مجلة المقتبس/العدد 58/عمران الكرك
مجلة المقتبس/العدد 58/عمران الكرك
لم تكن الحال في حوران تستقر على ما يجب بعد أن أدبت الجملة العسكرية أشقياء الدروز في جبل حوران حتى أرادت الحكومة أن تحصي عدد سكان لواء الكرك كما أحصت عدد سكان لواء حوران فنشز السكان وانتقضوا على الحكومة وصادف أن قطعت مرتبات بدو بني صخر والخرشان وغيرهم ممن كانوا يتقاضون أنعاما من السلطنة منذ القديم لحراسة الطرق فتكونت هذه الأسباب وقام البدو الذين حرموا من رواتبهم وهي أربعة آلاف ليرة في السنة وسطوا على بعض المحطات من السكة الحديدية الحجازية واقعة على طولا زهاء مائتي كيلومتر في أراضي اللواء وخربوا بعض القضبان الحديدية ونهبوا أحد القطارات التي كانت قادمة من المدينة وسلبوا ما كان مع ركابها من مال ومتاع مما لا يقل ثمنه عم عشرين ألف ليرة وقتلوا وجرحوا بعض موظفي الخط الحديدي وكان ذلك على بضع ساعات من مركز لواء الكرك وقام الكركيون باديهم وحاضرهم وأطالوا يد الاعتداء على التجار والموظفين والحامية ولو لم يلجأ الموظفون إلى قلعة الكرك الحصينة وبقوا فيها عشرة أيام ريثما وافاهم المدد لقضت الثورة عليهم ولا يعلم إلى الآن عدد من هلك في الفتنة من التجار والضباط والموظفين والجند ممكن كانوا يتجولون في الأرباض لإتمام أعمالهم وقد حرقت نيران الفتنة الأماكن الأميرية كلها ونهبت نقود الخزينة ونقود إدارة حصر الدخان ونهبت دور الموظفين واحرق قسم منها وخرب قسم عظيم من المدينة بإطلاق القلعة المدافع عليها وقطع العصاة الأسلاك البرقية وهاموا على وجوههم في البراري والجنود بتأثرونهم الآن في السهل والوعر.
وقد نوى أهالي الطفيلة وأهالي معان القيام بمثل هذه الفظائع في الوقت الذي قام فيه الكركيون بثورتهم ولم يؤثر عنهم شيء مضر.
وإذا كان النزاع الآن قائما في ذلك الصقع بين الحكومة والسكان وبعبارة أخرى بين المدينة والهمجية رأينا أن نلم بعمرانه وتاريخه وجغرافيته واقتصاده واستعداده للارتقاء فنقول نقلا عن مصادر عربية وإفرنجية وتركية كثيرة: يمتد هذا اللواء من وراء قصر الزرقاء في الحد الجنوبيّ من لواء حوران إلى مدائن صالح جنوبا وهي مسافة يقطعها راكب المطايا في العادة في نحو خمسة عشر يوماً أما عرضه فمن الغرب نهر الأردن (الشريعة) وبحيرة لوط (البحيرة المنتنة أو البحر الميت) ووادي العاربة والوجه والعقبة الفاصلة بينه وبي فلسطين إلى بادية الشام شرقاً فالجوف فنجد وهذه المسافة لا تقل عن خمسة أيام وهي تبلغ أكثر إذا تجاوزنا البادية إلى وادي السرحان في الشرق.
وأرضه سهلية جبلية وجباله لا ترتفع كثيرا عن سطح البحر وتدعى بأسماء البلاد التي بقربها الآن وأشهر أنهار اللواء وادي الزرقاء ينبع من رأس عمان قال ياقوت: الزرقاء موضع بالشام بناحية عمان وهو نهر عظيم في شعار ودحال كثيرة وهي أرض شبيب التبعي الحميري وفيه سباع كثيرة مذكورة بالضراوة وهو نهر يصب في الغور. ووادي الصلت وهو ينبجس من قصبة الصلت ووادي السير ينبعث من قرية وادي السير ووادي حسبان ينبض من محل اسمه حسبان ونهر زرقا معين ووادي الوالا ينبع بالقرب من أم الرصاص وينضم إليه وادي الموجب وهذا الوادي يتألف من اللجون الواقع في منتصف الطريق بين القطرانة والكرك وجميع هذه الأودية أو الأنهار تصب في نهر الأردن أو الشريعة ومن أنهار هذه البلاد وادي الكرك ينبع في قصبة الكرك ويصب في بحيرة لوط ووادي الحسا تجتمع إليه مياه الشراة ومياه وادي موسى وينابيع شتى فيصب في بحيرة لوط. وهذه الأنهار تفيض كعادة معظم الأنهار شتاءً بما ينهال إليها من السيول وتجف قليلا في الصيف. ومن الأنهار مالا يجري إلا في الشتاء مثل نهر الثمد ولا ينتفع بهذه المياه في السقيا حتى إن نهر الزرقاء الذي يعد من الأنهار المتوسطة لا يسقي أكثر الأراضي التي حفافيه بل هي تشرب بماء المطر وكذلك حال أراضي البلاد كلها ماخلا بعض الحدائق القليلة في وادي موسى والصلت.
ووادي الموجب ووادي الحسا من أعمق أودية سورية قد ينزل الراكب من ذروتهما إلى قرارتهما في ساعة ونصف ويصعد إليهما في أكثر من ذلك.
وفي هذا اللواء مناجم كثيرة فبالقرب من زرقا معين على ساعتين من مادبا جبال ملونة ففيها جبل أصفر وآخر أحمر وبالقرب من بحيرة لوط وحمة عفرة من أعمال الطفيلة معادن الكبريت والقصدير والبترول والنحاس. وزرقا معين هذه من الحمامات البخارية أشبه بحمام أبي رباح بالقرب من تدمر. وهي ثلاث حمامات يستحم المستحمون ببخارها ولا يجسر أحد أن يمد يده إليها.
ويقصدها سياح الإفرنج كما يقصدون حمة عفرة من بحيرة لوط حتى إذا بلغوا شاطئها يركبون على الدواب ثلاث ساعات.
وتقل الحراج في هذا اللواء وأهمها ما كان بالقرب من بلدة الصلت وفي أرض بني حميدة وهي تبعد عن قصبة الكرك خمس ساعات ويمتد هذا الحرج من الزرقاء قرب معين إلى وادي بني حماد وطوله نحو عشر ساعات وفي قضاء الطفيلة حراج واسعة يمشي الإنسان بظل لزابها وسنديانها طويلاً ولاسيما فيس جنوبه قرب قرية ضانا.
وأكثر الأشجار المثمرة في اللواء التين والعنبي والزيتون وأكثره في الصلت والطفيلة والكرك والعراق وخنزيرة. وأهم الحبوب التي يستنبطونها الحنطة والشعير والذرة والعدس والحمص يصدرونها إلى فلسطين وإلى دمشق وتباع بعشرات الألوف من الليرات وقبل أن تخترق السكة الحجازية هذا اللواء كانت صادرات بلاد الكرك تباع في فلسطين أو تبقى في أراضيها لبعد المسافة بينها وبين دمشق وأقربها لا يقل عن خمسة أيام على الجمال.
