معالم السنن/الجزء الثالث/9
56/70م ومن باب عهدة الرقيق
961- قال أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا أبان عن قتادة عن الحسن عن عقبة بن عامر أن رسول الله ﷺ قال عهدة الرقيق ثلاثة أيام.
قال الشيخ معنى عهدة الرقيق أن يشتري العبد أو الجارية ولا يشترط البائع البراءة من العيب فما أصاب المشتري من عيب في الأيام الثلاثة لم يرد إلا ببينة وهكذا فسره قتادة فيما ذكره أبو داود عنه.
قال الشيخ وإلى هذا ذهب مالك بن أنس وقال هذا إذا لم يشترط البائع البراءة من العيب. قال وعهدة السنة من الجنون والجذام والبرص فإذا مضت السنة فقد برىء البائع من العهدة كلها قال ولا عهدة إلا في الرقيق خاصة، وهذا قول أهل المدينة ابن المسيب والزهري أعني عهدة السنة في كل داء عضال أي صعب، وكان الشافعي لا يعتبر الثلاث والسنة في شيء منها وينظر إلى العيب فان كان مما يحدث مثله في مثل المدة التي اشتراه فيها إلى وقت الخصومة فالقول قول البائع مع يمينه وإن كان لا يمكن حدوثه في تلك المدة رده على البائع. وضعف أحمد بن حنبل عهدة الثلاث في الرقيق، وقال لا يثبت في العهدة حديث. وقالوا لم يسمع الحسن من عقبة بن عامر شيئا والحديث مشكوك فيه فمرة قال عن سمرة ومرة قال عن عقبة.
57/71م ومن باب فيمن اشترى عبدا فاستعمله ثم رأى فيه عيبا
962- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن يونس، قال: حدثنا ابن أبي ذئب عن مخلد بن خفاف عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ الخراج بالضمان.
قال الشيخ معنى الخراج الدخل والمنفعة ومن هذا قوله تعالى {أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير} 1 ويقال للعبد إذا كان لسيده عليه ضريبة مخارج، ومعنى قوله الخراج بالضمان المبيع إذا كان مما له دخل وغلة فإن مالك الرقبة الذي هو ضامن الأصل يملك الخراج بضمان الأصل فإذا ابتاع الرجل أرضا فأشغلها أو ماشية فنتجها أودابة فركبها أو عبدا فاستخدمه ثم وجد به عيبا فله أن يرد الرقبة ولا شيء عليه فيما انتفع به لأنها لوتلفت ما بين مدة العقد والفسخ لكانت من ضمان المشتري فوجب أن يكون الخراج من حقه، واختلف أهل العلم في هذا فقال الشافعي ما حدث في ملك المشتري من غلة ونتاج ماشية وولد أمة فكل ذلك سواء لا يرد منه شيئا ويرد المبيع إن لم يكن ناقصا عما أخذه.
وقال أصحاب الرأي إذا كان ماشية فحلبها أو نخلا أو شجرا فأكل ثمرها لم يكن له أن يرد بالعيب ويرجع بالأرش، وقالوا في الدار والدابة والعبد الغلة له ويرد بالعيب.
وقال مالك في أصواف الماشية وشعورها أنها للمشتري ويرد الماشية إلى البائع فأما أولادها فإنه يردها مع الأمهات.
واختلفوا في المبيع إذا كان جارية فوطئها المشتري ثم وجد بها عيبا، فقال أصحاب الرأي تلزمه ويرجع على البائع بأرش العيب، وكذلك قال الثوري وإسحاق بن راهويه، وقال ابن أبي ليلى يردها ويرد معها مهر مثلها.
وقال مالك إن كانت ثيبا ردها ولا يرد معها شيئا وإن كانت بكرا فعليه ما نقص من ثمنها.
وقال الشافعي إن كانت ثيبا ردها ولا شيء عليه، وإن كانت بكرا لم يكن له ردها ورجع بما نقصها العيب من أصل الثمن.
وقال أصحاب الرأي الغصوب على البيوع من أجل أن ضمانها على الغاصب فلم يجعلوا عليه رد الغلة واحتجوا بالحديث وعمومه.
قال الشيخ والحديث إنما جاء في البيع وهو عقد يكون بين المتعاقدين بالتراضي وليس الغصب يعقد عن تراض من المتعاقدين، وإنما هو عدوان وأصله وفروعه سواء في وجوب الرد ولفظ الحديث مبهم لأن قوله الخراج بالضمان يحتمل أن يكون المعنى أن ضمان الخراج بضمان الأصل. واقتضاء العموم من اللفظ المبهم ليس بالبين الجواز والحديث في نفسه ليس بالقوي، إلا أن أكثر العلماء قد استعملوه في البيوع فالأحوط أن يتوقف عنه فيما سواه.
وقال محمد بن إسماعيل هذا حديث منكر ولا أعرف لمخلد بن خفاف غير هذا الحديث.
