نزهة المشتاق في اختراق الآفاق/الإقليم الثالث/الجزء السادس

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


إن الذي تضمن هذا الجزء السادس من الإقليم الثالث في غربيه قطعة من أطراف البادية فيها من البلاد مدينة فيد والثعلبية وزبالة والحيرة والقادسية والصمان وطخفة والقرعاء وكاظمة وهناك من بلاد شمال أرض البحرين القطيف والزارة والأحساء والعقير والخرج وبيشة وجزيرة أوال وسائر ما بين بلاد البحرين وعمان صحراء تسكنها العرب وهي قليلة الماء.

وفيه انتهى البحر الفارسي وعليه من البلاد عبادان والأبلة ومهروبان وسينيز وجنابا ونجيرم وصحار وسيراف وحصن ابن عمارة وهذه كلها من أرض فارس ويتلوها على البحر من بلاد كرمان مثورة وهرمز وبوادي جبال القفص وفي هذا البحر من الجزائر جزيرة خارك وجزيرة لافت وهي تصاقب سيراف وطرف بني الصفار وجزيرة أوال.

وفيه من بلاد سواد العراق الحيرة والقادسية والكوفة وسورا والقطر ونهر الملك وكوثاربا وواسط والبطائح وفم الصلح والمذار والمفتح وبيان وسليمانان والأبلة والبصرة وعبادان وجرجراي.

وفيه من حدود خوزستان مدينة الباسيان وجبى والدورق وديرا وآسك وأزم وسنبيل وايذج ورام هرمز وسوق الأربعاء وهرمز وهي الأهواز وعسكر مكرم وجندي سابور وتستر وكرخة والسوس وقرقوب والطيب ومتوث وبردون وبصنا وفيه من بلاد إصبهان البندجان والبيضاء وإصبهان وفيه من بلاد فارس أرجان وكازرون والنوبندجان وجور وشيراز وهزار ومايين وكيسا وجم وجهرم ونحن لهذه البلاد ذاكرون ولما فيها واصفون بحول الله ومعونته.

فنقول إن مدينة فيد من بلاد البادية وهي في نصف الطريق ما بين بغداد ومكة وأما البادية فإنها دار لفزارة وجهينة ولخم وبلي وقبائل مختلطة من اليمن وربيعة ومضر وأكثرها يمن وبنو أسد والرمل المعروف بالهبير هو الرمل الذي بالشقوق إلى الأجفر عرضاً وطوله من وراء جبلي طيء إلى أن يتصل شرقاً بالبحر الفارسي ويمضي من وراء جبلي طيء إلى أن يرد الجفار من أرض مصر.

ومن مدن البادية مدينة الثعلبية وبها مجتمع للعرب وبها سوق عامرة ومنها مدينة زبالة وكانت من قبل مدينة فأما الآن فما بقي منها إلا رسم مجير وموضع يأوي إليه المسافرون وليس بمدينة ولا حصن وأما القادسية فهي مدينة على جنب البادية بنتها الأكاسرة من ملوك فارس وهي الآن مدينة صغيرة ذات نخيل ومياه عذبة وأكثر زراعاتها الرطبة ويتخذ منها القت علفاً للجمال الصادرة والواردة في طريق الحجاز ومنها يتزودون علوفاتهم ومدينة القادسية غرب مدينة بغداد وهي ثغر من ثغور العراق ومن القادسية إلى الكوفة مرحلتان ومن القادسية إلى مدينة السلام بغداد أحد وستون فرسخاً.

ومدينة الكوفة على شاطئ نهر الفرات ذات بناء حسن وأسواق عامرة وحصن حصين ولها ضياع ومزارع ونخل كثير وأهلها مياسير وتشبه مبانيها أبنية البصرة في الإتقان والنفاسة ومياهها عذبة وهواؤها صحيح وأهلها من صرح العرب لكنهم الآن متحضرون وعلى ستة أميال من الكوفة قبة عظيمة مرتفعة الأركان من كل جانب لها باب مغلق وهي مستورة من كل ناحية بفاخر الستور وأرضها مفروشة بالحصر السامانية ويذكر أن بها قبر علب بن أبي طالب وما استدار بالقبة مدفن لآل أبي طالب وهذه القبة بناها أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان في دولة بني العباس وكان قبل في دولة بني أمية مخفياً لو يوبه به.

والقادسية والحيرة على خط البادية وحاشيتها مما يلي المغرب ويحيط بهما مما يلي المشرق المياه الجارية والبساتين المتصلة والنخل الكثير التمر العذب المذاق وهذان البلدان ومدينة الكوفة في أقل من مرحلة والحيرة مدينة صغيرة جاهلية البناء طيبة الثرى مفترشة البناء وكانت فيما سلف أكبر من قطرها الآن لكن أكثر أهلها انتقلوا إلى الكوفة وخف أهل القادسية والحيرة لذلك والكوفة والقادسية والحيرة كلها داخلة في أعمال العراق وجباياتها مرتفعة إلى ديوان بغداد وكذلك عمالها والناظرون في جميع أعمالها من قبل عمال بغداد.

ومدينتا واسط على جانبي دجلة وبينهما قنطرة كبيرة مصنوعة على جسر سفن يعبر عليها من أراد الاجتياز من إحدى المدينتين إلى الأخرى وفي كل مدينة منهما جامع يختطب فيه والمدينة الغربية تسمى كسكر وهي من بنيان الحجاج بن يوسف الثقفي وبها مزارع ونخيل وبساتين وعمارات متصلة والمدينة الأخرى التي في الضفة الشرقية تسمى واسط العراق وهي أيضاً مثل أختها حسنة البناء فسيحة الأرجاء مبانيها سامية وسموكها عالية وبساتينها وأموالها كثيرة وناسها حسان الزي وملابسهم البياض والعمائم الكبار وأهلها أخلاط من أهل العراق وغيرها وليس بها بطائح وأرضها واسعة وطينتها ممتدة وهواؤها أصح من هواء البصرة وهي من أعمر بلاد العراق وعليها معول ولاة بغداد وبها قوامها ونواحي واسط عمل مفرد عن أعمال العراق وأموالها ترتفع إلى مدينة السلام ومن مدينة السلام عامل واسط أبداً.

ومن مدينة واسط إلى بغداد ثماني مراحل وكذلك منها إلى البصرة سبع مراحل وكذلك من واسط أيضاً إلى مدينة الكوفة ست مراحل على طريق البطائح ومن الكوفة إلى البصرة نحو اثنتي عشرة مرحلة ومن الكوفة إلى المدينة نحو عشرين مرحلة ومن الكوفة إلى بغداد خمس مراحل ومن الكوفة إلى القادسية مرحلتان ومن القادسية إلى العذيب وهي أول خط البادية ستة أميال ومن واسط تنزل مع دجلة إلى نهر أبان في النهر نصف يوم وفي البر مرحلة ومنها إلى دجلة العوراء ثم إلى نهر معقل ثم تنحدر في فيض البصرة.

والبصرة مدينة عظيمة لم تكن في أيام العجم وإنما اختطها المسلمون في أيام عمر ومدنها عتبة ابن غزران وبغربيها البادية وبشرقيها مياه الأنهار منفرشة وهي نيف على مائة ألف نهر يجري في جميعها السماريات ولكل نهر منها اسم ينسب إلى صاحبه الذي احتفره أو إلى الناحية التي يصب فيها وهي في استواء من الأرض لا جبال فيها ولا بحيث يقع البصر منها على جبل وفيما حكى أحمد بن أبي يعقوب صاحب كتاب المسالك والممالك أن البصرة كان فيها سبعة آلاف مسجد ونيف وأما الآن فأكثرها خلاء وما بقي منها إلا عمارة ما دار بالمسجد الجامع الذي فيها وحكى بعض التجار المسافرين إليها أنه اشترى التمر بها في عام ستة وثلاثين وخمسمائة خمسمائة رطل بدينار.

وبها نهر يعرف بنهر الأبلة طوله اثنا عشر ميلاً وهو مسافة ما بين البصرة والأبلة وعن جانبي هذا النهر قصور وبساتين متصلة كأنها بستان واحد ويحويها حائط واحد وينصب إلى هذا النهر عدة أنهار كثيرة مما تقاربه أو تقاومه في الكبر وجميع نخلها في اعتداد قدوده ونضارة فروعه كأنما أفرغ في قالب واحد أو غرس سائره في يوم واحد وجميع أنهار البصرة المحيطة بشرقيها يصب بعضها في بعض ويتشعب بعضها من بعض وأكثرها يدخله المد والجزر من البحر فإذا كان المد دخل الماء من البحر وتراجعت مياه الأنهار فصبت في البساتين والمزارع وسقتها وإذا كان الجزر انحجزت وعادت الأنهار جارية على حسب عادتها ومنها انهار كثيرة محتفرة لا يجري بها ماء وإنما يدخلها ردع المياه الواصلة إليها مع المد والغالب على مياه هذه الأنهار الملوحة.

والأبلة مدينة على هذا النهر من إحدى جهاتها بل هو منها في شمالها وجانبها الآخر وهو الشرقي على غربي دجلة وهي صغيرة المقدار حسنة الديار واسعة العمارة متصلة البساتين والضياع عامرة بالناس وأهلها مياسير وعندهم خصب من العيش ورفاهة ودعة ومن أسفل الأبلة المفتح والمذار على ضفة دجلة وهي مدن متقاربة القدر متشابهه العظم عامرة بالأسواق والتجارات والأبلة أكبر منها قدراً وأكثر خلقاً وأغنى أهلاً وأوسع عمارة.

وفي حدود البصرة وبين عماراتها وقراها آجام كبيرة وبطائح ماء سورة وتسير عليها السماريات والزوارق بالمدافع لقرب قعرها وارتدام مجاريها بالتراب وربما زادت الأمطار في أوقات الشتاء فحملت دجلة والفرات وصبت في هذه الأنهار سيولها فحفرت منها موضعاً وردمت آخر.

