معالم السنن/الجزء الثالث/14
14/16-17م ومن باب في الظهار
1085- قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء المعني قالا: حدثنا ابن إدريس عن محمد بن إسحاق عن محمد بن عمرو عن عطاء قال ابن العلاء بن علقمة بن عياش عن سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر ؛ قال ابن العلاء البياضي كنت امرا أصيب من النساء ما لا يصيب غيري، فلما دخل شهر رمضان خفت أن أصيب من امرأتي شيئا حتى يتابع بي حتى أصبح فظاهرت منها حتى انسلخ شهر رمضان فبينما هي تخدمني ذات ليلة إذ تكشف لي منها شيء فلم ألبث أن نزوت عليها، فلما أصبحت خرجت إلى قومي فأخبرتهم الخبر وقلت امشوا معي إلى رسول الله ﷺ قالوا لا والله ؛ فانطلقت إلى النبي ﷺ فأخبرته فقال أنت بذلك يا سلمة، قلت أنا بذلك يا رسول الله ﷺ مرتين وأنا صابر لأمر الله عز وجل فأحكم فيّ بما أراك الله سبحانه وتعالى، قال حرر رقبة، قلت والذي بعثك بالحق ما أملك رقبة غيرها وضربت صفحة رقبتي، قال فصم شهرين متتابعين، فقال وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام، قال فأطعم وسقا من تمر بين ستين مسكينا، قلت والذي بعثك بالحق لقد بتنا وحِشين ما أملك لنا طعاما، قال فانطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك فأطعم ستين مسكينا وسقا من تمر وكل أنت وعيالك بقيتها فرجعت إلى قومي فقلت وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ووجدت عند النبي ﷺ السعة وحسن الرأي وقد أمرني أو أمر لي بصدقتكم.
قال الشيخ قوله أنت بذاك يا سلمة معناه أنت الملم طاك والمرتكب له، وقوله بتنا وحِشين معناه بتنا مقفرين لا طعام لنا يقال رجل وحش وقوم أوحاش قال الشاعر:
وإن بات وحشا ليلة لم يضق بها... ذراعا ولم يصبح لها وهو خاشع
ويقال لصاحب الدواء توحش أي احتم.
وفيه دليل على أن الظهار الموقت ظهار كالمطق منه وهو إذا ظاهر من امرأته إلى مدة ثم أصابها قبل أنقضاء تلك المدة.
واختلفوا فيه إذا بر فلم يحنث، فقال مالك بن أنس وابن أبي ليلى إذا قال لامرأته أنت عليّ كظهر أمي إلى الليل لزمته الكفارة وإن لم يقربها.
وقال أكثر أهل العلم لا شيء عليه إذا لم يقربها وللشافعي في الظهار الموقت قولان أحدهما أنه ليس بظهار. وفيه دليل على أن معنى العود لما قال في الظهار ليس بأن يكرر اللفظ فيظاهر منها مرتين كما ذهب إليه بعض أهل الظاهر.
وفيه حجة لمن ذهب إلى جواز أن يضع الرجل صدقته في صنف واحد من الأصناف الستة ولا يفرقها على السهام.
وفي قوله أعتق رقبة دليل على أنه إذا أعتق رقبة ما كانت من صغير أوكبير أعور كان أو أعرج فإنها تجزيه إلا ما منع دليل الاجماع منه وهو الزمن الذي لا حراك به.
وفيه حجة لأبي حنيفة في أن خمس عشرة صاعا لا يجزىء عن الكفارة في الظهار، غير أنه قال يجزيه ثلاثون صاعا من البر لكل مسكين نصف صاع.
1086- قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي، قال: حدثنا يحيى بن آدم، قال: حدثنا ابن إدريس عن محمد بن إسحاق عن معمر بن عبد الله بن حنظلة عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن خويلة بنت مالك بن ثعلبة، قالت ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت فجئت رسول الله ﷺ أشكو إليه فأنزل عز وجل آية الظهار فقال يعتق رقبة، قالت لا يجد قال يصوم شهرين متتابعين قالت يا رسول الله إنه شيخ كبير ما به من صيام، قال فليطعم ستين مسكينا، قالت ما عنده من شيء يتصدق به قال فأتي ساعتئذ بعرق من تمر، قلت يا رسول الله وأنا أعينه بعرق آخر، قال قد أحسنت اذهبي فأطعمي بهما عنه ستين مسكينا وارجعي إلى ابن عمك. قالت والعرق ستون صاعا.
قال الشيخ أصل العرق السفيفة التي تنسج من الخوص فتتخذ منها المكاتل والزبل، وقد جاء تفسيره في هذا الحديث أنه ستون صاعا.
وروى أبو داود عن محمد بن إسحاق أن العرق مكتل يسع ثلاثين صاعا. وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن العرق زنبيل يسع خمسة عشر صاعا فدل على أن العرق قد يختلف في السعة والضيق فيكون بعض الأعراق أكبر وبعضها أصغر فذهب الشافعي منها إلى التقدير الذي جاء في خبر أبي هريرة من رواية أبي سلمة وهو خمسة عشر صاعا في كفارة المجامع في شهر رمضان، وكذلك قال الأوزاعي وأحمد بن حنبل لكل مسكين مد، وكذلك قال مالك إلا أنه قال بعد هشام وهو مد وثلث.
وذهب سفيان الثوري وأصحاب الرأي إلى حديث سلمة بن صخر وهو أحوط الأمرين، وقد يحتمل أن يكون الواجب عليه ستين صاعا ثم يؤتى بخمسة عشر صاعا فيقول له تصدق بها ولا يدل ذلك على أنها تجزيه عن جميع الكفارة ولكنه يتصدق بها في الوقت ويكون الباقي دينا عليه حتى يجده كما يكون للرجل على صاحبه ستون صاعا فيجيئه بخمسة عشر صاعا فإنه يأخذها منه ويطالبه بخمسة وأربعين، إلا أن إسناد حديث أبي هريرة أجود وأحسن اتصالا من حديث سلمة بن صخر.
وقال أبو عيسى سألت محمد بن إسماعيل عن حديث محمد بن إسحاق عن سليمان بن يسار فقال هو مرسل سليمان بن يسار لم يدرك سلمة بن صخر.
وقد روى أبو داود حديث سلمة بن صخر من غير طريق ابن إسحاق وذكر فيه العرق مقدارا لنحو خمسة عشر صاعا على وفاق حديث أبي هريرة ورواه أبو داود في هذا الباب.
1087-، قال: حدثنا ابن السرح، قال: حدثنا ابن وهب قال أخبرني ابن لهيعة وعمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار، وذكر الحديث قال فأتي رسول الله ﷺ بتمر فأعطاه إياه وهو قريب من خمسة عشر صاعا فقال تصدق بها فقال يا رسول الله على أفقر مني ومن أهلي فقال رسول الله ﷺ كله أنت وأهلك.
قال الشيخ وقد ذكرت معنى قوله كله أنت وأهلك في كتاب الصيام وكرهت إعادته ههنا.
1088- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا حماد عن هشام بن عروة أن جميلة كانت تحت أوس بن الصامت وكان رجل به لمم فإذا اشتد لممه ظاهر من امرأته فأنزل الله عز وجل فيه كفارة الظهار.
قال الشيخ معنى اللمم ههنا الإلمام بالنساء وشدة الحرص والتوقان إليهن يدل على ذلك قوله في هذا الحديث من الرواية الأولى كنت امرا أصيب من النساء ما لا يصيب غيري، وليس معنى اللمم ههنا الخبل والجنون ولو كان به ذلك ثم ظاهر في تلك الحالة لم يكن يلزمه شيء من كفارة ولا غيرها والله أعلم.
