مجلة المقتبس/العدد 94/شعر الرحلتين

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة المقتبس/العدد 94/شعر الرحلتين

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 11 - 1914



تداولت أيدي المطالعين في الشهر الأخير كتابين شغلا جانباً عظيماً من ساعات فراغهم وحلا محلاً حسناً من قلوبهم وأكثرت الصحف من ذكرهما والحث على اقتنائهما حتى شعر بنفسه بالنوق إليهما كل من لم يكتب له العثور عليهما وليس في أمرهما مجال الغرابة فإن كتابين أحدهما يضم بين دقتيه ما اتفق لأدباء الشام وفلسطين من الشعر والخطب في استقبال أحد عظماء الدولة وكبار رجالها أنور باشا والثاني يستوعب أنباء رحلة وفد علمي سير بأمر القائد الكبير أحمد جمال باشا من ربوع الشام إلى عاصمة خلافة الإسلام، لهما كتابان جديران بما لقياه من إقبال القراء والباحثين حقيقان بأن يكون لهما الوقع الحسن والتأثير الأدبي لدى عامة أفراد الأمة أديبها وعالمها وأخصائيها وجغرافيها وسائر طبقاتها من مؤرخ يحفظ بهما حديث رحلتين أفردلهما مكان رحيب في صدر التاريخ، وشاعر تتمثل له فيهما صورة مجسمة عما بلغ إليه الشعر في دور صولة السيف وجفاف اليراع وكاتب يلذه ما حوياه من ضروب التفنن في الإنشاء، وخطيب يروقه سماع ما فاه به خطباء قطره في المواقف المختلفة فهو يصفق للمجيد ويتحسر على البليد، وهكذا فلكل مفكر في خلال الرحلتين نظرة يلمحهما بها وكلمة يقولها بهما، أما أنا فمن أولئك الذين استهوى حب الإجادة في المنظوم أفئدتهم واستولى الولوع بالشعر على قلوبهم فإن أردت الكلام فنكتة أدبية أمليها أو ملاحظة شعرية أرويها تاركاً ما عدا ذلك من مباحث الكتابين إلى المشتثلين به وها أنا ذا أشرع ببيان ما عثرت عليه فيهما من الحسن الجيد أو المنتقد الذي لم أجد بدأً من إظهار ما خالج الضمير من البوح به على أني لا أنجس الناس أشيائهم ومعاذ الله أن أفعل وفي شعراء الرحلتين عدد من أئمة الأدب وجهابذته وذوي المكانة الرفيعة والمنزلة السامقة من ناظمي قلائده وناثري فرائده قد يحرجهم الموقف ويضطرهم الحث على الإسراع إلى تجاوز بعض الحدود في التراكيب والقواعد أو التصور والخيال ولا أراهم بملومين اللهم ولا أراني ملوماً إذا أشرت إلى الشيء اليسير من هذا النوع خدمة للأدب واللغة والعاملين على الرفع من شأنها. . .

أول ما يبدهك من الشعر في الرحلة الأنورية قصيدة غراء أعجبني منها قول ناظمها (ص 31):

فليعلم القوم الذين تجبروا ... أنا القضاء على الذين تجبرو وأما القساطل في قوله (ص 32):

والنيل قد مدت إليه قساطل ... وجرى أمام ألفاتحين الكوثر

بمعنى الأوعية التي يجري فيها الماء من الحديد أو غيره فلا أحسبه مما عرفته اللغة فكان ينبغي الإشارة إلى أنه من محدثات المتأخرين وإنما القسطل الغبار. . ولا سبيل إلى منع صرف السبع بتكلف في قوله:

وببئر سبع جرى الحديد كأنما ... بخطوطه للنصر نكتب أسطر

والقصيدة الثانية في الكتاب تعد من غرره ودرره إليك منها (ص 33):

