انتقل إلى المحتوى

محلى ابن حزم - المجلد الرابع/الصفحة الحادية والسبعون

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
ابن حزم - المحلى المؤلف ابن حزم
كتاب كتاب فعل المريض مرضا يموت منه (تتمة مسأله 1772)


كتاب فعل المريض مرضا يموت منه أو الموقوف للقتل أو الحامل أو المسافر في أموالهم

وقال الشافعي , وسفيان الثوري : للمريض أن يقضي غرماءه بعضهم دون بعض. وقالا جميعا في الحامل كقول أبي حنيفة

وهو قول الأوزاعي.

وقال الشافعي , والثوري , والأوزاعي في أفعال المريض كقول أبي حنيفة , ومالك ,

وكذلك في صفة المريض. وقال في الأسير يقدم للقتل , والمقتحم في القتال , ومن كان في أيدي قوم يقتلون الأسرى مرة أنهم كالمريض , ومرة أخرى أنهم كالصحيح , إذ قد يسلمون من القتل. وقال الحسن بن حي , والثوري : إذا التقى الصفان فأفعالهم كالمريض وقال عبيد الله بن الحسن , وأحمد , وإسحاق : أفعال المريض في ماله من الثلث. وقال أبو سليمان : أفعال المريض كلها من رأس ماله كالصحيح ,

وكذلك الحامل , وكل من ذكرنا حاش عتق المريض وحده فهو من الثلث أفاق أو مات.

قال أبو محمد : أما قول أبي حنيفة , ومالك : فيمن يشتري ابنه في مرضه فقول لا نعلمه لأحد من أهل الإسلام قبلهما , بل قد قال علي بن أبي طالب : إنه يشترى من مال أبيه بعد الموت , ويرث كسائر الورثة وإن في قولهما هذا لاعجوبة , لأنه لا يخلو شراؤه لأبنه من أن يكون وصية أو لا يكون وصية , فإن كان وصية فلا يجب أن يرث أصلا حمله الثلث أو لم يحمله ; لأنها وصية لوارث , وإن كان ليس وصية فينبغي أن يرث كسائر الورثة ، ولا فرق , وإن قولهما هاهنا لفي غاية الفساد ومخالفة النصوص.

وأما قول مالك , والليث في الحامل فقول أيضا لا نعلمه عن أحد قبلهما وأطرف شيء احتجاج بعضهم لهذا القول بقول الله تعالى : {حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت}. .

فقلنا : يا هؤلاء , ومن لكم بأن الإثقال هو ستة أشهر. ثم هبكم أنه إثقال , لا ما قبله , فكان ماذا ومن أين وجب منعها من التصرف في جميع مالها إذا أثقلت

وكذلك قولهم في التفريق بين الأمراض , فإنه لا يعرف عن صاحب ، ولا تابع أصلا , ولا في شيء من النصوص , فحصل قولهم لا حجة له أصلا لا من قرآن , ولا من سنة , ولا رواية سقيمة , ولا قول صاحب , ولا قياس , ولا نظر , ولو أن امرأ ادعى عليهم خلاف إجماع كل من تقدم في هذه الأقوال لكان أقرب إلى الصدق من دعواهم خلاف الإجماع فيما قد صح فيه الخلاف , كما أوردنا عن مسروق , والشعبي وغيرهما وما نعلم لهم حجة أصلا , إلا أنهم قالوا : نقيس ذلك على الوصية. .

فقلنا : القياس كله باطل , ثم لو صح لكان هذا منه عين الباطل ; لأن الوصية من الصحيح , والمريض سواء : لا تجوز إلا في الثلث , فيلزم أن يكون غير الوصية أيضا من الصحيح والمريض سواء , فهذا قياس أصح من قياسهم. وقالوا : نتهمه بالفرار بماله عن الورثة. .

فقلنا : الظن أكذب الحديث , ولعله يموت الوارث قبله فيرثه المريض فهذا ممكن

وأيضا : فإذ ليس إلا التهمة فامنعوا الصحيح أيضا من أكثر ثلث ماله , واتهموه أيضا أنه يفر بماله عن ورثته , فجائز أن يموت ويرثوه كما يجوز ذلك في المريض , وجائز أن يموت الوارث فيرثه المريض كما يرثه الصحيح ، ولا فرق , وكم من صحيح يموت قبل مريض.

