نزهة الفتيان في تراجم بعض الشجعان/الحارث بن ظالم المري الفاتك

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


الحارث بن ظالم

فأما الحارث بن ظالم المري ثم الغطفاني فإنه وفد على الأسود بن المنذر أخي النعمان بن المنذر ملك العرب فوجد عنده خالد بن جعفر سيد بني عامر فقدم لهما تمرًا فجعل خالد يأكل ويلقي النوى بين يدي الحارث عبثًا به ثم قال له: يا حارث ألا تشكر يدي عندك أن قتلت عنك سيد قومك زهيرًا وتركتك سيدهم، وكان خالد بن جعفر قتل زهير بن جذيمة العبسي سيد غطفان فقال له الحارث: سأجزيك شكر ذلك، فلما خرج الحارث قال الأسود لخالد: ما دعاك إلي أن تحترش بهذا الكلب وأنت ضيفي، فقال له خالد: إنما هو عبدي لو وجدني نائمًا ما أيقظني، وانصرف خالد إلى قبته فلامه عروة الرحال ابن أخيه ثم ناما وقد أسرجت عليهما القبة، وكان مع الحارث تبيع له من بني محارب فأعطاه ناقته، وقال له: انتظرني بمكان كذا، فإن طلع كوكب الصبح ولم آتك فاذهب حيث شئت ثم انطلق الحارث حتى أتى قبة خالد فهتكها ودخل، وقال لعروة: اسكت لا بأس عليك أنت، ثم أقبل إلى خالد فقتله، وخرج فصاح عند ذلك عروة وَا جِوَار الملك، فأقبل الناس إليه وسمع الملك، وهرب الحارث فلجأ إلى معبد بن زرارة سيد بني تميم فأجاره فقالت بنو تميم لمعبد: ما لَك آويت هذا المشئوم، وأغريت بنا الأسود وخذلوه إلا جماعة منهم فوقع بذلك يوم رحرحان بين بني عامر وبني تميم، فكسرت تميم، وأسر معبد بن زرارة وبقي في الأسر حتى مات عند بني عامر، ثم تنقل الحارث في قبائل العرب حتى استقر عند طيء فمكث عندهم حينًا، فلما عجز الأسود عنه أرسل إلى جارات كن له فاستاقهن وأموالهن فبلغ ذلك الحارث ابن ظالم فخرج من عند طيء، واندس في الناس حتى علم مكان جاراته ومرعى بيهن فاستنقذهن واستاق إبلهن فألحقهن بقومهنَّ، واندس في بلاد غطفان حتى أتى سنان بن أبي حارثة المرِّي وهو أبو هرم الذي مدحه زهير وكان الأسود بن المنذر قد استرضع ولده شرحبيل عند سلمى امرأة سنان فكانت لا تأمن على ابن الملك أحدًا فاستعار الحارث سرج سنان وكان سنان في ناحية الشَرَبَّة بعيدًا عن الحي فحمله وأتى به امرأة سنان وسنان لا يعلم ما يريد بذلك فقال لها: يقول لك بعلك: ابعثي ابنك مع الحارث؛ فأني أريد أن استأمن له الملك وهذا سرجه آية على ذلك فزينته سلمى ودفعته إليه فأتى به ناحية من الشرَبَّة وقتله، وقال يخاطب الأسود بن المنذر:

أخصْيَيْي حِمارٍ بات يكدم نجمة
أتأكل جاراتي وجارك سالم
علوتُ بذي الحيَّات مفْرِق رأسه
ولا يركب المكروه إلا الأركام
فتكت به كما فتكت بخالدِ
وكان سلاحي تحتويه الجماجم
بدأت بتلك وانثنيت بهذه
وثالثة تبيَضُّ منها المفادم

وهرب إلى الشام فالتجأ إلى يزيد بن عمرو الغساني فأجاره وأكرمه وكان للغساني ناقة محملة في عنقها مدية وزناد وصرة ملح وكان يمتحن بها رعيته لينظر من يجترئ عليه فوحمت امرأة الحارث فاشتهت شحمًا فانطلق الحارث إلى ناقة الملك فنحرها وأتاها بشحمها وفقدت الناقة فأخبر الملك بأن الحارث نحرها فأمر رجلًا من بني تغلب بقتله فقتله وأخذ سيفه وأتى به سوق عكاظ في الأشهر الحرم فأراه قيس بن زهير فقتله قيس وقال يرثى الحارث بن ظالم:

وما قصرت من حاضر دون سرها
أبر وأوفى منك حار بن ظالم
أعز وأحمى عند جارٍ وذمة
وأضرَب في كابٍ من النَّقْعِ قَاتِم