ومعظم سكان هذا اللواء بادية رحالة ولا تجد ساكنين في لبيوت إلا في الكرك والصلت والشوبك ومعان والطفيلة وعيمة وصتفحة وبصيرة وضانا وخنزيرة والعراق وكثرربة ومادبا وأم الرمان وعمان والفحيص ووادي السير وناعور وعين صويلح ورصيفة وياجوز وعيون الحمر ويادودة ولبن وأم العمد وزيزاء.
ويخمن الناس نفوس الأهالي بمئة وخمسين ألفاً نحو خمسهم حضر والباقي بادية ينزلون في بيوت شعر عشائر وقبائل وأفخاذاً ولكل عشيرة موقع خربة يتخذون من الآبار أنابير يخزنون فيها حبوبهم وهم ينتجعون الكلأ. وفي قضاء اللواء أي الكرك ثلاثون ألف ساكن منهم أربعمائة بيت مسيحيون والباقي مسلمون وفي قصبة الصلت عشرة آلاف منهم ألفان من المسيحيين وليس بين العرب الرحالة أناس من المسيحيين وأهل مادبا كلهم مسيحيون.
قال القرماني في (معان) أنها مدينة صغيرة تقع على طريق الركب الشامي وهي على عشر مراحل من دمشق كان غالب ألها نصارى.
والآن ليس فيها أحد منهم ولقد نظمت الحكومة إدارة هذه البلاد سنة 1310 على الحساب الهجري وكانت حكومتها من قبل بيد المشايخ والزعماء فجعلت الكرك مركز اللواء وسمت سائر اللواء باسمه وقسمته إلى أربعة أقضية وهي قضاء المركز وقضاء الصلت وقضاء الطفيلة وقضاء معان وإلى سبع نواح وهي عمان وديبان ومادبا وزيزاء (جيزة) وتبوك وخنزيرة والشوبك.
وديبان هي شمالي ضفة أرنون (الموجب) على نحو 4 أميال من مصبه في بحيرة لوط و16 ميلا شمالي الكرك وهي المعروفة في الكتب المقدسة باسم ديبون وأديمون وكانت إحدى منازل بني إسرائيل واشتهرت ديبان بالحجر الموآبي الذي وجد فيها سنة 1868 وهو حجر أسود طوله أكثر من ثلاثة أقدام عرضه نحو قدمين وسمكه نحو قدم وفيه 34 سطراً من الكتابة الفينيقية العبرانية قرئت كلها وهي من ميشع بن خموسا ملك موآب ملخصها أنه بنى هذا المقدس لكموش لأنه خلصه معتد وجعله ينظر بازدراء إلى أعدائه كلهم قال قد ضايق ملك إسرائيل موآب أياماً عديدة. ملك أرض ميدبا وسكن هناك هو وابنه 40 سنة اهلكه كموش على عهدي حينئذ بنيت بعل معون ورممت قريتايم.
بنى ملك إسرائيل عطاروت فهاجمت المدينة وأخذتها وقتلت كل سكانها قال لي كموش اذهب خذ كموش من إسرائيل فذهبت وحاربتها من الفجر إلى نصف النهار فأخذتها وقتلت سبعة آلاف رجل وجررت آنية يهوه على الأرض أمام كموش وأقام ملك إسرائيل مدة حربه معي في ياهط فطرده كموش من أمامي. أنا هو الذي بنى عر وعير (عراعر) وعمل طريق أرنون أنا هو الذي بنى بيت باموت التي أُخربت أنا هو الذي بنى نبوسوروديبون وبيت دبلتايم وبيت بعل معون وقال لي انزل وحارب حور ونايم وخذها أه.
أما مدينة ميدبا ويقال لها الآن مادبا فقد تعاقبت عليها بنو إسرائيل وموآب وعمون مراراً وهي على مسافة 6 أميال من حشبون بين الشرق والجنوب الشرقي و14 ميلا شرقي بحر لوط وكانت في القرون الأولى مركزا مهما للدين المسيحي ومن آثارها الآن كنيسة قديمة قيل هي من القرن الخامس وقد وجدت بها سنة 1897 خارطة الأرض المقدسة مرسومة بالفسيفساء رسماً متقناً يظهر فيه نهر الأردن وكثير من المدن الرئيسية وكانت مادبا في الأصل مدينة ويؤخذ من الكتابة التي أُثرت من الملك ميزا من القرن الحادي عشر ق م أنها أعيدت إلى الموآبيين لتصير بعد ذلك تحت حكم النبطيين أي العرب وكانت على عهد المكابيين قلعة مهمة استولى عليها هيركان وأصبحت على عهد الرومان جزءا من العربية الصخرية. والخارطة تنزل في خريطة الروم هناك.
وعمان كما قال القرماني مدينة قديمة خربت قبل الإسلام ولها ذكر في تاريخ الإسرائيليين وهي رسم كبير ويمر بجنبها نهر الزرقاء الذي على طريق الحاج الشامي وهي من أعمال البلقاء وهي من بناء لوط.
وأخصب أرض في هذا اللواء هي أرض البلقاء وهي واقعة بين الأردن والبرية ووادي الموجب والزرقاء وتمتد من الصلت إلى مادبا على مسيرة تسع ساعات وهي تزرع في الجملة قال القرماني: البلقاء كورة بين الشام ووادي القرى بها قرية الجبارين ومدينة الشراة وبها الرقيم المذكور في القرآن فيما زعم بعضهم وفيها مدن عظيمة وقرى كثيرة إلا أنها دثرت وخربت فليس فيها ديار ولا نافخ نار. والقرماني كتب في القرن الحادي عشر وأرض الصلت وهي عبارة عن مركزه وناحيتي عمان ومادبا هي كما قال القرماني بلدة هي من أعمال الأردن بها قلعة يسكنها من يحفظها من قبل ملوك العثمانية وينبع من تحت قلعتها عيون كثيرة وتدخل البلد وبها بساتين كثيرة يجلب منها حب الرمان إلى البلاد. ومن أراضي اللواء البائرة الجيدة التربة الشاغرة أرض الشراة المشهورة قديماً وهي تمتد من حصن الشوبك إلى وادي موسى وفيها كلها مياه غزيرة وهي ذات تربة حسنة وكلها خراب اليوم. والشوبك على 19 ساعة عن الكرك كما أن وادي موسى على 25 ساعة عن الكرك.
ولهذه البلاد تاريخ مجيد قبل الإسلام وبعده ويكفي أن من أعمالها وادي موسى_على 64 ميلا من جنوبي الكرك و54 ميلا عن الجنوب الشرقي من بحيرة لوط_المعروف عند الإفرنج ببترا أي العربية الصخرية أو سلع ومن أعمالها بلاد مآب (موآب) المشهورة في تاريخ النصرانية والظاهر أن سلع هي غير بترا وليست مرادفة لها ولا يعرف اليوم اسم بترا الأصليّ ولا تاريخها كما ينبغي ويظهر من النواويس القديمة فيها أن تاريخها يرد إلى القرن السادس ق. م ولم يجر ذكر للنبطيين أي العرب الذين استولوا على البلاد بعد الأدوميين إلا في سنة 312 ق. م أي أيام أرسل الملك أنتيغونس قائده أتني ثم جاء القائد ديمتربوس ليستولي على بترا عاصمة البلاد فأخفق القائدان في فتحها وكانت المدينة في الغالب صغيرة وهي حيث وجدت النواويس القديمة ومعظمها على أكمة هناك لا تمتد إلى الوادي.
