هل بالحمى عن سرير الملك من يزع؟

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

هَلْ بالْحِمى عنْ سَريرِ الْمُلْكِ مَنْ يَزَعُ؟

​هَلْ بالْحِمى عنْ سَريرِ الْمُلْكِ مَنْ يَزَعُ؟​ المؤلف محمود سامي البارودي


هَلْ بالْحِمى عنْ سَريرِ الْمُلْكِ مَنْ يَزَعُ؟
هَيهاتَ، قَد ذَهَبَ المتبوعُ والتَبَعُ
هَذِي «الْجَزِيرَةُ» فَانْظُرْ هَلْ تَرَى أَحَداً
يَنْأَى بِهِ الْخَوْفُ، أَوْ يَدْنُو بِهِ الطَّمَعُ؟
أضحَتْ خَلاءً، وكانَت قَبلُ مَنزِلةً
لِلْمُلْكِ، مِنْهَا لِوَفْدِ الْعِزِّ مُرْتَبَعُ
فلا مُجيبَ يَردُّ القَولَ عَن نَبأٍ
ولا سَميعَ إذا نادَيتَ يَستَمِعُ
كَانَتْ مَنَازِلَ أَمْلاَكٍ، إِذَا صَدَعُوا
بِالأمرِ كادَتْ قُلوبُ الناسِ تَنصَدِعُ
عَاثُوا بِهَا حِقْبَةً، حَتَّى إِذَا نَهَضَتْ
طَيرُ الحَوادِثِ مِن أوكارِها وَقعوا
لَوْ أَنَّهُمْ عَلِمُوا مِقْدَارَ مَا فَغَرَتْ
بِهِ الْحَوَادِثُ مَا شَادُوا، وَلاَ رَفَعُوا
دارَت عَليهِم رَحى الأيَّامِ، فانشَعبوا
أيدى سَبا، وتَخَلَّت عَنهمُ الشِيعُ
كانت لَهُم عُصَبٌ يَستدفِعونَ بِها
كَيْدَ الْعَدُوِّ، فَمَا ضَرُّوا، وَلاَ نَفَعُوا
أينَ المَعاقِلُ، بل أينَ الجحافلِ، بل
أينَ المناصِلُ والخطِّيَّةُ الشَرَعُ
لاَ شَيْءَ يَدْفَعُ كَيْدَ الدَّهْرِ إِنْ عَصَفَتْ
أحداثه، أو يقِى مِن شرِّ ما يَقَعُ
زَالُوا، فَما بَكَتِ الدُّنْيَا لِفُرْقَتِهِمْ
ولا تعطَّلَت الأعيادُ والجُمَعُ
والدَهرُ كالبَحرِ لا ينفكُّ ذا كَدَرِ
وإنَّما صَفوهُ بينَ الورى لُمَعُ
لَوْ كَانَ لِلْمَرْءِ فِكْرٌ فِي عَوَاقِبِهِ
ما شانَ أخلاقَهُ حِرصٌ ولا طَبَعُ
وكَيْفَ يُدْرِكُ مَا فِي الْغَيْبِ مِنْ حَدَثٍ
من لَم يَزَل بِغرورِ العَيشِ يَنخَدِعُ
دَهْرٌ يَغُرُّ، وَآمَالٌ تَسُرُّ وَأَعْـ
مارٌ تَمُرُّ، وأيَّامٌ لها خُدَعُ
يَسْعَى الْفَتَى لأُمُورٍ قَدْ تَضُرُّ بِهِ
وَلَيْسَ يَعْلَمُ مَا يَأْتِي وَمَا يَدَعُ
يأيها السَادِرُ المُزوَرُّ مِن صَلَفٍ
مَهْلاً، فَإِنَّكَ بِالأَيَّامِ مُنْخَدِعُ
دَعْ مَا يَرِيبُ، وَخُذْ فِيمَا خُلِقْتَ لَهُ
لَعَلَّ قَلبكَ بِالإيمانِ يَنتَفِعُ
إِنَّ الْحَيَاةَ لثَوْبٌ سَوْفَ تَخْلَعُهُ
وكلُّ ثوبٍ إذا ما رثَّ ينخَلِعُ