15/17-18م ومن باب الخلع
1089- قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته عن حبيبة بنت سهل الأنصارية أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن الشماس وأن رسول الله ﷺ خرج إلى الصبح فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس فقال رسول الله ﷺ من هذه، فقالت أنا حبيبة بنت سهل، فقال ما شأنك، قالت لا أنا ولا ثابت بن قيس لزوجها، فلما جاء ثابت قال له رسول الله ﷺ هذه حبيبة بنت سهل وذكرت ما شاء الله أن تذكر، وقالت حبيبة يا رسول الله كل ما أعطاني عندي فقال رسول الله ﷺ: خذ منها فأخذ منها وجلست في أهلها.
قال الشيخ في هذا الحديث دليل على أن الخلع فسخ وليس بطلاق ولو كان طلاقا لاقتضي فيه شرائط الطلاق من وقوعه في طهر لم تمس فيه المطلقة ومن كونه صادرا من قبل الزوج وحده من غير مرضاة المرأة فلما لم يتعرف النبي ﷺ الحال في ذلك فأذن له في مخالعتها في مجلسه ذلك دل على أن الخلع فسخ وليس بطلاق، ألا ترى أنه لما طلق ابن عمر زوجته وهي حائض أنكر عليه ذلك وأمر بمراجعتها وامساكها حتى تطهر فيطلقها طاهرا قبل أن يمسها.
وإلى هذا ذهب ابن عباس واحتج بقول الله تعالى {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} 1 قال ثم ذكر الخلع فقال {فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} 2 ثم ذكر الطلاق فقال {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} 3 فلو كان الخلع طلاقا لكان الطلاق أربعا وإلى هذا ذهب طاوس وعكرمة وهو أحد قولي الشافعي وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور.
وروي عن علي وعثمان وابن مسعود رضي الله عنهم أن الخلع تطليقة بائنة، وبه قال الحسن وإبراهيم النخعي وعطاء وابن المسيب وشريح والشعبي ومجاهد ومكحول والزهري وهو قول سفيان وأصحاب الرأي، وكذلك قال مالك والأوزاعي والشافعي في أحد قوليه وهو أصحهما والله أعلم.
وفي الخبر دليل على أن الخلع جائز على أثر الضرب وإن كان مكروها مع الأذى، وفيه أنه قد أخذ منها جميع ما كان أعطاها.
وقد اختلف الناس في هذا فكان سعيد بن المسيب يقول لا يأخذ منها جميع ما أعطاها ولا يزيد على ما ساق إليها شيئا، وذهب أكثر الفقهاء إلى أن ذلك جائز على ما تراضيا عليه قل ذلك أو كثر.
وفيه دليل على أنه لا سكنى للمختلعة على الزوج.
1090- قال أبو داود: حدثنا محمد بن عبدالرحمن البزار، قال: حدثنا علي بن بحر القطان، قال: حدثنا هشام بن يوسف عن معمر عن عمر بن مسلم عن عكرمة عن ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس اختلعت منه فجعل النبي ﷺ عدتها حيضة.
قال الشيخ هذا أدل شيء على أن الخلع فسخ وليس بطلاق وذلك أن الله تعالى قال {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} 4 فلو كانت مطلقة لم يقتصر لها على قرء واحد.
16/18-19م ومن باب المملوكة تحت الرجل
1091- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا حماد عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس أن مغيثا كان عبدا فقال يا رسول الله اشفع إليها فقال رسول الله ﷺ: ما بريرة اتقي الله فإنه زوجك وأبو ولدك، فقالت يا رسول الله تأمرني بذلك قال لا إنما أنا شافع وكان دموعه تسيل على خده فقال رسول الله ﷺ للعباس: ألا تعجب من حب مغيث بريرة وبغضها إياه.
قال الشيخ كان الشافعي يقول حديث بريرة هو الأصل في باب المكافأة في النكاح ولا أعلم خلافا أن الأمة إذا كانت تحت عبد فعتقت أن لها الخيار وإنما اختلفوا فيها إذا كانت تحت حر، فقال مالك والشافعي والأوزاعي وابن أبي ليلى وأحمد واسحاق لا خيار لها. وقال الشعبي والنخعي وحماد وأصحاب الرأي وسفيان الثوري لها الخيار وأصل هذا الباب حديث بريرة.
وقد اختلفت الروايات فيه عن عائشة رضي الله عنها فروى عنها أهل الحجاز أنها قالت كان زوج بريرة عبدا كذلك رواه عروة بن الزبير والقاسم بن محمد وروى أهل الكوفة أن زوجها كان حرا كذلك رواه الأسود بن يزيد عنها وقد ذكر أبو داود هذه الأحاديث في هذا الباب فكانت رواية أهل الحجاز أولى لأن عائشة رضي الله عنها عمة القاسم وخالة عروة وكانا يدخلان عليها بلا حجاب والأسود يسمع كلامها من وراء حجاب.
وقد قيل ان قوله كان زوجها حرا إنما هو من كلام الأسود لا من قول عائشة وحديث ابن عباس هذا لم يعارضه شيء وهو يخبر أنه كان عبدا وقد ذكر اسمه وأثبت صفته فدل ذلك على صحة رواية أهل الحجاز. وفي قولها تأمرني بذلك دليل على أن أصل أمره ﷺ على الحتم والوجوب.
17/21-22م ومن باب المملوكين يعتقان معا هل تخير المرأة
1092- قال أبو داود: حدثنا زهير بن حرب، قال: حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد، قال: حدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن بن وهب عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أنها أرادت أن تعتق مملوكين لها، يَعني زوجين فسألت النبي ﷺ فأمرها أن تبدأ بالرجل قبل المرأة.
قال الشيخ وفي هذا دلالة على أن الخيار بالعتق إنما يكون للأمة إذا كانت تحت عبد ولوكان لها خيار إذا كانت تحت حر لم يكن لتقديم عتق الزوج عليها معنى ولا فيه فائدة.
18/22-23م ومن باب إذا اسلم أحد الزوجين
1093- قال أبو داود: حدثنا نصر بن علي قال أخبرني أبو أحمد عن إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال أسلمت امرأة على عهد رسول الله ﷺ فتزوجت فجاء زوجها إلى النبي ﷺ فقال يا رسول الله إني قد أسلمت وعلمت بإسلامي فانتزعها رسول الله ﷺ من زوجها الآخر وردها إلى زوجها الأول.
قال الشيخ وفي هذا دليل على أن النكاح متى علم بين زوجين فادعت المرأة الفرقة فإن القول في ذلك قول الزوج وإن قولها في إبطال النكاح غير مقبول والشك لا يزحم اليقين. ولا أعلم خلافا أنه إذا لم يتقدم إسلام أحد الزوجين إسلام الآخر وكانت المرأة مدخولا بها ثم أسلم الآخر قبل انقضاء العدة فهما على الزوجية في قول الزهري والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه.
وقال مالك بن أنس إذا أسلم الرجل قبل امرأته وقعت الفرقة إذا عرض عليها الإسلام فلم تقبل.
وقال سفيان الثوري في المرأة إذا أسلمت عرض على زوجها الإسلام فان أسلم فهما على نكاحهما وإن أبى أن يسلم فرق بينهما ؛ وكذلك قال أصحاب الرأي إذا كان في دار الإسلام. وإن أسلمت المرأة ثم لحق الزوج بدار الكفر فقد بانت منه لافتراق الدين فإن أسلمت وهما في دار الحرب ولم يخرجا أو واحد منهما إلى دار الإسلام فهو أحق بها إن أسلم قبل أن تنقضي العدة فإذا انقضت العدة فلا سبيل له عليها.