يوم يتيه به الزمان ويفخر ... ميألق بالبشر أبلج أزهر

مشت الكتائب فيه يتبع بعضها ... بعضاً تخب بها العتاق الضمير

والبض في أيدي الكماة لوامع ... كالبرق تخفى في العجاج وتظهر

ومواكب في أثرهن مواكب ... من فوقها خفق اللواء الأحمر

هتفت فرددت البلاد هتافها ... لما بدا سيف الخلافة أنور

بطل له في الخافقين كليهما ... تاريخ مجد بالسيوف مطر

وما كان ليتبغي لصاحب هذه القصيدة أن يمنع من الصرف اسم علم الجمال في قوله (ص 36):

وجمال منه لديك خير معاضد ... في بأسه ذكرى لمن يتذكر

ومن الطالع الحميلة في الكتاب ما ورد (ص 4.):

زها السرق لما لاح أنورنا ألفرد ... فمن وفده نور ومن وجهه سعد

وفي هذه القصيدة أبيات منتخبات وكان يحس بصاحبها أن يبتعد عن لغة الإشغال الرديئة في قوله (ص 242):

وحرب ضروس أشغلت حركاتها ... ممالك أوروبا وضاع بها الودّ

وعن تعدية أغار باللام في قوله:

أغار العدى للدردنيل ومادروا ... بأن بجوف الدردنيل هو اللحد

وله أن يقول: في الدردنيل. وفي الشطر الثاني ركة ظاهرة تشفع بها

أجادته بعد أبيات بقوله: فآبوا لسدّ البحر يبغون منفذاً ... فعادواوقتلاهم ورائهم سدّ

وراقني من المطالع قول الآخر (ص 44):

ملك الجمال اطلت فيك تحيري ... فإذا عجزت عن امتداحك فاعذر

وقول غيره (ص 49):

يا أمة لبني عثمان تنتسب ... لإنت في عزة تحنى لها الركب

ولم أرى من يجمع الخطب على خطب وقد جاء في قوله (ص 5.):

أو من يضاهي جمالاً في حماسته ... فرداً به تتقي الأزمات والخطب

وفي هذه القصيدة أبيات عامرات يعجبني منها قوله (ص 51):

هلا ذكرنا حيال الدردنيل قوى ... من الحديد بها الأمواج تضطرب

تضيق عنها فجاج البحر عابسة ... تسعى إلى الموت في أنيابها العطب

تبغي اقتحام عرين الأسد معلنة ... أن الأعادي على تذليلنا أعتصبوا

فقابلتها غداة الروع صابرة ... صبر الكرام أسود هزها الغضب

إلى أن يقول:

ردوا الأساطيل تهوي في مذلتها ... يقودها للنجاة الخوف والهرب

وأكثر النحاة على كراهية إدخال أل على كل وأن أجازها فريق منهم جاءت في قول آخر (ص 65):

وعلى العلائق بدت مطالع فوزنا ... والكل أضحى بالمنى مستبشراً

وما أرشق قوله بعده:

فوز به طاف السرور بطيبة ... وتهللت فرحاً به أم القرى

ومن عيوب الشعر الشائعة في هذه البلاد الاختلاس وهو زيادة حرف على الوزن يسرق في الإنشاد كقول الثاني (ص 67):

لا سيما فخري باشا من به افتخرت ... بين البرية أبرار وأحرار

وما أحسن قول الآخر من قصيدة يخاطب رجلي الدولة الكريمين (ص 126):

منكما هزت الشريعة سيفاً ... صقلته من السماء يدان

سيف حق يسيل ناراً ونوراً ... ما عهدنا الضدين يجتمعان وفي قول الآخر إشباع معيب (ص 131):

ولم تكتف منها برد حياتها ... وما فقدته من مفاخرها العز

وفي البيت الآتي قطع همزة الوصل مما لا يجوز للشاعر المجيد وإن تسامح به العرضيون

لك أسم أصوغ منه بمدحي ... عقد در من الثناء مجوهر

ولا أرى مثل هذا الاكتفاء من البديع وأن عدوه في البيع في قول القائل (ص 137) ولا تنس الكل:

يتمرنون على القتال يديرهم ... عرفاؤهم والكل في طرب وفي

وكأنه هان على ناظم هذه القلادة فقال بعد أربعة أبيات:

يا رب فانصره وأيد عرشه ... فيدوم في ظفر وفي عز وفي

ولعله أراد في الثانية معنى الوفاء فكان عليه أن يقول: وفي بالتشديد ولا يخلو من ضعف في معناه. . وأين الأدب مع الله في نهيه إياه عن التأفف بقوله:

فلأنت موئلنا ومنك غياثنا ... وإليك مرجعنا، فلا تتأفف (!)