حازت هذه المدينة مكانة كبرى لحصانتها ومناعتها أمام غارات سكان البادية فكانت مخزن القوافل النبطية لوقوعها على طريق على طريق البحر الأحمر أي القلزم ومصر وغزة ودمشق وتدمر.
وأول أمير نبطي ذكره التاريخ اسمه ارتياس الأول. وامتد سلطان النبط على عهد المكابيين الأولين إلى شرقي الأردن ولما ضعفت دولة البلاطة والسلوقيين عاد النبط فقوي سلطانهم بسرعة في القرن الثاني قبل الميلاد. وكانت حدود هذه الملكة على عهد ارتياس الثالث نحو سنة 85 تمتد إلى دمشق ولقب ملكها إذ ذاك عجب اليونان ويستدل على أن المدينة اليونانية كانت قد استحكمت أواصرها في أرض النبط من المصانع والنواويس التي عثرت عليها وهي تنم بأجلى بيان عن مدينة يونان وفي أيام هذا الملك حدث المصاف الأول بينه وبين الرومان فاضطر أرتياس أن يؤدي الجزية إليهم. واضطر النبطيون على عهد الإمبراطور بومبي وأخلافه أن يقدموا منهم الحين بعد الآخر جنوداً مساعدين للرومانيين ولكن ظلت مملكتهم حرة قوية وانضمت على عهد أرتياس الرابع إلى مملكة دمشق. وفي سنة 106 للميلاد جعلت بترا وأعمالها كلها أي العربية الصخرية ولاية رومانية وقد أنشأ الإمبراطور تراجان طريقا عظيما وصل فيه بين سورية والبحر الأحمر. وبعد ذلك انقسمت هذه الولاية.
وفي نحو 358 اصبحت بترا ولاية مستقلة برأسها تحت اسم مملكة فلسطين أو فلسطين المسالمة. وإن المصانع والعاديات الرومانية التي لم تبرح محفوظة إلى اليوم لتدل بأن بترا كانت على عهد الحكم الروماني قد بلغت شوطا عاليا من العظمة والارتقاء ولم تبدأ بالسقوط عن مكانتها إلا في نحو منتصف القرن الثالث للمسيح لارتقاء مملكة فارس ومملكة تدمر اللتين نازعتاها في التجارة بل لان الفرس وفقوا إلى تحويل التجارة عن مصارفها القديمة إلى أصقاع الفرات والخليج الفارسي.
ولما فتح العرب هذه البلاد كان قد محي اسم بترا أو كاد. وزعم الصليبيون لما جاؤوا سورية فاتحين أن جبل هارون على مقربة من بترا هو جبل طورسينا فأنشأوا فيها قصرا فخما في ذروته المقدسة ومنذ ذال العهد سقطت المدينة في تيه العدم إلى أن كان القرن التاسع عشر وقد اكتشف سياح الإفرنج ما فيها من العاديات وفيها 750 ناووسا مهما وهي أهم تلك المصانع ومن العاديات هنا ما يعد من أغرب ما صنع خزانة فرعون وهي هيكل علوّه 85 قدماً وأسفله دار مربعة قطرها 36 قدم وعلوها 25.
وقال مؤرخو الفرنجة أن معنى سلع في اللغة العبرانية صخر فدعا اليونان والرومان هذه البلاد بترا أي صخراً ودعاها العرب الحجر وقالوا أنها مدينة ثمود وأن الفرجة الصخرية الواقعة فيها المدينة هي صدع الصخرة الذي خرجت منه ناقة صالح. والحقيقة أن سلع بفتح السين وكسرها والجمع السلوع اسم عربي ومعناه الشقوق في الجبال قال أبو زياد الأسلاع طرق في الجبال يسمى الواحد منها سلعاً وهو أن يصعد الإنسان فقي الشعب وهو بين الجبلين يبلغ أعلى الوادي ثم يمضي فيسند في الجبل حتى يطلع فيشرف على واد آخر يفصل بينهما هذا المسند الذي سند فيه ثم ينحدر حينئذٍ في الوادي الآخر حتى يخرج من الجبل منحدرا في فضاء الأرض فذاك الرأس الذي أشرف من الواديين السلع ولا يعلوه إلا راجل.
قال ياقوت: وسلع حصن بوادي موسى بقرب بيت المقدس وبهذا لا يصح أن يطلع سلع على وادي موسى بأجمعه كما توهمك بعضهم. والحجر كما قال ياقوت. اسم ديار ثمود بوادي القرى بين المدينة والشام قال الاصطخري: الحجر قرية صغيرة قليلة السكان وهو بوادي القرى على يوم بين جبال وبها كانت منازل ثمود. قال تعالى (وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين) قال ورأيتها بيوتاً مثل بيوتنا في أضعاف جبال وتسمى تلك الجبال الأثالث وهي جبال إذا رآها الرائي ظنها متصلة فإذا توسطها رآها كل قطعة منها منفردة بنفسها يطوف بكل قطعة منها الطائف وحواليها الرمل لا يكاد يرتقي كل قطعة منها قائمة بنفسها لا يصعدها أحد إلا بمشقة شديدة وبها بئر ثمود التي قال الله فيها وفي الناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم قال جميل:
أقول لداعي الحب والحجر بيننا ... ووادي القرى لبيك لما دعانيا
فما أحدث النأي المفرق بيننا ... سلواً ولا أطول اجتماع تقاليا
أما بلاد موآب أو مآب فهي جزء من العربية السعيدة أو الصخرية بين بحيرة لوط فيما وراء عبر الأردن والبادية على ضفتي نهر أرنون وكانت عاصمة الموآبيين قلعة رباط موآب. والموآبيين هم أبناء لوط لا يعلم من تاريخهم إلا أنهم كانوا أولي بأس شديد يخاف اليهود عاديتهم لغزوهم إياهم الحين بعد الآخر واستولى الموآبيون على الإسرائيليين ثماني عشرة سنة (1332 ـــ 1314) على عهد حكومة القضاة وقد غلب شارول (جالوت) الموآبيين وخضعوا لسلطان داود مؤقتاً ثم استعبدهم الفرس فالمصريون فالسوريون فالاسكندر فالرومانيون وعلى عهد العرب امتزجوا بهم وفنوا فيهم كما فنيت شعوب كثيرة في الفاتحين مع الزمن وآثروا الانضمام إليهم بسائق الدين والمصلحة الدنيوية. أما مدينة الكرك فكانت هي عاصمة الموآبيين على ما يقول بعض الجغرافيين وكان اسمها كرك موآب.
وكان مقام الموآبيين جنوبي أرنون وامتدوا جنوبا إلى أدوم وهم من نسل لوط اتحدوا على إخوتهم بني عمون وطردوا الرفائيين وسكنوا مكانهم حاربهم شاول وانتصر بهم بحسب رواية التوراة وعند ملك موآب أودع داود ولديه من وجه شاول وقيل أن ملك موآب قتلهما فقتل داود منهم ثلاثين ألفا ووضع الباقين تحت الجزية وقد ساعدوا بخننصر في حصار أورشليم واسترجعوا بعد السبي أملاكهم القديمة.
