معجم الأطباء/المقدمة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد و آله و جميع أنبيائه

بلغت العلوم في هذا العصر من التنظيم والرقي وكمال التدقيق حدا عظيما ، فاتجهت العقول الباحثة والقرائح المفكرة نحو البحث والتحري عن تاريخ العلوم و تدرجها في نشوئها وارتقائها حتى بلغت هذه المنزلة الرفيعة و خصصت الدروس الخاصة بتاريخ العلوم في كل مدرسة جامعة ، بل أنشئت المعاهد و کونت الأقاديميات وحررت المجلات لدراسة تاريخ العلوم ، وذلك كمعهد كارنجي في واشنطن Carnegie Institute of Washington ، وأقاديمية تاريخ العلوم الدولية باريس Academie internationale d'histoire des sciences de Paris ، و توسلوا إلى دراسة تاريخ العلوم بمعرفة تراجم العلماء وما ألفوه من الكتب والتصانيف ثم تحقيق ما أدرجوه في مصنفاتهم وما أنتجته قرائحهم ، وأضافوه إلى علم من سبقهم في مختلف النواحي . والعناية بترجمة العلماء وإثبات فضلهم وما أوجدوه من نتائج قرائحهم، هي من جملة ما للعرب فيها من فضل السبق على غيرهم. فقد عنوا بوضع دواوين التراجم للعلماء من كل فن و مطلب فترجموا للصحابة والمحدثين والفقهاء من أحناف وشوافع وحنابلة، وترجموا للمفسرين والقضاة والصوفية والولاة والأعيان والملوك والأمراء والرؤساء والمؤرخين واللغويين والنحاة والأطباء والحكماء وللنساء، بل قد ترجموا لأهل كل عصر على اختلاف مذاهبهم ونحلهم وكان للأطباء من ذلك حظ وافر من العناية والتسجيل ، فقد وضعت الكتب المطولة في سيرهم وتاريخ حياتهم منها المطول و منها الموجز وبعضها قد لعبت به يد الزمان فأصبح أثرة بعد عين و البعض لا يزال موجودا كتاب صوان الحكمة لأبي على سليمان بن محمد بن طاهر بن بهرام الجزی و كتاب الفهرست لمحمد بن إسحاق النديم المتوفي سنة ٣٨٥ هـ وكتاب التعريف بطبقات الأمم للقاضي صاعد بن أحمد الطليطلي المتوفي سنة ٤٦٢ هـ وكتاب حكماء الإسلام تتمة كتاب صوان الحكمة لعلي بن زيد أبي الحسن بن أبي القاسم البيهقي المتوفي سنة ٥٦٥ ه و کتاب نزهة الأرواح ودوحة الأفراح لشمس الدين محمد ابن محمود الشهرزوری من أهل القرن السادس و كتاب تاريخ الحكماء للوزير جمال الدين بن القفطي المتوفي سنة ٦٤٦ هـ و کتاب عيون الأنباء في طبقات الأطباء لموفق الدين أبي العباس أحمد بن القاسم بن خليفة المعروف بابن أبي أصيبعة المتوفي بصرخد سية ٦٦٨ هـ.

وهذه الكتب تترجم للأطباء الى النصف الأول من القرن السابع الهجري أي إلى ما قبل وفاة ابن أبي أصيبعة بقليل ، وأوسعها تفسيرا وأجمعها للأطباء كتاب عيون الأنباء ولم يصنف بعده إلى وقتنا هذا كتاب يشمل تراجم الأطباء كافة ، بل أن هذه التراجم صارت بعد الكتاب الأخير مبعثرة ومشتتة في سائر الكتب على اختلاف أوضاعها ، وصار لزاما على من يريد معرفة طبيب أن يتفقده في شتى الكتب حتى يعثر عليه وفي ذلك من الصعوبة ما فيه لعدم توفر مراجع التاريخ و الأدب كلها لكل واحد من الباحثين ، فعقدت العزم على تذليل هذه الصعوبة ورجعت إلى كتب التاريخ والطبقات والوفيات والتراجم والى الكتب الخاصة بكل عصر وذلك من القرن السابع الهجري إلى اليوم فاجتمع لدي من التراجم ما يزيد على تسعمائة ترجمة فنقلتها كما وردت في مصادرها الأصلية ونبهت على الأصل المنقول عنه ، وإني وإن كنت التزمت تدوين الأطباء من عهد وفاة ابن أبي أصيبعة فاني قد نقلت ما عثرت عليه من تراجم الأطباء الذين تقدموه وفاته أن يترجم لهم أو الذين ذكرهم بالاسم فقط ولم يترجم لهم فكان كتاب هذا ذيلا لكتاب طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة وقصدت في تأليفه إلى خدمة الأمة والعلم وأسأل الله سبحانه وتعالى الهداية والتوفيق ؟