أدب الطلب/جلب المصالح ودفع المفاسد

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


جلب المصالح ودفع المفاسد

فمنها أن يعلم أن هذه الشريعة المطهرة السمحة مبنية على جلب المصالح ودفع المفاسد ومن تتبع الوقائع الكائنة من الأنبياء والقصص المحكية في كتب الله المنزلة علم ذلك علما لا يشوبه شك ولا تخالطه شبهة وقد وقع ذلك من نبيا وقوعا لا ينكره من له أدنى علم بالشريعة المطهرة فإنه لما تبين له نفاق بعض المنافقين واستحقاقه للقتل بحكم الشريعة قال لا يتحدث الناس بأن محمدا يقتل أصحابه فترك قتله لجلب مصلحة هي أتم نفعا للإسلام وأكثر عائدة على أهله ودفع مفسدة هي أعظم من المفسدة الكائنة بترك قتله وبيان ذلك أنه إذا تحدث الناس بمثل هذا الحديث وشاع بينهم شيوعا لا يتبين عنده السبب كان ذلك من أعظم المنفرات لأهل الشرك عن الدخول في الدين لأنه يصد أسماعهم ذلك الحديث فيظنون عنده أن ما يعتقدونه من السلامة من القتل بالدخول في الإسلام غير صحيح فيهربون منه هربا شديدا ويبعدون عنه بعدا عظيما وهكذا وقع منه التأثير لجماعة ممن لم تثبت قدمه في الإسلام بغنائم حنين كأبي سفيان والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن فكان يعطي الواحد من هؤلاء وأمثالهم المائة من الإبل وما يقوم مقام ذلك والمهاجرون والأنصار الذين هم المقاتلة المستحقون للغنيمة ينظرون إلى التأثير ووقع في أنفسهم ما وقع حتى قال قائلهم يرحم الله رسول الله يعطي هؤلاء وسيوفنا تقطر من الدماء فلما علموا بما أراده من المصلحة العائدة على الإسلام وأهله بتأليف مثل هؤلاء وتأثيرهم بالغنيمة قبلوه أتم قبول وطابت أنفسهم أكمل طيبة وهكذا وقع منه العزم على مصالحة الأحزاب بثلث ثمار المدينة ظنا منه بأن في ذلك جلب مصلحة ودفع مفسدة فلما تبين له أن الترك أجلب للمصلحة وأدفع للمفسدة صار إليه وهكذا وقع منه النهي عن تلقيح النخل فلما تبين له ما في ذلك من المصلحة لأهله أذن لهم به وهكذا وقع منه الأذن بالعرايا لما شكى عليه الفقراء ما يلحقهم من المفسدة بالمنع من شراء الرطب بالتمر مع عظم الخطر فيما هو مظنة بالربا وكم يعد العاد من هذه الأمور وبالجملة فكل ما وقع من النسخ والتخصيص والتقييد في هذه الشريعة المطهرة فسببه جلب المصالح أو دفع المفاسد فإن كل عالم بعلم أن نسخ الحكم بحكم آخر يخالفه لم يكن إلا لما في الناسخ من جلب مصلحة أو دفع مفسدة زائدة على ما في الأولى من النفع والدفع وهكذا بالتقييد كما وقع في قوله تعالى غير أولى الضرر وقوله عز وجل من الفجر ونحو ذلك كثير جدا وقد كان دينه وهجيره الإرشاد إلى التيسير دون التعسير وإلى التبشير دون التنفير فكان يقول يسروا ولا تعسروا ولا تنفروا وكان يرشد إلى الألفة واجتماع الأمر وينفر عن الفرقة والاختلاف لما في الألفة والاجتماع من الجلب للمصالح والدفع للمفاسد وفي الفرقة والاختلاف من عكس ذلك فالعالم المرتاض بما جاءنا عن الشارع الذي بعثه الله تعالى متمما لمكارم الأخلاق إذا أخذ نفسه في تعليم العباد وإرشادهم إلى الحق وجذبهم عن الباطل ودفعهم عن البدع والأخذ بحجزهم عن كل مزلقة من المزالق مدحضة من المداحض بالأخلاق النبوية والشمائل المصطفوية الواردة في الكتاب العزيز والسنة المطهرة فيسر ولم يعسر وبشر ولم ينفر وأرشد إلى ائتلاف القلوب واجتماعها ونهى عن التفرق والاختلاف وجعل غاية همه وأقصى رغبته جلب المصالح الدينية للعباد ودفع المفاسد عنهم كان من أنفع دعاة المسلمين وأنجع الحاملين لحجج رب العالمين وانجذبت له القلوب ومالت إليه الأنفس وتذلل له الصعب وتسهل عليه الوعر وانقلب له المتعصب منصفا والمبتدع متسننا ورغب في الخير من لم يكن يرغب فيه ومال إلى الكتاب والسنة من كان يميل عنهما وتردى بأثواب الرواية من كان متجلببا بالرأي ومشى في رياض الاجتهاد واقتطف من طيب ثمراته واستنشق من عابق رياحينه ما كان معتقلا في سجن التقليد مكبلا بالقيل والقال مكتوفا بآراء الرجال فإن قلت ما ذكرته من انبناء الشريعة المطهرة على جلب المصالح ودفع المفاسد ماذا تريد به هل يلاحظ ذلك النفع والدفع مطلقا أو في حالة من الحالات قلت لا أريد ما قدمته إلا أن ما لم يرد فيه نص يخصه ولا اشتمل عليه عموم ولا تناوله إطلاق فحق على العالم المرشد للعباد الطالب للحق أن يستحضر ذلك ويرشد إليه ويهتم به ويدعو إليه وأما مواقع النصوص وموارد أدلة الكتاب والسنة ومواطن قيام الحجج فلا جلب نفع ولا دفع ضر أولى من ذلك وأقرب منه إلى الخير وأولى منه بالبركة فهو في الحقيقة مصالح مجلوبة ومفاسد مدفوعة وإن قصرت بعض العقول عن إدراك ذلك والإحاطة بكنهه والوقوف على حقيقته فمن قصورها أتيت ومن ضعف إدراكها دهيت ومن تدبر ذلك كل التدبر وتأمله بحق التأمل لم يخف عليه فإن كل جزئي من جزئيات الشريعة التي قام الدليل على طلبها والتعبد بها للكل أو البعض مطلقا أو مقيدا لا بد أن يشتمل على جلب مصلحة أو مصالح عرفها من عرفها وجهلها من جهلها وكل جزئي من جزئيات الشريعة الواردة بالنهي عن أمر أو أمور لا بد أن يكون المنهي عنه مشتملا على مفسدة أو مفاسد تندفع بالنهي عنها ولمزيد التتبع وكثرة التدبر في ذلك مدخلية جليلة لا سيما مع استحضار الاستعانة بالله والتوكل عليه والتفويض إليه