وعدّ ياقوت بلاد مآب مدينة واحدة فقال وهي على طرف الشام من نواحي البلقاء قال أحمد بن محمد بن جابر توّجه أبو عبيدة بن الجراح في خلافة أبي بكر في سنة 13 بعد فتح بصرى بالشام إلى مآب من أرض البلقاء وبها جمع العدد فافتتحها على مثل صلح بصرى وقيل أن فتح مآب قبل فتح بصرى وينسب إليها الخمر قال حاتم طي:
سقى الله رب الناس سحاً وديمة ... جنوب الشراة من مآب إلى زغر
بلاد امريء لا يعرف الذم بيته ... له المشرب الصافي ولا يعرف الكدر
وقال عبد الله بن رواحة الأنصاريّ:
فلا وأبي مآب لنأتينها ... وإن كانت بها عرب وروم
ولم يقل ياقوت أن الكرك عاصمة بلاد مآب بل قال أنها قلعة حصينة جدا في طرف الشام من نواحي البلقاء في جبالها بين أيلة وبحر القلزم والبيت المقدس وهي على سن جبل عال تحيط به أودية إلا من جهة الربض.
وفي المرآة الوضية وإلى جنوبي نهر الزرقاء إلى نهر الموجب البلقاء وشماليها جبل الصلت وليس فيهما موضع مسكون إلا قرية الصلت ومن مواضعها القديمة جلعاد وعمون وهي الآن عمان وحشبون وهي الآن حسبان والعال ونبا وماعين وعراعر وديبان وفي جنوب هذه المقاطعة كانت قديما أرض بني عمون وإلى جنوبي النهر الموجب وهو نهر أرنون أيضا وإلى الإحساء أرض الكرك وهي أرض موآب أو أرض قوم لوط ومن قراها الكرك وهي كير موآب وربة هي رابة موآب وزعراء ويقال أنها صاغر التي هرب إليها لوط لما نجا من سادوم.
وقال ياقوت أن البلقاء كورة من أعمال دمشق بين الشام ووادي القرى قصبتها عمان وفيها قرى كثيرة ومزارع واسعة وبجودة حنطتها يضرب المثل ومن البلقاء قرية الجبارين التي أرادها الله تعالى بقوله: إن فيها قوما جبارين والبلقاء مدينة الشراة شراة الشام وهي أرض معروفة ونبس إليها عدد من الرواة والنسبة إليها بلقاوي. وقال أن الشراة صقع بالشام بين دمشق ومدينة الرسول ﷺ ومن بعض نواحيه القرية المعروفة بالحميمة التي كان يسكنها ولد علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب في أيام بني مروان ونبس إليها بعض الشراة والنسبة إليها شروي.
وذكر ياقوت أيضا أن عمان بلد في طرف الشام وكانت قصبة أرض البلقاء وروى عن أبي عبد الله محمد بن أحمد البشاري عمان على سيف البادية ذات قرى ومزارع ورستاقها البلقاء وهي معدن الحبوب والأنعام بها عدة أنهار وأرحية يديرها الماء ولها جامع ظريف في طرف السوق مسقف الصحن شبيه مكة وقصر جالوت على جبل يطل عليها وبها قبر أورياء النبي عليه السلام وعليه مسجد وملعب سليمان بن داود عليه السلام وهي رخيصة الأسعار كثيرة الفواكه غير أن أهلها جهال والطريق إليها صعبة قال الأحوض بن محمد الأنصاري:
أقول بعمان وهل طربي به ... إلى أهل سلع أن تشوقت نافع
أصاح ألم يحزنك ريح مريضة ... وبرق تلالا بالعقيقين لامع
وأن غريب الدار مما يشوقه ... نسيم الرياح والبروق اللوامع
وكيف اشتياق المرء يبكي صبابة ... إلى من نأى عن داره وهو طامع
وقد كنت أخشى والنوى مطمئنة ... بنا وبكم من علم ما الله صانع
أريد لأنسى ذكرها فيشوقني ... رفاق إلى أرض الحجاز رواجع
وقال الخطيم العكلي اللص يذكر عمان (بفتح العين)
أعوذ بربي أن أرى الشام بعدها ... وعمان ما غنى الحمام وغرد فذاك الذي استنكرت يا أم مالك ... فأصبحت منه شاحب اللون أسودا
وأن لماضي العزم لو تعلمينه ... وركاب أهوال يخاف بها الردى
ونسب إليها بعض الرواة والنسبة عماني.
هذا ما قاله صاحب معجم البلدان وفي كلامه على بلاد مآب والبلقان وأي المدائن كانت عاصمة تلك الكورة كلام لا يمكن للمرء أن يجزم بأن البلدة الفلانية كانت قاعدة البلاد والغالب أن الحكومة الإسلامية كانت تنتقل في هذه المدن فتارة في عمان وأخرى في الكرك والمفهوم من النصوص الآنفة الذكر أن تلك البلاد كانت قبيل الإسلام وبعده بقرون عامرة بالسكان وفيها قرى ومزارع كثيرة.
وتاريخ هذه البلاد مبعثر جدا قبل الإسلام وبعده وليس لدينا من النصوص التي من الممكن أن يستأنس بها إلا ما رواه ياقوت في معجمه من أسماء قرى كانت في وادي موسى وموآب والبلقاء قال: (مؤتة) قرية من قرى البلقاء في حدود الشام وقيل موتة من مشارف الشام وبها كانت تطبع السيوف وإليها تنسب المشرفية من السيوف قال ابن السكيت في تفسير قول كثير
إذا الناس ساموكم من الأمر خطة ... لها خطة فيها السهام الممثل
أبى الله للشم الأنوف كأنهم ... صوارم يجولها بمؤتة صيقل
قال المهلبي مآب وإذرح مدينتنا الشراة على اثني عشر ميلا من إذرح ضيعة تعرف بمؤتة بها قبر جعفر بن أبي طالب بعث النبي ﷺ إليها جيشاً في سنة ثمان وأمر عليهم زيد بن حارثة مولاه وقال أن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب الأمير وأن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة فساروا حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية من قرى البلقاء يقال لها مشارف ثم دنا العدوّ وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها موتة فالتقى الناس عندها فلقيتهم الروم في جمع عظيم فقاتل زيد حتى قتل فأخذ الراية جعفر فقاتل حتى قتل فأخذ الراية عبد الله بن روحة فكانت تلك حاله فاجتمع المسلمون إلى خالد بن الوليد فانحاز بهم حتى قدم المدينة فجعل الصبيان يحثون عليهم التراب ويقولون يا فرار فررتم في سبيل الله فقال النبي ﷺ: ليسوا بفرار لكنهم الكرار إن شاء الله وقال حسان بن ثابت: فلا يعدن الله قتلى تتابعوا ... بموته منهم ذو الجناحين جعفر
وزيد وعبد الله هم خير عصبة ... تواصوا وأسباب المنية تنظر
وقال: (الموجب) بلد بالشام بين المقدس والبلقاء
وقال: في (أبنى) بالضم ثم السكون وفتح النون والقصر بوزن حبلى موضع الشام من جهة البلقاء جاء ذكره في قول النبي ﷺ لأسامة بن زيد حيث أمره بالمسير إلى الشام وشهر الغارة على أبنى وفي كتاب نصر أبنى قرية بمؤتة.
وقال: (اذرح) أهم بلد في أطراف الشام من أعمال الشراة ثم من نواحي البلقاء وعمان مجاورة لأرض الحجاز. وبين اذرح والجرباء ثلاثة أيام وقيل ميل واحد (والثاني أصحّ) وأقل لأن الواقف في هذه ينظر هذه (والجرباء) موضع من أعمال معان بالبلقاء من أرض الشام قرب جبل الشراة من ناحية الحجاز وهي قرية من اذرح وبينهما كان أمر الحكمين بين عمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري.