وأيضا : فاتهموا الشيخ الذي قد جاوز التسعين وامنعوه أكثر من ثلثه لئلا يفر بماله عن ورثته. فإن قلتم : قد يعيش أعواما

قلنا : وقد يبرأ المريض فيعيش عشرات أعوام , وإذ ليس إلا التهمة , فلا تتهموا من يرثه ولده فاجعلوا فعله من رأس ماله , واتهموا من يرثه عصبته فلا تطلقوا له الثلث.

فإن قالوا : هذا خلاف النص

قلنا : وفعلكم خلاف النص في التقرب إلى الله تعالى بما يحبه المرء من ماله , قال تعالى: {وأنفقوا مما رزقناكم}

وقال تعالى : {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}. والمريض أحوج ما كان إلى ذلك. وسئل رسول الله عن أفضل الصدقة فقال : جهد المقل.

فإن قالوا : قد سئل النبي عن أفضل الصدقة فقال : أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى لا أن تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت : لفلان كذا ولفلان كذا , ألا وقد كان لفلان .

قلنا : نعم , هذا حق صحيح , وإنما فيه تفاضل الصدقة فقط , وليس فيه منع من مرض , وأيقن بالموت من أكثر من ثلث ماله أصلا , لا بنص , ولا بدليل , ولا بوجه من الوجوه.

قال أبو محمد : ثم نسألهم عن مال المريض لمن أله أم للورثة

فإن قالوا : بل له كما هو للصحيح.

قلنا : فلم تمنعونه ماله دون أن تمنعوا الصحيح , وهذا ظلم ظاهر. ولو قالوا : بل هو للورثة. لقالوا الباطل ; لأن الوارث لو أخذ منه شيئا لقضي عليه برده , ولو وطئ أمة المريض لحد ,

ولو كان ذلك لما حل للمريض أن يأكل منه هو ومن تلزمه نفقته من غير الورثة. ولا ندري من أين أطلقوا للمريض أن يأكل من ماله ما شاء , ويلبس ما شاء ; وينفق على من إليه من عبيد وإماء. وإن أتى على جميع المال , ومنعوه من الصدقة بأكثر من الثلث. إن هذا لعجب لا نظير له فظهر فساد هذا القول جملة وتعريه عن أن يوجد عن أحد من الصحابة , وإنما وجد عن نفر يسير من التابعين مختلفين , وقد خالفوا بعضهم في قوله في ذلك , كخلافهم للشعبي في فعل المسافر في ماله وغير ذلك , على أن الشعبي أقوى حجة منهم , لأنه قد صح عن النبي  : السفر قطعة من العذاب.

وروي أيضا المسافر ورحله على قلت إلا ما وقى الله. وبالله تعالى التوفيق.

قال أبو محمد : ووجدناهم يشنعون بآثار لا حجة لهم في شيء منها يجب التنبيه عليها بحول الله تعالى : منها الأثر الذي قد ذكرناه قبل هذا بأوراق في باب تبدئة ديون الله تعالى من رأس المال وهو مرسل من طريق قتادة لا أعرفن أحدا بخل بحق الله حتى إذا حضره الموت أخذ يدغدغ ماله هاهنا

وها هنا ثم لو صح لم يكن فيه حجة في المنع من التصرف بالحق في المال. ومنها : ما حدثناه حمام ، حدثنا عباس بن أصبغ ، حدثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ، حدثنا يزيد بن محمد العقيلي ، حدثنا حفص بن عمر بن ميمون عن ثور بن يزيد عن مكحول عن الصنابحي عن أبي بكر الصديق " أن النبي قال : (إن الله قد تصدق عليكم بثلث أموالكم عند موتكم رحمة لكم وزيادة في أعمالكم وحسناتكم).

حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ، حدثنا عبد الله بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا موسى بن معاوية ، حدثنا وكيع عن طلحة بن عمرو المكي عن عطاء عن أبي هريرة عن النبي قال : إن الله تصدق عليكم بالثلث من أموالكم.

