نزهة الفتيان في تراجم بعض الشجعان/هاشم بن عتبة بن أبي وقاص

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


هاشم المرقال رضي الله عنه

هو ابن عتبة بن أبي وقاص القرشي الزهري ابن أخي سعد بن أبي وقاص الشجاع المشهور المعروف بالمرقال لقِّب بالمرقال؛ لأنه كان يرقل في الحرب؛ أي: يسرع، والإرقال نوع من العدوِ لقبَّه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، أسلم يوم الفتح وحضر مع عمه حرب الفرس بالقادسية، وكان بالشام مع من يقاتل الروم فحضر اليرموك وفُقئت عينه فيها، فلما استمد سعدٌ عمرَ كتب عمر إلى خالد بالشام أن أرسل هاشم بن عتبة في ثلاثة آلاف من المسلمين إلى العراق مددًا لسعد فأرسله فوصل في اليوم الثاني من أيام القادسية والمسلمون مشتبكون مع فارس، فلما دنا منهم عبَّأ أصحابه مائة مائة، وأرسل القعقاع بن عمرو التميمي في مقدمته فطلعت مائة على المسلمين كالخيط الممتد حتى إذا تم آخرها تلتها مائة أخرى وهكذا حتى انتهوا فتقوَّى بهم المسلمون ونشِطوا وكانت له بها آثار مذكورة، ولما فرغ سعد من القادسية وتوجه إلى مدائن كسرى أرسله في مقدمته فتعرض أسدٌ على عقَبة من الطريق، وكان هاشم متأخرًا فأحجم الجيش فجاء هاشم، فقال: مالكم؟ قالوا: أسد منعنا الطريق، فأخذ السيف وتقدم إليه فضربه على هامته فقتله، فمرَّ الجيش، فلما جاء سعد أخبر بذلك فقبَّل رأس هاشم وقبَّل هاشم رجليه ففتحها ومكث بها ينتظر أمر عمر، فاجتمعت جموع عظيمة من فارس بجلولاء، فكتب سعد إلى عمر يخبره بذلك، فكتب إليه عمر أن أرسل ابن أخيك هاشمًا في اثني عشر ألفًا من المسلمين فعقد له عمه اللواء، وأمَّره على العدد المذكور فسار إليهم ففضَّ جمعهم وأباد أكثرهم وقتل منهم أكثر من وقعة القادسية، ويقال: إن الذي قتل منهم بجلولاء مائة ألف، ولذلك سميت الوقعة جلولاء لتجلُّل القتلى فيها؛ أي: تراكم بعضهم على بعض، وقد وصفها بعض شعراء المسلمين مع نهاوند بقوله:

ولو شهدت يومي جلولاء حربَنا
ويوم نهاوند المهول استهلَّتِ

ولما بلغ أهل الكوفة قتل عثمان رضي الله عنه قال هاشم بن عتبة لأبي موسى الأشعري وكان أبو موسى عاملًا لعثمان على الكوفة: يا أبا موسى بايع لخير هذه الأمة عليًّا، فقال له أبو موسى: لا تعجل فوضع هاشم يده على الأخرى، وقال: هذه لعلي، وهذه لي، وقد بايعت عليًّا وأنشده:

أبايع غير مكترث عليًّا
ولا أخشى أميرًا أشعريّا
أبايعه وأعلم أن سَأُرْضِي
بذاك الله حقًّا والنبيا

وحضر مع علي رضي الله عنه الجمل وصِفِّين واستشهد بها، وأعطاه علي الراية يوم صِفين فزحف بها وهو يقول:

أعور يبغي أهله محلا
قد عالج الحياة حتى ملاَّ
لا بد أن يَفُلَّ أو يُفَلَّا

فقال معاوية لعمرو بن العاص: يا عمرو، وهذا المرقال والله إن زحف بالراية زحفًا إنه ليوم أهل الشام الأطول، ولكني أرى ابن السوداء إلى جنبه -يعني عمارًا- وفيه عجلة في الحرب فأرجو أن تقدمه إلى الهلَكة وجعل عمارٌ يقول لهاشم: تقدم يا أبا عتبة، فيقول له هاشم: يا أبا اليقظان، أنا أعلم منك بالحرب، دعني أزحف بالراية زحفًا، فلما أضجره وتقدم أرسل معاوية خيلًا فتخطفوا عمارًا، فكان يسمِّي أهل الشام قتلَ عمار فتح الفتوح وقاتل بعده هاشم قتالًا شديدًا حتى صرع، وضربه رجل من أهل الشام على رجله فقطعها فضربه هاشم بها فصرعه، وجعل يقاتل من دنا منه وهو بارك ويقول: (الفحل يحمي شوله معقولًا) حتى قتل ورثاه أبو الطفيل عامر بن واثلة بقوله:

يا هاشم الخير جزيت الجنه
قاتلت في الله عدوَّ السنَّهْ
أفلح بما فزت به من مِنَّهْ

وكانت إحدى عينيه ذهبت في جهاد الروم فلذلك ذكرها في شعره.