قال أبو عيسى الترمذي فقلت له فقد روي هذا عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها فقال إنما رواه مسلم بن خالد الزنجي وهو ذاهب الحديث.
963- قال أبو داود: حدثنا محمود بن خالد الفريابي،، قال: حدثنا سفيان عن محمد بن عبد الرحمن عن مخلد الغفاري، قال كان بيني وبين أناس شركة في عبد فأقتويته وبعضنا غائب وذكر الحديث.
قال الشيخ قوله اقتويته، معناه استخدمته.
58/72م ومن باب إذا اختلف المتبايعان
964- قال أبو داود: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس، قال: حدثنا عمر بن حفص بن غياث، قال: حدثنا أبي، عن أبي عميس قال أخبرني عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعث عن أبيه عن جده، قال اشترى الأشعث بن قيس رقيقا من رقيق الخمس من عبيد الله بعشرين ألفا فأرسل عبد الله إليه في ثمنهم، فقال إنما أخذتهم بعشرة آلاف، فقال عبد الله فاختر رجلا يكون بيني وبينك فقال الأشعث أنت بيني وبين نفسك، قال عبد الله فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول إذا اختلف البيعان وليس بينهما بيِّنة فهو ما يقول رب السلعة أو يتتاركان.
965- قال وحدثنا عبد الله بن محمد النفيلي،، قال: حدثنا هشيم، قال: حدثنا ابن أبي ليلى عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن مسعود فذكر معناه.
قال الشيخ قول أو يتتاركان معناه أو يتفاسخان العقد.
واختلف أهل العلم في هذه المسألة فقال مالك والشافعي يقال للبائع احلف بالله ما بعت سلعتك إلا بما قلت، فان حلف البائع قيل للمشتري إما أن تأخذ السلعة بما قال البائع وإما أن تحلف ما اشتريتها إلا بما قلت فإن حلف برىء منها وردت السلعة على البائع وسواء عند الشافعي كانت السلعة قائمة أو تالفة فإنهما يتحالفان ويترادان.
وكذلك قال محمد بن الحسن ومعنى يترادان أي قيمة السلعة عند الاستملاك.
وقال النخعي والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة وأبو يوسف القول قول المشتري مع يمينه بعد الاستملاك، وقول مالك قريب من قولهم بعد الاستملاك في أشهر الروايتين عنه. واحتج لهم بأنه قد روي في بعض الأخبار إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة فالقول ما يقول البائع ويترادان قالوا فدل اشتراطه قيام السلعة على أن الحكم عند استهلاكها بخلاف ذلك.
قال الشيخ وهذه اللفظة لا تصح من طريق النقل إنما جاء بها ابن أبي ليلى وقيل إنها من قول بعض الرواة، وقد يحتمل أن يكون إنما ذكر قيام السلعة بمعنى التغليب لا من أجل التفريق لأن أكثر ما يعرض فيه النزاع ويجب معه التحالف هو حال قيام السلعة وهذا كقوله تعالى {وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن} 2.
فذكره الحجور ليس بشرط يتغير به الحكم ولكنه غالب الحال وكقوله {إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله} 3 ولم يجز ذكر الخوف من مذهب أكثر الفقهاء للفرق ولكن لأنه الغالب ولم يفرقوا في البيوع الفاسدة بين القائم والتالف منها فيما يجب من رد السلعة إن كانت قائمة والقيمة إن كانت تالفة. وهذا البيع مصيره إلى الفساد لأنا نرفعه من أصله إذا تحالفا ونجعله كأنه لم يقع ولسنا نثبته ثم نفسخه ولوكنا فعلنا ذلك لكان في ذلك تكذيب أحد الحالفين ولا معنى لتكذيبه مع إمكان تصديقه ويخرج ذلك على وجه يعذر فيه مثل أن يحمل أمره على الوهم وغلبة الظن في نحو ذلك.
واحتجوا فيه أيضا بقوله اليمين على المدعى عليه، وهذا لا يخالف حديث التحالف لأن كل واحد منهما مدع من وجه ومدعى عليه من وجه آخر وليس اقتضاء أحد الحكمين منه بأولى من الآخر، وقد يجمع بين الخبرين أيضا بأن يجعل اليمين على المدعى عليه إذ كانت يمين نفي وهذه يمين فيها إثبات.
قال الشيخ وأبو حنيفة لا يرى اليمين في الاثبات، وقد قال به ههنا مع قيام السلعة، وقد خالف أبو ثور جماعة الفقهاء في هذه المسألة فقال القول قول المشتري مع قيام السلعة، ويقال إن هذا خلاف الإجماع مع مخالفته الحديث والله أعلم.
وقد اعتذر له بعضهم أن في إسناد هذا الحديث مقالا فمن أجل ذلك عدل عنه.