أدب الطلب للشوكاني
واجبات طالب العلم | إخلاص النية لله | قصد تحصيل علم الدين | تجنب التحيز والمعصية وتكون غايته العلم بما بعث الله به رسوله وأنزل فيه كتبه | تحري الإنصاف | توطين النفس على البحث والاجتهاد | تجربة الشوكاني مع الاجتهاد | الأسباب التي تؤدي إلى البعد عن الحق والتعصب | حب الشرف والمال | الجدال والمراء وحب الانتصار والظهور | حب القرابة والتعصب للأجداد | صعوبة الرجوع إلى الحق الذي قال بخلافه | أن يكون المنافس المتكلم بالحق صغير السن أو الشأن | من آفات الشيخ والتلميذ | علاج التعصب | العواقب الوخيمة للتعصب والبعد عن الحق | الاستناد إلى قواعد ظنية | عدم الموضوعية في عرض حجج الخصوم | تقليد المتعصبين من علماء الجرح والتعديل | المنافسة بين الأقران بلا تبصر | التباس ما هو من الرأي البحث بشيء من العلوم التي هي مواد الاجتهاد | كيفية الوصول إلى مراتب العلم المختلفة | طبقات طلاب العلم | كيفية الوصول إلى المرتبة الأولى للعلم | كيفية الوصول إلى المرتبة الثانية للعلم | كيفية الوصول إلى المرتبة الثالثة للعلم | كيفية الوصول إلى المرتبة الرابعة للعلم | مباحث ضرورية لطالب الحق | جلب المصالح ودفع المفاسد | الدلائل العامة والكليات | أصالة المعنى الحقيقي وعدم جواز الانتقال عنه إلا لعلاقة أو قرابة | التحايل على أحكام الشريعة | الإجماع والقياس والاجتهاد والاستحسان | مفاسد أصابت دين الإسلام | تعدد المذاهب | الاعتقادات الفاسدة في بعض الأموات | مفاسد بعض أدعياء التصوف