ومن طريق عبد الرزاق ، عن ابن جريج سمعت سليمان بن موسى يقول : سمعت " أن رسول الله قال : (جعلت لكم ثلث أموالكم زيادة في أعمالكم).

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة " أن النبي قال عن الله تعالى : جعلت لك طائفة من مالك عند موتك أرحمك به ".

قال أبو محمد : وهذا كله لا متعلق لهم بشيء منه أصلا : أما خبر أبي بكر : فمن طريق حفص بن عمر الشامي وهو متروك.

وأما حديث أبي هريرة : فمن طريق طلحة بن عمرو وهو ركن من أركان الكذب والآخران مرسلان , ثم لو صحت لما كان لهم بها متعلق أصلا , لأنه ليس فيها إلا أن الله تعالى جعل لنا عند موتنا ثلث أموالنا , وهذا معنى صحيح وهو بلا شك الوصية التي لا تنفذ ألبتة إلا عند الموت , وليس في شيء من هذه الأخبار ذكر للمرض أصلا , لا بنص ، ولا بدليل , فبطل تمويههم بها. ونسألهم : عمن تصدق بثلثي ماله وهو صحيح ثم مات بغتة إثر ذلك. أو أعتق جميع مماليكه كذلك أيضا فمن قولهم : أن كل ذلك نافذ من رأس ماله. فنقول لهم : قد خالفتم جميع هذه الآثار لأن هذا فعل الصدقة والعتق عند موته كما في الآثار المذكورة , وليس في شيء من تلك الآثار أنه أيقن بأنه يموت إذا أعتق أعبده , إنما فيها عند موته فقط فظهر خلافهم للآثار كلها. ومنها الخبر الصحيح من طريق مالك عن الزهري عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال جاءني رسول الله يعودني من وجع اشتد بي فقلت : يا رسول الله قد بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ، ولا يرثني إلا ابنة لي أفأتصدق بثلثي مالي. قال قال رسول الله  : لا , قلت : فالشطر قال : لا , ثم قال عليه الصلاة والسلام : الثلث , والثلث كثير إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس. ثم ذكر الحديث وفيه : أنه عليه الصلاة والسلام قال لسعد يومئذ ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون.

وهكذا رواه سفيان بن عيينة عن الزهري بإسناده. [ ورواه أيضا كذلك بعض الناس عن إبراهيم بن سعد عن الزهري بإسناده ] وبلفظة " الصدقة " فقالوا : فقد منعه رسول الله عن الصدقة في مرضه بأكثر من الثلث.

قال أبو محمد : وهذا لا حجة لهم فيه لوجوه : أحدها : أننا

روينا هذا الخبر نفسه من طريق معمر عن الزهري عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه فذكر هذا الخبر وفيه (قال سعد : فقلت : يا رسول الله أفأوصي بثلثي مالي قال : لا , قلت : فبشطر مالي قال : لا , قلت : فبثلث مالي قال : الثلث والثلث كثير) وذكر باقي الخبر. ورويناه من طريق أبي داود الطيالسي قال : ، حدثنا إبراهيم بن سعد , وعبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون , كلاهما عن الزهري عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه ذكر هذا الخبر , وفيه (قال : قلت : أفأتصدق بمالي كله قال : لا , قلت : أفأوصي بالشطر قال : لا , قلت : يا رسول الله فبم أوصي قال : الثلث : والثلث كثير) وذكر الخبر , فذكروا أنه إنما سأل سعد عن الوصية وهو خبر واحد عن مقام واحد

فصح أن لفظة " الصدقة " التي رواها : مالك , وسفيان عن الزهري إنما معناها الوصية. كما رواه معمر , وعبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون ومعمر , وعبد العزيز دون مالك وسفيان , والزهري , وغيره , فكيف وقد وافق معمر , وعبد العزيز على لفظة " أوصي " وفي هذا الخبر جماعة الإثبات. كما رويناه عن مسلم بن الحجاج عن القاسم بن زكريا عن حسين بن علي الجعفي عن زائدة عن عبد الملك بن عمير عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه. وعن مسلم ، عن ابن أبي عمر المكي عن عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن أيوب السختياني عن عمرو بن سعيد عن حميد بن عبد الرحمن الحميري عن ثلاثة من ولد سعد , كلهم عن سعد.

