مجلة المقتبس/العدد 95/دائرة المعارف الإسلامية

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة المقتبس/العدد 95/دائرة المعارف الإسلامية

مجلة المقتبس - العدد 95
دائرة المعارف الإسلامية
ملاحظات: بتاريخ: 1 - 12 - 1914



كتب الإفرنج كثيراً على الإسلام والمسلمين منذ دخلت العلوم عليهم واشتدت حاجة اجتماعهم واقتصادهم إلى معرفة ما عند الأمم المجاورة لهم ولكن معظم ما كتب لا ينم عن تحقيق. كتب من حاضر الوقت وما وجد للحال تحت اليد فجاء مختلاً من عدة وجوه وبين أكثره وبين الحقائق هوىً سحيقا زادها هوى النفوس وسرائر التعصب في تلك الأيام ولما قوية الإستشراق أو تعلم علوم المشرقيات بين الغربيين أخذ كلامهم على الإسلام وأهله يقرب من الحقيقة خصوصاً إذا كان الكاتب ممن لا ينطق عن غرض سياسي كما فعل سيديليو الفرنساوي في كتابه تاريخ العرب وفعل بروكلمان الألماني في كلامه على تاريخ آداب اللغة العربية وكما فعل بعض علماء المشرقيات من الألمان والنمساويين والمجريين والهولانديين والسويسريين وغيرهم.

أمامنا الآن أمتع مؤّلف كتبه أهل الغرب عن المسلمين وبلادهم حتى هذا العصر وهو دائرة المعارف الإسلامية ظهر أولاً نموذجات منه باللغة الألمانية لأنها لغة العلم على الأكثر في أوربة الوسطى وبلاد السكاندنافيا وهولاندة فلم يسع فرنسا إلا أن توسلت بإخراج هذا العمل بلغتها أيضاً ونفحت الطابع مبلغاً من المال وكذلك فعلت انكلترا وها قد مضى ثماني سنين ولم يصدر من هذا الكتاب النفيس سوى عشرين كراساً وقع منها سبعة عشر في 9 صفحة بدئت بحرب اوانتهت بحرف الثلاثة الباقية وقعت في 192 صفحة وهي في حرف وصل إلينا منها إلى قبيل الحرب مقالة كل بابا البكداشي.

موضوعات الكتاب كلها منتقاة يكتبها عشرات من علماء المشرقيات المشهود لهم بسعة العلم وفضل العمل أو من طبقة ثانية منهم تلاحظ الطبقة الأولى ما يكتبون وكل من كتب مقالة أو مبحثاً ذيله باسمه ليكون ذلك أقرب إلى الثقة ولا يخلط المؤلف في شيء سيتناقل عنه. والكتاب معجم أو قاموس في جغرافية بلاد الإسلام وأصول شعوبها وتراجم رجال الأمة الإسلامية فترى كل موضوع وقد عهد إلى الأكفاء في تحبيره وتحريره مستوفىّ من كل وجه وفي أسفله المصادر التي نقل المؤلف منها والكتب الإفرنجية أو الشرقية التي أعتمد عليها.

ومن أهم المقالات في هذه الدائرة الكبرى مقالة مصر وأفغانستان وجزيرة العرب والأندلس وأرمينية والبربر والفقه وغير ذلك من تراجم أعيان الأمة في القديم والحديث والتو بلادها وسكانها توسعاً وسطاً ينظر فيه إلى جودة المادة على الأغلب. وإن دائرة معارف من جملة المساعدين فيها كويدي وغولدصهير وهارتمان وبروكلمان وغيرهم من أعيان علماء ألمانيا وهولاندة وفرنسا والدانيمرك والسويد ونروج وسويسرا وإنكلترا وإسبانيا إيطاليا والنمسا والمجر وروسيا وأميركا والجزائر والهند وفي كتابها الإسرائيلي والمسيحي والمسلم لا غرابة في كونها من أرقى كتب القرن العشرين ولا نغالي إذا قلنا أنها كتاب القرن العشرين عن الشرق.

وقد ضمت هذه الدائرة تراجم بعض رجال من أهل الإسلام أو لمن كان لهم شأن في أقطارهم كانت مجهولة حتى عند الخاصة منا لأن القائمين بتأليف هذا الكتاب النادر بالنظر لأخصاء كل واحد منهم في بقعة أو شيء توغلوا في البحث واستوفوا كل دقيق وجليل في تقويم بلدان المسلمين وتقدير رجالهم. عنوا من ثم بأرض المسلمين ومن دب عليها حتى الآن فلم حاجة في نفس المطالع إلا قضوها ولا باباً من أبواب الأفادة إلا ولجوه فجاءت الفوائد على طرف التام يتناولها كل من يعرف إحدى لغات العلم الثلاث الألمانية والإفرنسية والإنكليزية.

