انتقل إلى المحتوى

من عاشق ناء هواه دان

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

من عاشقٍ ناءٍ هواهُ دانِ

​من عاشقٍ ناءٍ هواهُ دانِ​ المؤلف صفي الدين الحلي


من عاشقٍ ناءٍ، هواهُ دانِ،
ناطِقِ دَمعٍ صامتِ اللّسانِ
موثقِ قلبٍ مطلقِ الجثمانِ،
مُعَذَّبٍ بالصّدّ والهِجرانِ
من غَيرِ ذَنبٍ كَسَبتْ يَداهُ،
غيرَ هَوًى نمّتْ بِهِ عَيناهُ
شوقاً إلى رؤيةِ من أشقاهُ،
كأنما عافاهُ من أبلاهُ
يا ويحهُ من عاشقٍ ما يلقى،
من أدمعٍ منهلةٍ ما ترقا
ذابَ إلى أن كانّ يفني عشقاَ،
وعن دقيقِ الفكرِ عنهُ ذقّا
لم يبقَ منهُ غيرُ طرفٍ يبكي،
بأدمعٍ مثلِ نظام السلكِ
يُخمِدُ نِيرانَ الهَوى ويُذكي،
كأنّها قَطرَ السّماءِ تَحكي
إلى غَزالٍ من بَني النّصارَى،
فضلَ بالحسنِ على العذارى
كلُّ الورى منذُ نشا حيارَى،
في رِبقَةِ الحُبّ لهُ أسارَى
يا عمرو ناشَدتُكَ بالمَسيحِ
ألا سمعتَ القولَ من نصيحِ
يُعربُ عن قَلبٍ لهُ جَريحِ،
ليسَ من الحبّ بمستريحِ
يا عمرو بالحَقّ منَ اللاّهوتِ،
والروحِ روح القدسِ والناسوتِ
بحَقّ ناسوتٍ ببَطنِ مَريمِ،
حَلّ مَحلّ الرّوحِ منها في الفَمِ
ثمّ استحالَ في القنومِ الأقدمِ،
يُكَلّمُ النّاسَ ولمّا يُفطَمِ
بحَقّ مَن بَعدَ المَماتِ قُمّصَا
ثوباً على مقدارهِ ما قصصَا
وكانَ للَّهِ تَقِيّاً مخلِصَا،
ومبرئاً من أكمهٍ وأبرصَا
بحَقّ مُحيي صورَةِ الطّيورِ،
بالنّفخِ في المَوتَى وفي القبُورِ
ومَن إلَيهِ مَرجِعُ الأُمُورِ،
يعلمُ ما في البرّ والبحورِ
بحَقّ مَن في شامخِ الصّوامعِ
من ساجدٍ لربهِ وراكعِ
يبكي، إذا ما نامَ كلّ هاجعِ،
خَوفاً من اللَّهِ بدَمعٍ هامعِ
بحَقّ قومٍ حَلَقوا الرّؤوسَا،
وعالجوا طولَ الحياةِ بوسا
وقرعوا في البيعةِ الناقوسا،
مشمعلينَ يعبدونَ عيسَى
بحَقّ ماري مَريمٍ وبولُسِ،
بحَقّ شَمعون الصّفا وبطرُسِ
بحَقّ دانيلٍ وحَقّ يُونُسِ،
بحَقّ حَزقيلَ، وبَيتِ المَقدِسِ
ونينَوى إذ قامَ يَدعو رَبّهُ
مطهراً من كلّ ذنبٍ قلبهُ
ومستقيلٍ، فأقيلَ ذنبهُ،
ونالَ من أبيهِ ما أحَبّهُ
بحَقّ ما في قُلّةِ المَيروُنِ
من نافِعِ الأدواءِ للجنُونِ
بحَقّ ما يُؤثَرُ عن شَمعونِ
من بَرَكاتِ النّخلِ والزّيتونِ
