يا خليلي وأيام الصبا
المظهر
يا خليليَّ وأيامُ الصبا
يا خليليَّ وأيامُ الصبا
حلباتٌ فانهضا نستبقِ
خَلعت خيلُ التصابي عذرَها
فَرِدَا فيها بحزوى غدرَها
واقنصا بين الخزامى عفرَها
فاتَ فيما قد مضى أن تطربا
إنّ أيامَ الصِبا في مذهبي
لأخي الشوقِ دواعي الطربِ
فعلى جلوةِ بنتِ العنبِ
أو على نرجس أحداق الظِبا
زال عنّي يا نديميَّ الوَصبْ
أقبلَ النورُ ولي فيه أَرب
أبرز الأنفاءَ في زيّ عَجب
ومن الوشيِ كساها قُشُبا
وشحَّ الطلُّ عروسَ الزهرِ
بسقيطِ اللؤلؤ المُنحدر
ثم حيّاها نسيمُ السَحر
وَجلاها فوق كرسيّ الرُبا
أَعرسَ الروضُ بنوّارٍ حلا
عندليبُ الأَيكِ فيهِ هَلهَلا
رقص القطرُ فغنَّى وعلى
منبرِ الأغصانِ لمّا خطبا
في ربيعٍ بالتهاني زَهَرا
فرشَ الأرضَ بهاراً بَهرا
ودَنانيراً عليها نَثَرا
بيد الوسميِّ ليست ذهبا
كم شقيقٍ قد جلى عن نظرةٍ
من بياضٍ مُشربٍ في حمرةٍ
ومن الريحانِ كم مِن وفرةٍ
رفرفت ما بين أنفاسِ الصَبا
وعلى خدٍّ من الوردِ بدا
صدغُ آسٍ بلَّه طلُّ الندى
في رياضٍ غضَّةٍ فيها غدا
ضاحكاً ثغرُ الأقاحي عَجَبا
في الرياحين يطيب المجلس
لبني اللهوِ وتحلو الأكؤُسُ
نُزَهٌ تَرتاحُ فيها الأنفسُ
لمدامٍ عتّقوها حُقبا
بين سمطي ثغرِه للمستلَذ
خمرةٌ لم يعتَصِرها مُنتَبذ
إن تغنّى هَزَجاً قلتُ اتخذ
مِعبداً عبداً وبعه إن أبى
ذي دلالٍ يتكفّى غَنَجا
فاقَ أنفاسَ الخزامى أرَجا
كلَّما شَعتها تحتَ الدُجى
خلتُه أوقد منها لَهبا
أيها المخجلُ ضوءَ القمرِ
حرِّك الشوق بجسِّ الوتر
فإلى ريقك ذاك الخَصِر
طربَ الصبُّ فزده طربا
واجلها وجنةَ خدٍّ أشرِبت
ماءَ وردِ الحسنِ حتى شرقت
وبكأَسٍ من ثناياك حَلَت
عاطنيها خمر ريقٍ أعذبا
من جنى النحلِ وربّ الفلق
كم ليالٍ بال
كم ليالٍ مُبيضةٍ
نعّمتنا بفتاةٍ غضّةِ
صيغ حسناً نحرها من فضةٍ
وهي تلويه وشاحاً مُذهبا
ذاتُ خدٍّ وردُه للمقتطِف
عقرب الصِدغِ عليه تَنعطِف
وعلى فرشٍ من الجعدِ تَرِفُ
طالما العاشقُ منها قلّبا
حيّها عاقدةَ زِنّارَها
كم قَضت مِن صبِّها أوطارَها
ودعت في خِدرِها مَن زارَها
لبني الأتراكِ أفدي العَرَبا
لو تَطيقُ العربُ من إشفاقِها
حمت الطيف على مُشتاقِها
وغواني التركِ مع عُشّاقِها
كلَّما مدَّ الظلامُ الغَيهبا
من عذيري من غُزالٍ ثملِ
ثعلي الجِفن لا من ثعل
راش بالأهدابِ سهمَ المُقلِ
لو رمى من حاجب فيمن صبا
يا خليليَّ على ذكرِ المُقلِ
خلتُما همت وَمن يسمعَ يَخل
لا وما في الرأسِ من شيبي اشتَعل
إنّما كان غرامي كَذِبا
إن ريعانَ الشباب النظرِ
وطرُ العمرِ وعمرُ الوَطرِ
فخذا غيدَ الطلى عن بَصري
فاتني العشق وفي عصرِ الصِبا
كان ذياك السوارُ المنقلِب
شافعاً عند العذارى لم يَخِب
فأتى الشيبُ ولي قلبٌ طَرِب
فبماذا أبتغي وصل الظِبا
وعظ الحُلُم فلبَّاه النُهى
ونهى جهلَ التصابي فانتهى
فبِما راع بفوديَّ المَها
خبَّراها، إنَّ طرفي قد نبا
قد وهبنا لسُلَيمى قدَّها
وعلى اللثمِ وفرَنا خدّها
بَردُ الشوقُ فعفنا بردَها
واقتبلنا فرحةً قد أعربا