ومن البصرة إلى عبادان مرحلتان وهي ستة وثلاثون ميلاً وعبادان حصن صغير عامر على شط البحر وإليه يصل جميع مياه دجلة وهو رباط ومحرس لطراق هذا البحر وعبادان في الضفة الغربية من دجلة ودجلة هناك تتسع على وجه الأرض كثيراً ومن عبادان إلى الخشبات ستة أميال وهذه الخشبات على متصل بحر فارس بمصب دجلة وهي خشبات مغروزة في قعر البحر عليها مناصب من ألواح مهندمة ويجلس عليها حراس البحر ومعهم زورق يركبون فيه إلى هذه الخشبات وبه ينزلون إلى الساحل.

وهذا البحر الفارسي شطه الأيمن للعرب والأيسر لفارس وعرضه مائتا ميل وعشرة أميال وعرضه من سبعين باعا إلى ثمانين باعا ومن الخشبات إلى هجر مدنية البحرين في شط العرب مائتا ميل وعشرة أميال ومن البصرة إلى البحرين على الجادة إحدى عشرة مرحلة وليس في طريق الساحل ماء وهو نحو من ثماني عشرة مرحلة في قبائل العرب مياههم محمولة معهم وهو سلوك غير أنه مخوف ومن البصرة إلى المدينة نحو من عشرين مرحلة ويلتقي الطريق مع طريق الكوفة بقرب معدن النقرة ومن البحرين إلى المدينة نحو من خمس عشرة مرحلة.

والطريق من البصرة إلى البحرين من عبادان إلى مرحلة لا ماء فيها ولا عامر بها ثم إلى الحدوثة مرحلة ثم إلى عرفجا مرحلة ثم إلى حنيان مرحلة ثم إلى القرى مرحلة ثم إلى مسلحة مرحلة ثم إلى الأحساء مرحلة ثم إلى حمص مرحلة ثم إلى ساحل هجر مرحلة وهذه المراحل كلها مراس ومواضع لا ماء فيها وعامرها قوم من العرب رحالة لا يستقرون في مكان واحد. فأما الأحساء فهي مدينة على البحر الفارسي تقابل أوال وهي بلاد القرامطة وهي مدينة حسنة لكنها صغيرة وبها أسواق تقوم بها في تصرفها.

وأما مدينة القطيف فإنها مجاورة للبحر وهي في ذاتها كبيرة وبين القطيف والأحساء مرحلتان ومن القطيف إلى حمص يومان وهي على البحر الفارسي ومن مدينة القطيف إلى بيشة مرحلة كبيرة ويتصل بالقطيف إلى ناحية البصرة بر متصل لا عمارة فيه أي ليس به حصن ولا مدينة وإنما به أخصاص لقوم من العرب يسمون عامر ربيعة.

ومدن البحرين منها هجر وحمص والقطيف والأحساء وبيشة والزارة والخط التي تنصب إليها الرماح الخطية وسميت البحرين بجزيرة أوال وذلك أن جزيرة أوال بينها وبين بر فارس مجرى ومنها إلى بر العرب مجرى وهي ستة أميال طولاً وستة أميال عرضاً ومنها إلى البصرة خمسمائة ميل وأربعون ميلاً لأن أيضاً من جزيرة أوال إلى جزيرة خارك مئتان وأربعون ميلاً.

وجزيرة خارك ثلاثة أميال في ثلاثة أميال وبها زروع وأرز كثير وكروم ونخل وهي جزيرة حسنة كثيرة الأعشاب خصيبة.

وجزيرة أوال جزيرة حسنة بها مدينة كبيرة تسمى البحرين وهي عامرة حسنة خصيبة كثيرة الزروع والنخل وفيها عيون ماء كثيرة ومياهها عذبة منها عين تسمى عين بو زيدان ومنها عين مريلغة ومنها عين غذار وكلها في وسط البلد وفي هذه العيون مياه كثيرة نابعة مترعة دفاعة تطحن عليها الأرحاء فالعين المسماة عين غذار فيها عجب لمبصرها وذلك أنها عين كبيرة قدراً مستديرة الفم في عرض ستين شبراً والماء يخرج منها وعمقها يشف على خمسين قامة وقد وزن المهندسون وحذاق العلماء علو فمها فوجدوه مساوياً لسطح البحر وعامة أهل البلاد التي في هذه الجهة يزعمون أنها متصلة بالبحر ولا اختلاف بينهم في ذلك وهذا غلط ومحال لا يشك فيه لأن لعين ماؤها حلو عذب لذيذ شهي بارد وماء البحر حار زعاق ولو كانت كما زعموا لكان ماؤها ملحاً كماء البحر.

وفي هذه الجزيرة أمير قائم بنفسه وقد رضيه أهل الساحلين لعدله ومتانة دينه ولا يلي مكانه إذا مات إلا من هو مثله في العدل والقيام بالحق.

وفي هذه الجزيرة رؤساء الغواصين في البحر ساكنون بهذه المدينة والتجار يقصدون إليها من جميع الأقطار بالأموال الكثيرة ويقيمون بها الأشهر الكثيرة حتى يكون وقت الغوص فيكترون الغواصين بأسوام أجر معلومة تتفاضل على قدر تفاضل الغوص والأمانة وزمان الغوص في شهر أغشت وشتنبر فإذا كان أوان ذلك وصفا الماء للغطاص وأكرى كل واحد من التجار صاحبه من الغواصين خرجوا من المدينة في أزيد من مائتي دونج والدونج أكبر من الزورق وفي إنشائه وطاء ويقطعها التجار أقساماً في كل دونج منها خمسة أقسام وستة وكل تاجر منهم لا يتعدى قسمه من المركب وكل غواص له صاحب يتعاون به في عمله وأجرته على خدمته أقل من أجرة الغطاس ويسمى هذا المعاون المصفي ويخرج الغواصون من هذه المدينة وهم جملة في وقت خروجهم ومعهم دليل ماهر ولهم مواضع يعرفونها عياناً بوجودهم صدف اللؤلؤ فيها لأن للصدف مراعي تجول فيها وتنتقل إليها وتخرج عنها في وقت آخر إلى أمكنة أخر معلومة بأعيانها فإذا خرج الغواصون عن أوال تقدمهم الدليل والغواصون خلفه في مراكبهم صفوفاً لا تتعدى جريه ولا تخرج عن طريقه فكلما مر الدليل بموضع من تلك المواضع التي يصاد بها صدف اللؤلؤ تنحى عن ثيابه وغطس في البحر ونظر فإن وجد ما يرضيه خرج وأمر بحط قلاع دونجه وأرسى وحطت جميع المراكب حوله وأرست وانتدب كل غواص إلى غوصه وهذه المواضع يكون عمق الماء فيها من ثلاث قيم إلى قامتين فدونها وصفة غوصهم أن الغواص يتجرد عن ثيابه ويبقى بسترة تسار عورته لا غير ويضع في أنفه الخلنجل وهو شمع مذاب بدهن الشيرج يسد به أنفه ويأخذ مع نفسه سكيناً ومشنة يجمع فيها ما يجده هناك من الصدف ومع كل غواص منهم حجر وزنه من ربع قنطار إلى ما نحوه مربوط بحبل رقيق وثيق فيدليه في الماء جع جنب الدونج ويمسك الحبل صاحبه بيده إمساكاً وثيقاً ويتخلى الغواص بنفسه في الماء فيجعل رجليه على الحجر ويمسك الحبل بيديه ثم يرسل صاحبه الحبل من يده دفعة واحدة فينزل الحجر مسرعاً حتى يصل قعر البحر والغائص عليه يمسك الحبل بيديه فإذا استقر في قعر البحر نزل إلى قعر البحر وجلس وفتح عينيه في الماء ونظر إلى ما أمامه وجمع ما وجد هناك من الصدف في عجل وكر فإن امتلأت مشنته كان وإلا اندرج إلى ما قاربه والحجر لا يفارقه ولا يترك يده عن إمساك حبله فإن أدركه الغم كثيراً صعد مع الحبل إلى وجه الماء واسترد نفسه حتى يستريح ويرجع إلى غوصه وطلبه فإذا امتلأت مشنته اجتذبها صاحبه من أعلى الدونج وفرغ المشنة مما فيها من الصدف في قسمه من المركب وأعادها في البحر إلى الغواص إن كان الصدف هناك كثيراً وعلى قدر الوجود له يكون طلبه فإذا تم الغواصون في البحر مقدار ساعتين صعدوا ولبسوا ثيابهم وتدثروا وناموا وانتدب المصفي وهو صاحب الغواص فيشق ما معه من الصدف والتاجر ينظر إليه حتى يأتي على آخره فيأخذه التاجر منه ويصره عند نفسه بعدد مكتوب فإذا كان عند العصر انتدبوا إلى طعامهم فصنعوه وتعشوا وناموا ليلتهم إلى الصباح ثم يقومون وينظرون قي أغذية يأكلونها إلى أن يحين وقت الغوص فيتجردون ويغوصون هكذا كل يوم وكلما فرغوا من مكان أفنوا صدفه انتقلوا إلى غيره ولا يزالون بهذه الحال إلى آخر أغشت ثم ينصرفون إلى جزيرة أوال في الجمع الذي خرجوا فيه وما معهم من الجوهر في صررهم وعلى كل صرة منها مكتوب اسم صاحبها وهي مطبوعة بطابع فإذا نزلوا أخذت تلك الصرر من التجار وصارت في قبض الوالي وفي ذمته فإذا كان في يوم البيع اجتمع التجار في موضع البيع فأخذ كل واحد مكانه وأحضرت الصرر ودعي باسم كل واحد من أصحابها وفضت خواتمها واحدة بعد واحدة وصب ما في الصرة من لؤلؤ في غربال موضوع تحته ثلاثة غرابيل وتلك الغرابيل لها أعين بمقادير يترك منها الدقيق والمتوسط ويمسك كل نوع منها في صحن غربال فلا يبقى على وجه الغربال الأول الأعلى إلا ما غلظ من الجوهر ويبقى على وجه الغربال الثاني اللؤلؤ المتوسط ويستقر على الغربال الثالث اللؤلؤ الدقيق ثم يعزل كل صنف منها وينادى عليه بأسوامه ومستحق أثمانه فإن أحب التاجر سلعته كتبت عليه وإن شاء بيعها من غيره باع وقبض ماله والتاجر إذا اشترى متاعه إنما يكون عليه أن يؤدي اللوازم التي وجبت عليه وينتصف التجار من الغواصين والغواصون من التجار وينفصل كل أحد من كل أحد وينصرف الناس ثم يعودون إلى هناك في العام القابل هكذا أبداً.