فهل يخاطب غير السوقة بهذا القول. . واستعاض الآخر عن المهيب المهاب وهو مما انتقده الباحثون قال (ص 14.):

سلام على جند ابن عثمان إنه ... لجند مهاب لم يرعه التكاثر

وما أدري ما دفع الشاعر الآخر إلى وصف القائد المقدام بلقب الشهم وهو مما ابتذلته الطبقات المنحطة وأصبح ينعت به الكثيرون من العامة، قال يخاطب أنور باشا (ص 145):

كذاك أخوك الشهم (؟) أحمد عصرنا (؟) ... جمال لدى الهيجاء ليث غضنفر. .

وكان الأجدر بهذا الشاعر أن يتفطن لما فطن به الشاعر الأندلسي محمد بن القوزراني (المترجم في بغية المتلمس) بقوله:

ظلمناك إن قلنا الأجل ولم نقل ... هو الواحد المفضال والأوحد البرّ

وشاعرنا القائل في قصيدته (ص 144):

فيا فارس الإسلام في كل معرك ... ومن عزمه قد ذل كسرى وقيصر

أراد: ويا من من عزمه إلخ وأما كسرى فلا أعلم ما جاء به اليوم؟. . وهو القائل بعد أبيات:

وكن لجمال العصر عوناً معضداً ... ولا سيما في فتح مصر مبشر. .

أراد: مبشراً فغلبته القافية. . ويخطيء الكثيرون بوضع إذ مكان إن كقول الآخر (ص 147):

سل عن بسالته وشدة بأسه ... إذ كنت تجهل سر أنور في الورى

أراد: إن كنت. . وعجيب من الآخر تشبيهه أنور باشا بإبن مقلة وحسان قال (ص 148):

أين ابن مقلة ابن حسان إذا ... خطت يداه من البلاغة أسطرا

وابن مقلة خطاط وحسان شاعر فأين شاعرنا من تشبيه القائد الكبير بالفاتحين المغاور كابن الخطاب والخراساني والفاتح وابن الوليد وأمثال هؤلاء. . ولم أجد

الظميئة فيما بين يديّ من كتب اللغة والأدب قال آخر (ص 177):

وكيف تطيب النفس عن ورد فضله ... وموردها وهي الظميئة كوثر

وفي القاموس: ظمىء كفرح وهي ظمآئة. وفي الصحاح: وبابه طرب وهي ظمأى. ومثله في لسان العرب وأساس البلاغة. وفي التاج: قال شيخنا: وظمئة كفرحة زاده ابن مالك وهي متروكة عند الأكثر. فأين الظميئة. . ولعله أراد تصغير ظمئة وهو ركيك وفي هذه القصيدة مفردات تمياز بالجودة ومتانة السبك كقوله (ص 177):

وجاهدت حتى عاد للدين عزه ... وباء عدوي الله بالخزي يعثر

برزت إليه والأسنة شرع ... وخطب الرزايا (؟) للمنايا مشمر

فأوقع فيه سيفك الغضب محنة ... ستذكر حتى يحشر الناس محشر

وهناك تجوز ضعيف ارتكبه الثاني بقوله (ص 18.):

أهلا بأكرم معشر ... حيوا فأحيوا الأربعا

يريد فأحيوا، بفتح الياء، فلم يسعفه الوزن. وفي هذه الأبيات بيت يذكر في ألفوائد وهو:

النصر من أنصاره ... يسعى له أنى سعى

وأخطأ صاحب هذه البيات في قطعة ثانية قال فيها (ص 181):

فمر السعادة أنور ... والبدر أحمدنا الممجد

وألفرقد الوضاء عزمي ... داموا بتوفيق مخلد فالبيت الثاني غير مستقيم. . ومن بديع ما في الكتاب قصيدة جاء فيها (ص 23.):