وقال: (زيزاء) من قرى البلقاء كبيرة يطوءها الحاج ويقام بها لهم سوق وفيها بركة عظيمة واصلة في اللغة المكان المرتفع ولذلك قال ذو الرمة:
تحدر عن زيزائه القف وارتقى ... عن الرمل وانقادت إليه الموارد
وقال مليح:
تذكرت ليلى يوم أصبحت قافلا ... بزيزاء والذكرى تشوق وتشغف
غداة ترد الدمع عين مريضة ... بليلى وتارات تفيض وتذرف
ومن دون ذكراها التي مطرت لنا ... بشرقي عمان الشرى والمعرف
وأعملت من طود الحجاز جنوده ... إلى الغور ما اجتاز الفقير ولفلف
وقال: (السواد) نواحي قرب البلقاء وسميت بذلك لسواد حجارتها فيما احسب
وقال: (شتار) نقب شتار بكسر الشين نقب من جبل من جبال الشراة بين أرض البلقاء والمدينة على شرقي طريق الحاج يفضي إلى أرض واسعة معشبة يشرف عليها جبال فاران وهي في قبلي الكرك.
وقال: (صرفة) قرية من نواحي مآب قرب البلقاء يقال بها فبر يوشع بن نون.
وقال: (الصمان) من نواحي الشام بظاهر البلقاء قال حسان بن ثابت: لمن الدار أقفرت بمعان ... بين شاطي اليرموك فالصمان
فالقريات من بلاس فدا ... ريا فسكاء فالقصور الدواني
وقال: (علعال) جبل بالشام مشرف على البثينة بين الغور وجبال الشراة.
وقال: (طفيل) تصغير طفل وادي طفيل بين تهامة واليمن عن نصر وبوادي موسى قرب البيت المقدس قلعة يقال لها طفيل عرندل قرية من أرض الشراة من الشام فتحت في أيام عمر بن الخطاب بعد اليرموك.
وقال: (جادية) قرية من عمل البلقاء من أرض الشام عن أبي سعيد الضرير وإليها ينسب الجادي وهو الزعفران قال: ويشرق جادي بهن مديف. أي مدوف.
وقال: (جبال) من قرى وادي موسى من جبال الشراة قرب الكرك بالشام منها يوسف بن إبراهيم بن مرزوق بن حمدان أبو يعقوب الصهيبي الحبالي والحافظ أبو القاسم.
وقال: (الرّبة) بلفظ واحدة الرباب عين الربة قرية في طرف الغور بين أرض الأردن والبلقاء.
وقال: (زغر) قرية بمشارف الشام وإياها عنى أبو دؤاد الايادي حيث قال:
ككتابة الزغري زي ... نها من الذهب الدلامص
قال وقيل زغر سام بنت لوط عليه السلام نزلت بهذه القرية فسميت باسمها وقال حاتم الطائيّ:
سقى الله رب الناس سحا وديمة ... جنوب الشراة من مآب إلى زغر
بلاد امرئ لا يعرف الذم بيته ... له المشرب الصافي ولا يطعم الكدر
وقال: (المشارف) جمع مشرف قرى قرب حوران منها بصرى من الشام ثم من دمشق إليها تنسب السيوف المشرفية رد إلى واحده ثم نسب إليه. وفي مغازي ابن إسحاق في حديث موته ثم مضى الناس حتى إذا كانوا في تخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية من قرى البلقاء يقال لها المشارف.
وقال: (معان) بالفتح وآخره نون والمحدثون يقولون بالضم وإياه عنى أهل اللغة منهم الحسن بن علي بن عيسى أبو عبيد المعني الأزدي المعاني من أهل معان البلقاء والمعان المنزل يقال الكوفة معاني أي منزلي قال الأزهري: وميمه ميم مفعل وهي مدينة في طرف بادية الشام تلقاء الحجاز من نواحي البلقاء وكان النبي ﷺ بعث جيشاً إلى موتة فيه زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة فساروا حتى بلغوا معان فأقاموا بها وأرادوا أن يكتبوا إلى النبي ﷺ عمن تجمع من الجيوش وقيل قد اجتمع من الروم والعرب نحو مائتي ألف فنهاهم عبد الله بن رواحة وقال إنما هي الشهادة أو الظعن ثم قال:
جلبنا الخيل من أجاءٍ وفرع ... تغر من الحشيش لها العكوم
حذوناهم من الصوان سبتاً ... أزل كأن صفحته أديم
أقامت ليلتين من معان ... فأعقب بعد فترتها جموم
فرحنا والجياد مومسات ... تنفس من مناخرها السموم
فلا وأبي مآب لأتينها ... وإن كانت بها عرب وروم
فعبأنا أعنتها فجاءت ... عوابس والغبار لها بريم
بذي لجب كأن البيض فيها ... إذا برزت قوانسها النجوم
وروى يا قوت عن أبي محمد الأعرابي في قول الزاجر:
يا عمرو قارب بينها تقرب ... وارفع لها صوت قوي صلب
واعص عليها بالقطيع تغضب ... ألا ترى ما حال دون المقرب
من نعف فلا فدباب المعتب
قال_فلا_من دون الشام والمعتب واد من مآب بالشام ومآب كورة من كور الشام ودباب ثنايا يأخذها الطريق.
وقال: (تنهج) اسم قرية فيها حصن من مشارف البلقاء من أرض دمشق سكنها شاعر يقال له خالد بن عباد ويعرف بابن أبي سفيان ذكره الحافظ أبو القاسم.
وقال: (التيه) الموضع الذي صل فيه موسى بن عمران عليه السلام وقومه وهي أرض بين أيلة ومصر وبحر القلزم وجبال الشراة من ارض الشام يقال أنها أربعون فرسخاً في مثلها وقيل اثنا عشر فرسخاً في ثمانية فراسخ وإياه أراد المتنبي بقوله:
ضربت بها التيه ضرب القما ... ر أما لهذا وإما لذا
وقال: (الحميمة) بلد من أرض الشراة من أعمال عمان في أطراف الشام كان منزل بني العباس.
وقال: (نقنس) بكسر أوله وثانيه ونونه مشددة من قرى البلقاء من أرض الشام كانت لأبي سفيان بن حرب أيام كان يتجر إلى الشام ثم كانت لولده وبعده.
وقال: (النقيب) بالضم وهو تصغير نقب وهو معروف موضع في بلادهم بالشام بين تبوك ومعان على طريق حاج الشام.
وقال: (وسادة) موضع في طريق المدينة من الشام آخر جبال حوران ما بين يرفع وقراقر.
وقال: (الوعيرة) كأنه تصغير الوعرة حصن من جبال الشراة قرب وادي موسى. هذا ما تيسر تلقفه من معجم البلدان وليس من أسماء هذه البلاد شيءٌ يعرف الآن فيما نحسب إلا قرية أو قريتان مثل عمان ومعان وما عدا ذلك فقد دثر وأصبح خراباً يباباً تدل آثاره عليه وقد بدأ الخراب الحقيقي في هذه البلاد على عهد الصليبيين وكان أشهر حصونها الكرك والشوبك فقد أخذ بغودين من ملوك الصليبيين الشوبك وعمره في سنة تسع وخمسمائة وكان قد خرب من تقادم السنين والشوبك هي في رواية مسريقة وقال القرماني: شوبك بلدة صغيرة كثيرة البساتين من أعمال الشام غالب أهلها نصارى وهي شرقي الغور على طرف الشام من جهة الحجاز وينبع من تحت قلعتها عينان وقلعتها على تل مرتفع مطل على الغور.