ولصاحب جزيرة كيش التي ذكرناها في الإقليم الثاني وموضعها في بحر فارس على التجار الذين يعاملون الغواصين شيء معلوم يقبض له في ديوان البيع منهم ويبعث إليه بذلك ضريبة وما وجد من الجوهر الغالي النفيس أمسكه الوالي وكتبه على نفسه باسم أمير المؤمنين والعدل لا يفارقهم في البيع والشراء حتى لا يضام منهم أحد ولا يشكو ظلماً.

والجوهر يتكون حبه خلقاً في هذا الصدف على ما يصفه أهل بحر فارس من ماء مطر نيسان وإن لم يمطر مطر نيسان لم يجد الغواصون منه شيئاً في سنتهم تلك وهذا عندهم شيء مشهور صحيح متفق عليه بينهم.

والغوص في بلاد فارس صنعة تتعلم وينفق عليها الأموال في تعليمها وذلك أنهم يتدربون في رد أنفاسهم على آذانهم حتى أن الرجل منهم في أول تعليمه تتزكم أذناه وتتسلط وتسيل منهما المادة ثم يتعالجون من ذلك فيبرؤون منه وأعلاهم أجرة أصبرهم تحت الماء وكل واحد منهم يميز صاحبه ولا يتعدى طوره ولا ينكر فضل من تقدمه وفاقه في المعرفة والصبر.

وفي هذا البحر الفارسي جميع مغايص اللؤلؤ وأمكنته ثم إن أمكنته نحو من ثلثمائة مكان مقصودة كلها مشهورة بالغوص وقد ذكرنا منها أكثرها عند ذكر أمكنتها في مواضعها من سواحل البحور والجزائر ومغايص بحر فارس أكثر نفعاً وأمكن وجوداً للطلب من سائر البحور الهندية واليمنية وقد ذكرنا من ذلك ما فيه بلغة بل كفاية.

ولنرجع الآن إلى ما كنا فيه من ذكر البلاد وصفاتها وطرقاتها على الكمال بحول الله فمن ذلك صفة الطريق من البصرة إلى البحرين ثم إلى اليمامة على البادية وهو طريق العرب وقليلاً ما يسلكه التجار فمن ذلك أن الخارج عن البصرة يسير إلى منزل في الصحراء فيه عين ماء مرحلة ثم إلى كاظمة مرحلة ثم إلى منزل في الصحراء ثم إلى منزل ثم إلى منزل ثم إلى القرعاء وهو منزل فيه عرب ومنه إلى طخفة منزل عرب مرحلة ومنه إلى الصمان مرحلة وهو منزل فيه عرب ثم إلى منزل فيه ماء ثم إلى منزل لا ماء فيه ثم إلى منزل فيه ماء ثم إلى اليراني من غربي بلاد البحرين ومنها إلى منزل ثم إلى منزل ثم إلى منزل ثم إلى سلمية ثم إلى السيال ثم إلى حضرمة اليمامة وقد ذكرنا هذه البلاد فيما سلف.

وفي شرقي موضع دجلة في بحر عبادان أرض خوزستان ومنها الأهواز ومدينة الأهواز تعرف بهرموزشهر وهي القطر الكبير والقطر المعمور والناحية الحسنة التي ينسب إليها سائر الكور وبها أسواق وتجارات وعمارات متصلة وأرزاق دارة وخيرات جمة وفيها ناس أخلاط من قبائل فارس والعرب المتحضرة بها مياسير لهم أموال كثيرة وبضائع وافرة ومصانع مكسبة وعيش ممكن وخصب رغد.

والأهواز هي قاعدة بلاد خوزستان وأرض خوزستان هذه أرض وطيئة حسنة ثرية موضعها فسيح وهواؤها صحيح وهي سهلة الأرجاء كثيرة المياه وبلادها كثيرة عامرة منها الأهواز وعسس مكرم وتستر وجندي سابور والسوس ورام هرمز والمسرقان وسرق واسمها دورق الفرس وايذج وبيان وجبى وبصنا وسوق سنبيل ومناذر الكبرى ومناذر الصغرى وقرقوب والطيب وكليوان ونهر تيرى ومتوث وبردون وكرخة وأزم وسوق الأربعاء وحصن مهدي على البحر والباسيان وسليمانان.

وبأرض خوزستان مياه جارية وأودية غزيرة وأنهار سائلة وأكبر أنهارها نهر تستر ويسمى دجيل الأهواز وهو نهر عجيب منبعه من جبال من ناحية اللور وعليه الشاذروان الذي أمر بعمله سابور الملك وهو من العجائب المشهورة وذلك أنه بنى أمام تستر من الضفتين بنياناً وثيقاً عالياً وأقام في صدر مجرى الماء سداً موثقاً بالحجر العظيم والعمد الحجازية حتى ساواه مع ضفتي بنائه وارتدع به الماء حتى صار بإزاء تستر وذلك أن تستر في نشز من الأرض عال والماء مرتدع بين يديها ويجري هذا النهر من وراء عسكر مكرم ويمر بالأهواز حتى ينتهي إلى نهر السمرة إلى حصن مهدي ويقع هناك في البحر ويخرج من نهر تستر نهر يسمى نهر المسرقان فيمر مغرباً حتى ينتهي إلى مدينة عسكر مكرم وعليه هناك جسر كبير نحو من عشرين سفينة وتجري فيه السفن الكبار ويتصل بالأهواز وبين عسكر مكرم والأهواز ثلاثون ميلاً في الماء فإذا كان الماء في المد وزيادته في أول الشهر عبر هناك بالمراكب وإن كان الجزر لم يمكن المراكب السير فيه لأن الماء به يجف ولا يبقى منه إلا عدد منقطعة عن اتصال الجري وهذا النهر لا يضيع من مائه شيء وإنما يتصرف كله في سقي الأرضين هناك تسقى به غلات القصب وضروب الحبوب والنخل والبساتين وسائر المزارع المعمورة ويجري في جنوب خوزستان نهر طاب وهو الحد المميز بين خوزستان وفارس وجميع مياه خوزستان كلها تتألف وتنصب في البحر عند حصن مهروبان وبضفة حصن مهدي وليس بأرض خوزستان بحر إلا ما ينتهي إليها عن زاوية من حد مهروبان إلى قرب سليمانان بحذاء عبادان وهو شيء يسير من بر فارس وأرض خوزستان كلها سهول وأرضها رمل وليس بها شيء من الجبال إلا ما كان بنواحي تستر وبالجملة إنها كلها سهول وفجاج غير عالية.

ومدينة المسرقان مدينة عامرة بأهلها والصادرون عنها والواردون عليها كثير ولهم معايش وأرزاق كثيرة وأكثر شجرهم النخل وفيها الرطب الموصوف المسمى الطن إذا أكله الإنسان وشرب عليه ماء المسرقان وجد عليه رائحة الخمر سواء وعندهم من الحنطة والشعير الشيء الكثير وسائر أنواع الحبوب موجودة بها وأكثر الحبوب عندهم الأرز وهم يطحنونه ويتخذون منه خبزاً يأكلونه ويفضلونه على الحنطة وبالمسرقان من غلات القصب الشيء الكثير الذي يفوق ما بسائر الآفاق من ذلك.

والسوس مدينة جليلة حاضرة بكل خير جامعة لكل فضل وأهلها أخلاط وهي من بلاد السكر يصنع بها منه كل شيء كثير ويتجهز به إلى كل الآفاق ويصل فاضله إلى أقصى خراسان وينسب إليها ويصنع بها من الخز العتيق كل جليلة وبها فواكه كثيرة.

ومدينة عسكر مكرم مدينة كبيرة حسنة على نهر المسرقان ولها جسر قدمنا وصفه وهي عامرة بالتجار وأخلاط الناس وبها أسواق وأرزاق وصناعات ولها مزارع متصلة وبها صنف من العقارب على قدر ورقة الأنجذان وصفرتها تسمى الجرارة إذا لسبت أحداً مات لحينه وقل ما يسلم من لسبته وبين عسكر مكرم وتستر مرحلة ومن عسكر مكرم إلى رام هرمز مرحلتان وهي مدينة عامرة جليلة وبها أسواق ومتاجر ويصنع بها من ثياب الإبريسم ما يحمل إلى كثير من المواضع وكذلك من مدينة عسكر مكرم إلى الدورق نحو أربع مراحل ومن الدورق إلى الأهواز أربع مراحل خفاف.

والدورق مدينة عامرة بأهلها وبها من أخلاط الناس جمل ومتاجرها كثيرة وتسمى مدينة الرستاق وبغربيها مدينة باسيان على مرحلتين منها.

وباسيان مدينة وسطة في الكبر عامرة يشقها نهر فيصير نصفين وهي فرجة حسنه من داخلها وخارجها وبين باسيان وحصن مهدي مرحلتان غرباً.

ومدينة تستر هي كما قدمنا ذكره مرتفعة عن وجه الأرض والماء يرتفع في الشاذروان إلى بابها وفي تستر فيما يقال تابوت دانيال وقال الحوقلي في كتابه إن أبا موسى الأشعري وجد بها القبر المذكور وكان أهل الكتاب يديرونه على مجامعهم ويتبركون به ويستسقون به المطر إذا أجدبوا فأخذه أبو موسى وشق من النهر الذي على باب السوس خلجاناً وجعل فيه ثلاث قبور مطوية بالآجر ودفن ذلك التابوت في أحد القبور ثم استوثق منها كلها وعماها ثم فتح إليها الماء حتى قلب ذلك الثرى الكثير على ظهر تلك القبور والنهر يجري عليها إلى يومنا هذا ويقال إن من نزل إلى قعر النهر وجد القبور هناك ومما يتاخم آسك في جهة حد فارس جبل أذروان وهو بركان نار يقذف بها ليلاً ونهاراً والدخان لا يطفأ أبداً فيه وهذا الجبل شبيه بجبل النار الذي في جزيرة صقلية ويصنع بتستر الديباج العجيب المنظر المتقن الصنعة وكان قبل هذا يعمل بها كسوة الكعبة فأما الآن فإن الكسوة تعمل بالعراق ومنها تحمل كل سنة ومن العسكر إلى ايذج في جهة المشرق أربع مراحل وهي مدينة عجيبة فرجة الرقعة بسيطة المكان متاخمة للجبل المتصل بإصبهان وبها متاجر وصنائع وأموال متصرفة وأسواق نافقة مما جلب إليها ومن مدينة تستر إلى مدينة جندي سابور مرحلة كبيرة.