يطبع الكتاب في مطبعة بريل في هولاندة المشهورة بطبع كتب الشرق منذ ثلاثة قرون وتساعدها جمعية المجامع العلمية الدولية فصح أن نقول دائرة المعارف الإسلامية هي كتاب الغرب أوروبا وأمريكا قدمه للشرق آسيا وإفريقيا وما كان أحرانا معاشر الآسيويين والإفريقيين أن نكون نحن البادئين في نشر مثل هذا السفر الأنفس خصوصاً وصاحب الدار أدرى بالذي فيها ولذلك لم بيق لنا رجاء إلا أن نرجو ممن يحزقون إحدى لغات الكتاب أن يعتمد كل واحد منهم على الطبعة التي يحسن لغتها ويقتبس منه لأهل الإسلام ما يفيدهم في موضوع بلادهم ورجالهم وأصولهم فإن من البلاد ما يحيثه النور إلا منعكساً والشرق بعد أن كان مصدر النور أخذ يقتبس نوره من الغرب.

وهاك الآن ما كتبه إلينا الأستاذ العلامة هوتسما رئيس تحرير هذه الدائرة الإسلامية وأستاذ كلية أوترخت في بلاد القاع (هولاندة) بشأن هذا التأليف وقد سألناه منذ ثلاثين شهراً عن الطرق التي عمدوا إليها حين أنشأها فتفضل بالجواب الآتي تعريبه: يجب أن يعلم أنه طالما جرى البحث ولاسيما في مؤتمرات المستشرقين الدولية في الحاجة الماسة إلى دائرة معارف إسلامية تجمع شتات جميع أبحاث المستشرقين التي هيأوها لنا عن الشعوب الإسلامية. ومثل هذا التأليف لا أثر له في الغرب إذا استثنى من ذلك كتاب المكتبة الشرقية الذي نشره في باريز هربربر منذ زهاء قرنين. إن دوائر المعارف العربية والتركية لم توضع بحيث تقوم بغرض القراء من الغربيين ممن لا يعرفون هاتين اللغتين فهي لا تسد هذه الثلمة.

ولقد دعيت إلى القيام بمثل هذا التأليف فنشرت بمساعدة بعض المستشرقين والسادات بريل في ليدن نموذجاً من دائرة المعارف الإسلامية نال استحسان ورصفائي. وكنت طلبت وحزت معاونة المجامع العلمية في أوربا بأسرها للإنفاق على هذا المشروع قبل السادات بريل في ليدن بنشر هذا التأليف على نفقتهم. ومن الأسف أنه لم يقع الإتفاق على المال الواجب استخدامه حتى وقع القرار مؤخراً بأن تنشر دائرة المعارف بثلاث لغات (الألمانية والإفرنسية والإنكليزية) في آن واحد. وهو قرار يؤسف له لأن مهمة التحرير تطول بذلك وتصعب ثلاث أضعاف وأشق من ذلك أن نشرها على هذه الصورة يستلزم وقتاً أطول ثلاث أضعاف للنشر ولعل النفقات على نسبة ذلك. ومع هذا لما شاهدت قبولاً من المجامع ومن رصفائي لم تحدثني نفسي أن أطرح الموضوع وبعد أتخذ أسباب أخرى ضممت إليّ المسيو باسيه عميد كلية الآداب في الجزائر يتولى تحرير النسخة الإفرنسية والإستاذت. وأرنولد في لندرا للقيام بالطبعة الإنكليزية وجميع المقالات المتعلقة بشمال إفريقية (الجزائر وتونس ومراكش والسودان) هي مما تولاه المسيو باسيه ومؤازروه وجميع الأبحاث المتعلقة بالبلاد الخاضعة للحكومة الإنكليزية ما عدا مصر هي مما يرجع به إلى المستر أرنولد وجميع البلاد مثل مصر والمملكة العثمانية بأجمعها وفارس وآسيا الوسطى والهند والهولاندية (جاوة) الخ هي في عهدتي. وقد عهد بالمقالات المختلفة المتعلقة بهذا الشأن إلى علماء الأكفاء يوقعون عليها بأسمائهم وهم وحدهم المسؤلون عما تحويه. وتجد بين المؤازرين في التحرير أسماء المشاهير من كل أمة مثل المسيو هاوار والمسيو كازادي فو في فرنسا والمسيو بكيروغولدصهير وهارتمان وهرفلد وكثير غيرهم في ألمانيا والمسيو مورنالد من روسيا والمسيو زترستين في السويد والمسيو بوهل في الدانيمرك والمسيو سوتر من سويسرا والمسيو كويدي والمسيو نالينو من إيطاليا والمسيو موردهام من الأستانة والسيد هدايت حسين من كلكونا وهذا هو الشرقي الوحيد الذي دخل العمل حتى الآن ثم المستشرقين الهولانديون مثل مسيو سنوك هوركروج والمسيو جونبول والمسيو فيمش الخ. والغاية من تحرير هذه الدائرة علمية صرفة وذلك ليحيط الناس حق الإحاطة بحال الشعوب الإسلامية ويطلعون على تاريخهم ودينهم وفنونهم وعلومهم وجغرافية البلاد التي ينزلونها وتراجم المشهورين من رجالهم وقد ختم كتابه في الشكوى من حال التأخر في نشر الدائرة وإنجازها.