البداية والنهاية/الجزء الأول/ذكر مولد إسماعيل عليه السلام من هاجر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
ملاحظات: ذكر مولد إسماعيل عليه السلام من هاجر


قال أهل الكتاب: إن إبراهيم عليه السلام سأل الله ذرية طيبة، وأن الله بشره بذلك، وأنه لما كان لإبراهيم ببلاد بيت المقدس عشرون سنة، قالت سارة لإبراهيم عليه السلام: إن الرب قد أحرمني الولد، فادخل على أمتي هذه، لعل الله يرزقني منها ولدًا، فلما وهبتها له دخل بها إبراهيم عليه السلام، فحين دخل بها حملت منه.

قالوا: فلما حملت ارتفعت نفسها، وتعاظمت على سيدتها، فغارت منها سارة، فشكت ذلك إلى إبراهيم فقال لها: افعلي بها ما شئت، فخافت هاجر فهربت، فنزلت عند عين هناك، فقال لها ملك من الملائكة: لا تخافي فإن الله جاعل من هذا الغلام الذي حملت خيرًا.

وأمرها بالرجوع، وبشَّرها أنها ستلد ابنًا وتسميه إسماعيل، ويكون وحش الناس يده على الكل، ويد الكل به، ويملك جميع بلاد إخوته، فشكرت الله عز وجل على ذلك.

وهذه البشارة إنما انطبقت على ولده محمد صلوات الله وسلامه عليه، فإنه الذي سادت به العرب، وملكت جميع البلاد غربًا وشرقًا، وأتاها الله من العلم النافع، والعمل الصالح، ما لم تؤتَ أمة من الأمم قبلهم، وما ذاك إلا بشرف رسولها على سائر الرسل، وبركة رسالته، ويمن بشارته، وكماله فيما جاء به، وعموم بعثته لجميع أهل الأرض.

ولما رجعت هاجر وضعت إسماعيل عليه السلام، قالوا: وولدته ولإبراهيم من العمر ست وثمانون سنة، قبل مولد إسحاق بثلاث عشرة سنة.

ولما ولد إسماعيل أوحى الله إلى إبراهيم يبشره بإسحاق من سارة، فخر لله ساجدًا، وقال له: قد استجبت لك في إسماعيل، وباركت عليه، وكثَّرته، ونميته جدًا كثيرًا، ويولد له اثنا عشر عظيمًا، وأجعله رئيسًا لشعب عظيم.

وهذه أيضًا بشارة بهذه الأمة العظيمة، وهؤلاء الاثنا عشر عظيمًا، هم الخلفاء الراشدون الاثنا عشر المبشر بهم في حديث عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة، عن النبي قال:

« يكون اثنا عشر أميرًا ».

ثم قال كلمة لم أفهمها، فسألت أبي ما قال، قال: كلهم من قريش. أخرجاه في (الصحيحين).

وفي رواية: لا يزال هذا الأمر قائمًا. وفي رواية: عزيزًا حتى يكون اثنا عشر خليفة كلهم من قريش. فهؤلاء:

منهم: الأئمة الأربعة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي.

ومنهم: عمر بن عبد العزيز أيضًا.

ومنهم: بعض بني العباس.

وليس المراد أنهم يكونون اثني عشر نسقًا، بل لا بد من وجودهم، وليس المراد الأئمة الاثني عشر الذي يعتقد فيهم الرافضة، الذين أولهم علي بن أبي طالب، وآخرهم المنتظر بسرداب سامرا وهو محمد بن الحسن العسكري فيما يزعمون، فإن أولئك لم يكن فيهم أنفع من علي وابنه الحسن بن علي، حين ترك القتال وسلَّم الأمر لمعاوية، وأخمد نار الفتنة، وسكَّن رحى الحروب بين المسلمين.

والباقون من جملة الرعايا، لم يكن لهم حكم على الأمة في أمر من الأمور، وأما ما يعتقدونه بسرداب سامرا فذاك هوس في الرؤوس، وهذيان في النفوس، لا حقيقة له، ولا عين، ولا أثر.

والمقصود أن هاجر عليها السلام لما ولد لها إسماعيل، اشتدت غيرة سارة منها، وطلبت من الخليل أن يغيب وجهها عنها، فذهب بها وبولدها، فسار بهما حتى وضعهما حيث مكة اليوم.