قال الشيخ هذا حديث قد اصطلح الفقهاء على قبوله وذلك يدل على أن له أصلا كما اصطلحوا على قبول قوله لا وصية لوارث، وفي إسناده ما فيه.
قال الشيخ وسواء عند الشافعي كان اختلافهما في الثمن أو في الأجل أو في خيار الشرط أو في الرهن أو في الضمين فإنهما يتحالفان قولا بعموم الخبر وظاهره إذ ليس فيه ذكر حال من الاختلاف دون حال.
وعند أصحاب الرأي لا يتحالفان إلا عند الاختلاف في الثمن.
59/73م ومن باب الشفعة
966- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن ابن جريج، عن أبي الزببر عن جابر، قال قال رسول الله ﷺ الشفعة في كل شرك ربعة أو حائط لا يصلح أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإن باع فهو أحق به حتى يؤذنه.
قال الشيخ الربع والربعة المنزل الذي يربع به الإنسان ويتوطنه، يقال هذا ربع وهذه ربعة بالهاء كما قالوا دار ودارة.
وفي هذا الحديث إثبات الشفعة في الشركة وهو اتفاق من أهل العلم وليس فيه عن المقسوم من جهة اللفظ ولكن دلالته من طريق المفهوم أن لا شفعة في المقسوم كقوله الولاء لمن أعتق دلالته أنه لا ولاء إلا للمعتق.
وفيه دليل على أن الشفعة لا تجب إلا في الأرض والعقار دون غيرهما من العروض والأمتعة والحيوان ونحوها.
967- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر قال إنما جعل رسول الله ﷺ الشفعة في كل مال لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة.
قال الشيخ هذا الحديث أبين في الدلالة على نفي الشفعة لغير الشريك من مثبته من الحديث الأول وكلمة إنما تعمل بركنيها فهي مثبتة للشيء نافية لما سواه، فثبت أنه لا شفعة في المقسوم.
وأما قوله فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة فقد يحتج بكل لفظة منها قوم، أن اللفظة الأولى ففيها حجة لمن لم ير الشفعة في المقسوم، وأما اللفظة الأخرى فقد يحتج بها من يثبت الشفعة بالطريق وإن كان المبيع مقسوما.
قال الشيخ ولا حجة لهم عندي في ذلك وإنما هو الطريق إلى المشاع دون المقسوم وذلك أن الطريق يكون في المشاع شائعا بين الشركاء قبل القسمة وكل واحد منهم يدخل من حيث شاء ويتوصل إلى حقه من الجهات كلها، فإذا قسم العقار بينهم منع كل واحد منهم أن يتطرق شيئا من حق صاحبه وأن يدخل إلى ملكه إلا من حيث جعل له فمعنى صرف الطرق هو هذا والله أعلم.
ثم إنه علق الحكم فيه بمعنيين أحدهما وقوع الحدود وصرف الطرق معا فليس لهم أن يثبتوه بأحدهما وهو نفي صرف الطرق دون نفي وقوع الحدود.
968- قال أبو داود: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس، قال: حدثنا الحسن بن الربيع، قال: حدثنا ابن إدريس عن ابن جريج عن ابن شهاب، عن أبي سلمة أو عن سعيد بن المسيب أو عنهما جميعا، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ إذا قسمت الأرض وحدت فلا شفعة فيها.
قال الشيخ وفي هذا بيان أن الشفعة تبطل بنفس القسمة والتمييز بين الحصص بوقوع الحدود ويشبه أن يكون المعنى الموجب للشفعة دفع الضرر بسوء المشاركة والدخول في ملك الشريك، وهذا المعنى يرتفع بالقسمة وأملاك الناس لا يجوز الاعتراض عليها بغير حجة.
969- قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي، قال: حدثنا سفيان عن إبراهيم بن ميسرة سمع عمرو بن الشريد سمع أبا رافع سمع النبي ﷺ يقول الجارأحق بسقبه.
قال الشيخ السقب القرب يقال ذلك بالسين والصاد حميعا قال الشاعر:
لا صقب دارها ولا أمم
وقد يحتج بهذا من يرى الشفعة بالجوار وإن كان مقاسما، إلا أن هذا اللفظ مبهم يحتاج إلى بيان وليس في الحديث ذكر الشفعة فيحتمل أن يكون أراد الشفعة، وقد يحتمل أن يكون أراد أنه أحق بالبر والمعونه وما في معناهما، وقد روي عن النبي ﷺ أن رجلا قال إن لي جارين إلى أيهما أهدي قال إلى أقربهما منك دارا أو بابا.