جيش تألف والإسلام رأيته ... من خيرة العنصرين الترك والعرب

سارت بجحفله الأقدار تقدمها ... ملائك الله فوق الخيل والنجب

تسربات بدروع الوحي واعتقلت ... من نبعة النور أطراف القنا السلب

وبعد أبيات وصف بها جنود الأعداء (ص231):

الت: سأرحل عن مصر وما رحلت ... قالت: أثوب إلى العدل ولم تثب

وفي ابتداء القصيدة (ص229):

مذ قيل أنور الشعب في حلب ... قد ماجت القدس من صفو ومن طرب

ولو قال: ماجت له القدس، لكان أرشق

ترى النفوس على طول القطار له ... من شدة الشوق ملقاة على القضن

بها انتظاراً إلى ميمون طلعته ... ما بالقطار من التضرام واللهب

ولو قال: بهن شوقاً، لكان أحسن من الإنتظار. . وما دريت ألفرق بين النجب والنجب في قول الآخر (ص237):

لله أنور المقدام من شهدت ... بحزمه الخلق من نجب ومن نجب

وقال آخر (ص272):

لا غرو أن أمّ هذا القبر مبتهلاً ... يستمنح النصر حتى يأته (؟) الظفر

يريد: حتى يأتي الظفر. وهو القائل (ص274):

هذا الوزير الذي جلت مآثره ... أن يحصها العد أوأن تحوها ألفكر

يريد أن يحصيها وأن يحويها. ومن أحاسن هذه القصيدة:

هشت لمقدمك المحبوب تربتها ... كأنما أنت في أحيائها مطر

أذكرتها زمن الصديق من حقب ... أو يوم يحكم في أرجائها عمر

أراد: يوم كان يحكم. وأحسن منه: أو يوم حكم.

يسعى وغايته الإخلاص مجتهداً ... ودأبه الجد والتفكير والسهر

والأفضل لو قال: وغايته العلياء أو ما معناه وأما الإخلاص فعنوانه وقائده ومسيره. .

تلك المزايا التي خص الإله بها ... قوماً هم الناس أن عدو وإن ذكروا واستعمل الآخر حيث للتعليل ولم تعرفه العرب بل هو من مستحدثات المولدين قال (ص279):

يا حمص تيهي حيث زارك أنور ... ردء الخليفة سيفه البتار

وهو القائل:

عم البسيطة والبرية عدله ... فالخلق شخص والبسيطة دار

والشطر الثاني مما لا يتحصل منه معنى. وقال:

يا واحد الدنيا الذي بشبيهكم ... عقم الزمان وضنت الأدوار

أراد: بشبيهه. وهو أدرى بالأدوار!. وعجبت من قوله:

أيدت دين الهاشمي فلم يضع ... لبني الشريفة عند سيفك ثار

فكأنه يقول. أن بني الشريعة (يريد المسلمين) قد أدركوا ما لهم عند سيفك من الثأر القديم، وفيه ما ترى! وهو يقصد عند وجود سيفك

وأعجبني من قصيدة أخرى قول منشئها (ص286):

لك المنزل المعمور فينا وإنما ... غداً في قلوب المؤمنين يعمر

نظمت من الإسلام أسنى قلادة ... وكادت وأيم الحق لولاك تنثر

وما أبدع قوله بعده:

وكيف ترى الأيام محو سطوره ... وفي كل صدر م} من منه أسطر

ثم يقول:

ومد على الإسلام منه سرادق ... يصان بها دين الحنفي وينصر

والسرادق مفرد مذكر فحقه أن يقول: يصان به. والحنيف الصحيح الميل إلى الإسلام الثابت عليه. والأولى أن يقال: دين الحنيف كما قال لسان الدين بن الخطيب: يا ناصر الحنيف وأهله. . البيت. . ثم قال وخطأه النحوي ظاهر (ص288):

وعما قريب يحبط الله سعيهم ... ونربح مصراً والعراق ويخسروا (؟)

ومن جيّدها:

أيا واحداً صحت جموع صفاته ... وأعداؤه جمع ولكن مكسراً!

