مجلة المقتبس/العدد 81/معجم ما استعجم

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة المقتبس/العدد 81/معجم ما استعجم

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 11 - 1912



المؤلفات كالأشخاص منها ما يخادنه السعد فيشتهر وتتداوله الأيدي الجيل وبع الجيل والقرن بعد الآخر ومنها ما ينسى ولا يظهر ومنها ما بينَ بين. وكتاب معجم ما استعجم لأبي عبيد عبد الله بن عبد العزيز بن أبي مصعب البكري الوزير هو من الطكتب التي عزت قبل الطباعة وبعدها لقلة ما استنسخ منها فيلا عصر مؤلفها وبعده في الغالب حتى أن ياقوتاً الرومي في معجم البلدان قال أن لأبي عبيد كتاب المسالك والممالك (ولعله مطبوع) وكتاب معجم ما استعجم من أسماء البقاع ولم أره بعد البحث عنه والتطلب له. ولكن ما عز عَلَى المتقدم تهيأ للمتأخر فإن إبراهيم الجنيني من أهل دمشق أكمل نسخ هذا الكتاب الممتع سنة 1100 في دمشق وكان أكمل الجزء الثاني سنة 1095 إذ لم يجد الأول ثم بلغه أن في مكة منه عند الشيخ حسن بن العجيمي وبعد ثلاث سنين أرسل له هذا أنه جءا مع رجل نسخة من مصر فنسخها وبعثها لصاحبه الدمشقي فأكمل نسخته وهذه النسخة بعينها هي التي نقلت من جملة ألوف كتب العلم في دمشق عاصمة الشام وعمرت بها مكاتب ألمانيا منذ منتصف القرن الماضي إذ كان القوم هنا لا يحرصون عَلَى غير الدينيات واللسانيات من الأسفار.

ولقد قيض الله لنشر هذا المصنف البديع عالماً من علماء المشرقيات من الألمان الأستاذ وستنفليد شيخ اللغة العربية في عصره المتوفى سنة 1899 فنشره كما نشر معجم البلدان لياقوت ونشر نحو مائتي كتاب من كتب المسلمين في التاريخ والجغرافيا والنسب وغيرها مثل طبقات الحفاظ للذهبي والاشتقاق لابن دريد وسيرة ابن هشام والأنساب للسمعاني والمشترك وضعاً والمختلف صقعاً لياقوت وعجائب المخلوقات وآثار البلاد للقزويني ووفيات الأعيان لابن خلكان فاستحق شكر الأمة العربية بل الآداب العربية كما استحق ذلك الأستاذ دي كوي الهولاندي الذي طبع ثمانية تآليف في الجغرافيا لأئمة هذا الشأن من الأقدمين وسماها المكتبة الجغرافية العربية.

وأبو عبيد البكري هم كما قال ابن مكتوم عبد الله بن عبد العزيز محمد البكري من أهل شلطيش سكن قرطبة يكنى أبا عبيد روى عن أبي مروان بن حيان أبي بكر المصحفي وأبي العباس العذري سمع منه بالمرية وأجاز له عمر بن عبد البر الحافظ وكان غيرهم من أهل اللغة والآداب الواسعة والمعرفة بمعاني الشعر والغريب والأنساب والأخبار متقناً ل قيده ضابطاً لما كتبه جميل الكتب مهتم بما يمسكها في ثياب الشرب إكراماً لها وصيانة وجمع كتاباً في أعلام نبوة نبينا عليه الصلاة والسلام أخذه الناس إلى غير ذلك من تواليفه وتوفي رحمه الله في شوال سنة سبع وثمانين وأربعمائة.

وترجمة الفتح ابن خاقان في قلائد العقبان بما صورته: عالم الأوان وقدره ومصنف البيان ومشنفه بتواليف كأنها الخرائد وتصانيف أبهى من القلائد حلى بها من الزمان عاطلاً وأرسل بها غمام الإحسان هاطلاً ووضعها في فنون مختلفة وأنواع وأقطعها ما شاء من إتقان وإبداع أما الأدب فهو كان منتهاه ومطحل سهاه وقطب مداره وفلك تمامه وإبداره وكان كل ملك من ملوك الأندلس يتهاداه تهادي المقل للكرى والآذان للبشرى عَلَى هناة كانت فيه فإنه رحمه الله مباكر للراح ولا يصحو من خمارها ولا يمحو رسم إدمانه من مضمارها ولا يريح إلا عَلَى تعاطيها ولا يستريح إلا إلى معاطيها قد اتخذ إدمانها هجيره ونبذ من الأقلاع نبذ عاصم بن الأيمن مجيره فلما حال انقراض شعبان وانصرامه كانت فيه مستبشعة الذكر مستنشعة النكر تمجها الأوهام والخواطر ويثبتها السماع المتواتر.