ومن طريق البخاري عن أبي نعيم عن سفيان الثوري عن سعد بن إبراهيم عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه.

ومن طريق البخاري عن محمد بن عبد الرحيم عن زكريا بن عدي عن مروان بن معاوية الفزاري عن هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه.

ومن طريق أحمد بن شعيب عن محمد بن المثنى عن الحجاج بن المنهال عن همام بن يحيى عن قتادة عن يونس بن جبير عن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه.

ومن طريق أحمد بن شعيب عن إسحاق بن راهويه عن جرير بن عبد الحميد عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي عن سعد بن أبي وقاص.

ومن طريق أحمد بن شعيب عن إسحاق بن راهويه عن وكيع عن هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه عن سعد بن أبي وقاص , كلهم يذكر نصا : أن سعدا إنما سأل رسول الله عما يوصي به. والوجه الآخر : أنهم إنما يمنعون من الصدقة فيما زاد على الثلث في المرض الذي يموت منه صاحبه , لا الذي يبرأ منه , وقد صح أن رسول الله علم أن سعدا سيبرأ من ذلك المرض

كما روينا من طريق أبي داود السجستاني ، حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة " قال : قام رسول الله فينا فما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك حتى إلى قيام الساعة إلا أخبر به حفظه من حفظه ونسيه من نسيه قد علمه أصحابي هؤلاء.

قال أبو محمد : وسعد بن أبي وقاص هو هزم عساكر الفرس يوم القادسية وافتتح مدينة كسرى فهو من جملة ما أخبر به عليه الصلاة والسلام بل من أكبر ذلك وأهمه وأعمه فتحا في الإسلام. وهذا قد أنذر به عليه السلام في ذلك المرض إذ قال له : لعلك ستخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون وهذا خلاف قولهم. والوجه الثالث أن في نص الخبر الذي ذكرنا الآن إسناده من طريق حميد بن عبد الرحمن الحميري عن ثلاثة من ولد سعد عن سعد بن أبي وقاص , أن رسول الله قال له يومئذ : إن صدقتك من مالك صدقة وإن نفقتك على عيالك صدقة وإن ما تأكل امرأتك من مالك صدقة.

قال علي : وهذا كله بإجماع منا ومنهم , ومن جميع أهل الإسلام من رأس مال المريض مات أو عاش فثبت يقينا ضروريا : أن صدقة المريض خارجة من رأس ماله , لا من ثلثه بنص حكمه وبطل ما خالف هذا بيقين لا إشكال فيه , وعاد هذا الخبر أعظم حجة عليهم , وأوضح حجة لقولنا والحمد لله رب العالمين.

وأما خبر أبي بكر في نحله عائشة رضي الله عنهما فإيرادهم إياه فضيحة الدهر , لأنه ليس فيه من هبة المريض ذكر أصلا , لا بنص ، ولا بدليل , وإنما كان نحلها ذلك في صحته وتأخر جدادها لذلك إلى أن مات رضي الله عنه فكيف وقد صح رضي الله عنه أنه رغب إليها في رد تلك النحلة برضاها. فكيف وإنما كان وعدا بمجهول لا يدرى من كم من نخلة تجد العشرين وسقا , ولا من أي تلك النخل تجد فسقطت الأقوال المذكورة بيقين لا مرية فيه والحمد لله رب العالمين. ولم يبق إلا قولنا , وقول أبي سليمان : أن جميع أفعال المريض من رأس ماله , إلا العتق فإنه من الثلث :

فنظرنا فيما احتج به من ذهب إلى هذا. فوجدنا الخبر الصحيح الذي رويناه من طريق أيوب السختياني , ومحمد بن سيرين , كلاهما : عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن الحصين : أن رجلا من الأنصار أعتق ستة أعبد له عند موته لم يكن له مال غيرهم فبلغ ذلك النبي فقال فيه قولا شديدا , ثم دعاهم فجزأهم أثلاثا ثم أقرع بينهم , فأعتق اثنين وأرق أربعة. ورويناه أيضا : من طريق أيوب , وحبيب بن الشهيد , وهشام بن حسان , ويحيى بن عتيق , كلهم : عن ابن سيرين عن عمران بن الحصين كما أوردنا.