وقد يحتمل أن يجمع بين الخبرين فيقال إن الجار أحق بسقبه إذا كان شريكا فيكون معنى الحديثين على الوفاق دون الاختلاف واسم الجار قد يقع على الشريك لأنه قد يجاور شريكه ويساكنه في الدار المشتركة كالمرأة تسسى جارة لهذا المعني ويدل على ذلك قول الأعشى يريد زوجته:
أجارتنا بيني فإنك طالقه…… كذاك أمور الناس تغدو وطارقه
وقد تكلم أهل الحديث في إسناد هذا الحديث واضطراب الرواة فيه، فقال بعضهم عن عمرو بن الشريد، عن أبي رافع، وقال بعضهم عن أبيه، عن أبي رافع وأرسله بعضهم. وقال فيه قتادة عن عمرو بن شعيب عن الشريد والأحاديث التي جاءت في أن لا شفعة إلا للشريك أسانيدها جياد ليس في شيء منها اضطراب.
970- قال أبو داود: حدثنا أبو الوليد الطيالسي، قال: حدثنا شعبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي ﷺ قال جار الدار أحق بدار الجار والأرض.
قال الشيخ وهذا أيضا قد يحتمل أن يتأول على الجار المشارك دون المقاسم كما قلناه في الحديث الأول وقد تكلموا في إسناده، قال يحيى بن معين لم يسمع الحسن من سمرة وإنما هو صحيفة وقعت إليه أو كما قال، وقال غيره سمع الحسن من سمرة حديث العقيقة حسب.
971- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل، قال: حدثنا هشيم قال أخبرنا عبد الملك عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا.
قال الشيخ عبد الملك بن أبي سليمان لين الحديث وقد تكلم الناس في هذا الحديث. وقال الشافعي نخاف أن لا يكون محفوظا وأبو سلمة حافظ، وكذلك أبو الزبير ولا يعارض حديثهما بحديث عبد الملك.
وحكي عن شعبة أنه أنكر هذا الحديث وقال إن روى عبد الملك حديثا آخر مثل هذا تركت حديثه وجعله بعضهم رأيا لعطاء أدرجه عبد الملك في الحديث، وقال أبو عيسى الترمذي قلت لمحمد بن إسماعيل في هذا فقال تفرد به عبد الملك، وروي عن جابر خلاف هذا.
وحكي عن أمية بن خالد عن شعبة قال قلت له ما لك لا تحدث عن عبد الملك وأنت تحدث عن محمد بن عبيد الله العرزمي وسيع عبد الملك بن أبي سليمان وأنه كان حسن الحديث قال من حسنه فرقت.
قال الشيخ قد يحتمل أيضا أن يوفق بينه وبين الأحاديث المتقدمة فيتأول على المشاع لأن الطريق إنما يكون واحدا على الحقيقة في المشاع دون المقسوم.
وقد اختلف الناس في هذه المسألة فذهب أكثر العلماء إلى أن لا شفعة في المقسوم وهو قول عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما ؛ وإليه ذهب أهل المدينة سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وعمر بن عبد العزيز والزهري وربيعة بن أبي عبد الرحمن ومالك بن أنس وهو مذهب الأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبي ثور.
وقال أصحاب الرأي الشفعة واجبة للجار وإن كان مقاسما على اختلاف بينهم في ترتيب الجوار، إلا أنهم لم يختلفوا أن الشريك مقدم على الجار المقاسم، وقالوا إن سلم الشريك في الدار فالشريك في الطريق أحق من جار الدار.
قال الشيخ وفي هذا ترك للقول بالشفعة لأن الجار الملاصق أقرب من الشريك في الطريق، واستدل مالك والشافعي بقوله والشفعة فيما لم يقسم على أن ما لا يحتمل القسم كالبئر ونحوها لا شفعة فيه.
وقال أبو حنيفة والثورى الشفعة فيها قائمة.
قال الشيخ وهذا أولى لأن القصد بقول الشفعة فيما لم يقسم ليس بيان ما تجب فيه الشفعة مما ينقسم أو لا ينقسم ؛ إنما هو بيان سقوط الشفعة فيما قد قسم، فإذا كان معنى الشفعة إزالة الضرر فإن هذا المعنى قائم في البئر وفيما أشبهها، وإلى هذا ذهب أبو العباس بن سريج، فقال إذا كان إزالة الضرر فيما يمكن إزالته واجبة ففيما لا يمكن إزالته أولى.
60/74م ومن باب الرجل يفلس فيجد الرجل متاعه بعينه عنده
972- قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن يحيى بن سعيد، عن أبي بكر بن محمد عن عمرو بن حزم عن عمر بن عبد العزيز، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال أيما رجل أفلس فأدرك الرجل متاعه بعينه فهو أحق به من غيره.
قال الشيخ وهذه سنة النبي ﷺ قد قال بها كثير من أهل العلم، وقد قضى بها عثمان رضي الله عنه وروي ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولا يعلم لهما مخالف في الصحابة وهو قول عروة بن الزبير وبه قال مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق.
وقال إبراهيم النخعي وأبو حنيفة وابن شبرمة هو أسوة الغرماء.