وقد أثبت ما يشهد لك بتقدمه ويريك منتهى قدمه رايته وأنا غلام ما أقمر هلالي ولا نبع في الذكاء كوثري ولا زلالي في مجلس ابن منظور وهو في هيئة كأنما كسيت بالبهاء والنور وله سبلة يروق العيون إيماضها ويغرق السواد بياضها وقد بلغ سن ابن ملحم وهو يتكلم فيفوق كل متكلم فجرى ذكر ابن مقلة وخطه وأفيض في رفعه وحطه فقال:

خط ابن مقلة من أرعاه مقلته ... ودت جوارحه وأصبحت مقلاً

فالدر يصفر لاستحسانه حسداً ... والورد يحمر من إبداعه خجلاً

وله فصل من كتاب راجع به الفقيد الأستاذ أبا الحسن بن دريد رحمهما الله: وتالله إني لا أطعم جنى محاورتك فيقف في اللهاة وأجد لتخيل مجالستك ما يجده الغريق للنجاة وأعتقد في مجاورتك ما يعتقده الجبان في الحياة.

متى تخطئ الأيام في بأن أرى ... بغيضاً يناءي أو حياً يقرب

ورأيت رغبتك في الكتاب الذي لم تحرر ولم يتهذب وكيف التفرغ لقضاء إرب والنشاط قد ولى وذهب فما أجده إلا كما قيل:

نزراً كما استكرهت عائر نفحة ... من فارة المسلك التي لم تفتق وإن يعن الله عَلَى المراد فيك والله يستفاد وبرغبتك أخرجه من الوجود إلى العدم وإليك يصل أدنى ظلم بحول الله.

وله فضل من رقعة يهنئ بها الوزير الأجل أبا بكر بن زيدون بالوزارة: أسعد الله بوزارة سيدي الدنيا والدين وأجرى لها الطير الميامين ووصل بها التأييد والتمكين والحمد لله عَلَى أمل بلغه وجدل قد سوغه وضمان حققه ورجاء صدقه وله المنة في ظلام كان أعزه صحبه ومستبهم غداً شرحه وعطل نجر كان حليه وضلال دهر صار هديه.

فقد عمر الله الوزارة باسمه ... ورد إليها أهلها بعد إقصاد

هذا هو المؤلف أما تأليفه فقد جعل عَلَى حروف المعجم ولكن عَلَى طريقة الغاربة أو الطريقة الإفريقية لا طريقة المشارقة فبدأ: اب ت ث ج ح خ د ز ط ظ ك ل م ن ص ض ع غ ف ق س ش هـ وي. وحقق فيه أسماء البقاع والبلاد والمياه والجبال والبحيرات في بلاد العرب من الحجاز وتهامة واليمن والشام والعراق ونجد والموصل. وغريب والحال حال مؤلفي الغرب: أندلسي يعني ببلاد المشرق يجيد ولا إجادة المشارق أنفسهم. وهذا الكتاب ضروري كما يقول دوزي المستشرق الهولاندي لمن يدرسون التاريخ القديم والجغرافيا وشعراء الأقدمين والحديث فيذكر المؤلف رسم البلد أو البقعة ويعين مكانها ويستشهد بكثير من الأشعار التي وردت فيها ذكر هذه البلدة.

قال المؤلف هذا كتاب معجم ما استعجم ذكر فيه جملة ما ورد من الحديث والأخبار والتورايخ والأسفار من المنازل والديار والقرى والأمصار والجبال والآثار والمياه والآبار والدارات والحرار منسوبة محددة. وقد أفاض في المقدمة في الكلام عَلَى جزيرة العرب وحدودها وقبائلها وما إلى ذلك من الفوائد الجغرافية فاستغرق نحو 55 صفحة من هذه الطبعة التي طبعت في غوتنغن في (ألمانيا) سنة 1876 عَلَى الحجر والغالب أنها بخط ناشره الأستاذ وستنفيلد أجزل الله ثوابه. وإليك مثالاً من وصفه خراسان:

خراسان بلاد معروف قال الجرجاني معنى خركل أو أسان معناه سها أي كل بلا تعب وقال غيره معنى خراسان بالفارسية مطلع الشمس والعرب إذا ذكرت مطلع المشرق كله قالوا فارس فخراسان من فارس وعلى هذا تأويل حديث النبي لو كان الإيمان بالثريا لناله رجال من أهل فارس إنه عنى أهل خراسان لأنك إن طلبت مصداق هذا الحديث في فارس لم تجده أولاً ولا آخراً وتجد هذه الصفة نفسها في أهل خراسان دخل الإسلام رغبة ومنهم العلماء والنبلاء والمحدثون والمتعبدون وأنت إذا أجملت المحدثين في كل بلد في كل بلد وجدت نصفهم من خراسان وجل رجالات الدولة من خراسان البرامكة والقخاطبة وطاهر وبنوه وعلي بن هاشم وغيرهم وأما أهل فارس فكانوا كنار خمدت لم يبق لهم بقية ولا شريف يعرف إلا ابن المقفع وابنا سهل الفضل والحسن.