وقال ابن شبرمة تبين منه كما تسلم ولا سبيل له عليها إلا بخطبة، وبه قال أبو ثور وروي ذلك عن الحسن وعكرمة وعمر بن عبد العزيز وعطاء وطاوس.
19/23-24م ومن باب إلى متى ترد عليه امرأته إذا أسلم بعدها
1094- قال أبو داود: حدثنا محمد بن عمرو الرازي، قال: حدثنا سلمة بن الفضل قال وحدثنا الحسن بن علي، قال: حدثنا يزيد المعنى، عن أبي إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال رد رسول الله ﷺ ابنته زينب رضي الله عنها علي أبي العاص بالنكاح الأول لم يحدث شيئا، قال محمد بن عمرو في حديثه بعد ست سنين، وقال الحسن بن علي بعد سنتين.
قال الشيخ وهذا إن صح فإنه يحتمل أن يكون عدتها قد تطاولت لاعتراض سبب حتى بلغت المدة المذكورة في الحديث إما الطولى منهما وإما القصرى، إلا أن حديث داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس نسخه، وقد ضعف أمره علي بن المديني وغيره من علماء الحديث وقد حدثونا عن محمد بن إسماعيل الصائغ،، قال: حدثنا سعيد بن منصور، قال: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا الحجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله ﷺ رد ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع بنكاح جديد، فقد عارض هذه الرواية رواية داود بن الحصين وفيها زيادة ليست في رواية داود بن الحصين والمثبت أولى من النافي غير أن محمد بن إسماعيل قال حديث ابن عباس أصح في هذا الباب من حديث عمرو بن شعيب، وقال أبو عيسى الترمذي قال زيد بن هارون العمل في هذا على حديث عمرو بن شعيب وإن كان إسناد حديث ابن عباس أجود.
قال الشيخ وإنما ضعفوا حديث عمرو بن شعيب من قبل الحجاج بن أرطاة لأنه معروف بالتدليس.
وحكي عن محمد بن عقيل أن يحيى بن سعيد قال لم يسمعه حجاج من عمرو.
قال الشيخ وفي الحديث دليل أن افتراق الدارين لا تأثير له في إيقاع الفرقة وذلك أن أبا العاص كان بمكة بعد أن أطلق عنه رسول الله ﷺ وفكه عن أسره وكان قد أخذ عليه أن يجهز زينب إليه ففعل ذلك وقدمت زينب على رسول الله ﷺ وأقامت بها.
وقد روي أن جماعة من النساء ردهن النبي ﷺ على أزواجهن بالنكاح الأول منهن امرأة عكرمة بن أبي جهل وكان خرج إلى اليمن وهند بنت عتبة أسلم أبو سفيان خارج الحرم وهي مقيمة بمكة وهي دار حرب لم يستول عليها النبي ﷺ بعد فلما عاد إليها وأسلمت هند كانا على نكاحهما.
وقد تكلم الناس في ترويج رسول الله ﷺ زينب من أبي العاص ومعلوم أنها لم تزل مسلمة وكان أبو العاص كافرا ووجه ذلك أن النبي ﷺ إنما زوجها منه قبل نزول قوله عز وجل {ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا} 5 ثم أسلم أبو العاص فردها عليه رسول الله ﷺ فاجتمعا في الإسلام والنكاح معا.
20/24-25م ومن باب من أسلم وعنده نساء أكثر من أربع أو أختان
1095- قال أبو داود: حدثنا مسدد، قال: حدثنا هشيم قال وحدثنا وهب بن بقية قال أخبرنا هشيم عن ابن أبي ليلى عن حميضة بنت الشمردل عن الحارث بن قيس قال مسدد بن عميرة وقال وهب الأسدي قال، أسلمت وعندي ثماني نسوة فذكرت ذلك للنبي ﷺ فقال: اختر منهن أربعا، وقال بعضهم في إسناده قيس بن الحارث.
قال الشيخ قوله اختر منهن أربعا، ظاهره يدل على أن الاختيار في ذلك إليه يمسك من شاء منهن سواء كان عقد عليهن في عقد واحد أو متفرقات لا يعتبر المتقدمة في العقد ولا المتأخرة منهن لأن الأمر قد فوض إليه في الاختيار من غير استفصال، وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأراه قول محمد بن الحسن، وقد روي ذلك عن الحسن البصري.
وقال أبو حنيفة وسفيان الثوري إن نكحهن في عقد واحد فرق بينه وبينهن وإن كان نكح واحدة بعد الأخرى حبس أربعا منهن الأولى فالأولى وترك سائرهن.
قال الشيخ معنى الاختيار المذكور في الحديث يبطل إذا لم يكن له إلا حبس الأوليات فدل ذلك على أنه يختار من شاء منهن الأولى والأخرى في ذلك سواء ومن اعتبر فيهن هذا المعنى لزمه أن يعتبر أوصاف عقودهن فيما مضى فلا يجيز منهل العقود التي خلت عن الشهود والأولياء ولا العقود التي وقعت في أيام العدة من الزوج الأول فإذا لم يكن هذا معتبرا فيها لأنه حكم ثابت من أحكام الجاهلية وقد لقيه الإسلام بالعفو، فكذلك التقديم والتأخير لا فرق بين الأمرين في ذلك فأما الأعيان فإنها قائمة غير فائتة وليست كالأوصاف التى قد فاتت بفوات الزمان الذي قد وقع فيه العقد فلا يقر الزوج على نكاح امرأة من ذوات المحارم اللاتي لو أراد ابتداء العقد عليهن في حال الإسلام لم يحللن.
1096- قال أبو داود: حدثنا يحيى بن معين، قال: حدثنا وهب بن جرير عن أبيه قال سمعت يحيى بن أيوب يحدث عن يزيد بن أيى حبيب، عن أبي وهب الجيشاني عن الضحاك بن فيروز عن أبيه قال: قلت يا رسول الله إني أسلمت وتحتي أختان قال طلق أيتهما شئت.
قال الشيخ في هذا بيان أن الاختيار إليه في إمساك من شاء منهن من المتقدمة والمتأخرة. وفيه حجة لمن ذهب إلى أن اختيار إحداهما لا يكون فسخا لنكاح الأخرى حتى يطلقها.
21/25-26م ومن باب إذا أسلم أحد الأبوين مع من يكون الولد
1097- قال أبو داود: حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي، قال: حدثنا عيسى، قال: حدثنا عبدالحميد بن جعفر قال أخبرني أبي عن جدي رافع بن سنان أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم فأتت النبي ﷺ فقالت ابنتي وهي فطيم أو شبهه، وقال رافع ابنتي فقال له رسول الله ﷺ: اقعد ناحيه وقال لها اقعدي ناحية، قال وأقعد الصبية بينهما ؛ ثم قال ادعواها فمالت الصبية إلى أمها، فقال النبي ﷺ: اللهم اهدها فمالت إلى أبيها فأخذها.
قال الشيخ في هذا بيان أن الولد الصغير إذا كان بين المسلم والكافر فإن المسلم أحق به، وإلى هذا ذهب الشافعي.
وقال أصحاب الرأي في الزوجين يفترقان بالطلاق والزوجة ذمية ان الأم أحق بأولادها ما لم تزوج ولا فرق في ذلك بين الذمية والمسلمة.