وفي القسم الأخير من الكتاب قصيدة هي من خير ما فيه مطلعها (ص289): كسعيكما فليسع من يطلب المجدا ... فمن حاد عن نهجيكما أخطأ القصدا

أعزما إلى حزم وراياً إلى هدى ... لقد جزتما من طاقة البشر الحدا

لى أن يقول: أأنور لا ننسى مواقفك التي ... تشيب على أهوالها الأسد الورودا

مواقف أعشى كل رأي ظلامها ... فكنت برأي ألفرد نيرها ألفردا

فهل لك نفس هذه ... فأرخصت فيها السوم إذ تشتري الحمدا

فأي يد تحصى أياديك جمة ... لقد ضل من أحصى النجوم ومن عدا

رأيتك في أجبال برقة قائماً ... يزين لك الأقدام خطب بها اشتد

جمعت قلوباً فرق الجهل بينهما ... وألفت منها في مجاهلها جندا

ثم قال:

ولو كنت يوماً بالتناسخ قائلاً ... لقلت ابن سرح في صحابته ردا

هذا بعض ما أردت إراده من شعر الرحلة الأنورية وأما كتاب البعثة العلمية فالشعر فيه أقل من النثر على كثرة ما فيه من المنتقد قال أحد شعرائه (ص195):

شرف التمثل بين أيدي أعاظم ... يبنى عليه تزاحم الأدباء

فلا أعلم ما يصنع بياء أيدي المختلسة وهو يمر عليها عند تلاوة البيت مرور الكرام!

يا موسى يا مفتى الأنام وشيخهم ... يا مرجع الأحبار والعلماء

وهو يمر بالحرف الأخير من موسى مروره بالياء الأخيرة من أيدي السابقة ولعله يريد: يا موس، على الترخيم فيكون الخطأ في الطبع

يا عادل في نشر شرع محمد ... يا قائم برياسة النقباء

والأحسن: يا عادلاً، ويا قائماً.

يا منقذي الإسلام والبلد الحرام وحافظي فاروق (؟) من أعداء

يريد: فروق، وهذا من تحريف الإعلام، وقد أورده الشاعر نفسه في قوله من أبيات آخر (ص2. 8):

سنشكركم سكان فاروق. . كلما ... دخلنا بيوتاً للتهجد والنسك. .

وما أدري الباعث على اختصاص بيوت العبادة للشكر. . وأما تنكير أعداء في البيت السابق فقبيح. . ومن رقائق الكتاب أبيات تلاها الآخر في مأدبه (ص196) هذه ليلة السعود وإني ... أنا أهوى ليالي الإسعاد

ليلة أشرقت بنور علي ... ورجال الحكومة الأمجاد

هي مني مكان قلبي من الصدر ... ومن ناظري مكان السواد

ولآخر قصيدة في خيار ما في الكتاب، أعجبني منها قوله (2. 9):

ولم أرى كالإخلاص في حب دولة ... فكم أرحب الإخلاص من رجل صدرا

ولم أرى كالإنصاف في جمع أمة ... فكم وحد الأنصاف من أمة فكرا

وهو القائل قبلهما يخاطب رجال فاروق (ص21.):

فكنتم نجاد الملك والعرب سيفه ... وكنتم يمين الملك والعرب اليسرى

وكان على بعد البلادين بينكم ... هدى الدين سلك الكهرباءة والمجرى

وما أحسن استدراكه في قوله (ص2. 8):

سلام على الدستور حلواً مذاقه ... وإن كان بعض الناس قد ذاقه مرا!

وجل أبياتها من الغور لولا المسألة الأخرى في قوله (ص21.):

أما أنتم بالحزم كنتم رجالها ... وقد كنتم أعلى بمسألة أخرى (؟)

وإدخال ال - على غير قبيح وإن جوزه بعض البحثين، قال آخر يمدح الأساتذة (ص23.):

لئن طال مدح الغير فيها تكلفاً ... فإن قصور المدح بالشعر أجمل. . .