ويقال إن ولدها كان إذ ذاك رضيعًا، فلما تركهما هناك، وولى ظهره عنهما، قامت إليه هاجر وتعلقت بثيابه، وقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتدعنا ههنا، وليس معنا ما يكفينا، فلم يجبها، فلما ألحت عليه وهو لا يجيبها قالت له: الله أمرك بهذا؟

قال: نعم.

قالت: فإذًا لا يضيعنا.

وقد ذكر الشيخ أبو محمد بن أبي زيد رحمه الله في كتاب (النوادر) أن سارة تغضبت على هاجر، فحلفت لتقطعن ثلاثة أعضاء منها، فأمرها الخليل أن تثقب أذنيها، وأن تخفضها، فتبر قسمها.

قال السهيلي: فكانت أول من اختتن من النساء، وأول من ثقبت أذنها منهن، وأول من طولت ذيلها.

البداية والنهاية - الجزء الأول
مقدمة | فصل:ما سوى الله مخلوق | فصل: فيما ورد في صفة خلق العرش والكرسي | الكرسي | اللوح المحفوظ | ما ورد في خلق السموات والأرض وما بينهما | ما جاء في سبع أرضين | فصل في البحار والأنهار | فصل:ذكر ما خلق في الأرض من الجبال،والأشجار والثمار والسهول | ذكر ما يتعلق بخلق السموات وما فيهن من الآيات | المجرة وقوس قزح | باب ذكر خلق الملائكة وصفاتهم | فصل: الملائكة عليهم السلام بالنسبة إلى ما هيأهم الله له أقسام | فصل:اختلاف الناس في تفضيل الملائكة على البشر | باب خلق الجان وقصة الشيطان | باب خلق آدم عليه السلام | احتجاج آدم وموسى عليهما السلام | الأحاديث الواردة في خلق آدم | قصة قابيل وهابيل | وفاة آدم ووصيته إلى ابنه شيث | إدريس عليه السلام | قصة نوح عليه السلام | ذكر شيء من أخبار نوح عليه السلام | صومه عليه السلام | حجه عليه السلام | وصيته لولده | قصة هود عليه السلام | قصة صالح نبي ثمود عليه السلام | مرور النبي بوادي الحجر من أرض ثمود عام تبوك | قصة إبراهيم خليل الرحمن | ذكر مناظرة إبراهيم الخليل مع من ادعى الربوبية | هجرة الخليل إلى بلاد الشام | ذكر مولد إسماعيل عليه السلام من هاجر | ذكر مهاجرة إبراهيم بابنه إسماعيل وأمه هاجر | قصة الذبيح | مولد اسحاق | بناء البيت العتيق | ذكر ثناء الله ورسوله الكريم على عبده وخليله إبراهيم | قصره في الجنة | صفة إبراهيم عليه السلام | وفاة إبراهيم وما قيل في عمره | ذكر أولاد إبراهيم الخليل | قصة مدين قوم شعيب عليه السلام | باب ذرية إبراهيم | إسماعيل عليه السلام | إسحاق بن إبراهيم عليهما الصلاة والتسليم | ما وقع من الأمور العجيبة في حياة إسرائيل | قصة نبي الله أيوب | قصة ذي الكفل الذي زعم قوم أنه ابن أيوب | باب ذكر أمم أهلكوا بعامة | أصحاب الرس | قصة قوم يس وهم أصحاب القرية | قصة يونس | فضل يونس | قصة موسى الكليم | فصل | هلاك فرعون وجنوده | فصل فيما كان من أمر بني إسرائيل بعد هلاك فرعون | فصل في دخول بني إسرائيل التيه وما جرى لهم فيه من الأمور العجيبة | سؤال الرؤية | قصة عبادتهم العجل في غيبة موسى كليم الله عنهم | حديث آخر بمعنى ما ذكره ابن حبان | قصة بقرة بني إسرائيل | قصة موسى والخضر عليهما السلام | حديث الفتون | ذكر بناء قبة الزمان | قصة قارون مع موسى عليه السلام | باب ذكر فضائل موسى عليه السلام وشمائله وصفاته ووفائه | ذكر حجه عليه السلام إلى البيت العتيق و صفته | ذكر وفاته عليه السلام | ذكر نبوة يوشع وقيامه بأعباء بني إسرائيل بعد موسى وهارون عليهما السلام | ذكر قصتي الخضر وإلياس عليهما السلام | وأما إلياس عليه السلام