ومدينة جندي سابور في نشز من الأرض حسنة حصينة منيعة وهي تمير من جاورها بخيرها وبها نخل وزروع كثيرة ومياه ولها عمارات وخصب وفواكه وأسواق جامعة لضروب من البضائع نافقة المتصرفات ومن جندي سابور إلى السوس مرحلة.

والسوس مدينة ليست بالكبيرة جداً لكنها متحضرة ولها بساتين وجنات ونخل وقصب كثير يعمل منه السكر الكثير كما قدمنا وصفها.

ومنها إلى قرقوب مرحلة وهي المدينة التي ينسب إليها الرقم القرقوبي في جميع الأرض ويعمل بها ديباج معين بالذهب يسمى خرد وقليلاً ما يوجد مثله بآفاق الأرض وهو الديباج القرقوبي وبمدينه قرقوب مثل ما بمدينة السوس من الطرز للسلطان لنسيج الحلل والديباج والخزوز وسائر الثياب النفيسة الغالية الثمن.

ويتصل بمدينة قرقوب في جهة الشمال مدينة الطيب على مرحلة وليست بكبيرة وإنما هي حسنة الذات كثيرة الخيرات جامعة لأشتات البركات ويصنع بها تكك تشبه التكك الأرمينية لا يوجد في بلاد الإسلام مثلها بعد تكك أرمينية حسان وبركانات ثمينة محكمة ويصنع بها كثير من الصنائع لا يجارى صناعها فيها ولهم كيس في الأمور وحذق ومنها إلى واسط مرحلتان. ويتصل بها في جهة الشرق مدينة صغيرة تسمى متوث وهي في مستو من الأرض حسنة الجهات كثيرة المتنزهات خيرها عام وشكلها تام وبين متوث والسوس مرحلة ومتوث منها غرباً.

ويتصل بمدينة السوس في جهة الغرب مدينة برذون وهي صغيرة القدر كثيرة الأهل وبها مزارع وعمارات.

ومنها مدينة بصنا أيضاً وبين بصنا والسوس مرحلة وكذلك من السوس إلى بردون مرحلة ومدينة بصنا مدينة صغيرة الجرم خلقها كثير وبها طرز للسلطان يعمل بها الستور المنسوبة إليها المشهورة في جميع الآفاق المكتوب على تطريزها مما عمل ببصنا وقد يعمل ببرذون وكليوان وغيرهما من المدن ستور يكتب عليها بصنا ويدلس بها في ستور بصنا.

ومن السوس إلى الأهواز ثلاثة أيام والأهواز وعسكر مكرم في سمت واحد والأهواز من عسكر مكرم جنوباً ورام هرمز منهما كأحد الأثافي شكلاً مثلثا متساوي الأضلاع.

ومن عسكر مكرم إلى سوق الأربعاء وهو السوق المسمى بسوق الأهواز مرحلة وهي مدينة حسنة ولها سوق مشهورة في يوم معلوم وبها فواكه ونعم كثيرة ومتاجر ودخل وخرج وجباية طائلة.

ومن سوق الأهواز إلى دورق في الماء ثمانية وأربعون ميلاً وعلى الظهر في البر اثنان وسبعون ميلاً.

ومن سوق الأربعاء إلى حصن مهدي على البحر الفارسي مرحلة وهو حصن منيع حسن البنية متقن وبه يجتمع مصب مياه هذه البلاد ويتسع هناك حتى يكون عرضه نحو ثلاثة أميال.

ومن سوق الأهواز إلى أزم مرحلة وأزم على نهر يقع في نهر تستر وهي متحضرة ولها سوق متحركة وبها بيع وشراء وهي رصيف متوسط لمن جاء من فارس يريد العراق.

ويحاذيها من خلف النهر قرية آسك وهي قرية عامرة وعلى طريق من جاء من فارس.

ومن مدينة الأهواز إلى نهر تيرى مرحلة ونهر تيرى مدينة صالحة القدر عامرة بالديار والأسواق كثيرة الخيرات والأرزاق بها طرز يتخذ فيها ثياب حسنة ويذكر أنها من أرض فارس وسنذكرها في تخوم فارس بحول الله ومن مدينة نهر تيرى إلى مدينة بيان مرحلتان.

ومدينة بيان على الدجلة من الضفة الشرقية وهي مدينة صغيرة حسنة الداخل والخارج وبها منبر ولأهلها حرص على طلب الآداب والعلوم وفيهم اعتلاء على من ساواهم من أهل البلاد وأخبر أحمد بن يعقوب في كتاب المسالك الذي ألفه أن بنهر تيرى داراً لا تعمر وكل من يسكنها لا يلبث أكثر من يوم ولا يجاوز الليلة إلى الغد ومن مدينة بيان إلى الأبلة مرحلة ومن بيان إلى حصن مهدي مرحلة.

ويتصل بالأبلة المفتح والمذار وهما مدينتان على مجاري الدجلة والمفتح مدينة صغيرة المقدار عامرة القطر حسنة البناء متحركة الأسواق وليست من أمهات البلاد والداخل إليها والخارج منها كثير ولها بساتين ومزارع ومتنزهات ومنها إلى مدينة المذار مرحلة خفيفة والمذار مدينة صغيرة تشبه مدينة المفتح في مقدارها وتجانسها في مبانيها وآثارها وبها من الأسواق والمصانع ما بالمفتح وأشف من ذلك وأهلها متنافسون فيما بينهم ولهم اهتمام بالأمور وصيانة لما بين أيديهم من أموالهم وشح بين ولها مزارع كثيرة وعمارات جليلة وغلات رابحة.

ومن الباسيان إلى جبى اثنا عشر ميلاً وجبى مدينة ورستاق عريض مشتبك العمارة بالنخل وقصب السكر وغيرهما من الفواكه ولأهلها رفاهة وخصب ومنها أبو علي الجبائي إمام المعتزلة ورئيس المتكلمين في عصره.

ومن جبى إلى مدينة سليمانان خمسة عشر ميلاً وهي مدينة على ضفة نهر الدجلة حسنة المطلع بهية النواحي مفيدة الزراعات والغلات وبها حوت كثير ولحوم وأرزاق ومنها مع الدجلة إلى مدينة بيان ثمانية عشر ميلاً.

ومن مدن خوزستان المتاخمة لأرض فارس مدينة اللور وهي مدينة حسنة صغيرة ولها إقليم بذاته خصيب والغالب عليه هواء الجبل وكان من خوزستان فصير إلى أعمال الجبل ولها بادية وإقليم ورستاق والغالب على سكانه الأكراد وبهم كثر خصبه وكثرت غلته ومن اللور إلى مدينة تستر مرحلتان.

ومن أكوار الخوزستان المجاورة لأرض فارس كورة سنبيل وهي كورة متاخمة لفارس وكانت أيضاً معدودة في أرض فارس فحولت إلى أرض خوزستان وهي عامرة وبها سوائم ونتاج.

ومن تلك الأكوار المجاورة لأرض فارس كورة الزها والجايزان وهما كورتان عامرتان متجاورتان كثيرتا الخير متاخمتان للسردن من أرض فارس وحد إصبهان وهواؤها هواء الصرود وهي باردة ويقع الثلج بها في إبان سقوطه والألبان بها والسمن كثير جداً وبها قوم يتخذون النحل للعسل وهو بها كثير موجود.

وآسك أيضاً قريه كبيرة عامرة ولا منبر بها ولها حدائق نخل كثيرة وزراعات وغلات جمة ومن قرية آسك إلى أرجان مرحلتان خفيفتان ومن آسك أيضاً إلى الدورق مرحلتان ومن قرية آسك تحمل الأدياس المنسوبه إلى آسك ويعمل منها الحصر بالعراق وهذا الديس مفضل على كل ديس ينبت في بلاد أرجان وغيرها وبهذه القرية كانت وقيعة الأزارقة المذكورة في الكتب وذلك أن الأزارقة كان عددهم أربعين رجلاً من الشواة امتنعوا في مكان منها فخرج إليهم من الجند ألفا رجل في بعثتين فقتلهم الأزارقة حتى أتوا على آخرهم.

وأما مناذر الكبرى ومناذر الصغرى فقريتان عامرتان لا منابر بهما وكورهما عامرة وأرزاقهما دارة ونواحيها متسعة ومياههما كثيرة وبهما من حدائق النخل كثير ومزارعهما كثيرة وافرة النفع.

وبقي أن نذكر الأرض وحدودها بعد هذا إن شاء الله تعالى وأرض خوزستان كما قدمنا وصفها حسنة البقع كثيرة الخيرات متصلة العمارات وأهلها يتكلمون بالفارسية والعربية ولسان آخر ليس بعربي ولا بسرياني يستعملونه بينهم وزيهم زي أهل العراق يلبسون القمص والطيالسة والعمائم وعوامهم يلبسون الأزر والمآزر وفي أنفسهم وأطباعهم الشر والتنافي بعضهم على بعض وفي ألوانهم تغيير بصفرة وسمرة وفواكههم كثيرة إلا الجوز فهو عندهم قليل وفيما ذكرناه بلاغ ونريد الآن أن نذكر من طرقها المشهورة المسلوكة ما لا بد من ذكره والعون بالله.

فالطريق من أرجان إلى قرية آسك مرحلتان ومن آسك إلى ديرا مرحلة وديرا قرية ثم منها إلى الدورق مرحلة ثم من الدورق إلى خان تنزله السابلة يعرف بالخان ثم إلى مدينة الباسيان مرحلة ومن الباسيان إلى حصن مهدي مرحلتان وبها منبر ويسلك منها في الماء وهو أيسر من البر ومن حصن مهدي إلى بيان مرحلة على الظهر وبيان على الدجلة فتركب منها إن شئت إلى الأبلة في الماء وإن شئت على الظهر إلى أن تحاذي الأبلة فتركب منها إلى العراق.

