الروضة الندية شرح الدرر البهية/كتاب الصيام/فصل ويبطل الصوم بالاكل والشرب عمدا لا مع النسيان

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة



فصل ويبطل الصوم بالاكل والشرب عمدا لا مع النسيان


يبطل بالأكل والشرب عمداً لا خلاف في ذلك ، وأما مع النسيان فلا ، لما في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة فقال : قال رسول الله () من نسي وهو صائم ، فأكل وشرب فليتم صومه ، فإنما الله أطعمه وسقاه وفي لفظ للدارقطني بإسناد صحيح فإنما هو رزق ساقه الله إليه ولا قضاء عليه وفي لفظ آخر للدارقطني وابن خزيمة وابن حبان والحاكم من أفطر يوماً من رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة وإسناده صحيح أيضاً قاله الحافظ ابن حجر . وأخرج الدارقطني من حديث أبي سعيد مرفوعاً من أكل في شهر رمضان ناسياً فلا قضاء عليه قال ابن حجر : وإسناده وأن كان ضعيفاً ، ولكنه صالح للمتابعة ، فأقل درجات هذا الحديث بهذه الزيادة أن يكون حسناً ، فيصلح للاحتجاج به انتهى . وقد ذهب إلى العمل بهذا الجمهور ، وهو الحق ، ومن قابل هذه السنة بالرأي الفاسد ، فرأيه رد عليه مضروب في وجهه .

و هكذا الجماع لا خلاف في أنه يبطل الصيام إذا وقع من عامد ، وأما إذا وقع مع النسيان فبعض أهل العلم ألحقه بمن آكل أو شرب ناسياً ، وتمسك بقوله في الرواية الأخرى من أفطر يوماً من رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة وبعضهم منع من الإلحاق .

أقول : إفساد الصوم بالوطء لا يعرف في مثل هذا خلاف ، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن المجامع في رمضان قال النبي ()  : هلكت يارسول الله قال : وما أهلكك ؟ قال : وقعت على امرأتي في رمضان فأمره بكفارة وفي رواية لأبي داود وابن ماجه أنه () قال له : وصم يوماً مكانه وهذذ الزيادة مروية من أربع طرق ويقوى بعضها بعضاً . ويدل على تحريم الوطء للصائم واجباً مفهوم قوله سبحانه : أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم .

والقيء عمداً لحديث أبي هريرة أن النبي () قال : من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ، ومن إستقاء عمداً فليقض أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والدارقطني والحاكم وصححه . وقد حكى ابن المنذر الإجماع على أن تعمد القيء يفسد الصيام وفيه نظر ، فإن ابن مسعود وعكرمة وربيعة قالوا : إنه لا يفسد الصوم سواء كان غالباً أو مستخرجاً ما لم يرجع منه شئ بإختياره . واستدلوا بحديث ثلاث لا يفطرن القيء والحجامة والاحتلام أخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد ، وفي إسناده عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف ، وعلى فرض صلاحيته للإستدلال فلا يعارض حديث أبي هريرة ، لأن هذا مطلق وذاك مقيد بالعمد .

أقول : حديث أبي هريرة المتقدم هو في عدة من كتب الحديث ، وله طرق مختلفة ينتهض معها للإستدلال ، وفيه الفرق بين المتعمد للقيء وغير المتعمد ، ولا يعارض هذا حديث أبي سعيد المتقدم ، لأنه عام مخصص الحديث الفرق بين المتعمد وغير المتعمد ، فيكون معناه أن القيء إذا وقع من غير إختيار الصائم بل ذرعه كان غير مفطر ، وهذا الجمع لا بد منه ويؤيده حديث أنه () قاء فأفطر فإن بعض الحفاظ فسره بأنه إستقاء ، والمراد بالإستقاء تعمد القيء كما صرح به أهل العلم .

وتحرم الوصال لنهيهه () عن ذلك كما في حديث أبي هريرة ، ابن عمر وعائشة وهو في الصحيحين وغيرهما وفي الباب أحاديث .

وعلى من أفطر عمداً كفارة ككفارة الظهار لحديث المجامع في رمضان ، فإن النبي () قال له : هل تجد ما تعتق رقبة ؟ قال : لا . قال : فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ قال : لا . قال : فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً ؟ قال : لا ثم أتى النبي () بعرق فيه تمر فقال : تصدق بهذا قال : فهل علي أفقر منا فما بين لابتيها أهل بيت أحوج منا ، فضحك النبي () حتى بدت نواجذه وقال : أذهب فأطعمه أهلك وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة وعائشة وقد قيل أن الكفارة لا تجب على من أفطر عامداً بأي سبب بل بالجماع فقط ، ولكن الرجل إنما جامع امرأته فليس في الجماع في نهاية رمضان إلا ما في الأكل والشرب ، لكون الجميع حلالاً لم يحرم إلا لعارض الصوم وقد وقع في رواية من هذا الحديث أن رجلاً أفطر ولم يذكر الجماع .

أقول : إذا ورد ما يدل على وجوب مثل كفارة الظهار ، وورد ما يدل على أنه يجزيء أقل منها ، كان ورود الأقل رخصة لمن لا يجد مثل كفارة الظهار ، وهذا ظاهر لا لبس فيه .

ويندب تعجيل الفطر وتأخير السحور لحديث سهل بن سعد أن النبي () قال : لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وهو في الصحيحين وغيرهما وعن أبي ذر أن النبي () قال : لا تزال أمتي بخير ما أخروا السحور وعجلوا الفطر أخرجه أحمد وفي إسناده سليمان بن عثمان قال أبو حاتم : مجهول . وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث زيد بن ثابت أنه كان بين تسحره () ودخوله في الصلاة قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية . وفي الباب أحاديث كثيرة

الروضة الندية شرح الدرر البهية - كتاب الصيام
فرضية صيام رمضان | فصل ويبطل الصوم بالأكل والشرب عمدا لا مع النسيان | فصل وجوب القضاء على من أفطر لعذر شرعي | باب صوم التطوع | باب الاعتكاف