وقال بعض من يحتج لقولهم هذا مخالف للأصول الثابتة ولمعانيها والمبتاع قد ملك السلعة وصارت من ضمانه فلا يجوز أن ينقض عليه ملكه، وتأولوا الخبر على الودائع والبيوع الفاسدة ونحوها.
قال الشيخ والحديث إذا صح وثبت عن رسول الله ﷺ فليس إلا التسليم له وكل حديث أصل برأسه ومعتبر بحكمه في نفسه فلا يجوز أن يعترض عليه بسائر الأصول المخالفة أو يتذرع إلى إبطاله بعدم النظير له وقلة الاشباه في نوعه وههنا أحكام خاصة وردت بها أحاديث، فصارت أصولا كحديث الجنين وحديث القسامة والمصراة.
وروى أصحاب الرأي حديث النبيذ وحديت القهقهة في الصلاة وهما مع ضعف سندهما مخالفان للأصول فلم يمتنعوا من قبولها لأجل هذه العلة وأما نقض ملك المالك فقد جاء في غير موضع من الأصول، كالمشتري الشقص يملكه بالعقد ثم ينقض حق الشفيع ملكه فيسترجعه، وتملك المرأة الصداق بنفس العقد بدليل أنه لو كان عبدا فأعتقته أو باعته كان العتق نافذا والبيع جائزا ثم أنه إذا طلقها الزوج قبل الدخول انتقض الملك عليها في نصفه.
وقد يختلف المتبايعان في الثمن بعد العقد فيتحالفان ويعود الملك إلى البائع وقد يؤجر داره سنة بأجرة معلومة فتهدم الدار فيرد المؤاجر الأجرة ويكاتب عبده ثم يعجز فيبطل العقد ويعود ملكا يتصرف فيه كما كان، وقد يقدم المرتهن بما في يده من الرهن على سائر الغرماء فيكون أحق به ولم يستنكر شيء من هذه الأمور ولم يعبأ بمخالفتها سائر الأصول، وكذلك الحكم في المفلس. وقد قال الكوفيون لو وهب عبدا له على عوض فأفلس المرتهن فإن رب الهبة أحق بعين ماله، والموهوب منه المال مالك عندهم ملكا تاما، ولكن لأجل تعلقه بالعوض ينفق عليه ملكه، وهذا بعينه هو حكم الإفلاس على معنى ما ورد به الخبر. وكذلك قالوا في المحال عليه إذا أفلس رجع المحتال على المحيل.
وأما تأويل من تأول الحديث وخرجه على الودائع ونحوها فإنه غير مستقيم لأن ذلك يعطل فائدة الخبر إذ كان ذلك أمرا معلوما من طريق العلم العام من جهة الإجماع، والخبر الخاص إنما يرد لبيان حكم خاص، وأبو هريرة راوي الحديث قد تأوله على البيع الصحيح لما جاءه خصمان، فقال هذا الذي قضى فيه رسول الله ﷺ بذلك فدل على صحة ما ذهبنا إليه والله أعلم.
973- قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن رسول الله ﷺ قال أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئا فوجد متاعه بعينه فهو أحق به وإن مات المشتري فصاحب المتاع أسوة الغرماء.
قال الشيخ ذهب مالك إلى جملة ما في هذا الحديث، وقال إن كان قبض شيئا من ثمن السلعة فهو أسوة الغرماء.
وقال الشافعي لا فرق بين أن يكون قبض شيئا أو لم يقبضه في أنه إذا وجد عين ماله كان أحق به.
وقال مالك إذا مات المبتاع فوجد البائع عين سلعته لم يكن أحق بها.
وعند الشافعي إذا مات المبتاع مفلسا والسلعة قائمة فلصاحبها الرجوع فيها.
وقد روي، عن أبي هريرة من غير هذا الطريق أن رسول الله ﷺ قال من أفلس أو مات فوجد رجل متاعه بعينه فهو أحق به. وقد ذكره أبو داود في هذا الباب.
974-، قال: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا ابن أبي ذئب، عن أبي المعتمر عن عمر بن خَلْده، عن أبي هريرة.
وحديث مالك الذي احتج به مرسل غير متصل.
975- قال أبو داود: حدثنا محمد بن عوف الطائي،، قال: حدثنا عبد الله بن عبد الجبار الخبايري،، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش عن الزبيدي عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة عن النبي ﷺ وذكر الحديث وقال فيه فإن كان قضاه من ثمنها شيئا فما بقي فهو أسوة الغرماء وأيما امرىء هلك وعنده متاع بعينه اقتضى منه شيئا أو لم يقتض فهو أسوة الغرماء.
