا لا نعرف إلا نِعمتك ولا نجد للحياة طَعْماً إلا في ظِلك ولئن كانت الرغبة إلى نَفر من الناس خَساسة وذلاً لقد جعل الله الرَّغبة إليك كرامة وعزًّا لأنك لا تعرف حُرًّا قعد به دهرُه إلا سَبقْتَ مسألته بالعطيِّة وصُنت وجهه عن الطلب والذّلة. وفصل: لي عليك حقُّ التَأميل في الزيادة بما ابتدأتَ منِ المعروف ولك عليًّ حقُ الاصطناع والفضل والتَّنويه بالاسم والشكر وليس يمنعني عِلْمي بزيادة حقك على ما أبلغه من شُكرك من مُساءلتك المَزيد إذ كنت قد انتهيتُ إلى ما بلغه المجهود وخرجتُ من منزله الإضاعة والتًقصير وإذ كنتَ تسمح بالحق عليك وتَطيب نفسًا عن حقك وتُنكر اليَسير ولا تكفَف أحداً شُكرَك على الكثير. وفصل: لك - أصلحًكَ الله - عندي أيادٍ تَشفع لي إلى محبَتك ومَعروف يُوجب عليك الرًبَّ والإتمام. وفصل: أنا أسأل الله أن يُنجز لي ما لم تَزل الفِراسة تَعِدُنيه فيك. وفصل: قد أجلّ الله قَدْرك عن الاعتذار وأغناك في القول عن الاعتلال وأوجب علينا أن نَقنع بما فعلتَ ونرضى بما أتيت وصلتَ أو قطعت.
فصول في الشكر
كتب محمدُ بن عبد الملك الزيات كتاباً عن المُعتصم إلى عبد اللهّ بن طاهر الخراسانيّ فكان في فصل منه: لو لم يكن من فَضل الشُّكر إلا أنك لا تراه إلا بين نِعمة مقصورة عليك أو زيادة مُنتظرة لها الكَفَى. ثم قال لمحمد بن إبراهم بن زياد: كيف ترى قال: كأنهما قُرطان بينهما وَجْه حَسن. وفصل للحسن بن وهب: فَي شَكرك على درجة رفعتَه إليها أو ثَرْوة أفدتَه إياها فإنِّ شكري لك على مُهجة أحْييتَها وحُشاشة أبقيتَها ورَمَق أمسكتَ به وقُمتَ بين التَلف وبينه. فلكلّ نعمة من نِعم الدُّنيا حدٌ تنتهي إليه ومَدًى يُوقف عنده وغاية من الشُّكر يَسمو إليها الطَرف خلا هذه النَعمة التي قد فاقت الوَصْفَ وطالت الشُكر وتجاوزت كل قَدْر وأتت مِن وراء كل غاية ردتْ عنا كيدَ العدو وأرغمت أنف الحسود فنحن نلجأ منها إلى ظل ظليل وكَنف كريم. فكيف يشكر الشاكر وأين يبلغ جَهد المجتهد وقال إبراهيم بن المهديّ يشكر المأمون: رددتَ مالي ولم تَمنُن عليّ به وقَبل رَدٌك مالِي قد حَقَنْتَ دَمِي فلو بذلتُ دمِي أبْغي رِضاك به والمالَ حتى أسُل النَعل من قَدمي ما كان ذاك سِوَى عارية رَجعت إليك لو لم تعِرْها كنتَ لم تُلَم البِرُّ بي مِنك وَطي العُذر عندك لي فيما أتيتُ فلم تَعتب ولم تَلُم وقام عِلمًك بي يَحتَجُّ عندك لَي مقامَ شاهدِ عَدْلٍ غير مُتَّهم
فصول في البلاغة
كتب الحسن بن وهب إلى إبراهيم بن العبّاس: وَصَل كِتابُك فما رأيتُ كِتاباً أسهلَ فُنوناً ولا أملسَ مُتوناً ولا أكثر عيوناً ولا أحسن مقاطع ومطالعِ منه أنجزتَ فيه عِدَة الرأي وبشرى الفِراسة وعاد الظن يقيناً والأمل مَبْلوغاً والحمدُ لله الذي بنِعْمتِه تتمّ الصالحات. فصل: الكلامُ كثيرةٌ فُنونه قليلةٌ عُيونه فمنه ما يُفكِّه الأسماعَ ويؤْنس القُلوب ومنه ما يُحمِّل الآذانَ ثِقْلاً ويملأ الأذهان وحشة.
