مجلة المقتبس/العدد 88/معجم البلدان
مجلة المقتبس/العدد 88/معجم البلدان
أفضنا في الجزء السالف في الكلام على هذا المعجم الجليل ونقلنا شذرات لطيفة منه بياناً لمنزلته بين المصنفات وها نحن نعاود البحث فيه فنقول: إن معجم ياقوت في البلدان هو من امثل ما طبع أيضا من كتب الخطط وتاريخ العمران وكوارث البلدان ووصفها تستخرج منه عدة أبحاث ولذلك ساغ أن يقال أن هذا المعجم عبارة عن كتب حواها كتاب أو هو دائرة معارف أو موسوعات العلوم العمرانية فما نقله في عمران البلدان فيالشاذباخ قال أنها مدينة نيسابور أم بلاد خراسان في عصرنا وكانت قديماً بستاناً لعبد الله بن طاهر بن الحسين ملاصق مدينة نيسابور فذكر الحاكم أبو عبد الله بن البيع في آخر كتابه في تاريخ نيسابور أن عبد الله بن طاهر لما قدم نيسابور والياً على خرسان ونزل بها ضاقت مساكنها من جنده فنزلوا على الناس في دورهم غضباً فلقي الناس منهم شدة فاتفق أن بعض أجناده نزل في دار رجل ولصاحب الدار زوجة حسنة وكان غيوراً فلزم البيت لا يفارقه غيرةً على زوجته فقال له الجندي يوماً: اذهب واسق فسقي ماء فلم يجسر على خلاف ولا استطاع مفارقه أهله فقال لزوجته: اذهبي أنت واسقي فرسه لأحفظ أنا أمتعتنا في المنزل فمضت المرأة وكانت وضيئة حسنة. واتفق ركوب عبد الله بن طاهر فرأى المرأة فاستحسنها وعجب من تبذلها فاستدعى بها وقال لها: صورتك وهيئتك لا يليق بهما أن تقودي فرساً وتسقيه فما خبرك فقالت: هذا فعل عبد الله بن طاهر بنا قاتله الله ثم أخبرته الخبر فغضب وحوقل وقال: لقد لقي منك يا عبد الله أهل نيسابور شراً ثم أمر العرفاء أن ينادوا في عسكره من بات نيسابور حل ماله ودمه وسار إلى الشاذياخ وبنى فيه داراً له وأمر الجند ببناء الدور حوله فعمرت وصارت محلة كبيرة واتصلت بالمدينة فصارت من جملة محالها ثم بنى أهلها بها دوراً وقصوراً. قال ياقوت هذا معنى قول الحاكم فإنني كتبته من حفظي إذا لم يحضرني أصله ولذلك قال الشاعر يخاطب عبد الله بن طاهر:
فاشرب هنيئاً عليك التاج مرتفقاً ... بالشاذياخ ودع غمدان لليمن
فأنت أولى بتاج الملك تلبسه ... من ابن هوذة يوماً وابن ذي يزن
ثم انقضت دولة آل طاهر وخربت تلك القصور فمر بها بعض الشعراء فقال:
وكان الشاذياخ مناخ ملك ... فزال الملك عن ذاك المناخ
وكانت دورهم للهو وقفاً ... فصارت للنوائح والصراخ فعين الشرق باكية عليهم ... وعين الغرب تسعد بانتضاح
ومثل ذلك ما ذكره التاج وهو اسم لدار مشهورة جليلة المقدار واسعة الأقطار ببغداد وكانت من دور الخلافة وكان بناه جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك أولا ليخلو فيه بندمائه وقيانه فلما أوقع الرشيد بالبرامكة وكان القصر إلى ذلك الوقت يسمى القصر الجعفري انتقل إلى المأمون فكان من أحب المواضع إليه وأشهاها لديه واقتطع جملة من البرية عملها ميداناً لركض الخيل واللعب بالصوالجة وحيزاً لجميع الوحوش (حديقة