وسماع ابن سيرين من عمران صحيح. ورويناه أيضا : من طريق عوف بن أبي جميلة ، عن ابن سيرين عن أبي هريرة.

قال أبو محمد : .

فقلنا : هذا خبر صحيح لا تحل مخالفته إلا أنه لا يحل للحنفيين , ولا للمالكيين ، ولا للشافعيين : الحجة به أصلا , فيما عدا العتق ; لأنه قياس , والقياس باطل كله. كما لم يختلفوا في أنه لا يحل أن يقاس على الخبر الثابت في التقويم على من أعتق شركا له في مملوك وأنه لا يجوز أن يتعدى به ما جاء فيه من العتق خاصة : لا إلى صدقة , ولا إلى إنفاق , ولا إلى إصداق , ولا إلى غير ذلك , لا سيما والحنفيون قد خالفوا نصه فيما جاء فيه , فكيف يحتجون به فيما ليس فيه منه أثر , وهذا عار جدا.

وأما أصحابنا : فليس لهم فيه حجة ; لأنه ليس في شيء من هذا الخبر : أن الرجل كان مريضا , وإنما فيه عند موته وقد يفجأ الموت الصحيح فيوقن به , فلا يحل أن يقحم في الخبر ما ليس فيه من ذكر المرض فبطل تعلقهم به.

وأيضا : فقد بينا قبل أن هذا العتق للستة الأعبد إنما كان وصية :

كما روينا من طريق عبد الوهاب الثقفي عن أيوب بالإسناد المذكور , وفي هذا كفاية. ووجه ثالث : هو أنه قد بين ذلك الخبر أنه له لم يكن له مال غيرهم , ونحن نقول بهذا حقا , فلا يجوز لأحد عتق في عبد أو عبيد لا مال له غيره , ينفذ من ذلك العتق ما وقع فيمن به عنه غنى , ويبطل في مقدار ما لا غنى به عنه. فلو صح أن ذلك الفعل لم يكن وصية لكان حمل الحديث على هذا الوجه أحق بظاهره , وأولى من حمله على أنه عليه السلام أجاز للمريض ثلث ماله , إذ ليس في الخبر دليل على هذا أصلا. فبطل تعلق أصحابنا بهذا الخبر جملة , وصح قولنا ولله الحمد.

وكذلك الخبر الساقط الذي رويناه من طريق سعيد بن منصور ، حدثنا هشيم أنا خالد عن أبي قلابة عن رجل من بني عذرة أن رجلا منهم أعتق غلاما له عند موته لم يكن له مال غيره فرفع ذلك إلى رسول الله فأعتق منه الثلث واستسعى في الثلثين , فالقول في هذا الخبر ولو صح كالقول في خبر عمران , فكيف وهو باطل ; لأنه مرسل , وعن مجهول لا يدرى من هو أيضا.

وأما ما روي في ذلك عن علي , وابن مسعود فباطل لا يصح ; لأن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود كان لأبيه إذ مات عبد الله رضي الله عنه ست سنين فكيف ابنه ثم هو أيضا عن الحجاج بن أرطاة وهو هالك أو عن عبد الرحمن بن عبد الله وهو مجهول عن القاسم.

وأما الرواية عن علي : فمن طريق الحجاج بن أرطاة وهو هالك ثم هي مرسلة , لأن الحسن لم يسمع من علي كلمة فبطل أن يصح عن أحد من الصحابة ، رضي الله عنهم ، خلاف قولنا والحمد لله رب العالمين.

محلى ابن حزم - المجلد الرابع/كتاب فعل المريض مرضا يموت منه
كتاب كتاب فعل المريض مرضا يموت منه (مسأله 1772) | كتاب كتاب فعل المريض مرضا يموت منه (تتمة مسأله 1772)