إن في عرسِ الحسينِ ذي النهى
حيّز الكون جميعاً قد زهى
وبهاءُ الغرب للشرقِ انتهى
يبهجَ العينَ ويجلو الكُرُبا
بشّر الدينَ به أنَ سَيلد
مَن حُبا الدينِ عليهم تَنعقد
والمعالي هنِّها أن ستَجد
منه في أفقِ شناها شُبها
فله الأملاكُ لمّا عَقَدوا
كلُّهم لله شِكراً سَجَدوا
وعلى «المهديِّ» طُرّاً وفدوا
ثمَّ هنَّوهُ وقالوا: لاخبا
يا صَبا البشرِ بنشرٍ رَوِّحي
شيبةَ الحمدِ وشيخَ الأبطحِ
وعلى «الهادي» بريّاكِ انفحي
ولأنفِ المرتضى والنُقَبا
وعلى الفيحاء زهواً عرّجي
وانقلي فيها حديث الأرج
وانشري وسطِ حِماها المُبهج
لا عن الشيح ولا عودِ الكبا
مَن به الدينُ الحنيفيُّ اعتضد
والهدى فيه اكتسى عزّ الأبد
جدَّ في كسبِ المعالي واجتهد
وسواه يَستجيدُ للَقبا
ضَمنَ الفخرَ بمُثنى بُردهِ
ووطى الشهبَ بعالي جَدِّه
كان نصفاً لو أعادي مجدهِ
كلَّما حلّت لمرآه الحُبا
نَشَرَ المطويَّ عمَّن سَلَفوا
فطوى مَن نَشرتهُ الصُحفُ
أينَ منهُ وهو فينا الخَلفُّ
إنّه أعلمُ ممّن ذَهَبا
يا بن مَن قد عُبِدَ الله بهم
ولهم من سَلَّم الأمرَ سلِم
إن أنفاً أن مدحناك رُغم
ليتَه ما شمَّ إلاّ التُربا
لكَ لا مُدَّت من الدهرِ يدُ
فلأَنتَ الروحُ وهو الجسدُ
وهو الباعُ وأنت العضدُ
كم ألنّا بكَ منهُ المنكبا
تزدهي الأمجادُ في آبائِها
وتباهى الصيدَ من أكفائِها
ونرى هاشمَ في عَليائِها
أنت قد زيَّنتَ منها الحسبا
فالورى شخصٌ بجدواك كما
أصبحت في مدحك الدُنيا فما
لو بتقريضِك أفنى الكَلِما
لم يصف معشارَ ما قد طَلِبا
دارك الدنيا وأنتَ البشرُ
ولك الوِردُ معاً والصَدَرُ
وبتعليمك جادَ المطرُ
فالورى لو كفرت منك الحَبا
هي أرضٌ فيها مَلِكُ
أم سماءٌ أنتَ فيها مَلَكُ
دارُ قدسٍ يتمنى الفَلكُ
لو حوى ممّا حوته كوكبا
كلُّ ذي علم فمنهم ستمد
وإليهم كلُّ فضلٍ يستَند
وبتطهيرُهم الله شهد
حَنق الخصمُ فقلنا: اذهبا
حسدت شمسُ الضحى أمَّ الهدى
فتمنَّت مثلَهم أن تَلدا
وابنُها البدرُ لهم قد سجدا
وحياءً منه مهما غَرُبا
كلُّهم جعفرُّ فضلٍ من يَرد
خُلقَه العذب ارتوت مِنه الكَبد
أَبداً في الوجهِ منه يطّرد
ماءُ بشرٍ من رآه عَجبا
ففداءً لمحيّاه الأغر
أوجهٌ تُحسبُ قُدَّت من حجر
أين هم من ذي سماحٍ لو قدر
وعلى قدرِ عُلاهُ وهبا
لا تفقه والورى في حلبةٍ
فلقد بان بأعلى رتبةٍ
ولئن كانَ وهم من منبتٍ
فالثرى يُنبتُ ورداً طيباً
جاء للمجدِ المًعلّى "صالحاً"
بحرَ جودٍ بالمزايا طافحا
فغدا فكريَ فيه سابحا
يُبرز اللؤلؤَ عِقداً رَطبا
فرعُ مجدٍ كرمت أخلاقه
فكستها طيبَها أعراقُه
يهجر الشهدَ لها مشتاقُه
لو بكأَسِ الدهر منها سكبا
وَرِعٌ أعمالهُ لو وزّعت
في الورى عنها الحدودُ ارتفعت
أو بتقواه الأنامُ ادَّرعت
لَوَقَهَّا في المعادِ اللَّبها
بأبي القاسم قد حلَّت لنا
راحةُ الأفراحِ أزرارَ المنة
لم يُزنه بل به زين الثنا
أُفحِمَ المُطري فكنَّى مُغرِبا
بالحسينِ استبشروا آلَ الحسب
وابلغوا في عُرسِه أسنى الأرب
ولكم دام مدى الدهرِ الطرَب
بختان الطيبينَ النجبا