انتقل إلى المحتوى

من قلد الزهر جمان الندى

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مَنْ قَلَّدَ الزَّهْرَ جُمَانَ النَّدَى

​مَنْ قَلَّدَ الزَّهْرَ جُمَانَ النَّدَى​ المؤلف محمود سامي البارودي


مَنْ قَلَّدَ الزَّهْرَ جُمَانَ النَّدَى
وألهمَ القمرىَّ حتَّى شدا؟
وَزَيَّنَ الأَرْضَ بِأَلْواَنِهَا
وصوَّرَ الأبيضَ والأسودا؟
سُبْحَانَ مَنْ أَبْدَعَ في مُلْكِهِ
حَتَّى بَدَا مِنْ صُنْعِهِ مَا بَدَا
تنَزَّهت عن صفةٍ ذاتهُ
وقامَ فى لاهوتهِ أوحدَا
فَاسْجُدْ لَهُ، وَاقْصِدْ حِمَاهُ تَجِدْ
ربَّاً كريماً، ومليكاً هدى
فَقُمْ بِنَا يَا صَاحِ نَرْعَ النَّدَى
ونسألِ الله عميمَ النَّدى
أما ترى كيفَ استحارَ الدُّجى؟
وكيفَ ضَلَّ النَّجمُ حتَّى اهتَدى؟
وَلاَحَ خَيْطُ الْفَجْرِ فِي سُحْرَةٍ
كصارمٍ فى قسطلٍ جُرِّدا
فالجوُّ قد باحَ بِمكنونهِ
وَالأَرْضُ قَدْ أَنْجَزَتِ الْمَوْعِدَا
غَمَامَةٌ أَلْقَتْ بِأَفْلاَذِهَا
وَجَدْوَلٌ مَدَّ إِلَيْنَا يَدَا
فانهَض، وسِر، وانظُر، ومِل، وابتهِجْ
وَامْرَحْ، وَطِبْ، واشْربْ لِتُرْوِي الصَّدَى
ولا تسَل عَن خبَرٍ لم يَحِن
ميقاتهُ، وانظُر إلى المُبتدا
وَلاَ تَلُمْ خِلاًّ عَلَى هَفْوَةٍ
فقلَّما تَلقى فتىً أَمجدا
لو علِمَ الإنسانُ ما أضمرَت
أَحْبَابُهُ، هَانَتْ عَلَيْهِ الْعِدَا
فَدَعْ بَنِي الدُّنْيَا لأَهْوَائِهِمْ
وَلاَ تُطِعْ مَنْ لاَمَ، أَوْ فَنَّدَا
ما لِي وَلِلنَّاسِ وَأَعْمَالِهِمْ؟
كُلُّ امرئٍ رَهنُ حِسابٍ غَدا
هَلْ هِيَ إِلاَّ مُدَّةٌ تَنْقَضِي؟
وكُلُّ نَفسٍ خُلِقَت للرَّدى
فاستعمِل الرِفقَ تَعش راشداً
واعْطِفْ عَلَى الأَدْنَى تَكُنْ سَيِّدَا
واسعَ لما أنتَ لَهُ، فالفتى
إِنْ هَجَرَ الرَّاحَةَ حَازَ الْمَدَى
ما خلقَ اللهُ الورَى باطلاً
لِيَرْتَعُوا بَيْنَ الْبَوَادِي سُدَى
فَاقبَل وصاتى، واستمِع حِكمتى
فَلَيْسَ مَنْ أَغْوَى كَمَنْ أَرْشَدَا
إِنِّي وَإِنْ كُنْتُ أَخَا صَبْوَةٍ
ومَسمَعٍ يُطربُنى من شدا
فقَدْ أزُورُ اللَّيثَ فى غابِهِ
وأهبِطُ الأرضَ عليها النَّدى
وأَصْدَعُ الْخَصْمَ، وَما خِلْتُنِي
أصدعُ إلاَّ البَطلَ الأصيدا
بِلَهْذَمٍ لَيْسَتْ لَهُ صَعْدَةٌ
لَكِنَّهُ يَمْضِي إِذَا سُدِّدَا
أَوْ صَارِمٍ يَفْرِي نِيَاطَ الْكُلَى
وَلَمْ يزَلْ في جَفْنِهِ مُغْمَدَا
ماضِى الغرارينِ، ولَكِنَّهُ
لا يعرِفُ الصَّيقلَ والمبَردا
أَوْ مِشْقَصٍ إِنْ فَوَّقَتْ نَصْلَهُ
إلى امرئٍ غيرُ يدٍ أقصدا
أَو طائرٍ فى وكرهِ جاثِمٍ
يشوقُ إن هينَمَ أو غرَّدَا
لم يعدُ كِنَّاً لم يزَلْ ساكِناً
فيهِ، وباباً دونهُ مؤصَدَا‍‍‍‍‍‍‍‍
قَدْ لاَنَ، إِلاَّ أَنَّهُ إِنْ قَسَا
يومَ نِضالٍ؛ صَدَعَ الجَلمدَا
مُعتَقلٌ، لكنَّه مُطلقٌ
يَجولُ فى مَسكَنهِ سَرمَدا
يَحْكُمُ بِالذَّوْقِ علَى ما يَرَى
وَيَعْرِفُ الأَصْلَحَ وَالأَفْسَدَا
لهُ صِحابٌ قد أحاطَت بهِ
تنقُلُ عَنهُ نبَراتِ الصَدَى
فَهْوَ بِهَا مُجْتَمِعٌ شَمْلُهُ
إِنْ أَصْدَرَ الْقَوْلَ بِهَا أَوْرَدَا
مُشتَبِهاتُ الرَصفِ فى جودةٍ
تَبَارَكَ اللَّهُ الَّذِي جَوَّدَا
يبيتُ مِنها وَهوَ ذو مِرَّةٍ
في رَصَفٍ مِنْ لُؤْلُؤٍ نُضِّدَا
ذَاكَ لِسَانِي، وَهْوَ حَسْبِي إِذَا
ما أبرَقَ الحاسدُ أو أرعدا