وفي عجز البيت ما فيه. . ولم أدر ما المترجم في قوله (ص221):

ويطرف طرف مد بالسوء نحوها ... وعقل رماها بالترجم يعقل

وفي البيت الآتي خرق لا يرتق:

وإن رام يوماً شاعر وصف ما حوت ... ولو أنه الضليل راح مضلل. . .

يريد: راح مضللاً، ولكن القافية لم تعنه. وأعجبني من هذه القصيدة قوله (ص222):

ورب أمريء في حبهم عاد عاذراً ... وقد كان لي بالأمس يلحى ويعذل

ومن خيرة قصائد الكتاب قول الشاعر يخاطب دولة أحمد جمال باشا بعد عودة الوفد من عاصمة الملك (ص26.):

سرى وفدك الغازي ومثلك يوفد ... وعاد بملء البشر والعود أحمد سرى منك مضمون النجاح مسيرة ... وطالعه يا كوكب السعد أسعد

يعني رئيس الوفد الأستاذ الشقيري

سرى لمقر الملك والذين قاصداً ... كما يقصد البيت العتيق الموحد

وما أرق قوله يصف زيارتهم لدار الحرب (ص263):

فكدنا نضم الرمح قداً مهفهفاً ... ونلثم حد السيف وهو مورد

وحرف المثل الذي هو أعقد من ذنب الضب بقوله (ص264):

إذا أدبروا فالخزي أو أقبلوا الردى ... فموقعهم من ملمس الضب أعقد

ومن الطراز الأول في الكتاب قصيدة في مديح أحمد جمال باشا جاء فيها (ص286):

تبيت رعاياه بعين قريرة ... ويقضي سواد الليل يقظان ساهداً

ومن طلب العلياء والمجد لم يكن ... إذا رقد العز المفرط راقدا

فلو أن مجد المرء أخلد ربه ... بقيت على الأيام في الدهر خالدا

ومنها في وصف الأعداء:

أقاموا على شط القنال معاقلاً ... ستبقى لهم يوم اللقاء مصائدا

ويذهل فيهم والدعن وليده ... ويخطىء وجه الشد من كان راشدا

إلى أن يقول في خطاب الممدوح (ص288):

ومن نيط يوماً في ملاك رجاؤه ... تناول بالكف المجرة قاعدا

وفي القصيدة بيت يقول فيه (ص286):

رمى الله منك الإنكليز بصارم ... صقيل يقد الهند وأني غامدا

يريد: مغمداً أو مغموداً ولعله ألحقه بباب عيشة راضية ولم يسمع في هذا ألفعل.

وأخالني قد أطلت على القراء ولو أردت البحث في كل ما عليه النظر من مليح وقبيح لملأت الحائف الكثيرة وحسب الواقف على هذين المؤلفين أن يجتمع له آثار فريق كبير من شعراء هذا العصر كامين بك ناصر الدين والسيد حبيب العبيدي وشبلي بك ملاط والشيخ مصطفى الغلاييني والشيخ علي الريماوي والسيد بدر الدين النعساني والشيخ عبد الكريم عويضة والشيخ سليم اليعقوبي وغيرهم من رجال الشعر والأدب. وفيها عدد من القصائد التركية وخطب ومحاضرات مفيدة منها للخطيب الكبير الشيخ أسعد الشقيري رئيس الوفد ومنها لمصنفها المفضال ولغيره من الصحافيين والأدباء والفضلاء. وبالجملة فالكتابان روضتا شعر وأدب يحسن بالمتأدب اجتناء ثمارها كما يحسن بي أن أتقدم بالشكر لمؤلفها الأستاذ صاحب هذه المجلة الزهراء الذي وقف حياته على خدمة العلم والاجتماع والتاريخ والأدب ولا أنسى الإشارة إلى أنني لم أكن أنظر في هذا النقد إلى الأسماء والألقاب فأثني وأطري وأنتقد أنتقم شأن بعض المتصدين لمثل هذه الأبحاث بل نظرت إلى الشعر دون الشاعر والقول دون القائل ولعلها تسلم لي الإصابة في جل ما ذهبت إليه خدمة لهذه اللغة وآدابها والله المستعان في كل آن

دمشق

أحد القراء