22/26-27م ومن باب اللعان
1098- قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن ابن شهاب أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن عويمر بن أشقر العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي، فقال له يا عاصم أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل سل لي يا عاصم رسول الله ﷺ فسأل عاصم رسول الله ﷺ فكره رسول الله ﷺ المسائل وعابها حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله ﷺ، فقال عويمر والله لا أنتهي حتى أسأل عنها، فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله ﷺ فقال يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل، فقال رسول الله ﷺ: قد أنزل فيك وفي صاحبتك قرآن فاذهب فأت بها، فقال سهل فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله ﷺ فلما فرغا قال عويمر كذبت عليها يا رسول الله ان أمسكتها فطلقها عويمر ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله ﷺ قال ابن شهاب فكانت تلك سنة المتلاعنين.
قال الشيخ قوله كره رسول الله ﷺ المسائل وعابها يريد به المسألة عما لا حاجة بالسائل إليها دون ما به إليه الحاجة، وذلك أن عاصما إنما كان يسأل لغيره لا لنفسه فأظهر رسول الله ﷺ الكراهة في ذلك إيثارا لستر العورات وكراهة لهتك الحرمات.
وقد وجدنا المسألة في كتاب الله عز وجل على وجهين أحدهما ما كان على وجه التبين والتعلم فيما يلزم الحاجة إليه من أمر الدين. والآخر ما كان على طريق التكلف والتعنت فأباح النوع الأول وأمر به وأجاب عنه فقال تعالى {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} 6 وقال {فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك} 7 وقال في قصة موسى والخضر {فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} 8 وقال {لتبيننه للناس ولا تكتمونه} 9 فأوجب على من يسأل عن علم أن يجيب عنه وأن يبين ولا يكتم، وقال رسول الله ﷺ من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار، وقال عز وجل {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج} 10 {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى} 11 {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول} 12، وقال في النوع الاخر {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي} 13، {يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها} 14 وعاب مسألة بني إسرائيل في قصة البقرة لما كان على سبيل التكلف لما لا حاجة بهم إليه، وقد كانت الغنية وقعت بالبيان المتقدم فيها وكل ما كان من المسائل على هذا الوجه فهو مكروه، فإذا وقع السكوت عن جوابه فإنما هو زجر وردع للسائل ؛ وإذا وقع الجواب فهو عقوبة وتغليظ.
وفي قوله هي طالق ثلاثا دليل على أن إيقاع التطليقات الثلاث مباح ولو كان محرما لأشبه أن يرد عليه رسول الله ﷺ قوله في ذلك ويبين بطلانه لمن بحضرته لأنه لا يجوز عليه أن يجري بحضرته باطل فلا ينكره ولا يرده.
وقد يحتج به من يرى أن الفرقة لا تقع بنفس اللعان حتى يفرق بينهما الحكام وذلك أن الفرقة لوكانت واقعة بينهما لم يكن للتطليقات الثلاث معنى.
وقد يحتج بذلك أيضا من يرى الفرقة بنفس اللعان على وجه آخر وذلك أن الفرقة لو لم تكن واقعة باللعان لكانت المرأة في حكم المطلقات ثلاثا.
وقد أجمعوا على أنها ليست في حكم المطلقات ثلاثا تحل له بعد زوج فدل على أن الفرقة واقعة قبل، ويشبه أن يكون إنما دعاه إلى هذا القول أنه لما قيل له لا سبيل لك عليها وجد من ذلك في نفسه فقال كذبت عليها إن أمسكتها هي طالق ثلاثا يريد بذلك تحقيق ما مضى من الفرقة وتوكيده.
وقوله فكانت سنة المتلاعنين يريد التفريق بينهما.
وقد اختلف في الوقت الذي يزول فيه فراش المرأة وتقع فيه الفرقة، فقال مالك والأوزاعي إذا التعن الرجل والمرأة جميعا وقعت الفرقة، وروي ذلك عن ابن عباس.
وقال الشافعي إذا التعن الرجل وقعت الفرقة وإن لم تكن المرأة التعنت بعد.
وقال أصحاب الرأي الفرقة إنما تقع بتفريق الحاكم بينهما بعد أن يتلاعنا معا.
1099- قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله، قال إنا لليلة جمعة في المسجد إذ دخل رجل من الأنصار في المسجد، فقال لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فتكلم به جلدتموه أو قتل قتلتموه وإن سكت سكت على غيظ والله لأسألن عنها رسول الله ﷺ فلما كان من الغد أتى رسول الله ﷺ فسأله، فقال اللهم افتح وجعل يدعو فنزلت آية اللعان {والذين يرمون أزواحهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم} 15 هذه الاية فابتلى به ذلك الرجل من بين الناس فجاء هو وامرأته إلى رسول الله ﷺ فتلاها فشهد الرجل أربع شهادات بالله أنه لمن الصادقين ثم لعن الخامسة عليه إن كان من الكاذبين، قال فذهبت لتلتعن فقال لها رسول الله ﷺ مه فأبت ففعلت، فلما أدبرا قال لعلها أن تجيء به أسود جعدا فجاءت به أسود جعدا.
قوله اللهم افتح اللهم احكم أو بين الحكم فيه، والفتاح الحاكم ومنه قوله تعالى {ثم افتح بيننا بالحق. وهو الفتاح العليم}16 وفي قوله لعلها أن تجيء به أسود جعدا دليل على أن المرأة كانت حاملا وأن اللعان وقع على الحمل.
وممن رأى اللعان على نفي الحمل مالك والأوزاعي وابن أبي ليلى والشافعي.
وقال أبو حنيفه لا يلاعن بالحمل لأنه لا يدري لعله ريح.
1100- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح، قال: حدثنا ابن وهب عى عياض بن عبد الله الفهري وغيره عن ابن شهاب عن سهل بن سعد في هذا الخبر قال فطلقها ثلاث تطليقات عند رسول الله ﷺ فأنفذه رسول الله ﷺ وكان ما صنع عند رسول الله ﷺ سنه، قال سهل حضرت هذا عند رسول الله ﷺ فمضت السنة بعد في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبدا.
قوله فأنفذه رسول الله ﷺ يحتمل وجهين أحدهما إيقاع الطلاق وانفاذه وهذا على قول من زعم أن اللعان لا يوجب الفرقة، وأن فراق العجلاني امرأته إنما كان بالطلاق، وهو قول عثمان البتي.
والوجه الآخر أن يكون معناه انفاذ الفرقة الداائمة المتأبدة، وهذا على قول من لا يراها تصلح للزوج بحال وإن أكذب نفسه فيما رماها به. وإلى هذا ذهب الثسافعي ومالك والأوزاعي والثوري ويعقوب وأحمد وإسحاق وشهد لذلك قوله ولا يجتمعان أبدا.
وقال الشافعي إن كانت زوجته أمة فلاعنها ثم اشتراها لم تحل له إصابتها لأن الفرقة وقعت متأبدة فصارت كحرمة الرضاع.
ومذهب أبي حنيفة ومحمد بن الحسن أنه إدا كذب نفسه ثبت النسب ولحقه الولد.
وفيه دليل على أن الزوج إذا طلقها قبل العان لم يكن ذلك مانعا من وجوب اللعان عليه. وقال الحسن والشعبي والقاسم بن محمد في الرجل يقذف زوجته ثم يطلقها ثلاثا أن يلاعنها، وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وذلك أن القذف كان وهي زوجة.
وقال أصحاب الرأي لا حد ولا لعان في ذلك، وهو قول حماد بن أبى سليمان وحكي عن الثوري.