وفي الأنس الجليل أن السلطان صلاح الدين لما كان في بلاد أنطاكية ولم يزل الحصار على الكرك وكان أخوه الملك العادل عين معه على حفظ البلاد وكان صهره سعد الدين كمشه بالكرك موكلاً بحصاره فراسل الإفرنج الملك العادل في الأمان فامتنع ثم صالحهم وسلموا الحصن. ولم يكن للكر ك شأن كبير قبيل الحروب الصليبية ثم غدت عاصمة مملكة يعرف صاحبها بملك الكرك أو صاحب الكرك على عهد صلاح الدين ومن بعده عهد الجراكسة والغالب أن موقعها الحربي المهم وتوسطها تقريباً بين مصر والشام وكان إذ ذاك حكومتهما واحدة هيأ لها ذلك.
قال القرماني: كرك بليدة مشهورة وبها حصن عال على قلعة جبل يقال أنه كان دير الروم وجعله المسلمون حصناً فيها قبر جعفر الطيار وأصحابه وفي أسفله وادٍ في حمام وبساتين كثيرة وكان من دأب ملوك الترك والجراكسة كلما خلعوا سلطاناً أرسلوه إلى الكرك.
أما الكرك أو قلعتها فهي كانت وما زالت من أعظم حصون سورية ولذلكم احتلها الصليبيون وحرص صلاح الدين وأسرته أن يسترجعوها منهم لأنها مفتاح القطرين بل القطر المصري والشامي والحجازي ولذلك تجد ذكرها يتردد كثيراً في التاريخ منذ استولى على الإفرنج إلى أن انقضت دولة الجراكسة في مصر والشام على يد السلطان سليم العثماني سنة 922 هـ.
ولطالما كانت الكرك موعداً للقاء وميداناً لإرهاق الدماء وتكافح الناس في جوارها على امتلاكها كفاحاً وأي كفاح بيعت فيه إلى الأرواح والأشباح بيع السماح وهاك الآن مثالاً من صحف التاريخ المنسية تعتبر بها وتزدجر.
قال أبو الفدا في حوادث سنة ثمان وستين وخمسمائة وفيها سار صلاح الدين من مصر إلى الكرك وحصرها وكان قد واعد نور الدين أن يجتمعا على الكرك وسار نور الدين من دمشق إلى أن وصل إلى الرقيم وهو بالقرب من الكرك. والرقيم هو كما قال ياقوت أيضاً بقرب البلقاء من أطراف الشام عنها كثيراً بقوله وكان يزيد بن عبد الملك ينزله وقد ذكره الشعراء:
أمير المؤمنين إليك نهوي ... على البخت الصلادم والعجوم
إذا اتخذت وجوه القوم نصباً ... أجيج الواهجات من السموم
فكم غادرن دونك من جهيض ... ومن نعل طرحة جذيم
يزرن على تنائيه يزيداً ... بأكناف الموقر والرقيم
تهنئة الوفود إذا أتوه ... بنصر الله والملك العظيم
والموقر حصن بالبلقاء قال فيه ياقوت أنه اسم موضع بنواحي البلقاء من نواحي دمشق وكان يزيد بن عبد الملك ينزله قال جرير:
ما شاعت قريش للفرزدق خزية ... وتلك الوفود الناديون الموقرا
عشية لاقى القين قين مجاشع ... هزيراً أبا شبلين في الفيل قسوراً
وقال كثير:
سقى الله حياً بالموقر دارهم ... إلى قسطل البلقاء ذات المحارب
وقد نشأ من الموقر جملة من المحدثين والنسبة إليها موقري وصرح الشاعر بأن الموقر من أرض الشام فقال:
أذنت علي اليوم إذ قلت أنني ... أحب من أهل الشام أهل الموقر
بها ليل شم عصمة الناس كلهم ... إذا الناس جالوا جولة المتحير
وقال كثير عزة:
أقول إذا الحيان كعب وعامر ... تلاقوا ولقتنا هناك المناسك
جزى الله حياً بالموقر نضرة ... وجادت عليه الرائحات الهواتك
يكل حثيث الوبل زهر غمامه ... له درر بالقسطلين مواشك
وفي حوادث سنة ثمان وسبعين وخمسمائة أن البرنس صاحب الكرك عمل أسطولاً في بحر أيلة (وهي مدينة على ساحل بحر القلزم أو الأحمر مما يلي الشام) وساروا في البحر فرقتين فرقة أقامت على حصن ايلة يحصرونه وفقة نحو عيذاب يفسدون في السواحل ويفنون المسلمين في تلك النواحي فإنهم لم يعهدوا بهذا البحر فرنجاً قط فعمر الملك العادل أبو بكر أيوب أسطولاً في بحر عيذاب وأرسله مع حسام الدين الحاجب لؤلؤ وهو متولي الأسطول بديار مصر فأوقع الذين يحاصرون أيلة فقتلهم وأسرهم ثم سار في طلب الفرقة الثانية وكانوا قد عزموا على الدخول إلى الحجاز ومكة والمدينة وسار لؤلؤ يقفوا أثرهم فبلغ رابغ فأدركهم بساحل الحورا وتقاتلوا أشد قتال فظفر بهم وقتل أكثرهم وأخذ الباقين أسرى وأرسل بعضهم إلى منى لينحروا بها وعاد بالباقين إلى مصر فقتلوا عن آخرهم.
وفي السنة التالية سار السلطان صلاح الدين من دمشق للغزوة وكتب إلى مصر فسارت عساكرها إليه ونازل الكرك وحصره وضيق على من به ملك ربض الكرك وبقيت القلعة وليس بينها وبين الربض غير خندق خشب وقصد السلطان صلاح الدين طمه فلم يقدر لكثرة المقاتلة فجمعت الفرنج فارسها وراجلها فقصدوه فلم يكن للسلطان إلا الرحيل فرحل عن الكرك وسار إليهم فأقام في أماكن وعرة وأقام السلطان قبالتهم وسار من الفرنج جماعة ودخلوا الكرك فعلم بامتناعه عليه فرحل عنه.
وبعد وقعة حطين كان السلطان صلاح الدين بعد أن سار إلى البلاد الشمالية قد جعل على الكرك وغيرها من يحصرها وخلى أخاه الملك العادل في تلك الجهات يباشر ذلك فأرسل أهل الكرك يطلبون الأمان فأمر الملك العادل المباشرين بحصارها بتسلمها فتسلموا الكرك والشوبك وما بتلك الجهات من البلاد.
قال ياقوت في الشوبك إنها قلعة حصينة في أطراف الشام بين عمان وإيلة والقلزم قرب الكرك وذكر يحيى بن علي التنوخي في تاريخه أن يقدور الذي ملك الفرس سار في سنة 905 إلى بلاد ربيعة من طيء وهي باق والشراة والبلقاء والجبال ووادي موسى ونزل على حصن قديم خراب يعرف بالشوبك بقرب وادي موسى فعمره ورتب فيه رجاله وبطل السفر من مصر إلى الشام بطريق البرية مع العرب بعمارة هذا الحصن. وبعد وفاة صلاح الدين ظلت الكرك والشوبك والبلاد الشرقية بيد الملك العادل سيف الدين أبو بكر ابن أيوب.
