الروضة الندية شرح الدرر البهية/كتاب الزكاة/باب صدقة الفطر
هي صاع من القوت المعتاد عن كل فرد لحديث ابن عمر في الصحيحين وغيرهما قال : فرض رسول الله (ﷺ) زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين والأحاديث في هذا الباب كثيرة . وفي صحيح مسلم وغيره ليس على المسلم في عبده صدقة إلا صدقة الفطر وأخرج الدارقطني والبيهقي من حديث ابن عمر قال : أمر رسول الله (ﷺ) بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد عمن تمونون وأخرج نحوه الدارقطني من حديث علي وفي إسناده ضعف وله طرق . والخطابات في إخراجها على من ليس بمكلف إنما هي كائنة مع المكلفين . وقد ذهب الجمهور إلى أنها صاع من البر وغيره . وذهب بعض الصحابة إلى أن الفطرة من البر نصف صاع وقد حكاه ابن المنذر عن علي وعثمان وأبي هريرة وجابر وابن عباس وابن الزبير وأمه أسماء بنت أبي بكر بأسانيد صحيحة كما قال الحافظ ، وإليه ذهب أبو حنيفة . وقد تمسكوا بحديث ابن عباس مرفوعاً صدقة الفطر مدان من قمح أخرجه الحاكم . وأخرج نحوه الترمذي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً . وفي الباب أحاديث تعضد ذلك ، ولكن ليس هذا بإجماع من الصحابة حتى يكون حجة . وقد أخرج ابن خزيمة والحاكم في صحيحيهما أن أبا سعيد قال لما ذكروا عنده صدقة رمضان : لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد رسول الله (ﷺ) صاع تمر أو صاع حنطة أو صاع شعير أو صاع أقط ولكن هذا مع كونه غير مصرح بإطلاع رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم على ذلك ولا تقريره ، قد قال ابن خزيمة : ذكر الحنطة في خبر أبي سعيد غير محفوظ ولا أدري ممن الوهم ، وكذلك قال أبو دواد . وقد روى الحاكم من حديث ابن عباس والترمذي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً أيضاً أن النبي (ﷺ) أمر صارخا بمكة ينادي : أن صدقة الفطر حق واجب على كل مسلم صغير أو كبير ، ذكر أو أنثى ، حر أو مملوك ، حاضر أو باد مدان من قمح ، أو صاع من شعير أو تمر وأخرج نحوه الدارقطني من حديث عصمة بن مالك بلفظ مدان من قمح وفي إسناده الفضل بن المختار وهو ضعيف . ويؤيده ما عند أبي داود والنسائي عن الحسن مرسلاً بلفظ فرض رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم هذه الصدقة صاعاً من تمر أو من شعير أو نصف صاع من قمح وأخرج أيضاً أبو داود من حديث عبدالله بن ثعلبة بن عبد الله بن أبي صغير بلفظ قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : صدقة الفطر صاع من بر أو قمح عن كل اثنين وأخرج سفيان الثوري في جامعه عن علي موقوفاً بلفظ نصف صاع بر وهذه الروايات متعاضدة صالحة لتخصيص لفظ الطعام على فرض شموله للبر ، كما قال بذلك بعض أهل العلم . قال في المسوى : في الحديث صدقة الفطر فريضة وعليه الشافعي . وقال أبو حنيفة : واجبة . وفيه أنه لا يشترط لها النصاب بل هي فريضة على الغني والفقير وعليه الشافعي . وقال أبو حنيفة : لا تجب إلا على من يملك نصاباً وإن لم يكن نامياً . وفيه أنها تجب على الصغير والمجنون ومن لم يطق الصوم وعليه أكثر أهل العلم . وفيه أنها تجب عن الرقيق مطلقاً سواء كانوا للتجارة أو للخدمة وعليه الشافعي . وقال أبو حنيفة : لا تجب عن رقيق التجارة . وفيه أنها لا تجب عن العبد الكافر وعليه الشافعي . وقال أبو حنيفة تجب عنه . وفيه أنه لا يجوز إخراج الدقيق والسويق ولا الخبز ولا القيمة وعليه الشافعي . وقال أبو حنيفة : يجوز كل ذلك . وفيه أنه لا يجوز أقل من صاع من أي جنس أخرج وعليه الشافعي . وقال أبو حنيفة : يجوز من البر نصف صاع . وفيه أن الواجب مقدر بصاع النبي (ﷺ) وهو خمسة أرطال وثلث بالرطل العراقي ، وقدرها بالقدح المصري قدحان . وقال أبو حنيفة : بصاع الحجاز وهو ثمانية أرطال . وقال الشافعي : تجب فطرة المرأة على زوجها . وقال حنيفة : لا تجب عليه .