ومما قاله في رسم ضرية وحليت (ص 637) جبل أسود في أرض الضباب بعيد ما بيبن الطرفين كثير معادن التبر وكان به معدن يدعى النجادي كان لرجل من ولد سعد بن أبي وقاص يقال له نجاد بن موسى به سمي ولم يعلم بالأرض معدن أكثر منه نيلاً لقد أثاروه والذهب غال بالآفاق كلها فأرخصوا الذهب بالعراق والحجاز ثم أنه تغير وقل نيله وقد عمله بنو نجاد دهراًَ قوم بعد قوم. .

ومن فوائده أيضاً قوله فيما يؤنث من البلاد ويذكر قال: الغالب عَلَى أسماء البلاد التأنيث والمؤنث منها عَلَى أحد أمرين إما أن تكون في علامة فاصلة بينه وبين المذكر كقولك مكة والجزيرة وإما أن يكون اسم المدينة مسغنياً بقيام معنى التأنيث فيه عن العلامة كقولك حمص وفيد وحلب ودمشق وكل اسم فيه ألف ونون زائدان فهما مذكر بمنزلة الشام والعراق نحو جرجرا وحلوان وحوران وأصفهان وهمذان أشد الفراء:

فلما بدا حوران والآدل دونه ... نظرت فلم تنظر بعينيك منظراً

وانشد أيضاً عن الكسائي:

سقيا لحلوان ذو الكروم وما ... صنف من تينه ومن عنبه

هكذا رواه صنف بضم الصاد ورواه يعقوب صنف بفتحها يقال صنف التمر إذا أدرك بعضه ولم يدرك بعض فإن رأيت شيئاً من ذلك مؤنثاً فإنما يذهب فيه إلى معنى المدينة والأغلب عَلَى فيد التأنيث وكذلك بعلبك وقد تقدم ذكر ذلك في رسومها وقال أبو هفان هي مبني وهو مبني وأنشد اللوجي:

سقى منى ثم رواه وساكنه ... وما ثوى فيه واهي الودق مُنبعق

وقال الفراء الغالب عَلَى منى التذكير والإجراء والغالب عَلَى فارس التأنيث وترك الإجراء قال الشاعر: لقد علمت أبناء فارس أنني ... عَلَى عربيات النساء غيور

وهجر الغالب عليه التذكير وربما أنثوها وقد أنشدنا شعر الفرزدق في تأنيثها وسجع العرب قال الفراء إنما أجرت العرب هنداً ودعداً وجعلاً وهي مؤنثات ولم يجروا حمص وفيد وتوز وهي مؤنثات عَلَى ثلاثة أحرف لأنهم يرددون اسم المرأة عَلَى غيرها ولا يرددون اسم المدينة عَلَى غيرها فلم تردد لم تكثر في الكلام لزمها الثقل ونرك الإجراء وقال أبو حاتم حجر اليمامة يذكر ويؤنث قال وفلج مذكر عَلَى كل حال وعمان الغالب عليها التأنيث وقباء وأضاخ فيذكران ويؤنثان وبدر مذكر قال الله عز وجل ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة وحنين مذر لأنهما اسمان للماء قال الله تعالى ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم وربما أنثته العرب لأنه اسم للبقع قال حسان:

نصروا بنيهم وشدوا أزره ... بحنين يوم تواكل الأبطال

والحجاز واليمن والشام والعراق ذكران ومصر مؤنثة قال الله تعالى ملك مصر وقال تعالى ادخلوا مصر وقال عامر بن وائلة الكناني لمعاوية أما عمرو بن العاص فانطفته مصر وأما قول الله عز وجل اهبطوا مصراً فإنه أراد مصراً من الأمصار وقرأ سليمان الأعمش اهبطوا مصر وقال هي مصر التي عليها سليمان بن علي فلم يجرها. ودابق يذكر ويؤنث من ذكر قال هواسم للنهر ومن أنت قال هواسم للمدينة قال الشاعر في الإجراء:

بدابق وابن مني دابق

وأنشد الفراء في تلك الأجزاء:

لقد ضاع قوم قلدوك أمورهم ... بدابق إذ قيل العدو قريب

ونجد مذكر قال الشاعر:

قال تدعى نجداً دعه من به ... وأن تسكني نجداً فيا حبذ نجدا

وبغداد تذكر وتؤنث وقد مضى القول في ذلك وذكرنا كم من لغة فيها وصفون وقنسرون وماردون والسليحون. وكذلك نصيبون وفلسطون وقد مضى القول في أعرابها وجرت الغالب عليه التذكير والإجراء وربما أنثوه وقد مضى الشاهد عَلَى ذلك وأجاز الفراء أن تقول هذا حراء بالإجراء تقول هذه ثم تذهب إلى الجبل كما تقول ألف درهم والكلام هذا ألف درهم وثبير مذكر وكانوا يقولون أشرق ثبير كيما تغير وكبكب معرفة مؤنث لا تجري وهو اسم للجبل ما حوله وقد تقدم إنشاد بيت الأعشى فيه اهـ.

هذه نموذجات من الكتاب وهو جعبة فوائد للمتأدبين والعالمين وقد وقي في زهاء 850 صفحة وأضاف إليه ناشره فهراساً عاماً بأعلامه عَلَى عادة علماء المشرقيات في أسفارنا التي يحيونها بالطبع في بلادهم.