حيوانات) وفتح له باباً شرقياً إلى جانب البرية وأجرى فيه نهراً قال ثم نزل القصر الحسن بن سهل والد بوران زوج المأمون ولما طوت العصور ملك المأمون والقصور وصار الحسن بن سهل من أهل القبور بقي القصر لابنته بوران إلى أيام المعتمد على الله فاستنزلها المعتمد عنه وأمر بتعويضها منه فاستمهلته ريثما تفرغ من شغلها وتنقل مالها وأهلها وأخذت في إصلاحه وتجديده ورمه وأعادت ما دثر منه وفرشته بالفرش المذهبة والنمارق المقصبة وزخرفت أبوابه بالستور وملأت خزائنه بأنواع الطرف مما يحسن موقعه عند الخلفاء ورتبت في خزائنه ما يحتاج إليه من الجواري والخدم الخصيان ثم انتقلت غالى غيره وأرسلت المعتمد باعتماد أمره فاتاه فرأى ما أعجبه وأرضاه واستحسنه واشتهاه وصار من أحب البقاع إليه وكان يتردد فيما بينه وبين سر من رأى فيقيم هنا تارة وهناك أخرى ثم تولاه المعتضد وابتدأ في بناء التاج وجمع الرجال لحفر الأساسات ثم مات ولما تولى ابنه المكتفي بالله آت عمارة التاج الذي كان المعتضد وضع أسساه بما نقضه من القصر المعروف بالكامل ومن القصر الأبيض الكسروي الذي لم يبق منه الآن بالمدائن سوى الإيوان فكان الآجر ينقض من شرف قصر كسرى وحيطانه فيوضع في مسناة التاج وهي طاعنة إلى وسط دجلة وفي قرارها ثم حمل ما كان في أسست قصور كسرى فبنى به أعالي التاج وشرفاته قال وما صفة التاج فكان وجهه مبنياً على خمسة عقود كل عقد على عشرة أساطين خمسة أذرع ووقعت في أيام القتفي سنة 549 صاعقة فتأججت فيها وفي القبة وفي دارها التي كانت القبة إحدى مرافقها وبقيت النار تعمل فيه تسعة أيام ثم أطفئت وقد صيرته كالفحمة وكانت آية عظيمة ثم أعاد المقتفي بناء القبة على الصورة الأولى ولكن بالجص والآجر دون الأساطين الرخام وأهمل إتمامه حتى مات وبقي كذلك إلى سنة 574 فتقدم أمير المؤمنين المستضيء بنقصه وإبراز المسناة التي بين يديه إلى أن تحاذي به مسناة التاج فشق رأسها ووضع البناء فيه على خط مستقيم من مسناة التاج واستعملت أنقاض التاج مع ما كان اعد من الآلات من عمل هذه المسناة ووضع موضع الصحن الذي فيه الأئمة وهو الذي يدعى اليوم بالتاج ومن عجائب ما ذكره في القصور العربيةدار الشجرة قال هي دار بالدار المعظمة الخليفية ببغداد من أبنية المقتدر بالله وكانت داراً فسيحة ذات بساتين مونقة وإنما سميت بذلك لشجرة كانت هناك من الذهب والفضة في وسط بركة كبيرة مدورة أمام إيوانها وبين شجر بستانها ولها من الذهب والفضة ثمانية عشر غصناً لكل غصن منها فروع كثيرة مكللة بأنواع الجواهر على شكل الثمار وعلى أغصانها أنواع الطيور من الذهب والفضة إذا مر الهواء عليها أبانت عن عجائب من أنواع الفير والهدير وفي جانب الدار عن يمين البركة تمثال خمسة عشر فرساً ومثله عن يسار البركة قد البسوا أنواع الحرير المديح مقلدين بالسيوف وفي أيديهم المطارد يتحركون على خط واحد فيظن أن كل واحد منهم إلى صاحبه قاصد.