قال الشيخ وهذا الحديث مسندا من هذا الطريق يضعفه أهل النقل في رجلين من رواته ورواه مالك مرسلا فدل أنه لا يثبت مسندا ولو صح لكان متأولا على أن البائع مات موسرا بدليل الخبر المتقدم الذي رواه عمر بن خلدة وأما إذا كان قد اقتضى شيئا من الثمن فان الشافعي لا يجعله في بقية الثمن أسوة الغرماء وذلك لأن هذا الخبر لما لم يصح عنده متصلا صار إلى القياس فجمع بين الأمرين ولم يفرق لأن الذي له الارتجاع في كل الشيء كان له ذلك في بعضه كالشفيع إذا كان له أن يأخذ الشقص كله كان له أن يأخذ البعض الباقي بعد تلف البعض.
61/75م ومن باب من أحيا حسيرا
976- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا حماد قال وحدثنا موسى، قال: حدثنا أبان عن عبيد الله بن حميد بن عبد الرحمن الحميري عن الشعبي قال عن أبان أن عامر الشعبي حدثه أن رسول الله ﷺ قال من وجد دابة قد عجز عنها أهلها أن يعلفوها فسيبوها فأخذها فأحياها فهي له قال في حديث أبان قال عبيد الله فقلت عمن قال عن غير واحد من أصحاب النبي ﷺ.
قال الشيخ وهذا الحديث مرسل وذهب أكثر الفقهاء إلى أن ملكها لم يزل عن صاحبها بالعجز عنها وسبيله سبيل اللقطة فإذا جاء ربها وجب على واجدها رد ذلك عليه.
وقال أحمد بن حنبل وإسحاق هي لمن أحياها إذا كان صاحبها تركها مهلكة واحتج إسحاق بحديث الشعبي هذا وقال عبيد الله بن الحسن قاضي البصرة فيها وفي النواة التي يلقيها من يأكل التمران قال صاحبها لم أبحها للناس فالقول قوله ويستحلف إن لم يكن أباحها للناس.
62/76م ومن باب الرهن
977- قال أبو داود: حدثنا هناد عن ابن المبارك عن زكريا عن الشعبي، عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال لبن الدر يحلب بنفقته إذا كان مرهونا وعلى الذي يركب ويحلب النفقة.
قال الشيخ قوله وعلى الذي يحلب ويركب النفقة كلام مبهم ليس في نفس اللفظ منه بيان من يركب ويحلب من الراهن أو المرتهن أو العدل الموضوع على يده الرهن.
وقد اختلف أهل العلم في تأويله فقال أحمد بن حنبل للمرتهن أن ينتفع من الرهن بالحلب والركوب بقدر النفقة، وكذلك قل له إسحاق بن راهويه.
وقال أحمد بن حنبل ليس له أن ينتفع منه بشيء غيرهما.
وقال أبو ثور إذا كان الراهن ينفق عليه لم ينتفع به المرتهن وإن كان الراهن لا ينفق عليه وتركه في يد المرتهن فأنفق عليه فله ركوبه واستخدام العبد، قال وذلك لقوله وعلى الذي يحلب ويركب النفقة.
وقال الشافعي منفعة الرهن للراهن ونفقته عليه، والمرتهن لا ينتفع بشيء من الرهن خلا الاحتفاط به للوثيقة.
وعلى هذا تأول قوله الرهن مركوب ومحلوب يرى أنه منصرف إلى الراهن الذي هو مالك الرقبة.
وقد روى نحو من هذا عن الشعبي وابن سيرين.
وفي قوله الرهن مركوب ومحلوب دليل على أنه من اعار الراهن أو أكراه من صاحبه لم يفسخ الرهن.
قال الشيخ رحمه الله وهذا أولى وأصح لأن الفروع تابعة لأصولها والأصل ملك الراهن، ألا ترى أنه لو رهنه وهو يسوى مائة، ثم زاد حتى صار يسوى مائتين ثم رجعت قيمته إلى عشرة إن ذلك كله في ملك الراهن.
ولم يختلفوا أن للمرتهن مطالبة الراهن بحقه مع قيام الرهن في يده ولأنه لا يجوز للمرتهن أن يجحد المال في هذه الحال ولو كان الرهن عبدا فمات كان على الراهن كفنه، فدل ذلك على ثبوت ملكه عليه وإن كان ممنوعا من إتلافه لما يتعلق به من حق المرتهن ولو جاز للمرتهن أن يركب ويحلب بقدر النفقة لكان ذلك معاوضة مجهول بمجهول وذلك غير جائز فدل على صحة تأول من تأوله على الراهن.
وقد روى الشافعي في هذا ما يؤكد قوله حديث الأصم.
قال أخبرنا الربيع، قال: حدثنا الشافعي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبى فديك عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن رسول الله ﷺ قال لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه، قال ووصله ابن المسيب، عن أبي هريرة من حديث ابن أبي أنيسة.