تقدم أن حصن الشوبك كان من جلة الحصون التي يتنافس فيها الفاتحون في هذه الديار وهو على 19 ساعة من الكرك يؤيد ذلك ما رواه أبو الفدا في حوادث سنة 625 هـ من أن الملك الكامل صاحب مصر أرسل بطلب ابن أخيه الملك الناصر داود ابن الملك المعظم صاحب دمشق حصن الشوبك فلم يعطه إياه ولا أجابه إليه فسار الملك الكامل من مصر إلى الشام بقصد استخلاص الشوبك وغيره.
وفي حوادث سنة 629 إن الملك الكامل سار من دمشق إلى الشوبك واحتفل له الملك الناصر داود بن المعظم عيسى بن الملك العادل أبي بكر ابن أيوب احتفالاً عظيماً بالضيافات والإقامات والتقادم وحصل بينهما الاتحاد العام وكان نزول الملك الكامل باللجون قرب الكرك وهي منزلة الحجاج. وفي سنة 633 فترت العلائق بين الملك الناصر داود صاحب الكرك وبين عمه الملك الكامل صاحب مصر فسار الأول إلى بغداد ملتجئاً إلى الخليفة المستنصر لما حصل عنده من الخوف فأصلح الخليفة بينهما وعاد الناصر إلى الكرك وفي سنة 635 جرى بين الملك الناصر داود صاحب الكرك وبين الملك الجواد يونس المتولي على دمشق مصاف بين جنين ونابلس انتصر فيه الملك الجواد يونس وانهزم الملك الناصر هزيمة قبيحة ونهب عسكره وأثقاله وللناصر هذا وقائع مع أسرته وغيرهم ولكن بني أيوب ومن بعدهم على تنافسهم في الملك كانوا يداً واحدة على أعدائهم الصليبيين حين الحاجة لأن هؤلاء لم تكن انقطعت شأفتهم كلها من بلاد الشام.
وفي سنة 644 سار الأمير فخر الدين يوسف ابن الشيخ من قبل الملك الصالح إلى حرب الملك الناصر داود صاحب الكرك فاستولى على جميع بلاد الملك الناصر وولي عليها وسار إلى الكرك وحاصرها وخرب ضياعها وضعف الملك الناصر ضعفاً بالغاً ولم يبق بيده غير الكرك وحدها.
وفي سنة 647 استولى لملك الصالح أيوب صاحب الديار المصرية على الكرك وفي السنة التالية ملك القلعتين الكرك والشوبك الملك المغيث فتح الدين وكان اعتقله الملك المعظم تورانشاه في الشوبك فلما قتل هذا بادر النائب عليهما وهو بدر الدين الصوابي الصالحي فأفرج عن الملك المغيث وملك الحصنين وفي سنة 656 انضمت البحرية إلى المغيث صاحب الكرك والتتر مع عسكر مصر في غزة فكانت الكسرة على المغيث ومن معه فولى منهزماً إلى الكرك في أسوء حال ونهبت أثقاله ودهليزه. وفي سنة 657 حاصر الملك الناصر يوسف صاحب دمشق والملك المنصور صاحب حماة الملك المغيث صاحب الكرك بسبب حمايته البحرية وأقاموا على بركة زيزاء (التي يحرفها العامة بجيزة اليوم) ما يزيد على شهرين وفي سنة 660 قتل الملك المغيث صاحب الكرك قتله الملك الظاهر بيبرس صاحب مصر لأنه كتب أجوبة على مكاتبات من التتر إلى الملك المغيث في أطماعهم في ملك مصر والشام ورتب الظاهر أمور الكرك وعاد إلى مصر.
وفي سنة 680 استقر الصلح بين السلطان الملك المنصور قلاوون وبين الملك خضر ابن الملك الظاهر بيبرس صاحب الكرك. وفي سنة 708 سار الملك الناصر محمد بن قلاوون من الديار المصرية متوجهاً إلى الحجاز فسار إلى الكرك وكان النائب بها جمال الدين أقوش الأشرفي فعمل سماطاً واحتفل بع وعبر السلطان إلى المدينة ثم إلى القلعة ولما عبر السلطان على الجسر إلى القلعة والأمراء ماشون بين يديه والمماليك حول فرسه وخلفه سقط بهم جسر قلعة الكرك وقد حصلت يد فرس السلطان وهو راكبه داخل عتبة الباب فلما أحس الفرس بسقوط الجسر أسرع حتى كاد أن يدوس الأمراء الماشين بين يدزيه وسقط من مماليك السلطان خمسة وثلاثون إلى الخندق وسقط غيرهم من أهل الكرك ولم يهلك من المماليك غير شخص واحد لم يكن من الخواص ونزل في الوقت السلطان عند الباب وأحضر الجنوبات والحبال ورفع الذين وقعوا عن آخرهم وأمر بمداواتهم وعادوا إلى ما كانوا عليه وكان ارتفاع الجسر الذي سقطوا منه إلى الخندق يقارب خمسين ذراعاً.
ولما تولى الملك الناصر أحمد بن الملك الناصر بن محمد بن قلاوون في الكرك أقام فيها أياماً في لهو ولعب فأنكروا عليه أموراً لا تليق بالسلطنة فاتفق أهل الشام على خلعه وأرسلوا إلى المصريين في ذلك فأجابوهم وسلطنوا أخاه الصالح إسماعيل ووردت المراسيم إلى جميع ولايات الأعمال الشامية بتجريد العشرات وغيرهم إلى الكرك وعينوا على معاملتي صيداء وبيروت خمسماءة راجل فذهبوا إليها سنة 743 ووجدوا في القلعة ومع السلطان أحمد خلقاً كثيراً وقد نصبوا على القلعة في أعلاها خمسة مجانيق ومدافع كثيرة وكان الكركيون يظهرون من باب القلعة ويقاتلون أحياناً كثيرة وكان الحصار والزحف مستمراً ونصب المحاصرن على القلعة منجنيقاً يرمي بحجارة وزنها خمسة وثلاثون رطلاً.
وكان يحكى عن السلطان أحمد أنه كان شاباً حسن الشكل عبل البدن وكان يلبس ملبوس العرب ووسع أكمامه على زي الكركيين وكان يظهر لهم أنه لبس هذا الزي محبة فيهم.
وكان يجلس كل يوم بين شراريف القلعة ويرمي سبعة سهام صيغت لها نصولها من فضة موشاة بذهب كانت تدل على قوة قوسه وكان إذا أراد أن يرمي السهم رفع يده التي فيها القوس فيسقط كمه من سعته إلى كتفه حتى يبان شعر إبطه وكان غليظ الذراع أبيض اللون ورأوا له سهماً في حصار الكرك وقد نقش عليه هذان البيتان:
ومن جودنا نرمي العداة بأسهم ... من الذهب الإبريز صيغت نصولها
يداوي بها المجروح منها جراحه ... ويشري بها الأكفان منها قتيلها
وهما للأمين بن هرون الرشيد وكان لما حضره عبد الله بن طاهر في بغداد بعساكر أخيه المأمون صنع نصول النشاب من خالص الذهب ونقش عليها هذين البيتين.