وطريق آخر على واسط إلى بغداد من أرجان إلى سوق سنبيل مرحلة ثم إلى رام هرمز مرحلتان ثم إلى عسكر مكرم مرحلتان ومن عسكر مكرم إلى تستر مرحلة ومن تستر إلى جندي سابور مرحلة ومن جندي سابور إلى السوس مرحلة ومن السوس إلى قرقوب مرحلة ومن قرقوب إلى مدينة الطيب مرحلة ثم إلى واسط مرحلتان وقد يكون طريق آخر من عسكر مكرم إلى مدينة واسط أقرب من هذا وهو على عبر يسير.

الطريق من ايذج إلى مدينة إصبهان من ايذج إلى جواردان اثنا عشر ميلاً ثم إلى رستاجرد اثنا عشر ميلاً ثم إلى سليدست وهي قرية ثمانية عشر ميلاً ثم إلى بوين خمسة عشر ميلاً ثم إلى قرية سوجر ثمانية عشر ميلاً ثم إلى الرباط ثمانية عشر ميلاً ثم إلى خان الأبرار أحد وعشرون ميلاً ثم إلى إصبهان ثمانية عشر ميلاً.

والطريق من سوق الأهواز إلى شيراز من سوق الأهواز إلى أزم ثمانية عشر ميلاً ثم إلى عبدين وهي قرية خمسة عشر ميلاً ثم إلى الزط ثمانية عشر ميلاً ثم إلى قنطرة على وادي الملح ثمانية عشر ميلاً ثم إلى أرجان ثمانية عشر ميلاً وهي من أرض فارس ومنها إلى اصفن خمسة عشر ميلاً وهي قرية ثم إلى الدرخويذ ثمانية عشر ميلاً ثم إلى مدينة النوبندجان أربعة وعشرون ميلاً ثم إلى قرية جويم خمسة عشر ميلاً ثم إلى شيراز خمسة عشر ميلاً وأيضاً فإن من مهروبان التي على ساحل بحر فارس إلى حصن ابن عمارة وهو طول فارس على البحر أربعمائة ميل وثمانون ميلاً ومن حصن ابن عمارة إلى سيراف مرحلتان ومن سيراف إلى نجيرم ستة وثلاثون ميلاً.

وفي هذا الجزء المرسوم من أرض فارس قطعة كبيرة فيها من بلاد فارس سينيز وجنابا ونجيرم وسيراف وحصن ابن عمارة وجهرم وجور وفسا ودارابجرد وسابور والزنجان وتارم ورستاق الرستاق والفستجان وخورستان وكازرون وكران وجرمق وإصطخر ورباط السرمقان وجور واقليد وميبذ ونايين وكثة والروذان وصاهك ويزد وعقدة وسردن وتوج والبيضاء ومايين وسوران وكثير من قلاعها مما سنأتي بأسمائه وسائر صفاته وأوصافه وهيآته بعد هذا بحول الله.

فنقول إن أرض فارس يحيط بها من ناحية الشرق المفازة الكبيرة المتصلة بأرض السند من أعلاها وتتصل بالري من أسفلها ويحيط بها من جهة المغرب بر فارس ومن جهة الجنوب أرض مكران ومن جهة الشمال أرض خوزستان وكور فارس خمس كور.

فمنها كور أرجان وهي أصغر كور فارس وقاعدتها سابور كما قلناه وبهذه الكورة مدينة منذ والنوبندجان وكازرون ولكن هذه كورة تنسب إلى سابور وهو الذي ابتنى المدينة المسماة بسابور وإليها تنسب الثياب السابورية ومنها سينيز واسلجان والملجان وفرزك وباش.

ومنها كورة دارابجرد ومدينتها دارابجرد وفسا وهي أكبر وأعم غير أن الكورة منسوبة إلى دارا الملك وطمستان وكردبان ونيريز والفستجان والابجرد والانديان وجويم وماذوان وخسوا وفرج وتارم.

وإصطخر أكبر بلادها ومن كور إصطخر مدينتها البيضاء ونهران وابرج ومايين والبرانجان والميادوان والكاسكان وكرم والهزار وناحية الروذان والأذركان وابرقويه.

ومن الكور أيضاً بفارس كورة سابور وهي كورة حسنة ومدنها كثيرة فمنها النوبندجان وبندرمان ودشت بارين والهنديجان وجنجان وتنبوك والدرخويذ وملتون ودربختجان والخوبذان والكيمارج وماهان والراميجان والديبنجان والشاهجان والشادروذ ومور وخمايجان العليا وخمايجان السفلى. ومن كور فارس أيضاً كورة أردشير خرة ومن مدنها شيراز وجور ونابند وميمند والصيمكان والبرجان والكربنجان والخواروستان وكوار وسيراف ونجيرم وسينيز وجه وكير وكبرين وكران وكام فيروز والرويجان.

وقاعدة فارس مدينة شيراز وهي دار مملكة فارس وينزلها الولاة والعمال وبها الديوان والمجبى وهي مدينة إسلامية بناها محمد بن القاسم بن أبى عقيل ابن عم الحجاج وتفسير شيراز جوف الأسد وإنما سميت بذلك لأنها مدينة يجلب إليها المير من سائر البلاد ولا يخرج منها ميرة البتة ولما وصل عسكر الإسلام إلى فارس عرس المعسكر بمكانها وأقام به إلى أن استفتحت إصطخر وجميع كردها فتبرك المسلمون بفلك فبنوا شيراز هناك في موضع المعسكر وهي مدينة جليلة المقدار حسنة النواحي والأقطار طولها نحو من ثلاثة أميال في مثلها وهي متصلة البناء لا سور لها شبيهة بمصر وبها أسواق وعمارة وهي قرارة الجيوش وأولي الحرب والدواوين والجبايات وشرب أهلها من الآبار.

ومدينة إصطخر مدينة جليلة كبيرة جميلة كثيرة الأسواق والمتاجر وبناؤها بالطين والحجارة والجص ومدينة إصطخر أقدم مدن فارس وأشهرها اسماً وكانت مداراً لملكها وملوكها إلى أن ولي أردشير الملك فنقل ملكه إلى جور وجعلها داراً لملكه ويروى في الأخبار أن سليمان بن داؤود كان يسير من طبرية إليها من غدوة إلى عشية وبها مسجد يعرف بمسجد سليمان وإصطخر على نهر فرواب ولها قنطرة تسمى بقنطرة خراسان وهي قنطرة حسنة وخارج القنطرة أبنية ومساكن بنيت في عهد الإسلام ومن إصطخر إلى شيراز ستة وثلاثون ميلاً وهواء إصطخر هواء فاسد وخيم وبإصطخر تفاح عجيب تكون التفاحة منه نصفها حلو صادق الحلاوة ونصفها حامض صادق الحموضة ومن شيراز إلى جور ستون ميلاً.

ومدينة جور بناها أردشير وكان مكانها فيما يحكى منقع مياه تجتمع به فاحتال لخروج ذلك الماء وبنى مدينة جور بها وهي مدينة جليلة لها سور من طين وخلفه خندق ولها أربعة أبواب ومقدارها نحو إصطخر وسابور ودارابجرد كثيرة البساتين والجنات رحيبة الأبنية والجهات غدقة الفواكه والثمرات نزيهة جداً فرجة من جميع جهاتها الأربع يسير السائر بها بين قصور عالية ومتنزهات سامية كاملة الحسن طيبة الهواء وكان في وسطها فيما سلف من الزمان بنيان يسمى الطربال بناه أردشير الملك وجعل له من العلو مقدار ما إذا صعد الإنسان إلى أعلاه أشرف على جميع المدينة ورساتيقها وكان له في أعلى هذا البناء بيت نار فهدمت الإسلامية أكثره ولم يبق منه الآن إلا رسم داثر ويعمل بمدينة جور ماء الورد الكثير الخالص البالغ في الطيب والصفاء وعبق الرائحة وقلة التغيير في المدة الكثيرة وإليها ينسب ماء الورد الجوري.

ومن مدينة شيراز إلى مدينة دارابجرد مائة وخمسون ميلاً ودارابجرد ابتناها دارا الملك ونسبها إلى نفسه وتفسير بجرد بالعربية عمل وهي لفظة فارسية فكأنه قال عمل دارا وهي مدينة كبيرة عامرة آهلة فرجة وبها تجار وأسواق وبيع وشراء وهي مقصد ومجمع للتجار المتصرفين في ديار فارس وعليها سور حصين كسور جور ويدور بسورها خندق تجتمع إليه فضول المياه التي يبقى بها النخل ومسالات مياه عيون جمة وفي هذا الماء حشائش وغدران تمنع من خوضه وبه سمك كثير لا شوك فيه ولا عظم ولا له فقار ولا على جسمه فلوس وهو من ألذ السمك طعماً ويصرف فيما يصرف فيه اللحم ولهذه المدينة أربعة أبواب وفي وسطها جبل عال كالقبة ليس يتصل بشيء من الجبال وبنيان أهلها بالحجارة والطين والجص ومن مدينة دارابجرد إلى مدينة فسا أربعة وخمسون ميلاً.

ومدينة فسا مدينة مفترشة البناء واسعة الشوارع وأبنيتها أفسح وأشمخ من أبنية شيراز وبنيانهم بالطين وخشبها كثير والغالب عليه خشب الصنوبر والسرو وهي عامرة بالناس والجلة والتجار المياسير وهي تقارب شيراز في كبر مقدارها وكثره عمارتها وهواؤها أصح من هواء شيراز وعليها حصن حصين وأبواب خشب محددة وحولها في الدائر خندق واسع عميق ولها ربض كبير وأكثر أسواقها في ربضها ذلك وبها من غلات الرطب والبلح والجوز والأترج والسفرجل والقصب الحلو ما يقوت ويكفي ويشف على الحاجة إليه ومن مدينة فسا إلى مدينة شيراز ستون ميلاً ولدارابجرد من الرساتيق رستاق كرم ورستاق جهرم ورستاق نيريز ورستاق الفستجان ورستاق الابجرد ورستاق الانديان ورستاق جويم ورستاق فرج ورستاق تارم ورستاق طمستان وهذه الرساتيق بها مدن وقرى كالمدن عامرة آهلة وبها أسواق وتجارات وبقرية من قرى دارابجرد الموميا الذي يحمل إلى الآفاق وهي ملك للسلطان ولا نظير لها وهي في غار في جبل وقد وكل بها حفظة والغار مسدود الباب مطبوع على غلقه بعلامات كثيرة ويفتح في كل سنة مرة فيوجد قد اجتمع في قعره حجر على قدر الرمانة فيطبع عليه بمحضر من ثقات السلطان ويحمل إلى شيراز ويباع هناك وهو الصحيح وما سواه من الموميا فليس بشيء.