ففي هذا ما دل على صحة قول من ذهب إلى أن دره وركوبه للراهن دون المرتهن، فأما قوله لا يغلق الرهن معناه أنه لا يستغلق ولا ينعقد حتى لا يفك والغَلق الفكاك، وحقيقته أن الرهن وثيقة في يد المرتهن يترك في يده إلى غاية يكون مرجعها إلى الراهن وليس كالبيع يستغلق فيملك حتى لا يفك.
وقوله الرهن من صاحبه، معناه الرهن لصاحبه، والعرب تضع من موضع اللام قال الشاعر:
أمن آل ليلى عرفت الديارا... أبجنب الشقيق خلا قفارا
وكقول زهير:
- أمن أم أوفى دِمنَة لم تكلم *
وإذا كان الرهن من ملك صاحبه كان تلفه من ملكه دون ملك المرتهن.
وفي قوله له غنمه دليل على أنه يملك من غنمه وهو دره وولده وسائرمنافعه ما لا يملك من الأصل في الحال، ولولا ذلك لم يكن لهذا التفصيل معنى ولا كان فيه فائدة إذ كان معلوما أن الفروع تابعة في الملك لأصولها ولاحقة في الحكم بها.
وفيه دليل على أن المنافع غير داخلة في الرهن. وفيه دليل أن استدامة القبض ليس بشرط في الرهن، وذلك أن الراهن لا يركبها إلا وهي خارجة من قبض المرتهن غير أنه لا يركبها إلا نهارا ويردها بالليل إلى المرتهن ولا يسافر بها.
وقد اختلف الفقهاء فيما يحدث للرهن من نماء أو نتاج وثمرة هل يدخل في الرهن أم لا.
فقال أصحاب الرأي الولد والنتاج والثمرة رهن مع الأصل، إلا أنهم فرقوا بين الرهن والولد في الضمان فقالوا الرهن مضمون والولد الحادث بعد الرهن غير مضمون.
وقال الشافعي النماء المتميز من الرهن لا يدخل في الرهن.
وفي قوله وعليه غرمه دليل على أن الرهن غير مضمون، وفيه دليل على أن مؤنته على الراهن، ومعنى الغرم النقص ههنا.
وقد اختلف الناس في هذا فقال الشافعي وأحمد بن حنبل هو غير مضمون وقال مالك هو غير مضمون فيما يظهر هلاكه من عقار وحيوان ونحوهما، وما كان مما لا يظهر فهو مضمون.
وقال أصحاب الرأي إن كان الرهن أكثر مما رهن به فهلك بما فيه والمرتهن أمين في الفضل، وإن كان أقل رد عليه النقصان وكذلك قال سفيان الثوري وهو قول النخعي، واحتجوا بما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال في الرهن يترادان الفضل فإن أصابته جائحة برئ.
وليس يصح عن النبي ﷺ في ضمان الرهن حديث، وقد روى شريح والحسن والشعبي ذهبت الرهان بما فيها.
قال الشيخ ذكر أبو داود في هذا الباب حديثا لا يدخل في أبواب الرهن.
978-، قال: حدثنا زهير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة قالا: حدثنا جرير عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ إن من عباد الله لأناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة مكانهم من الله، قالوا يا رسول الله ﷺ فخبرنا من هم، قال هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها وذكر الحديث.
قال الشيخ قوله تحابوا بروح الله فسروه القرآن، وعلى هذا يتأول قوله: {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا} 4 وسماه روحا والله أعلم لأن القلوب تحيى به كما تكون حياة النفوس والأبدان بالأرواح.
63/76م ومن باب الرجل يأكل من مال ولده
979- قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير قال أخبرنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن عمارة بن عمير عن عمته عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ قال إن من أطيب ما أكل الرجل من كسبه وولده من كسبه.
قال الشيخ فيه من الفقه أن نفقة الوالدين واجبة على الولد إذا كان واجدا لها، واختلفوا في صفة من تجب لهم النفقة من الآباء والأمهات، فقال الشافعي إنما يجب ذلك للأب الفقير الزمن فإن كان له مال أو كان صحيح البدن غير زمن فلا نفقة له عليه.
وقال سائر الفقهاء نفقة الوالدين واجبة على الولد ولا أعلم أحدا منهم اشترط فيها الزمانة كما اشترطها الشافعي.
980- قال أبو داود: حدثنا محمد بن المنهال حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا حبيب المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا أتى النبي ﷺ فقال يا رسول الله ﷺ إن لي مالا وولدا وإن والدي يجتاح مالي، قال أنت ومالك لوالدك إن أولادكم من أطيب كسبكم فكلوا من كسب أولادكم.
قال الشيخ قوله يجتاح مالي، معناه يستأصله ويأتي عليه، والعرب تقول جاحهم الزمان، واجتاحهم إذا أتى على أموالهم، ومنه الجائحة وهي الآفة التي تصيب المال فتهلكه.
