الجامع لأحكام القرآن/سورة الفاتحة/الباب الثالث في التأمين
وفيه ثمان مسائل
الأولى- ويسن لقارئ القرآن أن يقول بعد الفراغ من الفاتحة بعد سكتة على نون {وَلا الضَّالِّينَ} : آمين ليتميز ما هو قرآن مما ليس بقرآن .
الثانية- ثبت في الأمهات من حديث أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال : "إذا أمن الإمام فأمنوا ، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه" . قال علماؤنا رحمة الله عليهم : فترتبت المغفرة للذنب على مقدمات أربع تضمنها هذا الحديث : الأولى : تأمين الإمام ، الثانية : تأمين من خلفه ، الثالثة : تأمين الملائكة ، الرابعة : موافقة التأمين ، قيل في الإجابة وقيل في الزمن وقيل في الصفة من إخلاص الدعاء لقوله عليه السلام : "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه" .
الثالثة- روى أبو داود عن أبي مصّبِّح المَقراني قال : كنا نجلس إلى أبي زهير النميري وكان من الصحابة ، فيحدث أحسن الحديث فإذا دعا الرجل منا بدعاء قال : اختمه بآمين . فإن آمين مثل الطابع على الصحيفة . قال أبو زهير ألا أخبركم عن ذلك ، خرجنا مع رسول الله ﷺ ذات ليلة ، فأتينا على رجل قد ألح في المسألة فوقف النبي ﷺ يسمع منه فقال النبي ﷺ : "أوجب إن ختم" فقال له رجل من القوم : بأي شيء يختم ؟ قال : "بآمين فإنه ختم بآمين فقد أوجب" فانصرف الرجل الذي سأل النبي فأتى الرجل فقال له : اختم يا فلان وأبشر . قال ابن عبد البر : أبو زهير النميري اسمه يحيى بن نفير روى عن النبي ﷺ "لا تقتلوا الجراد فإنه جند الله الأعظم" . وقال وهب بن منبه : آمين أربعة أحرف يخلق الله من كل حرف ملكا يقول : اللهم اغفر لكل من قال آمين "في النسخة : آمني" وفي الخبر "لقنني جبريل آمين عند فراغي من فاتحة الكتاب ، وقال إنه كالخاتم على الكتاب" وفي حديث آخر : "آمين خاتم رب العالمين" . قال الهروي قال أبو بكر : معناه أنه طابع الله على عباده ، لأنه يدفع به عنهم الآفات والبلايا ، فكان كخاتم الكتاب الذي يصونه ويمنع من إفساده وإظهار ما فيه . وفي حديث آخر "آمين درجة في الجنة" . قال أبو بكر : معناه أنه حرف يكتسب به قائله درجة في الجنة .
االرابعة- معنى آمين عند أكثر أهل العلم : اللهم استجب لنا ، وُضِع موضع الدعاء . وقال قوم : هو اسم من أسماء الله ، روي عن جعفر بن محمد ومجاهد وهلال بن يساف ، ورواه ابن عباس عن النبي ﷺ ولم يصح ، قاله ابن العربي . وقيل معنى آمين : كذلك فليكن ، قاله الجوهري . وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : سألت رسول الله ﷺ ما معنى آمين ؟ قال : "رب افعل" . وقال مقاتل : هو قوة للدعاء واستنزال للبركة . وقال الترمذي : معناه لا تخيب رجاءنا .
الخامسة- وفي آمين لغتان : المد على وزن فاعيل كياسين . والقصر على وزن يمين . قال الشاعر في المد :
يا رب لا تسلبني حبها أبدا . . . ويرحم الله عبد ا قال آمينا
وقال آخر :
آمين آمين لا أرضى بواحدة . . . حتى أبلغها ألفين آمينا
وقال آخر في القصر :
تباعد مني فطحل إذ سألته . . . أمين فزاد الله ما بيننا بعدا
وتشديد الميم خطأ ، قاله الجوهري . وقد روي عن الحسن وجعفر الصادق التشديد ، وهو قول الحسين بن الفضل ، من أمّ إذا قصد ، أي نحن قاصدون نحوك ومنه قوله : {وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} 1 . حكاه أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الكريم القشيري . قال الجوهري : وهو مبني على الفتح مثل أين وكيف لاجتماع الساكنين . وتقول منه : أمن فلان تأمينا .