ومن فسا إلى كازرون ستة وخمسون ميلاً وهي مدينة حسنة لها سور وحصن وأبواب خشب وحديد ولها قلعة داخلها حصينة ولها ربض عامر فيه أسواق ومتاجر وصناعات وبها فواكه عامة وخير كثير ومن كازرون إلى جور ثمانية وأربعون ميلاً.

والجنجان تتاخم كازرون وهي مدينة عامرة آهلة من كورة سابور وعليها سور منيع وبها تجارات وبيع وشراء.

والراميجان ميدينة حسنة من كور سابور ولها سور تراب حصين ولها رستاق خصيب ويسمى بها وينسب إليها.

والخوبذان أيضاً مدينة صغيرة عامرة بالناس كثيرة الخلق ولها سوق وتجار وصناعات وبيوع وأشرية ولها رستاق كبير وجانب متسع وينضاف إليها عمل المورستان وبها منبر وبشر كثير وفواكه ونعم دارة.

ومن كورة سابور مدينة جرة وهي عامرة عليها سور من طين حصين ولها رستاق آهل كثير العمارة وأفضيتها واسعة والدرخويذ وتنبوك رستاقان متقاربان في الكبر عامران ولهما مزارع ومناخ وغلات وكذلك رستاق الكيمارج حسن الموضع واسع الجهات ممتد مستغل لكل فائدة وأما الرامجان والشاهجان وابنوران والشادروذ وخمايجان العليا والسفلى وتيرمردان فهذه كلها رساتيق وحصون وقرى كالمدن متقاربة الأقدار واسعة الأقطار خيراتها عامة وأموالها وافرة وخلقها كثير وجملتها من كورة سابور المتقدم ذكرها.

ويتصل بما ذكرناه من جهة الجنوب مع الغرب من هذا الجزء المرسوم مدن وقلاع ورساتيق من كورة أردشير مثل جور وقد تقدم ذكرها ولها رستاق جليل عامر ونابند ورستاقها ممتد متسع الأرجاء وكذلك الصيمكان وهو حصن منيع وله عمارات ورستاقه منسوب إليه وخورستان مدينة حسنة عامرة بسوق وحصن منيع ولها رستاق كبير عامر له غلات مفيدة وكذلك الفوشجان مدينة صغيرة وأهلها بشر كثير وبها صناعات وتجارات ولها رستاق يسمى باسمها ومن كورة أردشير مدينة كران وهي مدينة صغيرة حصينة ولها رستاق معروف باسمها وبها طين أخضر كالسلق يؤكل لا نظير له.

ومن مدنها مدينة سيراف وهي على ساحل البحر الفارسي وهي مدينة كبيرة وبها تجار مياسير وأهلها مولعون بكسب المال واستجلابه على أي وجه أمكن وهم أكثر عباد الله تغرباً وتجولاً في الآفاق حتى إن الرجل منهم يتجول العام والعشرين ولا يرجع إلى أهله ولا يكترث بمن خلفه وسيراف فرضة فارس ومبانيها بالساج وأبنيتهم طبقات مشتبكة البناء كثيرة الأهل ولأهلها همم في نفقات الأبنية وضروب التحسين والتحصين وفواكههم ومياهم تصل إليهم من جبل مشرف عليهم يسمى جم وهذا الجبل مطل على البحر وليس به زرع ولا ضرع وهي شديدة الحر جداً ولها منبران أحدهما نجيرم وهي مدينة على البحر وكذلك مدينة الغندجان ورستاقها يسمى دشت بارين وفيه حصن به منبر وسوق.

ومدينة صفارة صغيرة على البحر وبها سكان وهم مياسير ولهم رستاق معمور يسمى الرستقان.

ومن كورة أردشير توج وهو حصن عامر بأهله منيع وكذلك الجرمق أيضاً قصبة حسنة حصينة عامرة آهلة وكذلك كير قصبة معمورة كبيرة ولها رستاق حسن جليل مفيد ومنها أبزر وهو قصبة جامعة وملجأ وبها أسواق وكذلك سميران مدينة صغيرة لها رستاق جليل متسع العمارات كثير العامر وأيضاً مدينة كوار متوسطة عليها سور تراب وفيها أسواق وتجار مياسير وهي مقصد لأنواع تجارات ولها رستاق كبير فيه عمارات وخير وافر ومستغلات جمة والرستاق بلسان الفرس معناه الإقليم أي عمل بجهة.

وفي البحر جزيرة ابن كاوان وفيها مدينة وجامع آهل ومي من كورة أردشير وبقربها جزيرة أوال وبها أيضاً مدينة ولها جامع وفيها أسواق صالحة وكلا هاتين الجزيرتين على مقربة من البر ويتصل بهذه الأكوار كورة أرجان المتقدم ذكرها وفيها مدن كثيرة كبار وصغار يجب ذكرها هاهنا وسنأتي بمسافاتها في الطرقات المتصلة بالبلاد.

فأما أرجان فإنها حد بين فارس وخوزستان وهي مدينة حسنة في غاية الطيب ولها رساتيق وخصب ونخيل وكروم وفواكه عامة مثل الجوز والأترج والخوخ والزيتون الكثير والزيت وماؤها غير طيب ولا شروب وعلى باب أرجان مما يلي خوزستان على نهر طاب قنطرة تنسب إلى الديلمي طبيب الحجاج بن يوسف وهي طاق واحد سعة ما بين عموديها على وجه الأرض ثمانون خطوة وارتفاعها ما يحمل ذلك.

ومدينة سابور مدينة بناها سابور الملك وهي تباهي إصطخر في هيآتها وأبنيتها لكن مدينة سابور أكثر بشراً وعمارة وأهلاً وأوفر حالاً وبها جامع ومنبر.

وأما مدينة ريشهر فإنها صغيرة لكنا عامرة ولها جامع ورستاق كبير منسوب إليها وبه عمارات وقرى ومزارع وكذلك.

وايج حصن جامع ومعقل مانع وبه منبر وله عمالة وقرى.

وجنابة مدينة كبيرة عامرة آهلة ذات أسواق عامرة و طرز يصنع بها ثياب الكتان الفاخرة على ضروب وبها أنواع من التجارات ولها رستاق وعمالة.

ومنها مدينه سينيز وهي بقرب البحر وبها منبر وينسب إليها الكتان السينيزي المجمع عليه بالقول العام أنه ليس بجميع أقطار الأرض كتان يعدله ولا يقاومه قوة وليناً ومن شأنه أنه لا يتعلق بالثياب كفعل الكتان في ذاته وحاله في التعليق بالثياب الملامسة له ومن رساتيقها العامرة اسلجان وبها منبر ومنها الملجات وفرزك وباش كلها حصون ومواطن معمورة تتقارب في أقدارها وتتشابه في عماراتها وفي كل واحدة منها منبر وجمالات ومن أرض فارس بلاد كثيرة بقي علينا ذكرها وسنأتي بها في الجزء الآتي إثر هذا الجزء بحول الله.

وفي هذا الجزء الذي نحن في ذكره قطعة من أرض كرمان وفيها من بلادها سوروا وهرمز وجبال القفص نأتي بذكرها بعد ذكرنا لطرقات بلاد فارس ومشهورها إلى ما يليها من قواعد الأمصار المصاقبة لها إن شاء الله.

فمن ذلك صفة الطريق من شيراز إلى سيراف ومن شيراز إلى قرية كفرة خمسة عشر ميلاً ومن كفرة إلى قرية نخذ خمسة عشر ميلاً ومن نخذ إلى مدينة كوار ستة أميال ومدينة كوار تقسم ما بين نخذ والبيمجان لأن من نخذ إلى قرية البيمجان اثني عشر ميلاً ومن البيمجان إلى مدينة جور السابق ذكرها ثمانية عشر ميلاً ومن جور إلى رستاق دشت شوراب خمسة عشر ميلاً ومنها إلى خان آزاذمرد وهي قرية في صحراء قدر تسعة أميال وهذه الصحراء كلها تنبت نرجساً مضاعفاً ومن حار إلى خان آزاذمرد وهي قرية ثمانية عشر ميلاً ومن خان آزاذمرد إلى قرية كيرند ثمانية عشر ميلاً ومن كيرند إلى قرية مي ثمانية عشر ميلاً ومن مي إلى رأس العقبة وهناك منزل يسمى اذركان ثمانية عشر ميلاً ومن اذركان إلى خان بركانة اثنا عشر ميلاً ومن بركانة إلى مدينة سيراف نحو أحد وعشرين ميلاً يكون الجميع مائة وثمانين ميلاً.

والطريق من شيراز إلى جنابة على البحر من شيراز إلى خان الأسد وهو على نهر السكان ثمانية عشر ميلاً ومن خان الأسد إلى خان دشت أرزن اثنا عشر ميلاً ومن دشت أرزن إلى قرية تيرة اثنا عشر ميلاً ومن تيرة إلى مدينة كازرون السابق ذكرها ثمانية عشر ميلاً ومن كازرون إلى قرية دريز اثنا عشر ميلاً ومنها إلى مدينة توج أربعة وعشرون ميلاً ومن توج إلى جنابة ستة وثلاثون ميلاً فذلك مائة واثنان وثلاثون ميلاً.