وكثيراً ما يتوسع ياقوت في الكلام على تاريخ المدن ولا سيما مدن العرب (المقتبس م 7ص 401) مثل كلامه على واسط قال ورأيت أنا واسطاً مراراً فوجدتها بلدة عظيمة ذات رساتيق وقرى كثيرة وبساتين ونخيلاً يفوت الحصر وكان الرخص موجوداً فيها من جميع الأشياء ما لا يوصف بحيث أني رأيت فيها كوز زبد بدرهمين واثنتي عشرة دجاجة بدرهم وأربعة وعشرين فروجاً بدرهم والثمن اثنتا عشر رطلاً بدرهم والخبز أربعون رطلاً بدرهم واللبن مائة وخمسون رطلاً بدرهم والسمك مائة رطل بدرهم وجميع ما فيها بهذه النسبة. وواسط هي التي بناها الحجاج وكانت لرجل من الدهاقين يقال له داوردان فساومه عامل الحجاج فقال له الدهقان: ما يصلح هذا الموضع للأمير فقال: لم فقال: أخبرك عنه بثلاث خصال تخبره بها ثم الأمر إليه قال: وما هي قال: هذه بلاد سبخة البناء لا يلبث فيها وهي شديدة الحر والسموم وان الطائر لا يطير في الجو إلا ويسقط لشدة الحر ميتاً وهي بلاد أعمار أهلها قليلة قال: فكتب بذلك الحجاج فقال هذا رجل يكره مجاورتنا فاعلمه أنا سنحفر بها الأنهار ونكثر من البناء والغرس فيها ومن الزرع حتى تعدو وتطيب وأما قوله أنها سبخة وان البناء لا يثبت فيها فسنحكمه ثم نرحل عنه فيصير لغيرنا وأما قلة أعمار أهلها فهذا شيء إلى الله تعالى لا إلينا فاعلمه أننا نحسن مجاورتنا له ونقضي زمامه بإحساننا إليه. قال فابتاع الموضع من الدهقان وابتدأ في البناء في أول سنة83 واستتمه في سنة 86 إلى آخر ما قال وفيه من كبر عقل الحجاج ما لا يقدر على الإجابة بأحسن منه اكبر ساسة العصر وأرقاهم بعلوم هذه الأيام ولا عجب فالعرب كانوا ينظرون في مسائل الصحة نظراً بليغاً. ذكر ياقوت في مادة حضوة انه شكا قوم من أهلها إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وباء أرضهم فقال لو تركتموها فقالوا معاشنا ومعاش إبلنا وطننا فقال عمر للحارث بن كلدة (طبيب العرب): ما عندك في هذا فقال الحارث البلاد الوبئة ذات الأدغال والبعوض وهو عش الوباء ولكن ليخرج أهلها إلى ما يقاربها من الأرض العذبة إلى تربيع النجم وليأكلوا البصل والكراث ويباكروا السمن العربي فليشربوه وليمسكوا الطيب ولا يمشوا حفاة ولا يناموا بالنهار فاني أرجو إن يسموا فأمرهم عمر بذلك ولذلك قال عمر وقد ذكرت له الشام ووباؤها: لبيت بركبة (أحب إلي من عشرة أبيات وقال في سيراف ما ملخصه: ذكر الفرس في كتابهم المسمى بالابستاق وهو عندهم بمثابة التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى إن كيكاوس لما حدث نفسه بصعود السماء صعد فلما غاب عن عيون الناس أمر الله الريح بخذلانه فسقط بسيراف فقال اسقوني ماءً ولبناً فسقوه ذلك بذلك المكان فسمي بذلك لان شير هو اللبن وآب هو الماء ثم عربت الشين إلى السين والباء إلى الفاء فقيل سيراف وهي على ساحل بحر فارس كانت قديماً فرضة الهند رأيتها وبها آثار عمارة حسنة وجامع