نزهة الفتيان في تراجم بعض الشجعان/مالك بن الحارث الأشتر النخعي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


مالك بن الحارث

النخعي الملقب بالأشتر، من كبار التابعين، أحد الفرسان المعدودين بطل كبير وضيغم زئير، كان رأس قومه، وحامل رايتهم في فتوح الشام، وله آثار فيها سطرها له التاريخ، روى عن عمر، وخالد بن الوليد، وأبي ذر، وعلي بن أبي طالب وصحبه، وشهد معه الجمل، وكان على ميمنة الجيش، وهاشم بن عتبة المرقال على ميسرته، وحمل أصحاب طلحة على أصحاب علي فكشفوهم، فقال علي للأشتر: احمل فحمل فكشف من بإزائه من أصحاب طلحة، وقال لهاشم بن عتبة: احمل فحمل، فكشف من بإزائه فقال علي لأصحابه: كيف رأيتم ميسرتي وميمنتي؟

وقال عبد الله بن الزبير: التقيت مع الأشتر يوم الجمل فما ضربته ضربة حتى ضربني خمسة أو ستة ثم جرَّ برجلي فألقاني في الخندق، وقال: لولا قربك من رسول الله ما اجتمع فيك عضو إلى آخر، وكذلك في صفين، وأظهر فيها شجاعة عظيمة، وحمل برايته حينما قُتل عمار بن ياسر حتى وصل سرادق معاوية وكشف الذين حوله من أهل الشام حتى ألجأهم إلى رفع المصاحف على الرماح، والدعاية إلى التحكيم، وولاه عليٌّ على مصر بعد صرف قيس بن سعد بن عُبادة عنها، فلما وصل إلى القلزم شرب شربة عسل فمات، فقيل: إنها مسمومة، وكان ذلك سنة ثمان وثلاثين، وهو القائل يهدد معاوية رضي الله عنه:

عدِمْتُ وفْرِي وانحرفت عن العُلى
ولقيت أضيافي بوجه عبوس
إن لم أشن على ابن هند غارة
لم تخل يومًا من ذهاب نفوس

وكان ابنه إبراهيم بن الأشتر من الفرسان المشهورين أيضًا، قاد جيش المختار بن أبي عبيد الثقفي، وأخذ بثأر الحسين، وهو الذي قتل عبيد الله بن زياد، وأباد أكثر جند الشام، وقتل مع مصعب بن الزبير وقد كان مصعب ولاه الحرب حينما زحف إليه عبد الملك بن مروان، وكان عبد الملك كاتب رؤساء العراق، ومن جملتهم إبراهيم بن الأشتر يدعوهم إلى بيعته، وخلع طاعة ابن الزبير، فبايعوه كلهم سرًّا إلا ابن الأشتر، وقد كان عبد الملك قال له في كتابه إليه: إن بايعتني أهدر لك دماء أهل الشام التي أصبتها، وأجعل لك أعنة الخيل، فلم يقبل، ووفى لابن الزبير، ونصح مصعبًا وحذره من أهل العراق، وقال: اقتل رؤساءهم؛ فإنهم بايعوا عبد الملك قبل أن يفسدوا عليك العامة ويخذلوك، فأبي فقال له: احبسهم فأبى مصعب أيضًا، وأمر إبراهيم أن يزحف في مقدمته إلى عبد الملك فزحف في عدد قليل، فلما التقى مع عبد الملك أرسل إلى مصعب يستمده فأرسل له عتاب بن ورقاء الرياحي في جيش فغضب وتأفف، وقال: يمدني بعتاب وأمثاله الذين بايعوا عبد الملك، والله ليجرَّن علينا الهزيمة، فلما التقوا انهزم عتاب وأكثر الجيش عن ابن الأشتر وأسلموه، فحمل على أهل الشام مستميتا وأنكى فيهم حتى قتل وأسلم العراقيون مصعبًا بعده أيضًا وتركوه وابنه فقاتل أيضًا مستميتًا بعد أن بذل له عبد الملك الأمان فلم يقبل حتى قتل هو وابنه.