والطريق من شيراز إلى إصبهان من شيراز إلى مدينة الهزار اثنا عشر ميلاً ومنها إلى مايين مدينة أحد وعشرون ميلاً ومن مايين إلى مدينة كسنا ثمانية عشر ميلاً ومنها إلى كنار وهي قرية اثنا عشر ميلاً ومن كنار إلى قرية قصر ابن أعين أحد وعشرون ميلاً ومنها إلى قرية إصطخران أحد وعشرون ميلاً ومنها إلى خان روشن وهي قرية عامرة أحد وعشرون ميلاً ومنها إلى قرية كرد أحد وعشرون ميلاً ومنها إلى قرية دزة أربعة وعشرون ميلاً ومن دزة إلى خان لنجان أحد وعشرون ميلاً ومنه إلى إصبهان أحد وعشرون ميلاً فذلك من شيراز إلى خان روشن اثنان وسبعون ميلاً ومن خان روشن إلى إصبهان ثلاثة وتسعون ميلاً الجملة من ذلك مائتان وخمسة وعشرون ميلاً.

والطريق من شيراز إلى خوزستان من شيراز إلى جويم وهي مدينة حسنة نبيلة متقنة خمسة عشر ميلاً ومن جويم إلى خلار اثنا عشر ميلاً وخلار قرية كبيرة ومنها إلى قرية الخرارة خمسة عشر ميلاً وهي قرية عامرة قليلة الماء ومن الخرارة إلى قرية الكركان خمسة عشر ميلاً ومن الكركان إلى النوبندجان وهي مدينة كبيرة عامرة ذات أسواق وتجارات وقد ذكرناها فيما سلف ثمانية عشر ميلاً ومنها إلى قرية الخوبذان اثنا عشر ميلاً ومنها إلى قرية زايدق اثنا عشر ميلاً ومنها إلى خان حماد وهي قرية عامرة اثنا عشر ميلاً ومنها إلى راسين اثنان وعشرون ميلاً ومنها إلى أرجان أحد وعشرون ميلاً ومنها إلى بيذك وهي قرية تسعة أميال ومنها إلى قرية العقارب وتعرف بهبر اثنا عشر ميلاً ومن أرجان أيضاً إلى سوق سنبيل ثمانية عشر ميلاً والحد قنطرة ثكان من أرجان على غلوة سهم فالجملة من ذلك من شيراز إلى أرجان مائة وثلاثون ميلاً.

والطريق من شيراز إلى يزد ويزد في جهة الشرق وهي على جانب المفازة في طريق خراسان ونحن نذكر هذا الطريق مجرداً على حاله وسنذكر البلاد التي تأتي هناك على استقصاء في موضعها إن شاء الله فمن ذلك تخرج من شيراز إلى الزرقات ثمانية عشر ميلاً والزرقان منازل على واد عذب إلى مدينة إصطخر ثمانية عشر ميلاً ومن إصطخر إلى قرية تير اثنا عشر ميلاً ومن تير إلى قرية كمهنك أربعة وعشرون ميلاً ومن كمهنك إلى قرية بيذ أربعة وعشرون ميلاً ومن بيذ إلى مدينة ابرقريه ستة وثلاثون ميلاً ومن ابرقويه إلى قرية الأسد تسعة وثلاثون ميلاً ومن قرية الأسد وهي قرية ذات حصن منيع إلى قرية الجوز ستة فراسخ ومن قرية الجوز إلى قلعة المجوس ثمانية عشر ميلاً ومن قلعة المجوس إلى مدينة كثه من حومة يزد خمسة عشر ميلاً ومن كثه إلى يزد ثلاثون ميلاً وسنذكر هذه البلاد بعد هذا في الجزء الآتي بعون الله.

والطريق من شيراز إلى السيرجان والسيرجان مدينة كرمان من شيراز إلى إصطخر ستة وثلاثون ميلاً ومن إصطخر إلى زياداباذ وهي قرية من رستاق خفرز أربعة وعشرون ميلاً ومن زياداباذ إلى كلودر أربعة عشر ميلاً ومن كلودر إلى جوبانان وهي قرية عامرة على بحيرة ثمانية عشر ميلاً ومن الجوبانان إلى قرية عبد الرحمن ستة فراسخ وهي مدينة تسمى اباذة وسنذكرها ومنها إلى مدينة البوذنجان ثمانية عشر ميلاً ومنها إلى صاهك وهي مدينة عامرة أربعة وعشرون ميلاً ومن صاهك إلى رباط السرمقان مفازة أربعة وعشرون ميلاً ومنه إلى رباط بشت خم سبعة وعشرون ميلاً ومنها إلى السيرجان سبعة وعشرون ميلاً ورباط السرمقان المتقدم ذكره من حد فارس وما بعده من حد كرمات فجميع ذلك من حد السرمقان إلى شيراز مائة وثمانون ميلاً ومنه إلى مدينة السيرجان أربعة وعشرون ميلاً.

والطريق من شيراز إلى تارم من جروم كرمان من شيراز إلى خان ميم أحد وعثسرون ميلاً وخان ميم قرية من رستاق الكهركان ومنه إلى مدينة خورستان أحد وعشرون ميلاً ومن خورستان إلى منزل يعرف بالرباط اثنا عشر ميلاً ومنه إلى قرية كرم اثنا عشر ميلاً ومن كرم إلى مدينة فسا المتقدم ذكرها خمسة عشر ميلاً ومن فسا إلى طمستان وهي مدينة اثنا عشر ميلاً ومن طمستان إلى ناحية الفستجان وهي مدينة ثمانية عشر ميلاً ومنها إلى الدراكان اثنا عشر ميلاً ومنها إلى مدينة مريزجان اثنا عشر ميلاً وهي مدينة عامرة كثيرة التجارات عامرة الأسواق حسنة المباني ومنها إلى سنان اثنا عشر ميلاً وهي مدينة عامرة ومنها إلى دارابجرد ثلاثة أميال ومنها إلى رم المهدي وهي مدينة حسنة بهية المنظر ذات حصن حصين خمسة عشر ميلاً ومنها إلى رستاق الرستاق خمسة عشر ميلاً ومنها إلى فرج وهي مدينة جليلة كاملة أربعة وعشرون ميلاً ومنها إلى تارم وهي مدينة اثنان وأربعون ميلاً فالجميع من شيراز إلى تارم مائتان وستة وأربعون ميلاً.

وبقي أن نذكر شيئاً من مسافات بلاد فارس ومن شيراز إلى كوار ثلاثون ميلاً وهي قرية حسنة عامرة وبها معدن طين أخضر كالسيف كالسلق أشد خضرة منه وهو شهي للأكل ولا يعدله شيء في ذلك ومن شيراز إلى البيضاء أربعة وعشرون ميلاً ومن شيراز إلى توج ستة وتسعون ميلاً ومن شيراز إلى خرمة اثنان وأربعون ميلاً ومن سيراف إلى نجيرم ستة وثلاثون ميلاً ومن روذان إلى أنار أربعة وخمسون ميلاً ومن أنار إلى الكهرج خمسة وسبعون ميلاً ومن الفهرج إلى مدينة كثة ستة وثلاثون ميلاً ومن كثة إلى ميبذ عشرة فراسخ ومن ميبذ إلى عقدة ثلاثون ميلاً ومن عقدة إلى نايين خمسة وسبعون ميلاً.

ولأرض فارس أربعة رموم وتفسير الرموم محال الأكراد ولكل رم منها قرى ومدن مجتمعة وفيها رئيس من الأكراد التزم درك النوائب الكائنة في ناحيته وحفظ الطرق حتى لا يصيب أحداً في أرضه مكروه.

فمنها رم الحسن بن جيلويه ويسمى الرميجان وهو مما يلي إصبهان ويأخذ طرقاً من كورة سابور وطرقا من كورة أرجان فحد منه ينتهي إلى البيضاء وحد منه ينتهي إلى إصبهان وكل ما وقع فيه من المدن والقرى فإنه من عمل إصبهان ويتاخمهم من عمل إصبهان المازنجان الذين هم من بر شهريار وبعده عن شيراز على اثنين وسبعين ميلاً.

والرم الثاني منها هو رم الديوان المعروف برم الحسين بن صالح ويسمى السوران وهو من كور سابور وحد منه يلي أردشير خرة والثلاثة حدود الباقية منه تنعطف بها كورة سابور وكل ما كان من المدن والقرى في أصقابه فهو منها وأقرب حده إلى شيراز على أحد وعشرين ميلاً.

والرم الثالث منها هو رم اللوالجان لأحمد بن الليث وهو من كورة أردشير خرة فحد منه يلي البحر ويلي ثلاثة حدوده أردشير وما وقع في أصقابه من المدن والقرى فهو منها وهو من شيراز على ثمانية وأربعين ميلاً وأما رم الكاريان فإن حداً منه إلى سيف بني الصفار وحد منه إلى المازنجان وحد منه إلى حدود كرمان وحد منه إلى حدود أردشير فحدودها كلها مجتمعة في أردشير خرة.

ويزيد هؤلاء الأكراد الذين هم في هذه الرموم على خمسمائة بيت ويخرج من الحي الواحد ألف فارس وأقل من ذلك وأكثرهم ينتجعون في الشتاء والصيف إلى المراعي وكل واحد من أهل هذه الرموم لا يتحول عنها ولا ينتقل منها بل ينتقل جميعهم فيما لهم من النواحي المختصة بهم لا يدخلون أرض غيرهم وحكى ابن دريد أنهم من العرب من ولد كرد بن مرد بن عمرو بن عامر وللأكراد في بلاد فارس أغنام ورماك وإبل وليس لهم خيل عتاق بل أكثرها هجن وفيها بحومة المازنجان خيل عتاق ولها عندهم أثمان غالية لحسن خلقها وكريم خلقها.

وبأرض فارس قلاع منيعة وحصون حصينة في جبال شاهقة الذرى لا يقدر أحد من الملوك على فتح شيء منها عنوة البتة فمنها قلعة داكباياه وهي جبال ثلاثة كالأثافي القائمة على رأس كل شعبة منها حصن لا يقدر أحد أن يرقى إليه بنفسه إلا أن يرقى به في شيء من البحر وهي مراصد لآل عمارة على البحر تقصد إليها المراكب لأنها ترى من بعد في البحر يستدل بها على فرضات فارس ويذكر أنها من بنيان الجلندى بن كنعان.