مليح على سواري ساج وهي في لحف جبل عال جداً وليس للمراكب فيها مينا فالمراكب إذا قدمت إليها كانت على خطر إلى إن تقرب منها إلى نحو فرسخين موضع يسمى نابذ هو خليج ضارب بين جبلين وهو مينا جيد غاية وإذا حصلت المراكب فيه امتنعت جميع أنواع الرياح وبين سيراف والبصرة إذا طاب الهواء سبعة أيام. ووصفها أبو زيد حسب ما كانت في أيامه فقال أنها الفرصة العظيمة لفارس وهي مدينة عظيمة ليس بها سوى الأبنية حتى يجاوز على نظر عملها وليس بها شيء من مأكول ولا مشروب ولا ملبوس إلا ما يحمل إليها من البلدان ولا بها زرع ولا ضرع ومع ذلك فهي أغنى بلاد فارس قلت (أي ياقوت) كذا كانت في أيامه فمنذ عمر ابن عميرة جزيرة قيس صارت فرضة الهند واليها منقلب التجار خربت سيراف وغيرها ولقد رأيتها وليس بها قوم إلا صعاليك ما اوجب لهم المقام بها إلا حب الوطن ووصفها الاصطنحري إن بناءها بالسلج وخشب يحمل من بلاد الزنج وأبنيتهم طبقات وهي على شفير البحر مشتبكة البناء كثيرة الأهل يبالغون في نفقات الأبنية حتى أن الرجل من التجار لينفق على داره زيادة على ثلاثين ألف دينار ويعملون فيها بساتين.
وكثيراً ما يستطرد ياقوت إلى ذكر واردات المدن وصنائعها كما فعل في نشر ميزانية الحكومة في حلب لعهده وكما فعل في وصف صنائع سلجماسة من بلاد السودان قال ولنسائهم يد صناع في غزل الصوف فهن يعملن منه كل حسن عجيب بديع من الإزار تفوق القصب الذي بمصر يبلغ ثمن الإزار خمسة وثلاثين ديناراً وأكثر كأرفع ما يكون من القصب الذي بمصر ويعملون منه غفارات يبلغ ثمنها مثل ذلك ويصبغونها بأنواع الأصباغ. وقال فيكاكدم مدينة بأقصى المغرب جنوبي البحر: وبأرضهم حيوان يقال له اللمط من جنس الظباء إلا انه أعظم خلقاً ابيض اللون يتخذ من جلده الدرق اللمطية قطر الدرقة منها عشرة أشبار لم يتحصن المحاربون قط بأوقى منها يكون ثمن الجيد منها بالمغرب ثلاثين ديناراً مؤمنية تدبغ في بلادهم باللبن وقشر بيض النعام وقال في شاطبة في شرقي الأندلس انه يعمل الكاغد الجيد فيها ويحمل منها إلى سائر بلاد الأندلس وقال في دمياط: ومن ظريف أمر دمياط في قبليها على الخليج مستعمل فيه غرف تعرف بالمعامل يستأجرها الحاكة لعمل الثياب الشرب فلا تكاد تنجب إلا بها فإن عمل بها ثوب وبقي منه شبرا ونقل إلى هذه المعامل علم بذلك السمسار المبتاع للثوب فينقص من ثمنه لاختلاف جوهر الثوب عليه وقال ابن زولاق يعمل بدمياط القصب البلخي من كل فن والشرب لا يشارك تنيس في شيء من عملها وبينهما مسيرة نصف نهار ويبلغ الثوب الأبيض بدمياط وليس فيه ذهب ثلاثمائة دينار ولا يعمل بدمياط مصبوغ ولا بتنيس ابيض وهما حاضرتا البحر وبهما من صيد السمك والطير والحيتان ما ليس في بلد - واخبرني بعض وجوه التجار وثقافتهم انه في بلد. وبها الفرش القلموني من كل لون العلم والمطرز ومناشف الأبدان والأرجل وتتحف بها جميع ملوك الأرض.