1101- قال أبو داود: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا ابن أبي عدي قال أخبرنا هشام بن حسان قال حدثني عكرمة عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند رسول الله ﷺ بشريك بن سحماء فقال النبي ﷺ البينة أو حد في ظهرك قال يا رسول الله إذا رأى أحدنا رجلا على امرأته يلتمس البينة فجعل النبي ﷺ يقول البينة وإلا فحد في ظهرك، فقال هلال والذي بعثك بالحق نبيا إني لصادق ولينزلن الله عز وجل في أمري ما يبرىء ظهري من الحد فنزلت {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم} 17 فقرأ حتى بلغ من الصادقين فانصرف النبي ﷺ فأرسل إليهما فجاءا، فقام هلال بن أمية فشهد والنبي ﷺ يقول إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما من تائب ثم قامت فشهدت فلما كان عند الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين وقالوا لها إنها موجبة ؛ قال ابن عباس فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها سترجع وقالت لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت، فقال النبي ﷺ أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الاليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء فجاءت به كذلك، فقال النبي ﷺ: لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن.
قال الشيخ فيه من الفقه أن الزوج إذا قذف امرأته برجل بعينه ثم تلاعنا فإن اللعان يسقط عنه الحد فيصير في التقدير ذكره المقذوف به تبعا لا يعتبر حكمه وذلك لأنه ﷺ قال لهلال بن أمية البينة أو حد في ظهرك فلما تلاعنا لم يعرض لهلال بالحد ولا روي في شيء من الأخبار أن شريكا بن سحماء عفا عنه فعلم أن الحد الذي كان يلزمه بالقذف سقط عنه باللعان وذلك لأنه مضطر إلى ذكر من يقذفها به لإزالة الضرر عن نفسه فلم يحمل أمره على القصد له بالقذف وادخال الضرر عليه.
وقال الشافعي وإنما يسقط الحد عنه إذا ذكر الرجل وسماه في اللعان فإن لم يفعل ذلك حد له.
وقال أبو حنيفة الحد لازم له وللرجل مطالبته به وقال مالك يحد للرجل ويلاعن للزوجة.
وفي قوله البينة وإلا حد في ظهرك دليل على أنه إذا قذف زوجته ثم لم يأت بالبينة ولم يلاعن كان عليه الحد. وقال أبو حنيفة إذا لم يلتعن الزوج فلا شيء عليه.
وفي قوله عند الخامسة إنها موجبة دليل على أن اللعلن لا يتم إلا باستيفاء عدد الخمس. وإليه ذهب الشافعي.
وقال أبو حنيفة إذا جاء بأكثر العدد ناب عن الجميع، وقوله الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل من تائب فيه دليل على أن البينتين إذا تعارضتا تهاترتا وسقطتا.
وفيه دليل على أن الإمام إنما عليه أن يحكم بالظاهر وإن كانت هناك شبهة تعترض وأمور تدل على خلافه، ألا تراه يقول لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن.
والخدلج الساقين هو الغليظه.
1102- قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي، قال: حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس، وذكر قصة هلال بن أمية وساقها بطولها وقال بعد أن ذكر التلاعن ففرق رسول الله ﷺ بينهما وقضى أن لا يدعى ولدها لأب ولا يرمي ولدها ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد وقضى أن لا بيت لها عليه ولا قوت من أجل أنهما يتفرقان من غير طلاق ولا متوفى عنها وقال إن جاءت به أصيهب أريصح أثيبج حمش الساقين سابغ الاليتين فهو للذي رميت به.
قال الشيخ وفيه من الفقه بيان أن اللعان فسخ وليس بطلاق وأنه ليس للملاعنة على زوجها سكنى ولا نفقة، وإليه ذهب الشافعي.
وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن اللعان تطليقة بائنة ولها السكنى والنفقة في العدة.
قال الشيخ وفيه بيان أن من رمى الملاعنة أو ولدها إن عليه الحد وهو قول أكثر العلماء.
وقال أصحاب الرأي إن كان جرى اللعان بينهما بالقذف لا على نفي الولد فإن قاذفها يحد، وإن كان لاعنها على ولد نفاه لم يكن على الذي يقذفها حد.
وقال أبوعبيد القاسم بن سلام بعد أن حكى هذا المذهب عنهم وحجتهم فيه ان قالوا معها ولد لا أب له قالوا فإن مات ذلك الولد كان على من يرميها بعده الحد، وتعجب أبو عبيد من سقوط الحد وثبوته لحياة رجل ووفاته وقال لا يصح في رأي ولا نظر.
وفيه دلالة على جواز الاستدلال بالشبه.
وفيه بيان أن من لا يجوز الاستدلال به لا يحكم به إذا كان هناك ما هو أقوى منه في الدلالة على ضد موجبه ولو كان للشبه هنا حكم لوجب عليها الحد إذا جاءت به على النعت المكروه.
وفيه من العلم أن التحلية بالنعوت المعيبة إذا أريد بها التعريف لم تكن غيبه يأثم بها قائلها. والاصيهب تصغير الأصهب وهو الذي يعلوه صهبة وهي كالشقرة والأريصح تصغير الأرسح وهو خفيف الاليتين أبدلت السين منه صادا، وقد يكون أيضا تصغير الأرصع أبدلت عينه حاء.
قال الأصمعي الأرصع الأرسخ والأشيج تصغير الأشج وهو الناتىء الثبج والثبج ما بين الكاهل ووسط الظهر والحمش الدقيق الساقين والخدلج العظيم الساقين والجمالي العظيم الخلق شبه خلقه بخلق الجمل، يقال ناقة جمالية إذا شبهت بالفحل من الإبل في عظم الخلق.
1103- قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن رجلا لاعن امرأته في زمان رسول الله ﷺ وانتفى من ولدها ففرق رسول الله ﷺ بينهما وألحق الولد بالمرأة.
قال الشيخ يحتج به من لا يرى البينونه تقع بين المتلاعنين إلا بتفريق الحاكم وذلك لإضافة التفريق بينهما إلى رسول الله ﷺ وقد استشهدوا في ذلك أيضا بالفسوخ التي يحتاج فيها إلى حضرة الحكام فإنها لا يقع إلا بهم.
وذهب الشافعي إلى أن التفريق بينهما واقع بنفس اللعان أو بنفس اللعن، إلا أنه لما جرى التلاعن بحضرة رسول الله ﷺ أضيف التفريق ونسب إلى فعله كما تقوم البينة إما بالشهادة أو بإقرار المدعى عليه فيثبت الحق بهما عليه ثم يضاف الأمر في ذلل إلى قضاء القاضي ولو وجب أن لا يكون التفرقة إلا بأمر الحاكم لوجب أن لا ينفى الولد عن الزوج إلا بحكم الحاكم لأنه قد نسق عليه في الدكر فقيل فرق رسول الله ﷺ بين المتلاعنين وألحق الوك بالأم فإذا جاز أن يلحق الولد بالأم وينقطع نسبه عن الأب من غير صنع للحاكم فيه جاز أن يقع الفرقة بينهما من غير صنع له فيه والله أعلم.
قال وانما معنى قوله فرق رسول الله ﷺ بين المتلاعنبن أي بين أن الفرقة وقعت بينهم باللعان.
1104- قال أبو داود: حدثنا محمد بن جعغر الوركاني، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن سهل بن سعد في خبر المتلاعنين قال قال رسول الله ﷺ: ابصروها فإن جاءت به أدعج العينين عظيم الاليتين فلا أراه إلا قد صدق، وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة فلا أراه إلا كاذبا.
قال الشيخ الوحرة دويبة وجمعها وحر، ومنه قيل فلان وحر الصدر إذا دبت العداوه في قلبه كدبيب الوحر.