ومنها قلعة الكاريان وهي على جبل طين وليس لأحد ارتقاء إليها إلا على طريق مثل مدرج النمل حرج.

ومنها قلعة اسفندياذ من كورة إصطخر في أعلى جبل شاهق والارتقاء إليها في طريق صعب ثلاثة أميال ولا يقدر أحد على من تحصن فيها وامتنع بنفسه ومياهها من الأمطار وإنما تؤخذ بالقعود عليها ومنع الميرة عنها.

ومنها قلعة اشكنوان وهي من رستاق مايين في نهاية من العلو وامتناع من الصعود إليها وفيها عين ماء جارية.

ومنها قلعة جوذرز ومكانها بموضع يعرف بالسويقة من كام فيروز وهي قلعة لا يبصرها الناظر إليها إلا عن جهد وطريقها صعب وقلعة الجص بناحية أرجان وسكانها قوم مجوس وتسمى قلعة بندارس وهي قلعة منيعة جداً لا يستطاع التغلب عليها لامتناع الارتقاء إليها وفيها عين ماء جارية وقلعة ابرج مثلها في المنعة وصعوبة الارتقاء وبها عين ماء جارية.

وفي بلاد فارس أنهار كثيرة كبار وأودية صغار تمد الأنهار ونريد الآن أن نذكر أكثرها حسب ما تبلغه الطاقة وتمكنه القوة والحمد والقوة لله وجميع أنهار فارس تخرج من الجبال المتاخمة لأرض إصبهان وتصب في البحر الفارسي ومياهها كلها عذبة طيبة.

فمنها نهر مسن وهذا النهر الخارج من نواحي إصبهان إلى نواحي السردن يجتمع بنهر طاب عند قرية تسمى مسن ولا يزال فاضلها عن حاجتهم جارياً إلى باب أرجان تحت قنطرة ثكان ويمر قنطرة بين فارس وخوزستان قليلة النظير وهي تضاهي قنطرة قرطبة الأندلس وهي من عجائب البناء وغريبة ويمر هذا النهر حتى يأتي رستاق ريشهر ثم يقع في البحر عند سينيز.

ومن أنهار فارس نهر شيرين ومخرجه من جبل دينان الذي من ناحية بازرنج فيسقي رستاق فرزك والجلادجان ثم يمر فيخترق رستاق ثم يمر فيصب في البحر نحو جنابه.

وأما نهر الشاذكان فإنه يخرج من بازرنج وجبالها حتى يدخل تنبوك وهو رستاق ثم يمر بخان حماد ويسقي رستاق زيداياذ ونابند والكهركان ثم يمتد إلى دشت الرستقان ثم يدخل البحر.

وأما نهر درخيذ فإنه يخرج من الجويخان فيقع في بحيرة درخيذ ونهر الخوبذان فيخرج بالخوبذان فيسقي نواحيها ثم يمر بأبنوران ثم يصب إلى الجلادجان متفرقاً ويتساقط في البحر.

ونهر رس يخرج من الخمايجان العليا حتى يصير بالزيزيان فيسقط في نهر سابور فيمضي إلى توج فيمضي ماراً ببابها ومنها إلى البحر.

ومنها نهر اخشين يخرج من خلاق داذين فإذا بلغ الجنقان وقع نهر توج.

ونهر سكان يخرج من رستاق الرويجان من قرية تدعى شاذفزى فيسقي زرعها ثم ينحدر إلى رستاق سياه فيسقيه ومنها إلى كوار فيسقيها ثم يمر إلى قرية سك وهذا النهر منسوب إلى سك ثم يقع في البحر وليس في أنهار فارس نهر أكثر عمارةً وانتفاعاً من هذا النهر لأن ماءه يخرج عنه فيسقي الرساتيق والعمارات.

وأما نهر جرشيق فإنه يخرج من رستاق ماصرم ونجيرم فيمر برستاق المشجان حتى يخرج تحت قنطرة عادية تعرف بقنطرة سيول حتى يدخل رستاق جرة فيسقيه ثم إلى رستاق داذين ويقع في نهر اخشين.

فأما نهر كر فإنه يخرج من كروان من حد الارد وينسب إلى الكروان وهو من شعب بوان المذكور المشهور ويسقط كام فيروز وينحدر فيسقي قرية رامجرد وكاسكان والطسوج فينتهي إلى بحيرة البختكان.

وأما نهر فرواب فإنه يخرج من الجوبرقان ويعرف بفرواب فيخرج على باب إصطخر تحت قنطرة خراسان حتى يسقط في ناحية الكر.

ونهر برزة يخرج من ناحية دارجان سياه فيسقي رستاق الخنيفغان وجور حتى يخترق رستاق أردشير خره ثم يقع في البحر.

وبأرض فارس من الأودية الصغار كثير أضربنا الآن عن ذكرها خوفاً من السآمة والملل وبالله التوفيق.

وبأرض فارس بحيرات كثيرة عليها عمارات وقرى مسكونة ومزارع ومستغلات فنذكر منها أكبرها قطراً وأكثرها عمارةً وخيراً فمنها بحيرة البختكان التي يقع فيها نهر كر وهي بناحية خفرز وتتصل إلى قرب صاهك كرمان وطولها يكون نحو ستين ميلاً وعرضها في أماكن ستة أميال وأكثر من ذلك وهي ملحة الماء وتعقد أطرافها في حمائم الصيف ملحاً كثيراً يتصرف به وحواليها رساتيق وقرى وعمارات متصلة ويتصل طرفها بكورة إصطخر.

ومن البحيرات الفارسية بحيرة بدشت أرزن من كورة سابور وطولها نحو ثلاثين ميلاً وماؤها عذب ويجف أكثرها في سمائم الصيف وحميم القيظ حتى لا يبقى منها إلا الشيء اليسير وربما امتلأت فكان عمقها نحو من قيم وأقل وأكثر وفي زوارق كثيرة يصاد فيها السمك العجب الكثير العدد الكبير القدر وعامة سموكها تحمل إلى شيراز وتشف كثرتها على ما يحتاج إليه.

وبحيرة مور من كورة سابور بموضع يعرف بكازرون وطولها نحو ثلاثين ميلاً وتتصل إلى قرب مورق وماؤها ملح وفيها زوارق وعامة الساكنين بها يتصيدون السمك ويسيرون به إلى تلك الأقطار المدانية المجاورة لها.

وأما بحيرة الجنكان فماؤها ملح وطولها ستة وثلاثون ميلاً ويرتفع منها ملح كثير وبها مصايد للسمك ومعايش وحولها قرى الكهرجان وهي من أردشير خرة وأولها من شيراز على ستة أميال وآخرها حد الخوزستان.

وبحيرة الباسفرية التي عليها دير الباسفرية طولها نحو من أربعة وعشرين ميلاً وماؤها ملح وسمكها كثير ومع أطرافها آجام كثيرة فيها قصب وبردي وحلفاء وغير ذلك مما ينتفع به أهل تلك النواحي وهي من إصطخر متاخمة للمزرقان من رستاق هزار وبها من البرك والمناقع كثير ولا حاجة بنا إلى ذكرها.

وبجميع أرض فارس وفي كل مكان منها بيوت نيران وهي كثيرة يفضلون بعضها على بعض فمنها بيت الكاريان وهو بيت معظم لناره موقده منذ ألف سنة ونيف ومنها بيت نار بجرة وهي منسوبة إلى دارا بن دارا وهو بيت معظم عند الفرس وبه يقسمون وهي أعظم أيمانهم التي يحلفون بها وبحقها ومنها بيت بارين وموضعها عند بركة جور ومنها بيت نار عند باب سابور وتعرف بسيوخشين ومنها بيت نار آخر على باب سابور أيضاً ومحاذياً لباب ساسان ويسمى بجنبذ كاوسن ومنها بيت نار بكازرون أيضاً وهو معظم عندهم ومنها بيت شيراز وهو كبير عند أهله معظم يقسمون به ومنها بيت نار يسمى بهرمزد وعلى مقربة من شيراز بالقرية المعروفة بالسوكان وهو على شرف عال وأهل شيراز يرونه من قطرهم وقرية السوكان في شمال شيراز وعن يسار طريق يزد الآخذ إلى خراسان وبينها وبين شيراز نحو ميل وكان بأرض فارس بيوت نيران كثيرة تعطلت برجوع أكثر الفرس إلى دين الإسلام وبقي أكثر أماكنها إلى الآن بلاقع.

وأرض فارس مربعة الطول والعرض وطولها أربعمائة وخمسون ميلاً في أربعمائة وخمسين ميلاً وأرض فارس مستوية على خط من لدن أرجان إلى النوبنجان إلى كازرون إلى جرة ثم تمتد على الرموم ودارابجرد إلى فرج وتارم فما كان مما يلي الجنوب فجروم وما كان مما يلي الشمال فصرود.

ويقع في جرومها أرجان والنوبنجان ومهروبان وسينيز وجنابة وتوج ودشت الرستقان وجرة وداذين ومور وكازرون ودشت بارين وجينزير ودشت البوشقان ورم اللوالجان وكير وكبرين وابزر وسميران وخمايجان وكران وسيراف ونجيرم وحصن ابن عمارة وما في أضعاف ذلك.

ويقع في الصرود إصطخر والبيضاء ومايين وابرج وكام فيروز وكرد وخلار وسروستان والاوسبنجان والارد والرون وصرام وبازرنج والسردن والخرمة والنيريز والماشكانات والايج والاصطهبانات وبرم ورهنان وبوان وطرخيشان والجوبرقان واقليد والسرمق وابرقويه ويزد وجارين ونايين وما في أضعاف ذلك من البلاد وهواء بلاد الصرود صحيح معتدل وهواء الجروم وخيم فاسد وفيما ذكرناه من أخبار فارس كفاية لذوي التفهم والدراية.

وبهذا الجزء من بلاد كرمان مدينة هرمز والمنوجان وقرية سوروا على البحر وجبال البلوص وسنذكر أرض كرمان بذاتها وجميع بلادها على التقصي عند ذكرنا ما في الصورة التي تأتي بعد هذا إن شاء الله تعالى.

نجز الجزء السادس من الإقليم الثالث والحمد لله ويتلوه الجزء السابع منه إن شاء الله.