والوجوب علي سيد العبد ومنفق الصغير ونحوه ، ويكون إخراجها قبل صلاة العيد لحديث ابن عمر في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أمر بزكاة الفطر أن تؤدي قبل خروج الناس إلى الصلاة فيه دليل على وجوب الإخراج في ذلك الوقت . وأخرج أبو داود وابن ماجه والدارقطني والحاكم وصححه عن ابن عباس مرفوعاً بلفظ فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات وهذا يدل على أنها لا تجزئ بعد الصلاة ، لأنها حينئذ صدقة كسائر الصدقات التي يتصدق بها الإنسان ، وليست بزكاة الفطر . قال في المسوى : السنة عند أهل العلم أن يخرج صدقة الفطر يوم العيد قبل الخروج إلى الصلاة ، ولو عجلها بعد دخول رمضان يجوز ، ولا يجوز تأخيرها عن يوم الفطر عند بعضهم . وقال أحمد : أرجو أن لا يكون به بأس . وفي سفر السعادة وظاهر هذه الأحاديث أنها بعد الصلاة لا تجزئ أهـ .
ومن لا يجد زيادة على قوت يومه وليلته فلا فطرة عليه لأنه إذا أخرج قوت يومه أو بعضه كان مصرفاً لا صارفاً لقوله (ﷺ) : أغنوهم في هذا اليوم أخرجه البيهقي والدارقطني من حديث ابن عمر ، فإذا ملك زيادة على قوت يومه أخرج الفطرة إن بلغ الزائد قدرها ، ويؤيده تحريم السؤال على من ملك ما يغديه ويعشيه كما أخرجه أحمد وأبو داود من حديث سهل بن الحنظلية مرفوعاً ، لأن النصوص أطلقت ولم تخص غنياً ولا فقيراً . وقد أخرج أحمد وأبو داود عن عبدالله بن ثعلبة قال : قال رسول الله (ﷺ) صدقة الفطر صاع تمر أو صاع شعير عن كل رأس ، أو صاع بر أو قمح بين اثنين صغير أو كبير ، حر أو عبد ، ذكر أو أنثى ، غني أو فقير ، أما غنيكم فيزكيه الله ، وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطى وقد وقع الخلاف في تقدير ما يعتبر في وجوب زكاة الفطرة فقيل : ملك النصاب وقيل : قوت عشر .
أقول : التقدير بقوت عشرة أيام محض رأي ليس عليه أثارة من علم ، وليس هو أيضاً على أسلوب مناسب باعتبار محض الرأي ، فإن الرأي إذا لم يكن له علة معقولة سائغة في العقل ، مقبولة في الطبع ، فهو مردود عند أهل الرأي . وقد ورد ما يدل على أن الفقير كالغني في الفطرة ، ففي حديث ابن أبي صعير عند أبي داود بلفظ غني أو فقير ويؤيده حديث ابن ثعلبة المتقدم ، لأن المراد أن الله يرد عليه من العوض خيراً مما أخرج . وقال مالك والشافعي وعطاء وأحمد بن حنبل وإسحـق : أنه يعتبر أن يكون مخرج الفطرة مالكاً لقوت يومه وليلته . والظاهر : أن من وجد ما يكفيه ومن يعول ليوم الفطر ، ووجد صاعاً زائداً على ذلك أخرجه . لحديث أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم أخرجه البيهقي والدارقطني عن ابن عمر مرفوعاً ، وأخرجه ابن سعد أيضاً في الطبقات من حديث عائشة وأبي سعيد ، فظاهر قوله إغنوهم أنهم يصيرون أغنياء إذا نالوا ما يكفيهم في يومهم . والمراد أنهم أغنياء عن الطواف ، وأن الغني في الفطرة من استغنى عن الطواف في يومه ، والفقير من افتقر إلى الطواف في يومه ، فيكون الوجوب متحتماً على من وجد ما يغنيه في يومه مع زيادة قدر ما يجب عليه من الفطرة ، ويكون مصرفها من لم يجد ذلك ، لا كما قالوا أن مصرفها مصرف الزكاة .
ومصرفها مصرف الزكاة لكونه (ﷺ) قد سماها زكاة لقوله : فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة وقول ابن عمر : أن رسول الله (ﷺ) أمر بزكاة الفطرة وقد تقدما . ولكنه ينبغي تقديم الفقير للأمر بإغنائهم في ذلك اليوم ، فما زاد صرف فى سائر الأصناف . وقال في سفر السعادة : وكان يخص المساكين بهذه الصدقة ولا يقسمها على الأصناف الثمانية ولم يرد بذلك أمر أيضاً ، وبه قال بعض العلماء ، ويجوز الصرف للأصناف الثمانية بل خص بها المساكين إنتهى .