1105- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل قال0 حدثنا سفيان بن عيينة قال سمع عمر وسعيد بن جبير يقول سمعت ابن عمر يقول، قال رسول الله ﷺ للمتلاعنين: حسابكما على الله أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها، قال يا رسول الله مالي قال لا مال لك إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها وإن كذبت عليها فذلك أبعد لك.
قال الشيخ قوله لا سبيل لك عليها فيه بيان وقوع الفرقة بينهما باللعان خلاف قول عثمان البتي أن اللعان لا يوجب الفرقة.
وفيه دلالة على أن الفرقة باللعان متأبدة ولو كان له عليها سبيل إذا كذب نفسه لاستثناه، فقال إلا أن تكذب نفسك فيكون لك عليها حينئذ سبيل فلما أطلق الكلام دل على تأبيد الفرقة.
وفيه بيان أن زوج الملاعنة لا يرجع عليها بالمهر وإن أقرت المرأة بالزنا أو قامت عليها البينة بذلك.
قال الشيخ وهذا في المدخول بها، ألا تراه يقول فهو بما استحللت من فرجها فأما غير المدخول بها فقد اختلف الناس فيها، فقال الحسن وقتادة وسعيد بن جبير يلاعنها ولها نصف الصداق، وإليه ذهب مالك والأوزاعي.
وقال الحكم وحماد لها الصداق كاملا، وقال الزهري يتلاعنان ولا صداق لها.
23/27-28م ومن باب إذا شك في الولد
1106- قال أبو داود: حدثنا ابن أبي خلف، قال: حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد، عن أبي هريرة قال جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال إن امرأتي جاءت بولد أسود فقال هل لك من إبل، قال نعم، قال فما ألوانها، قال حمر، قال فهل لك فيها من أورق، قال إن فيها لورقا، قال فأنّى تراه، قال عسى أن يكون نزعه عرق، قال وهذا عسى أن يكون نزعه عرق.
قال الشيخ هذا القول من السائل تعريض بالريبة كأنه يريد نفي الولد بحكم النبي ﷺ فإن الولد للفراش ولم يجعل خلاف الشبه واللون دلالة يجب الحكم بها وضرب له المثل بما يوجد من اختلاف الألوان في الإبل وفحلها ولقاحها واحد.
وفي هذا إثبات القياس وبيان أن المتشابهين حكمهما من حيث اشتبها واحد.
وفيه دليل على أن الرجل إذا ولدت له امرأته ولدا فقال ليس مني لم يصر قاذفا لها بنفس هذا القول لجواز أن يكون ليس منه لكن لغيره بوطء شبهة أو من زوج متقدم.
وفيه دليل على أن الحد لا يجب في المكاني وإنما يجب بالقذف الصريح.
24/29-30م ومن باب ادعاء ولد الزنا
1107- قال أبو داود: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا معمر عن سليم، يَعني ابن أبي الذيال قال حدثني بعض أصحابنا عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله ﷺ: لا مساعاة في الإسلام من ساعى في الجاهلية فقد لحق بعصبته ومن ادعى ولدا لغير رشدة فلا يرث ولا يورث.
قال الشيخ المساعاة الزنا، وكان الأصمعي يجعل المساعاة في الإماء دون الحرائر وذلك لأنهن يسعين لمواليهن فيكتسبن لهم بضرائب كانت عليهن فأبطل ﷺ المساعاة في الإسلام ولم يلحق النسب لها وعفا عما كان منها في الجاهلية وألحق النسب به ؛ ويقال هذا ولد رِشدة ورَشدة لغتان.
1108- قال أبو داود: حدثنا شيبان بن فروخ، قال: حدثنا محمد بن راشد قال وحدثنا الحسن بن علي، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: حدثنا محمد بن راشد وهو أشبع عن سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي ﷺ قضى أن كل مستلحق استلحق بعبد أبيه الذي يدعى له ادعاه وورثته فقضى أن من كان من أمة يملكها يوم أصابها فقد لحق بمن استلحق وليس له مما قسم قبله من الميراث شيء وما أدرك من ميراث لم يقسم فله نصيبه ولا يلحق إذا كان أبوه الذي يدعى له أنكره، فإن كان من أمة لم يملكها أو من حرة عاهر بها فإنه لا يلحق ولا يورث، وإن كان الذي يدعى له وهو ادعاه فهو ولد زنية من حرة كانت أو أمة.
قال الشيخ هذه أحكام وقعت في أول زمان النشريعة وكان حدوثها بين الجاهلية وبين قيام الإسلام، وفى ظاهر هذا الكلام تعقد وإشكال، وتحرير ذلك وبيانه أن أهل الجاهلية كانت لهم إماء تساعين وهن البغايا اللواتى ذكرهن الله تعالى في قوله {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء} 18 إذ كان ساداتهن يلمون بهن ولا يجتنبوهن فإذا جاءت الواحدة منهن بولد وكان سيدها يطأها وقد وطئها غيره بالزنا فربما ادعاه الزاني وادعاه السيد فحكم ﷺ بالولد لسيدها لأن الأمة فراش له كالحرة ونفاه عن الزاني
فإن دعى للزاني مدة وبقي على ذلك إلى أن مات السيد ولم يكن ادعاه في حياته ولا أنكره، ثم ادعاه ورثته بعد موته واستلحقوه فإنه يلحق به ولا يرث أباه ولا يشارك إخوته الذين استلحقوه في ميراثهم من أبيهم إذا كانت القسمة قد مضت قبل أن يستلحقه الورثة وجعل حكم ذلك حكم ما مضى في الجاهلية فعفا عنه ولم يرد إلى حكم الإسلام، فإن أدرك ميراثا لم يكن قد قسم إلى أن ثبت نسبه باستلحاق الورثة إياه كان شريكهم فيه أسوة من يساويه في النسب منهم فإن مات من إخوته بعد ذلك أحد ولم يخلف من يحجبه عن الميراث ورثه فإن كان سيد الأمة أنكر الحمل وكان لم يدعه فإنه لا يلحق به وليس لورثته أن يستلحقوه بعد موته، وهذا شبيه بقصة عبد بن زمعة وسعد بن مالك ودعواهما في ابن أمة زمعة، فقال سعد ابن أخي عهد إليّ فيه أخي، وقال عبد بن زمعة أخي ولد على فراش أبي فقضى رسول الله ﷺ بالولد للفراش فصار ابنا لزمعة. وسنذكر هذا الحديث في موضعه من هذا الكتاب ونورده هناك شرحا وبيانا إن شاء الله تعالى.
25/30-31م ومن باب القافة
1109- قال أبو داود: حدثنا مسدد وعثمان بن أبي شيبة المعنى وابن السرح قالوا حدثنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت دخل عليَّ رسول الله ﷺ قال مسدد وابن السرح يوما مسرورا، وقال عثمان يعرف أسارير وجهه، فقال أي عائشة ألم تري أن مجززا المدلجي رأى زيدا وأسامة قد غطيا رؤوسهما بقطيفة وبدت أقدامهما، فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض. قال أبو داود كان أسامة أسود وكان زيد أبيض.
قال الشيخ فيه دليل على ثبوت أمرالقافة وصحة لقولهم في إلحاق الولد وذلك أن رسول الله ﷺ لا يظهر السرور إلا بما هو حق عنده، وكان الناس قد ارتابوا بأمر زيد بن حارثة وابنه أسامه وكال زيد أبيض وجاء أسامة أسود، فلما رأى الناس في ذلك وتكلموا بقول كان يسوء رسول الله ﷺ سماعه فلما سمع هذا القول من مجزز فرح به وسري عنه.
وممن أثبت الحكم بالقافة عمر بن الخطاب وابن عباس وعطاء ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وعامة أهل الحديث.