السادسة- اختلف العلماء هل يقولها الإمام وهل يجهر بها ، فذهب الشافعي ومالك في رواية المدنيين إلى ذلك . وقال الكوفيون وبعض المدنيين : لا يجهر بها . وهو قول الطبري وبه قال ابن حبيب من علمائنا . وقال ابن بكير : هو مخير . وروى ابن القاسم عن مالك أن الإمام لا يقول آمين وإنما يقول ذلك من خلفه ، وهو قول ابن القاسم والمصريين من أصحاب مالك . وحجتهم حديث أبي موسى الأشعري أن رسول الله ﷺ خطبنا فبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا فقال : " إذا صليتم فأقيموا صفوفكم ثم ليؤمكم أحدكم فإذا كبر فكبروا وإذا قال غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين يجبكم الله" وذكر الحديث ، أخرجه مسلم . ومثله حديث سُمَيّ عن أبي هريرة وأخرجه مالك . والصحيح الأول لحديث وائل بن حجر قال : كان رسول الله ﷺ إذا قرأ {وَلا الضَّالِّينَ} قال : "آمين" يرفع بها صوته ، أخرجه أبو داود والدارقطني وزاد "قال أبو بكر : هذه سنة تفرد بها أهل الكوفة هذا صحيح والذي بعده" . وترجم البخاري "باب جهر الإمام بالتأمين" .
وقال عطاء : "آمين" دعاء ، أمن ابن الزبير ومن وراءه حتى إن للمسجد للجّة . قال الترمذي : وبه يقول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي ﷺ ومن بعدهم ، يرون أن يرفع الرجل صوته بالتأمين ولا يخفيها . وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق . وفي الموطأ والصحيحين قال ابن شهاب : وكان رسول الله ﷺ يقول "آمين" . وفي سنن ابن ماجه عن أبي هريرة قال : ترك الناس آمين وكان رسول الله ﷺ إذا قال : {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} قال : "آمين" حتى يسمعها أهل الصف الأول فيرتج بها المسجد . وأما حديث أبي موسى وسمي فمعناهما التعريف بالموضع الذي يقال فيه آمين ، وهو إذا قال الإمام : "ولا الضالين" ليكون قولهما معا ولا يتقدموه بقول : آمين ، لما ذكرناه والله أعلم . ولقوله عليه السلام : "إذا أمن الإمام فأمنوا" . وقال ابن نافع في كتاب ابن الحارث : لا يقولها المأموم إلا أن يسمع الإمام يقول : "ولا الضالين" . وإذا كان ببعد لا يسمعه فلا يقل . وقال ابن عبد وس : يتحرى قدر القراءة ويقول : آمين .
السابعة- قال أصحاب أبي حنيفة : الإخفاء بآمين أولى من الجهر بها لأنه دعاء وقد قال الله تعالى : {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} 2 . قالوا : والدليل عليه ما روي في تأويل قوله تعالى : {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} 3 . قال : كان موسى يدعو وهارون يؤمن فسماهما الله داعيين .
الجواب : أن إخفاء الدعاء إنما كان أفضل لما يدخله من الرياء . وأما ما يتعلق بصلاة الجماعة فشهودها إشهار شعار ظاهر وإظهار حق يندب العباد إلى إظهاره ، وقد ندب الإمام إلى إشهار قراءة الفاتحة المشتملة على الدعاء والتأمين في آخرها فإذا كان الدعاء مما يسن الجهر فيه فالتأمين على الدعاء تابع له وجار مجراه وهذا بيّن .
الثامنة- كلمة آمين لم تكن قبلنا إلا لموسى وهارون عليهما السلام . ذكر الترمذي الحكيم في "نوادر الأصول" : حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد قال حدثنا أبي قال حدثنا رزين مؤذن مسجد هشام بن حسان قال حدثنا أنس بن مالك قال قال رسول الله ﷺ : "إن الله أعطى أمتي ثلاثا لم تعط أحدا قبلهم السلام وهو تحية أهل الجنة وصفوف الملائكة وآمين إلا ما كان من موسى وهارون " قال أبو عبد الله : معناه أن موسى دعا على فرعون وأمن هارون فقال الله تبارك اسمه عندما ذكر دعاء موسى في تنزيله : {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} 4 ولم يذكر مقالة هارون ، وقال موسى : ربنا ، فكان من هارون التأمين ، فسماه داعيا في تنزيله ، إذ صير ذلك منه دعوة . وقد قيل : إن آمين خاص لهذه الأمة لما روي عن النبي ﷺ أنه قال : "ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين" أخرجه ابن ماجة من حديث حماد بن سلمة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن عائشة أن النبي ﷺ قال . . . ، الحديث . وأخرج أيضا من حديث ابن عباس عن النبي ﷺ قال : " ما حسدتكم اليهود على شي ما حسدتكم على آمين فأكثروا من قول آمين" . قال علماؤنا رحمة الله عليهم : إنما حسدنا أهل الكتاب لأن أولها حمد لله وثناء عليه ثم خضوع له واستكانة ، ثم دعاء لنا بالهداية إلى الصراط المستقيم ثم الدعاء عليهم مع قولنا آمين .
هامش