بحَقّ أعيادِ الصّليبِ الزُّهرِ،
وعيدِ مارِيّا الرّفيعِ الذّكرِ
وعيدِ أشموني، وعيدِ الفِطرِ،
وبالشعانينِ الجليلِ القدرِ
وعيدِ اشَعيا وبالهَياكِلِ،
والدخنِ اللاتي لوضعِ الحاملِ
يشفى بها من كلّ خبلٍ،
ومن دَخيلِ السّمّ في المَفاصِلِ
بحَقّ سَبعين من العِبادِ،
قاموا بدينِ اللهِ في البلادِ
وأرشدوا الناسَ إلى الرشادِ،
حتى اهتدى من لم يكن بالهادي
بحَقّ الاثني عشرَ منَ الأمَم،
ساروا إلى الرحمن يتلونَ الحكم
حتى إذا صُبحُ الهدى جَلا الظُّلَم،
صاروا إلى اللَّهِ ففازوا بالنِّعَم
بحَقّ ما في مُحكَمِ الإنجيلِ
من منزلِ التحريمِ والتحليلِ
وبالبتول والأبِ الهيولي،
بحَقّ جيلٍ قد مضَى وجيلِ
بحَقّ مار عَبدا التّقيّ الصّالحِ،
بحَقّ لوقا، بالحَكيمِ الرّاجحِ
والشّهَداءِ بالفَلا الصّحاصِحِ،
من كلُّ غادٍ منهمُ ورائحِ
بحَقّ مَعموديّةِ الأرواحِ،
والمذبحِ المعمورِ في النواحي
ومن به من لابس الأمساحِ،
من راهبٍ باكٍ ومن نَوّاحِ
بحَقّ تَقريبِكَ في الآحادِ،
وشربكَ القهوةَ كالفرصاد
وما بعَينَيكَ من السّوادِ،
بطولِ تقطيعكَ للأكبادِ
بحَقّ شَمعونَ، وما يَرويهِ
بالحمدِ للهِ وبالتنزيهِ
وكلّ ناموسٍ لهُ فَقيهِ،
مُؤتَمَنٍ في دينِهِ وجيهِ
شيخينِ كانا من شيوخِ العلمِ،
وبَعضِ أركانِ التّقَى والحِلمِ
لم ينطقا قطّ بغيرِ الفهمِ،
موتهما كانَ حياةَ الخصمِ
بحُرمَةِ الأسقُفِّ، بالمطرانِ،
والجاثِليقِ العالِمِ الرّبّاني
والقِسّ، والشمّاسِ، والغُفرانِ،
والبَطرَكِ الأكبرِ، والرّهبانِ
بحُرمَةِ المَحبوسِ في أعلى الجَبَل،
بحَقّ لوقا حينَ صَلّى وابتَهَل
وبالمَسيحِ المُرتضَى وما فَعَل
وبالكنيساتِ القديماتِ الأُوَل
بكلّ ناموسٍ لهُ مقدَّمِ
يعلمُ الناسَ ولمّا يعلمِ
بحُرمَةِ الصّومِ الكَبيرِ الأعظَمِ،
وما حَوَى الميلادُ لابنِ مريمِ
بحَقّ يومِ الذّبحِ في الإشراقِ،
وليلةِ الميلادِ والسلاقِ
بالذّهَبِ الإبريزِ لا الأوراقِ،
بالفصحِ يا مهذبَ الأخلاقِ
ألاّ سعيتَ في رضَى أديبِ،
باعَدَهُ الحبُّ عن الحَبيبِ
فذابهُ شوقاً إلى المذيبِ،
أعلى مُناهُ أيسَرُ القَريبِ
وانظُرْ أميري في صَلاحِ أمري،
مُحتَسِباً فيّ عَظيمَ الأجرِ
مكتَسِباً منّي جَميلَ الشّكرِ،
في نظمِ ألفاظٍ ونظمِ شعرِ