وقال أهل الرأي في الولد المشكل يدعيه اثنان يقضى به لهما وأبطلوا الحكم بالقافة.
واختلفت أقاويلهم في ذلك فقال أبو حنيفة يلحق الولد برجلين وكذلك بامرأتين. وقال أبو يوسف يلحق برجلين ولا يلحق بامرأتين.
وقال محمد يلحق بالآباء وإن كثروا، ولا يلحق إلا بأم واحدة.
واختلف القائلون بالقافة إذا قالت إن الولد منهما جميعا.
قال الشافعي إذا كان الولد كبيرا قيل له انتسب إلى أيهما شئت. وقال أبو ثور يلحق بهما ( برهما وبزناته ) (19 ) وقاله عمر.
وقوله تعرف أسارير وجهه، قال أبو عبيد الأسارير الخطوط في الوجه والجبهة.
26/31-32م ومن باب من قال في القرعة إذا تنازعوا في الولد
1110- قال أبو داود: حدثنا مسدد، حدثنا يحيى عن الأجلح عن الشعبى عن عبد الله بن الخليل عن زيد بن أرقم قال: كنت جالسا عند النبي ﷺ فجاء رجل من اليمن فقال إن ثلاثة نفر من أهل اليمن أتوا عليا يختصمون إليه في ولد وقد وقعوا على امرأة في طهر واحد، فقال لاثنين طيبا بالولد لهذا فغليا، ثم قال لاثنين طيبا بالولد لهذا فغليا، ثم قال لاثنين طيبا بالولد لهذا فغليا، فقال أنتم شركاء متشاكسون إني مقرع بينكم فمن قرع فله الولد وعليه لصاحبيه ثلثا الدية فأقرع بينهم فجعله لمن قرع فضحك رسول الله ﷺ حتى بدت أضراسه أو نواجذه.
قال الشيخ: فيه دليل على أن الولد لا يلحق بأكثر من أب واحد ؛ وفيه إثبات القرعة في أمر الولد وإحقاق القارع وللقرعة مواضع غير هذا في العتق وتساوي البينتين في الشيء يتداعاه اثنان فصاعدا. وفي الخروج بالنساء في الأسفار وفي قسم المواريث وإفراز الحصص بها. وقد قال بجميع وجوهها نفر من العلماء ومنهم من قال بها في بعض هذه المواضع ولم يقل بها في بعض.
وممن ذهب إلى ظاهره إسحاق بن راهويه وقال هو السنة في دعوى الولد. وقال به الشافعي قديما وقيل لأحمد في حديث زيد هذا فقال حديث القافة أحب إليَّ وقد تكلم بعضهم في إسناده.
27/ ومن باب وجوه النكاج التي كان يتناكح بها أهل الجاهلية
1111- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا عنبسة بن خالد حدثني يونس بن يزيد قال: قال محمد بن مسلم بن شهاب أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي ﷺ أخبرته أن النكاح في الجاهلية على أربعة أنحاء فنكاح منها نكاح الناس اليوم يخطب الرجل إلى الرجل وليته فيصدقها ثم ينكحها.
ونكاح آخر كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إن أحب وإنما يفعل رغبة في نجابة الولد فكان هذا النكاح يسمى نكاح الاستبضاع.
ونكاح آخر يجتمع الرهط دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها فإذا حملت ووضعت ومر ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها فتقول لهم قد عرفتم الذى كان من أمركم وقد ولدت وهو ابنك يا فلان فتسمي من أحبت منهم باسمه فيلحق به ولدها.
ونكاح رابع يجتمع الناس الكثير لا تمتنع ممن جاءها وهن البغايا كن ينصبن على أبوابهن رايات يكنّ علما لمن أرادهن دخل عليهن، فإذا حملت فوضعت حملها أجمعوا لها ودعوا لهم القافة ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاطه ودعى ابنه لا يمتنع من ذلك، فلما بعث الله محمدا ﷺ هدم نكاح أهل الجاهلية كله إلا نكاح أهل الإسلام اليوم.
قال الشيخ الطمث دم الحيض، وقولها التاطه معنى استلحقته، وأصل اللواط الإلصاق.
28/33-34م ومن باب الولد للفراش
1112- قال أبو داود: حدثنا سعيد بن منصور ومسدد قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة إلى رسول الله ﷺ في ابن أمة زمعة، فقال سعد أوصاني أخي عتبة إذا قدمت مكة أن انظر إلى ابن أمة زمعة فأقبضه فإنه ابنه. وقال عبد بن زمعة أخي ابن أمة أبي ولد على فراش أبي فرأى رسول الله ﷺ شبها بينا بعتبة فقال الولد للفراش واحتجبي منه يا سودة، زاد مسدد وقال هو أخوك يا عبد.
قال الشيخ: قد ذكرنا أن أهل الجاهلية كانوا يقتنون الولائد ويضربون عليهم الضرائب فيكتسبن بالفجور، وكان من سيرتهم إلحاق النسب بالزناة إذا ادعوا الولد كهو في النكاح، وكانت لزمعة أمة كان يلم بها وكانت له عليها ضريبة فظهر بها حمل كان يظن أنه من عتبة بن أبي وقاص وهلك عتبة كافرا لم يسلم فعهد إلى سعد أخيه أن يستلحق الحمل الذي بان في زمعة وكان لزمعة ابن يقال له عبد فخاصم سعد عبد بن زمعة في الغلام الذي ولدته الأمة فقال سعد هو ابن أخي على ما كان عليه الأمر في الجاهلية. وقال عبد بن زمعه بل هو أخي ولد على فراش أبي على ما استقر حكم الإسلام فقضى به رسول الله ﷺ لعبد بن زمعة وأبطل دعوى الجاهلية.
قال الشيخ فيه إثبات الدعوى في الولد كهي في الأملاك والأموال وأن الأمة فراش كالحرة، وأن للورثة أن يقروا بوارث لم يكن وأنهم إذا اجتمعوا على ذلك ثبت نسبه ولحق بأبيهم، فإن قيل إن جميع ورثة زمعة لم يقروا بأن هذا الغلام ابن لزمعة، وإنما جرى في هذه القصة ذكر عبد بن زمعة فقد قيل قد روي أنه لم يكن لزمعة معه يوم مات وارث غير عبد بن زمعة وكان عبد بمنزلة جميع الورثة، وقد لا ينكر أنه إن ثبت كون سودة من الورثة أن تكون قد وكلت أخاها بالدعوى أو تكون قد أقرت بذلك عند رسول الله ﷺ وإن لم يذكر في القصة.
قال الشيخ: والاعتبار في هذا إنما هو بقول من استحق المال بالإرث سواء كان ذلك من نسب أو زوجية فلو كان له ابن واحد فادعى أخا ألق به لأنه جميع الورثة وإن كانت معه زوجة فأنكرت لم يثبت النسب ولو كان الوارث بنتا واحدة فأقرت به لم تلحو لأنها لا ترث جميع المال إلا ان تكون معتقة فتلحق لأنها ترث جميع المال نصف بالنسب والباقي بالولاء، كل هذا على مذهب الشافعي.
وفى قوله احتجبي منه يا سودة حجة لمن ذهب إلى أن من فجر بامرأة حرمت على أولاده، واليه ذهب أهل الرأي وسفيان الثوري والأوزاعى وأحمد لأنه لما رأى الشبه بعتبة علم أنه من مائه فأجراه في النحريم مجرى النسب وأمرها بالاحتجاب منه. وقال مالك والشافعي وأبو ثور لا تحرم عليه، وتأولوا قوله لسودة احتجبي منه على معنى الاستحباب والاستظهار بالتنره عن الشبه وقد كان جائزا أن لا يردها لو كان أخا لها ثابت النسب. ولأزواج النبي ﷺ في هذا الباب ماليس لغيرهن من النساء لقوله تعالى {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء} 20 الآية.