ومن هذا المصنف البديع تفهم مبالغ الثروات في حكومات عصره وقبلة ودرجة تأنقهم ورفاهيتهم من ذلك ما رواه في سامراء من أن المتوكل انفق سبعمائة ألف دينار على نهرين. . . . . . . . . . . من دجلة تدخلان الجامع وتتخللان شوارع سامراء ولم يبن احد من الخلفاء بسر من رأى من الأبنية الجليلة مثل ما بناه المتوكل وعدد ياقوت ما أنفقه من مئات الألوف من الدنانير والدراهم على القصر المعروف بالعروس والقصر المختار والوحيد والجعفري والغريب والشيدان والبرج والصبح والمليح وبستان الابتاخية والتل والجوسق والمسجد الجامع والغرد والمتوكلية والبهو واللؤلؤة.
بدائع لم تراها فارس ... ولا الروم في طول أعمارها
وللروم ما شيد الأولون ... وللفرس آثار أحرارها
ولا عجب في غنى الخلفاء فقد كان الوزراء أيضاً على هذه النسبة فقد ذكر ياقوت عن السلفى عمن حدثه قال كان لأبي غانم القصري أربعمائة غلام يركبون بركوبه وكان يدخل الحمام ليلاً فيكون بين يديه شمع معمول من العود والعنبر وأنواع الطيب إلى أن يخرج ولم يحك عن احد من الوزراء ما حكي عنه من التنعم. وذكر في مادة دور الراسبي وكان الراسبي من عظماء العمال وأفراد الرجال توفي سنة 301 في أيام المقتدر ووزراء علي بن عيسى وكان يتقلد من حد واسط إلى حد شهرزور وكورتين من كورة الأهواز وكان مبلغ ضمانه ألف ألف وأربعمائة ألف دينار في كل سنة ولم يكن للسلطان معه عامل غير صاحب البريد لان الحرث والخرج والضياع والشجر وسائر الأعمال كان داخلاً في ضمانه فكان ضابطاً لأعماله شديد الحماية لها من الأكراد والأعراب واللصوص وخلف مالاً عظيماً وحمل من تركته إلى بغداد. ما هذه نسخته: العين. أربعمائة ألف وخمسة وأربعون ألفاً وخمسمائة وسبعة وسبعة وسبعون ديناراً. الورق ثلاثمائة ألف وعشرون ألفاً ومائتان وسبعة وثلاثون درهماً. وزن الأواني الذهبية ثلاثة وأربعون ألفاً وتسعمائة وسبعون مثقالاً. آنية الفضة ألف وتسعمائة وخمسة وسبعون رطلاً. ومما وزن بالشاهين من آنية الفضة ثلاثة عشر ألف وستمائة وخمسة وسبعون درهماً. ومن الند المعمول سبعة ألاف وأربعمائة مثقال ومن العود المطرا أربعة ألاف وأربعمائة وعشرون مثقالاً. ومن العنبر خمسة آلاف وعشرون مثقالاً ومن نوافج المسك ثمانمائة وستون نافجة. ومن المسك المنثور ألف وستمائة مثقال ومن السك ألفا ألف وستة وأربعون مثقالاً. ومن البرمكية ألف وثلاثمائة وتسعة وتسعون مثقالاً. ومن الغاليه ثلاثمائة وستة وستون مثقالاً ومن الثياب المنسوجة بالذهب ثمانية عشر ثوباً قيمة كل واحد ثلاثمائة دينار. ومن السروج ثلاثة عشر سرجاً. ومن الجواهر حجران ياقوت. ومن الخواتم الياقوتية خمسة عشر خاتماً. خاتم فضة زبرجد. ومن حب اللؤلؤ سبعون حبة وزنها تسعة عشر مثقالاً ونصف ومن الخيل الفحول والإناث مائة وخمسة وسبعون رأساً. ومن الخدم السودان مائة وأربعة عشر خادماً ومن الغلمان البيض مائة وثمانية وعشرون غلاماً. ومن خدم الصقالبة والروم تسعة عشر خادماً. ومن الغلمان الأكابر أربعون غلاماً بآلاتهم وسلاحهم ودوابهم. ومن أصناف الكسوة ما قيمته عشرون ألف دينار. ومن أصناف الفرش ما قيمته عشرة آلاف دينار. ومن الدواب المهاري والبغال مائة وثمانية وعشرون رأساً. ومن الجماز والجمازات تسع وتسعون رأساً. ومن الحمير النقالة الكبار تسعون رأساً. ومن قباب الخيام الكبار مائة وخمس وعشرون خيمة. ومن الهوادج والسروج أربعة عشر هودجاً. ومن الغضائر الصيني والزجاج المحكم الفاخر أربعة عشر صندوقاً.