فصول في المدح
وكتب ابن مكرم إلى أحمد بن المُدبر: إن جميع أكفائك ونُظرائك يَتنازعونَ الفضل فإذا انتَهْوا إليك أقرُّوا لك ويَتنافسون في المنازل فإذا بلغوك وقفوا دونك فزادَك الله وزادنا بك وفيك وجَعلنا ممن يَقبله رأيُك وُيقدمُه اختيارك ويقَع من الأمور بموقع مُوافقتك ويجري فيها على سبيل طاعتك. وفصل له: إنّ من النَعمة على المثنى عليك أنه لا يخاف الإفراط ولا يأمن التقصير ويأمن أنْ تَلحقه نَقيصةُ الكذب ولا يَنتهي به المدحُ إلى غاية إلا وجد فضلَك تجاوزها. ومن سعادة جدِّك أن الدّاعي لا يعدم كثرة المشايعين له والمُؤمّنين منه وفصل: أَن مما يُطمعني في بقاء النعمة عندك ويَزيدني بصيرة في العلم بدوامها لديك أنك أخذتَها بحقّها واستوجبتها بما فيك من أسبابها ومن شْأن الأجناس أنْ تتألف وشأن الأشكال أنْ تتقارب وكل شيء يَتقلقل إلى مَعدنه ويَحن إلى عُنصره فإذا صادف منيتَه ونزل في مَغْرسه ضَرب بعِرْقه وسفق بفَرْعه وتمكن تمكن الإقامة وتبنك تبنك الطبيعة. وفصل: إني فيما أتعاطى من مَدْحك كالمُخبر عن ضوء النهار الزاهر والقمر الباهر الذي لا يَخفى على كل ناظر. وأيقنتُ أني حيث انتهى بي القولُ مَنْسوب إلى العَجْز مقصر عن الغاية فانصرفتُ من الثناء عليك إلى الدعاء لك ووكَلْتُ الإخبار عنك إلى علم الناس بك. وفصل: لمحمد بن الجَهْم: إنك لزِمتَ من الوفاء طريقةً محمودة وعرفتَ مناقبها وشُهرت بمحاسنها فتنافس الإخوان فيك يَبتدرون وُدَّك ويَتمسّكون بحَبلك فمن أَثبت الله له عندك وُدًّا فقد وُضعت خُلّته موضعَ حِرْزها. وفصل لابن مكرم: السيفُ العَتيق إذا أصابه الصّدا استغنى بالقليل من الجلاء حتى تعود جدّته ويظهر فِرنده لِلِين طبيعته وكَرَم جَوْهره ولم أَصِف نفسي لك عُجباً بل شُكراً. وفصل له: زاد مَعْرُوفك عِندي عِظَماً أنه عِندك مَسْتورٌ حَقِير وعِند الناس مَشهور كبير. أخذه الشاعر فقال: زاد مَعْرُوفَك عِندي عِظَماً أنّه عِندك مَستور حَقِير تَتَناساه كأنْ لم تَأْتِه وهو عند النَّاس مَشهور كَبير وفصل العتَّابي: أنت أيها الأمير وارثُ سَلفك وبقيًة أَعلام أهل بَيْتك المَسدود به ثَلْمهم المُجدَّد به قديم شرفهم والمُحْيَا به أيام سَعْيهم. وإنه لم يَخْمل من كنتَ وارثه ولا دَرست آثار من كنت سالكَ سبيله ولا انمحت أعلام مَن خَلَفْتَه في رُتبته.
فصول في الذم
كتب أحمد بن يوسف: أما بعد فإني لا أعرف للمعروف طريقاً أوعرَ من طريقه إليك فالمَعروف لديك ضائع والشُّكر عندك مَهْجور وإنما غايتُك في المعروف أن تَحْقِره وفي وليّه أن تَكْفره. وكتب أبو العتاهية إلى الفَضْل بن مَعْن بنِ زائدة: أما بعد فإنّي توسّلت في طلب نائلك بأسباب الأمل وذرائع الحَمد فِراراً من الفَقر ورجاءَ للغنَى فازددتُ بهما بُعْداً مما فيه تقرّبت وقُرِبا مما فيه تبعَّدت. وقد قَسمتً اللائمة بيني وبينك لأني أخطأتُ في سُؤالك وأخطأت في مَنْعي أمرتُ باليأس من أهل البخل فسألتُهم ونُهيتَ عن مَنع أهل الرغبة فمنعتَهم. وفي ذلك أقول: فررتُ من الفَقر الذي هو مُدْركي إلى بُخل مَحْظور النَوال مَنُوع فأعقبني الحِرْمانَ غِبًّ مَطامعي كذلك مَن تَلْقاه غير قنوع وغيرُ بديعِ مَنْع ذي البُخل مالَه كما بَذْلُ أهل الفَضل غيرُ بديع إذا أنت كَشفت الرجالَ وجدتَهم لأعْراضهم منِ حافظٍ ومُضيع وفصل لإبراهيم بن المهدي: أما بعد فإنك لو عرفت فضل الحَسنِ لتجنبت شَيْن القبيح ورأيتك آثَرُ القول عندك ما يضرُّك فكنتُ فيما كان منك ومنَا كما قال زهير بن أبي سُلْمى: عبأتَ له حِلْماً وأكرمتَ غيرَه وأعرضتَ عنه وهو بادٍ مَقاتلُه فصل إنَ مودة الأشرار متصلةٌ بالذلّة والصَّغار تَميل معهما وتَتصرّف في آثارهما. وقد كنتُ أحل مودتك بالمحل النَفيس وأنزلها بالمَنزل الرفيع حتى رأيتُ ذلتك عند الضِّعة وضرَعك عند الحاجة وتغيّرك عند الاستغناء واطراحك لإخوان الصّفاء فكان ذلك أقوى أسباب عُذْري في قطِيعتك عند مَن يتصفّح أمري وأمرك بعين عَدْل لا يَميل إلى هوى ولا يَرى القَبيح حَسنا. فصل للعتَّابي: تأتيِّنا إفاقتك من سَكْرتك وترقًبنا انتباهك من وَقْدتك وصَبْرنا على تجرّع الغيظ فيك. فها أنا قد عرفتُك حق معرفتك في تَعدَيك لطَوْرك وأطراحك حقّ من غَلِط في اختيارك.