مفيد العلوم ومبيد الهموم/كتاب في قواعد الدين/الباب الأول

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


الباب الأول في النظر والاستدلال وفيه ثلاثة فصول


(الفصل الأول فيما يلزم بالنظر)

اعلم أن النظر قانون الاستدلال في الأمور وحاكم العدل وقاضي الصدق ومعيار الشريعة ومحك الحق والباطل وبريد المعرفة وسلطان الحقيقة وبرهان الشريعة وترجمان الايمان وجاسوس الكلام وغارس الإسلام وحجة الأنبياء ومحجة الأولياء والسيف القاطع على الأعداء شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. فالنظر رأس السعادة عند أهل الدنيا والدين فبقاء الدولة وقاعدة الأمور وأساس التدابير وصحة الاعتقاد وخلاصة التوحيد في ناصية النظر كما أن أساس الكفر والشرك في ناصية التقليد وتذكر ساعة في صنع الله وتفكر لحظة في فعل الله أفضل وأحسن من عبادة سبعمائة سنة قيام ليلها وصيام نهارها وإليه إشارة قوله تفكر ساعة خير من عبادة ستين سنة لأن النظر يوصل العبد إلى المعرفة فيعرف الله تعالى ومن عرف الله تعالى فقد نال العز الأبدي والسعادة الكلية يا بردها على الفؤاد والكبد فأهل الدين بالنظر يعرفون حقيقة الدين والمعارف كما أن أهل الدنيا بالنظر يحصلون مقاصد الدنيا ولا يمكن معرفة سبيل النجاة من الهلاك إلا بالنظر عرفه من عرفه وجهله من جهله.

الفصل الثاني في حده وحقيقته

فأقول حقيقة النظر هو المكر في حال المنظور فيه لمعرفة حكمه وقيل هو فكر القلب في شاهد يدل على غائب فان قبل اطنبت الخطبة واحسنت السؤال فما حجتك على صحته وأنه مؤد إلى المسلم فأقول في العالم حق وباطل والناس صنفان أهل الحق وأهل الباطل وأصحاب الصدق وأصحاب الكذب ولا بتصور معرفة الحق من الباطل الا بالنظر فالآدمي خلق كامل الرأي عظيم التدبير داركا للمعاني وأعطاه الله الادراك وهو العقل فاذا استعمله على وجهه وقع عنده العلم بالمنظور فيه كما يقع العلم بالمدركات عند الادراك فعند فتح الاجفان يبصر الأشياء وعند الاستماع والاسغاء يسمع وعند استعمال اللسان يتكلم فعند النظر يعلم ولو كان فاسدا لم يتضمن العلم لان الفاسد لا يحكم له بفضية صحيحة والدليل على أن النظر يوصل الى السلم وهو طريق الحقائق فزع العقلاء اليه اذا التبس عليهم حكم شيء من الغائبات كما يفزعون الى البصر والسمع تعريف ما يخفي من أحوال المرتبات والمسموعات واذا التبس عليهم شيء من أحوال الحواس الذوق والشم واللمس رجعوا الى النظر ( دليل آخر ) عرفنا أن النظر دليل إلى العلم ضرورة فان عقلاء العالم وجهابذة المعاني مهما نزلت بهم نازلة أو حدث لهم حادث من المشكلات المهمات فزعوا إلى النظر وتفكروا وتدبروا ليعرفوا وجه الصواب من الخطأ والحق من الباطل فعرفنا بضرورة العقل أن النظر طريق العلم فها نحن معاشر المسلمين أعرف الحق من الباطل بالنظر وتعرف الكفر من الايمان بالنظر ونعرف الله ورسوله بالنظر وأن الباطنية شر خليقة الله وهم زنادقة كفار ودهرية ضلال واعرف ان التقليد باطل ولا معصوم الا رسول الله صلى الله عليه وسلم على رغم الباطنية أعداء الله كل ذلك بالنظر وقد قيل كيف تعرف النظر أو اعرف الشيء بالشئ هذا بديع في القياس بعيد ياقاضي العدل اذا حكم عدل فاقول عن صبوح يرفعون عرفت شيئا وغابت عنك أشياء عرفت صحة النظريم أعلم به صحته في نفسه فتصحيح الشيء بما يدعى له الصحة غير متنافض وافساد الشيء بما يدعي له الفساد متناقض لأبي اذا صحت انتظر لجزء من المنظور دخل ذلك الجزء من انظر أيضاً في حملة مصححته فعرفت موته ما به صحنه في نفسه

الفصل الثالث في وجوبه

فاقول ان النظر واجب لان معرفة الله تعالى واجبة ولان تاركه لا يأمن العقاب وهذا معنى الواجب وبيان أن معرفة الله تعالى واجبة الآيات الدالة عليها واجماع الأمة قاما الآيات فقوله تسالي فاعلم أنه لا اله إلا الله فاعلموا أن الله مولاكم قل انظروا مادا في السموات والأرض ان في خلق السموات والارض حتى قال العلماء نزلت بالمائة آية في الحث على النظر والمعرفة والاجماع منعقد على ذلك ولان شيئاً من الشرائع في العلوة والزكاة والعرب لا يصح التقرب به إلى الله تعالى الا بعد معرفة الله سبحانه لأن العبادة لا يصح أداؤها الا بالنية والنية قصد القلب الى افراد الرب بالعبادة وقصد من لا يعرف بافراد العبادة لا يصح واعلم أن الطريق الى المعرفة هو النظر الصحيح فإن معرفة الله تعالى ليست ضرورية اذ لو كانت لما تصور فيه الخلاف كمعرفة الليل والنهار ووجود الآدمي فاذاتت أن معرفة الله سبحانه لا تعكس الابالظرف النظر واجب لان مالم يتأد العبادة الابه كان واحبا في نفسه كالصلاه لا يؤدي الا بالمهارة فلا جرم تكون الطهارة واسية والأمر بالصعود الى السطح أمر بنصب السلم