قلنا ولا عجب أن يختلف احد العمال مثل هذه الثروة والبلاد عامرة على ذاك العهد أكثر من اليوم ولم تكن الدولة تحتاج كما هي حال الدول اليوم أن تنفق على بحريتها وبريتها هذه النفقات المضنية الفاحشة ذكر ياقوت في مادة السواد أن الخليفة الثاني أمر بمسح السواد سواد العراق فكان بعد أن اخرج عنه الجبال والأودية والأنهار ومواضع المدن والقرى ستة وثلاثين ألف ألف جريب فوضع على جريب الحنطة أربعة دراهم وعلى جريب الشعير درهمين وعلى جريب النخل ثمانية دراهم وعلى جريب الكرم والشجر ستة دراهم وحتم الجزية على ستمائة ألف إنسان وجعلها طبقات الطبقة العالية ثمانية وأربعون درهماً والوسطى أربعة وعشرون درهماً والسفلي اثنا عشر درهماً فجي السواد مائة ألف وثمانية وعشرين ألف ألف درهم. قال عمر بن عبد العزيز لعن الله الحجاج فإنه ما كان يصلح للدنيا ولا للآخرة فإن عمر بن الخطاب رضي الله عمه جبى العراق بالعدل والنصفة مائة ألف ألف وثمانية وعشرين ألف ألف درهم وجباه زيادة مائة ألف ألف وخمسة وعشرين ألف ألف درهم وجباه ابن عبيد الله أكثر منه بعشرة آلاف ألف درهم ثم جباه الحجاج بعسفه وظلمه وجبروته ثمانية وعشرون ألف ألف درهم فقط وأسلف الفلاحين للعمارة ألفي ألف فحصل له ستة عشر ألف ألف قال عمر بن عبد العزيز وها أنا قد رجع إلي على خرابة فجبيته مائة ألف ألف وأربعمائة وعشرين ألف ألف درهم بالعدل والنصفة وأن عشت له لأزيدن على جباية عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وشبيه بهذا ما وراء ياقوت في مادة مصر عن احمد بن المدير من انه لو عمرت مصر كلها لوفت بالدنيا وقال: أن مساحة مصر ثمانية وعشرون ألف ألف فدان وإنما يعمل فيها في ألف ألف فدان. جبى عمرو بن العاص مصر لعمر بن الخطاب رضي الله عنه اثني عشر ألف ألف دينار فصرفه وقلدها عبد الله بن أبي سرح فجباها أربعة عشر ألف ألف فقال عمر لعمرو يا أبا عبد الله أعلمت أن اللقحة بعدك درت فقال: نعم ولكنها أجاعت أولادها. وقال لنا أبو حازم: أن هذا الذي رفعه عمرو بن العاص وابن أبي سرح إنما كان عن الجماجم خاصة دون الخراج وغيره. . ولا عجب فإن عمران مصر في القديم كعمران العراق أو هو أكثر روى ياقوت في مادة حرجة قال: حدثني الثقة أن شمس الدولة توران شاه بن أيوب أخا الملك الصالح الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب كان يقول: ما اعرف في الدنيا أرضاً طولها شوط فرس في مثله يستغل ثلاثين ألف دينار غير الحرجة.