ويستدل بالشبه في بعض الأمور لنوع من الاعتبار ثم لا يقطع الحكم به، ألا ترى أن النبي ﷺ قال في قصة الملاعنة إن جاءت به كذا وكذا فما أراه إلا كذب عليها، وإن جاءت به كذا وكذا فما اراه إلا صدق عليها فجاءت به على النعت المكروه ثم لم يحكم به، وإنما حكم بالشبه في موضع لم يوجد منه شيء أقوى منه كالحاكم بالفاقة. وأبطل معنى الشبه في الملاعنة لأن وجود الفراش أقوى منه.
وهذا كما يحكم في الحادثة بالقياس إذا لم يكن فيها نص في هذا الباب فإذا وجد فيها ظاهر ترك له القياس.
وفي قوله هو أخوك يا عبد بن زمعة ما قطع الشبه ورفع الأشكال.
وفي بعض الروايات احتجبي منه فإنه ليس لك بأخ وليس بالثابت.
1113- قال أبو داود: حدثنا زهير بن حرب حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قام رجل فقال يا رسول الله إن فلانا ابني عاهرت بأمه في الجاهلية فقال رسول الله ﷺ: لا دعوة في الإسلام ذهب أمر الجاهلية الولد للفراش وللعاهر الحجر.
قال الشيخ: الدعوة بكسر الدال ادعاء الولد. وقوله الولد للفراش يريد لصاحب الفراش. وقوله وللعاهر الحجر يحسب أكثر الناس أن معنى الحجر هنا الرجم بالحجارة، وليس الأمر كذلك لأنه ليس كل زان يرجم وإنما يرجم بعض الزناة وهوالمحصن ؛ ومعنى الحجر هنا الحرمان والخيبة كقولك إذا خيبت الرجل وآيسته من الشيء ما لك غير التراب وما في يدك غير الحجر ونحوه. وقد روي عن النبي ﷺ أنه قال: إذا جاءك صاحب الكلب يطلب ثمنه فاملأ كفه ترابا، يريد أن الكلب لا ثمن له فضرب المثل بالتراب الذي ليست له قيمة ومثله قول الشاعر:
تراب لأهلي لا ولا نعمةً لهم……لشد إذا ما قد تعبدني أهلي
أي لا طاعة لهم ولا قبول لقولهم ولذلك عطف عليه بلا، ولو كان معناه الإثبات لم يسبق عليه بحرف النفي.
1114- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا مهدي بن ميمون أبو يحيى حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب عن الحسن بن سعد مولى الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن رباح قال زوجني أهلي أمة لهم رومية فوقعت عليها فولدت غلاما أسود مثلي فسميته عبد الله، ثم وقعت عليها فولدت غلاما أسود مثلي فسميته عبيد الله، ثم طبن لها غلام لأهلي رومي يقال له يوحنا فراطنها بلسانه فولدت غلاما كأنه وزغة من الوزغات فقلت لها ما هذا فقالت هذا ليوحنه فرفعنا إلى عثمان أحسبه قال مهدي قال فسألهما فاعترفا فقال لهما أترضيان أن أقضي بينكما بقضاء رسول الله ﷺ، قضى أن الولد للفراش وأحسبه قال فجلدها وجلده وكانا مملوكين.
قال الشيخ: قوله طِبن معناه فطن يقال طبن الرجل للشيء وتبن طبنا وطبانة إذا فطن له ومعناه أنه فطن للشر وخبثها، قال كثير: طبن العدو لها فغير حالها.
29/34-35م ومن باب من هو أحق بالولد
1115- قال أبو داود: حدثنا محمود بن خالد السلمي حدثنا الوليد، عن أبي عمرو، يَعني الأوزاعي حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبدالله بن عمرو أن امرأة قالت يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وثديي له سقاء وحجري له حواء وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني، فقان لها رسول الله ﷺ أنت أحق به ما لم تنكحي.
قال الشيخ: الحواء اسم للمكان الذي يحوي الشيء، والحواء أيضا أخبية تضرب ويدانى بينها يقال هذا حواء واحدة، ومعنى هذا الكلام معنى الادلاء بزيادة الحرمة وذلك أنها شاركت الأب في الولادة ثم استبدت بهذه الأمرر خصوصا وهى معاني الحضانة من حيث لا شركة للأب فيها فاستحقت التقدم عند المنازعة في أمر الولد.
ولم يختلفوا أن الأم أحق بالولد الطفل من الأب ما لم تتزوج فإذا فإذا تزوجت فلا حق لها في حضانة، فإن كانت لها أم فأمها تقوم مقامها ثم الجدات من قبل الأم أحق به ما بقيت منهن واحدة.
1116- قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق وأبو عاصم عن ابن جريج أخبرني زياد عن هدل بن أسامة أن أبا ميمونه سلمى مولى من أهل المدينة رجل صدق قال بينما أنا جالس مع أبي هريرة جاءته امرأة فارسية معها ابن لها فادعياه وقد طلقها زوجها، فقالت يا أبا هريرة ورطنت بالفارسيه زوجى يريد أن يذهب بابني فقال أبو هريرة استهما عليه ورطن لها بذلك فجاء زوجها فقال من يحاقنى في ولدي فقال أبو هريرة اللهم إني لا أقول هذا إلا أني سمعت امرأة جاءت إلى رسول الله ﷺ وأنا قاعد عنده فقالت يا رسول الله إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد سقاني من بئر أبي عنبة وقد نفعني فقال رسول الله ﷺ: استهما عليه فقال زوجها من يحاقني في ولدي فقال النبي ﷺ: هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت فأخذ بيد أمه فانطلقت به.
قال الشيخ: وهذا في الغلام الذي قد عقل واستغنى عن الحضانة فإذا كان كذلك خير بين أبويه.
واختلف فيه فقال الشافعي إذا صار ابن سبع أو ثماني سنين خير، وقال أحمد يخير إذا كبر. وقال أهل الرأي والثوري الأم أحق بالغلام حتى يأكل وحده ويلبس وحده والجارية حتى تحيضى ثم الأب أحق الوالدين.
وقال مالك الأم أحق بالجواري وإن حضن حتى ينكحن والغلمان فهي أحق بهم حتى يحتلموا.
ويشبه أن يكون من ترك التخيير وصار إلى أن الأب أحق به إذا استغنى عن الحضانة إنما ذهب إلى أن الأم إنما حظها الحضانة لأنها أرفق به فإذا جاوز الولد حق المحضانة فإنه إلى الأب أحوج للمعاش والأدب، والأب أبصر بأسبابهما وأوفى له من الأم ولو ترك الصبي واختياره مال إلى البطالة.
هامش
- ↑ [البقرة: 229]
- ↑ [البقرة: 229]
- ↑ [البقرة: 230]
- ↑ [البقرة: 228]
- ↑ [البقرة: 221]
- ↑ [الأنبياء: 7]
- ↑ [يونس: 94]
- ↑ [الكهف: 70]
- ↑ [آل عمران: 187]
- ↑ [البقرة: 189]
- ↑ [البقرة: 222]
- ↑ [الأنفال: 1]
- ↑ [الإسراء: 85]
- ↑ [النازعات: 43]
- ↑ [النور: 6 ]
- ↑ [سبأ: 26]
- ↑ [النور: 6]
- ↑ [ النور: 33]
- ↑ كذا في الأصل
- ↑ [الأحزاب: 32]