معركة الإسلام والرأسمالية (1952)/شبهات حول حكم الإسلام

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
​شبهات حول حكم الإسلام​ المؤلف سيد قطب


شبُهات حول حكم الإسلام

تغيم على الإسلام، وعلى حكم الإسلام، شبهات داكنة في نفوس هذا الجيل، بعض هذه الشبهات ناشئ من الجهل الفاضح بكل شىء عن هذا الدين؛ ذلك الجهل الذى لا يريد أصحابه أن يعترفوا بأنه نقص في ثقافتهم. على الأقل بوصفهم ناساً يعيشون فى دولة دينها الرسمى هو الإسلام. والإسلام عقيدة الأغلبية من سكانها، فهو إذن عنصر ضروري لدراسة المجتمع فيها، ولكل دراسة عقلية أو فنية فى محيطها. وبدلا من أن يعتذروا عن هذا النقص المعيب فى ثقافتهم، فإنهم يتخذون منه فضيلة، أو يستشهدون به على أنهم «مثقفون»!

وبعض هذه الشبهات ناشئ عن التباس فكرة الدين ذاته، بمن يسمون فى هذا العصر «رجال الدين»، وهو التباس مؤذ للإسلام ولصورته فى نفوس الناس، فهؤلاء «الرجال الدين» أبعد خلق الله عن أن يمثلوا فكرته، ويرسموا صورته لا بثقافتهم، ولا بسلوكهم، ولا حتى بزيهم وهيئتهم؛ ولكن الجهل بحقيقة هذا الدين، والثقافة المدرسية الباقية من عهد الاحتلال، والتى ما زال يشرف عليها الرجال الذين صنعهم الاحتلال؛ والأدوات التنفيذية التي صاغها بيده، لتسد مسده بعد رحيله هذا الجهل الناشئ عن تلك الثقافة. لا يدع للناس صورة عن الإسلام يرونها إلا فى هؤلاء الذين يعرفونهم «الرجال دين» وهى أسوأ صورة ممكنة للإسلام، ولأي دين من الأديان!

وبعض هذه الشبهات ناشئ عن التباس صورة حكم الإسلام بعض أنواع الحكومات التى تسمى نفسها «حكومات إسلامية». وتمثيل هذه الحكومات لحكم الإسلام كتمثيل من يسمونهم «رجال الدين» لفكرة الإسلام! كلاهما تمثيل مزور كاذب مشوه، بل تمثيل النقيض للنقيض. ولكن الجهل بحقيقة فكرة الإسلام عن الحكم حتى بين «المثقفين!» لا يدع صورة الحكم الإسلامى أخرى، غير هذه الصورة المزورة الشائهة الكريهة.

وبعض هذه الشبهات ناشئ من التباس صورة الحاكم الإسلامى ببعض الشخصيات التاريخية التى ادعت أنها تحكم باسم الإسلام؛ وهى أبعد ما تكون عن روح الإسلام وقانونه. والجهل بكل ما هو إسلامى بحكم الثقافة الاستعمارية التي يتلقاها الجيل فى المدرسة وفى الصحيفة وفى المجتمع يتيح لمثل هذا الالتباس أن يغيم على الأفكار والمشاعر، ويفعل فعله فى تنفير الناس من هذا اللون من الحكم البغيض!

وكل هذه الشبهات كان يكفى فى جلائها مجرد المعرفة الصحيحة للحقائق التاريخية والاجتماعية للإسلام. أى أن يتلقى الجيل ثقافة حقيقية لائقة. أجل. لائقة! فإنه لا يليق بمثقف أن يجهل كل شيء عن عنصر أساسى مؤثر فى مجتمعه وفى عقلية شعبه، وفنه وأدبه، ونظرته إلى الكون والحياة. وليست هذه الثقافة عسيرة – كما يتصور الكثيرون – حين يتصورون الكتب الصفراء؛ وتتمثل لهم صورة الدراسة الأزهرية بما فيها من ألغاز ومعميات! كلا! إن هذا ليس هو الثقافة الإسلامية المطلوبة للجيل؛ فالإسلام يسر لا عسر؛ وهو عقيدة بسيطة واضحة لا تعقيد فيها ولا غموض؛ ونظام اجتماعى متوازن متناسق، لا إقطاع فيه ولا ترف ولا حرمان؛ ونظام للحكم ليس فيه حقوق إلهية، ولادم أزرق، ولا استبداد ولا طغيان.

ومع أن جهل الجيل – والمثقفين منه بخاصة – لا يصلح عذراً لأصحابه، فإننا نؤثر هنا أن نناقش تلك الشبهات التى تغيم فى نفوس الناس على حكم الإسلام. الناس الذين نعرف حسن نياتهم، وبراءتهم من الدوافع الخبيثة. وهؤلاء ستناقش شبهاتهم البريئة هنا، وتصوراتهم الناشئة عن الجهل وحده، لاعن الغرض والهوى. فأما المغرضون الخبثاء فموعدنا معهم فصل آخر حين نواجه العداوات حول حكم الإسلام!

بدائية الحكم

يخلط الكثيرون بين النشأة التاريخية للإسلام، وفكرة الإسلام المجردة، القابلة للتوسع والشمول، فى التفريعات والتطبيقات.

هؤلاء حين يسمعون كلمة «الحكم الإسلامى» تقفز إلى خيالهم