صفحة:بشير بين السلطان والعزيز، الجزء الثاني (الجامعة اللبنانية، الطبعة الثانية).pdf/105

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
٢١٩
الفصل الرابع عشر: الجلاء

إلى قب الياس وجمع أبو سمرة غانم فرساناً حوله وتأثر السرعسكر حتى وادي المجدل فشن الغارة عليه وعاد إلى قب إلياس. ثم أرسل بشير الثالث أخاه الأمير عبد الله والأمير قيس ملحم بخمس مئة فارس إلى نواحي دمشق لتقوية الشعب على الخروج عن الطاعة وأرسل الأمير أسعد قعدان إلى خربة روحا للمحافظة على وادي التيم. ولما وصل الأمير عبد الله والأمير قيس إلى قرية الصويرة أقبل الأمير مجيد الحرفوش بجماعته منهزماً وانضاف إليهما، وفي اليوم الثالث نهض الجميع إلى بعلبك ومنها إلى الزبدانة فالتقاهم الأمير خنجر الحرفوش بفرسانه وانضاف إليهم1.

ولدى وصول السرعسكر إلى دمشق أصدر أوامره إلى قادة القطع في الشمال بالانسحاب فقطوا منتظمين محافظين على النظام، ولم ينهبوا سوى المعرة وحمص لأن أهاليها رفضوا تقديم المؤن. ففي حمص أقفلت المطاعم أبوابها في وجوه الجند وأبى الأهالي أن يبيعوا الجنود ما لزمهم من المواد الغذائية بيد أن قائد الجند قتل من ثبتت عليه جريمة النهب2. وبعدما احتشد الجيش في دمشق وضواحيهـا وقع المطر بغزارة واستمر بضعة أيام وكان البرد قارساً فاضطر الجيش النازل في ضواحي دمشق أن ينتقل إلى داخلها فاحتل عدداً كبيراً من الحوانيت والحانات والمقاهي والمنازل المحاذية للشارع ما بين السنانية وبوابة الله، واحتل أيضاً جوامع المدينة ما عدا الجامع الأموي وجامع السنانية فارتفعت أسعار الماكولات واحتكر الجيش المطاحن والأفران وسخر الدواب فحدث ضيق شديد. وكان إبراهيم باشا في أثناء ذلك يعاقب بشدة من يحاول التملص من تقديم ما يطلب منهم من المؤن والعلف. وجـد في تحصيل البواقي المطلوبة من دمشق والقرى المجاورة فسمح بنهب تلك التي أحجمت عن تقديم المطلوب. وكان من الطبيعي أن يفر السوريون واللبنانيون من صفوف الجيش فيعودون إلى أهلهم وينضمون إلى المحاربين. وكان بين هؤلاء شبلي آغا العريان فاعترض قوافل الذخيرة واضطر السرعسكر أن يقوم إليه بنفسه3 ومن هنا ما أشرنا أليه سابقاً عن الأمير محمد الحرفوش وجماعته. وظهرت بوادر الخيانة بين الموظفين واتهم محمد شريف باشا نفسه بها. وتفصيل ذلك أنه تزوج في أثناء إقامته بدمشق من ابنة علي آغا صهر نصيف باشا العظم. ولدى رجحان الكفة في صالح الحلفاء فرَّ فردوس بك العظم أخو زوجة محمد


  1. أخبار الأعيان لطنوس الشدياق ص ٦١٢-٦١٣
  2. مذكرات تاريخية للخوري قسطنطين الباشا ص ۲۲٥ و٢٢٦
  3. المذكرات نفسها ص ٢٢٦