يفيض ياقوت في كلامه على البلدان بذكر أسماء من خرج منها من الأعيان ولا سيما المحدثون بحيث ربما ادخل الملل على بعض المطالعين لأنه يورث الكلام طولاً ولكن منهم من هو المهم في فنه. ويستشهد بأقوال الشعراء في البلاد وربما استشهد بالشعر لجودته أو للتنويه بقائله بالمناسبة مثال ذلك ما قاله في طرطوشة في ترجمة ابن أبي رندفة الطرطوشي المتوفى 520 وكانت له نفس أبيه أخبرت انه كان في بيت المقدس بطبخ في شقف وكان مجانباً للسلطان استدعاه فلم يجبه وراموه الغض من حاله فلم ينقصوه قلامة ظفر وله تأليف وشعر فمن شعره في بر الوالدين:
لو كان يدري الابن أية غصة ... يتجرع الأبوان عند فراقه
أم تهيج بوجده حيرانة ... وأب يسخ الدمع من آماقه
يتجرعان لبينه غصص الردى ... ويبوح ما كتماه من أشواقه
لرثى لأم سل من أحشائها ... وبكى لشيخ هام في آفاقه
ولبدل الخلق الأبي بعطفه ... وجزاهما بالعذاب من أخلاقه.
وقال في صيمرة ومنها أبو العنبس الصيمري المتوفى سنة 275 وكان شاعراً أدبياً مطبوعاً ذا ترهات وله تصانيف هزلية نحو الثلاثين منها تأخير المعرفة وغير ذلك ومن شعره:
كم مريض قد عاش من بعد يأس ... بعد موت الطبيب والعواد
قد يصاد القطا فينجو سليماً ... ويحل القضا بالصياد
ومثال الإشعار التي أوردها في البلدان قول أحيحة بن الجلاح في أرضه الزوراء:
استغن أو مت ولا يغررك ذو نسب ... من ابن عم ولا عم ولا خال
يلوون ما عندهم عن حق جارهم ... وعن عشيرتهم والمال بالوالي
فاجمع ولا تحقرن شيئاً تجمعه ... ولا تضيعنه يوماً على حال
أني أقيم على الزوراء أعمرها ... أن الحبيب إلى الإخوان ذو المال
بها ثلاث بناء في جوانبها ... فكلها عقب تسقى بإقبال
كل النداء إذا ناديت يخذلني ... إلا ندائي إذا ناديت يا مالي
ما أن أقول لشيء حين افعله ... لا استطيع ولا ينبو على حال
ومثله ما أورد في مادة يميم بفتح أوله وثانيه وميم ساكنة وباء موحدة أخرى وميم اسم موضع قرب تبالة عند بيشه وترج والتلفظ به عسر لقرب مخارج حروفه قال حميد بن ثور
وما هاج هذا الشوق إلا حمامة ... دعت ساق حر ترحة وتأوما
من الورق حما العلاطين باكرت ... عسيب أشاء مطلع الشمس مبسما
اذا زعزعته الريح أو لعبت به ... أرنت عليه مائلاً ومقوماً
تنادي حمام الجهلتين ونرعوب ... إلى ابن ثلاث بين عودين أعجما
مطوق طوق لم يكن عن تميمة ... ولا ضرب صواغ بكفيه درهما
تقبض عنه غرقي البيض واكتسى ... أنابيب من مستعجل الريش أقتما
يمد إليها خشية الموت جيده ... كمدك بالكف البري المقدما
فلما اكتسى الريش السخام ولم يجده ... لها معه في باحة العش مجثما
اتيح لها صقر منيف فلم يدع ... لها ولداً إلا رماماً وأعظما
فأرقت على غصن ضحياً فلم تدع ... لباكية في شجوها متلوما
فهاج حمام الجهلتين نواحها ... كما هيجت ثكلى علي الموت مأتما اذا شئت غنتني باجزاع بيشة ... أو النخل من تثليث أو من يميما
عجبت لها أنى يكون بكاؤها ... فصيحاً ولم تغفر بمنطقها فما
فلم ار مخزوناً له مثل صوتها ... أحر وانكي في الفؤاد واكلما
ولم أر مثلي شاقه صوت مثلها ... ولا عربياً شاقه صوت أعجما.