ويشبه أن يكون ما ذكره السائل من اجتياح والده مآله إنما هو سبب النفقة عليه، وإن مقدارما يحتاج إليه للنفقة عليه شيء كثير لا يسعه عفو ماله والفضل منه إلا بأن يجتاح أصله ويأتي عليه فلم يعذره النبي ﷺ ولم يرخص له في ترك النفقة عليه، وقال له أنت ومالك لوالدك، على معنى أنه إذا احتاج إلى مالك أخذ منك قدر الحاجة كما يأخذ من ماله نفسه وإذا لم يكن لك مال وكان لك كسب لزمك أن تكتسب وتنفق عليه، فإما أن يكون أراد به إباحة ماله وخلاه واعتراضه حتى يجتاحه ويأتي عليه لا على هذا الوجه فلا أعلم أحدا ذهب إليه من الفقهاء والله أعلم.
64/78م ومن باب الرجل يجد عين ماله عند رجل
981- قال أبو داود: حدثنا عمرو بن عوف،، قال: حدثنا هشيم عن موسى بن السائب عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله ﷺ من وجد عين ماله عند رجل فهو أحق به ويتبع البيع من باعه.
قال الشيخ هذا في الغصوب ونحوها إذا وجد ماله المغصوب والمسروق عند رجل كان له أن يخاصمه فيه ويأخذ عين ماله منه ويرجع المأخوذ منه على من باعه إياه.
65/79م ومن باب الرجل يأخذ حقه من تحت يده
982- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن يونس،، قال: حدثنا زهير،، قال: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن هندا أم معاوية جاءت رسول الله ﷺ فقالت إن أبا سفيان رجل شحيح وأنه لا يعطيني ما يكفيني وبني فهل علي من جناح أن آخذ من ماله شيئا قال خذي ما يكفيك وبنيك بالمعروف.
قال الشيخ فيه من الفقه وجوب نفقة النساء على أزواجهن ووجوب نفقة الأولاد على الآباء، وفيه أن النفقة إنما هي على قدر الكفاية، وفيه جواز أن يحكم الحاكم بعلمه وذلك أنه لم يكلفها البينة فيما أدعته من ذلك إذ كان قد علم رسول الله ﷺ ما بينهما من الزوجية وأنه كان كالمستفيض عندهم بخل أبي سفيان وما كان نسب إليه من الشح.
وفيه جواز الحكم على الغائب، وفيه جواز ذكر الرجل ببعض ما فيه من العيوب إذا دعت الحاجة إليه. وفيه جواز أن يقضي الرجل حقه من مال عنده لرجل له عليه حق يمنعه منه وسواء كان ذلك من جنس حقه أو من غير جنس حقه وذلك لأن معلوما أن منزل الرجل الشحيح لا يجمع كل ما يحتاج إليه من النفقة والكسوة وسائر المرافق التي تلزمه لهم ثم أطلق أذنها في أخذ كفايتها وكفاية أولادها من ماله ويدل على صحة ذلك قولها في غير هذه الرواية أن أبا سفيان رجل شحيح وأنه لا يدخل على بيتي ما يكفيني وولدي.
قال الشيخ وقد استدل بعضهم من معنى هذا الحديث على وجوب نفقة خادم المرأة على الزوج قال وذلك أن أبا سفيان رجل رئيس في قومه ويبعد أن يتوهم عليه أن يمنع زوجته نفقتها ويشبه أن يكون ذلك منه في نفقة خادمها فوقعت الإضافة في ذلك إليها إذ كانت الخادم داخلة في ضمنها ومعدودة في جملتها والله أعلم.
983- قال أبو داود: حدثنا محمد بن العلاء وأحمد بن إبراهيم قالا: حدثنا طلق بن غنام عن شريك قال ابن العلاء وقيس، عن أبي حصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ ادِّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك.
قال الشيخ وهذا الحديث يعد في الظاهر مخالفا لحديث هند وليس بينهما في الحقيقة خلاف وذلك لأن الخائن هو الذي يأخذ ما ليس له أخذه ظلما وعدوانا فأما من كان مأذونا له في أخذ حقه من مال خصمه واستدراك ظلامته منه فليس بخائن وإنما معناه لا تخن من خانك بأن تقابله بخيانة مثل خيانته وهذا لم يخنه لأنه يقبض حقا لنفسه والأول يغتصب حقا لغيره. وكان مالك بن أنس يقول إذا أودع رجل رجلا ألف درهم فجحدها المودع ثم أودعه الجاحد ألفا لم يجز له أن يجحده. قال ابن القاسم صاحبه أظنه ذهب إلى هذا الحديث.
وقال أصحاب الرأي يسعه أن يأخذ الألف قصاصا عن حقه لو كان بدله حنطة أو شعيرا لم يسعه ذلك لأن هذا بيع وأن إذا كان مثله فهو قصاص.
وقال الشافعي يسعه أن يأخذه عن حقه في الوجهين جميعا واحتج بخبر هند.
هامش