ولما دخلت سنة أربع وأربعين ضعفت حالة السلطان أحمد والكركيين وكان زرعهم قد رعي رعاه التركمان والعربان وكان أكثر دورابهم قد نهبت وانقطع عنهم الجلب وحالهم في ضعف وأخذت قلعة الكرك سنة خمس وأربعين وسبعمائة وأخذ سلطانها وقتل وذلك بعد أن تجمعت عساكر الشام على حصارها زهاء سنتين.
وبعد فليس في التاريخ ولاسيما من بعد دخول الدولة العلية إلى هذه البلاد شيءٌ ينقل ليفيد في حالة بلاد الكرك اللهم ما كان من انتقاض أهالي هذه البلاد على إبراهيم باشا المصري لما فتحها أيام دخوله إلى سورية في أوائل القرن الماضي ونظم إدارتها وجعل لها حامية من جنده فلم يمض إلا قليل حتى تمرد السكان وقاموا فذبحوا الحامية والموظفين عن بكرة أبيهم حتى أنهم قتلوا كتيبة من جنده كانت آيبة إلى مصر فضللوها في الطريق وأهلكوها إلا قليلاً كما ارتكبوا مثل هذا المنكر هذه المرة ولم يفلحوا.
ويؤخذ بالقرينة أن معظم البلاد أصبحت بادية بعد هذه الوقعة لغلبة الجهل واختلال الإدارة وظلم العمال وكذلك حال القرى يعرف ذلك كل من طاف في أقضية اللواء الأربعة فإنه يشاهد خرباً ومياهاً سائبة فقد كان في قضاء الصلت وارض بني صخر وأرض بني صخر نحو ثلثمائة قرية وعدة مدن عامرة وليس فيها اليوم سوى خمس عشرة قرية عامرة بعض الشيء.
وبعض الخرب في اللواء بيد العرب المزارعين وبعضها شاغرة ملك للحكومة. وبدو الكرك كثيرون فمنهم في قضاء الصلت الدعجة والأيديات وأبي نعيم والشوايكة والأبووندي والعجارمة والميطرون والحرافيش وأراسفة والمشالخة والفاعور والربيع وبنو صخر وهم يقسمون إلى الزبن والهكيش والحفير والقبعين والفايز ومجموع بيوتهم نحو 4500 بيت وأشهرها بنو صخر وهي 700 بيت والعدوان وهي 500 والعباد 800 والأرض التي تنزلها هذه القبائل شرقي نهر الشريعة وغربي البادية وشمالاً وادي الوالا ووادي الثمد وجنوباً ماء الزرقاء والحدود الفاصلة بين عجلون والصلت وسكان القضاء كله نحو أربعين ألفاً وهو أعمر أقضية الكرك.
وفي قضاء الطفيلة نحو عشرين ألفاً من النفوس وهذه أسماء عشائرهم: الحميدات وهي أعظمها مؤلفة من خمسمائة بيت وعبيدين ثقرب نفوسها من الحميدات والبحارات مثلها أيضاً والكلالدة والوهيبات والهلالات وعشيرة المناعين وهي رحالة تقضي أكثر أيامها في الجوف بالقرب من نجد وتنزل القضاء بعد اشهر بين محطة الجروف ومدينة الطفيلة وفي هذه المدينة 12 ألفاً من السكان الحضر.
وفي قضاء معان عشائر وأفخاذ وأهمها الحويطات ومنها الدمانية وأبوتاية والمطالقة ومنها البدول والشوبك والنعيمات والدبابات والعمامرة والمراعية والدرواشة والعطون والزوايدة والطقاطقة والعمارين والرشايدة والسعيديين والراجفة. وفي قضاء معان أيضاً ينزل بنو عطية وهم يقسمون سبعة أقسام منهم المزايدة والخضرة والشبوت والهرامسة ومنازلهم من المدورة إلى تبوك.
أما عشائر قضاء الكرك فكثيرة وهي أغوات. اللصايمة. بنو حميدة. بياضة. جلامدة. حباشنة. خرشة. خنزيرة. دنيبات. كفاوين. ضمور. حجايا. سليط. شمايلة. صرايرة. صعوب. طراونة. العمرو. عراق. عكشة وحجازين. غور الصافي. غور المزرعة. فقرا. قطاونة. قضاء. كثر ربة. معايطة. مجالي. مبيضين. مصاروة. مدانات. بقاعين. نوايسة. نعيمات. هلسة.
هذه فرق عشائر الكرك وأهمها وأكثرها عدداً بنو حميدة. سليط. حجايا حباشنة. ضمور. صرايرة. طراونة. كثرربة. معايطة. وتقسم عشيرة بني حميدة إلى ثلاث فرق (حمولات) وهي أبو بريز وابن طريف وأبو ربيحة. وينقسم ابو بريز إلى فرقتين وهما الفواصلة والتوايهة. وكل منها يقسم إلى أربع جماعات لكل جماعة شيخ. وتنقسم عشيرة ابن طريف إلى ست فرق وهي ابن طريف. رواحلنة. الحيصة. الضرابعة. الشخامية. شقور وحمادين. بصيرة وتنقسم عغشيرة أبي ربيحة إلى اربع فرق. وهي الشراونة وحواتمة. هواوشة. اللوانسي. قواسمة. وتنقسم عشيرة سليط إلى فرقتين بحارات ورجيلات. وتتألف عشيرة الحباشنة من العرود والجعافرة. وتتألف الضمور من محمود وسحميات والطراونة من عيال جبرين وعيال جبران. ومجامعة وعيال عودة.
أما كثرربة فهي قرية يسكنها فرقتان وهما القراللة والرماضنة. ويتألف القراللة من زعيسلات سالم وزعيلات سعيد وسلامات ومهاينة ومخاترة. ويتألف الرماضنة من الرواشدة والخثاتنة وشواورة وكساسبة ومطارنة وجوازنة. وتتألف عشيرة المعايطة من فرقة ساهر ويوسف. ويتألف النعيمات من العبادلة والجعافرة والأحامدة ويتألف الحجايا من محموديين وهدايات وهؤلاء الحجايا لا يزرعون ولا يفلحون بل هم بادية.
والعشائر التي لها شأن عند الحكومة هي. المجالي. طراونة. ضمور. معايطة. صرايرة. مدانات. هلسة. أما العشائر التي لها نفوذ على العشائر نفسها فهي المجالي. سليط. حجايا. طراونة. بنو حميدة.
هذه اسماء العشائر وفرقها ومكانتها أما أماكن نزولها فإن فرق أبي ربيحة. أبي بريز. شخامية. الحيصة. الرواحنة من عشيرة بني حميدة وسليط وكعابنة والفقراء كلهم ينزلون تحت الخيام في ناحية ديبان من أعمال مركز اللواء. وحدود بيان هذه من القبلة نهو الموجب ومن الشمال اللب ومن الغرب بحر لوط ومن الشرق أم الرصاص في بقعة من الأرض سهلية جبلية يبلغ عرضها أربع ساعات وطولها سبع ساعات. ولا تجد شرقي أم الرصاص أرضاً تزرع ومركز ناحية ديبان وادي الوالا وهو على أحد عشرة ساعة عن مركز اللواء.
إليك على جملة أسماء العشائر المزارعة وهي معدودة بادية رحالة في هذا اللواء والحكومة تستوفي منها إلى اليوم عشراً مقطوعاً وخراجاً مقطوعاً وودياً (تعداد الجمال وتعداد الغنم) مقطوعاً أي أنها تفرض على كل حمولة أو عشيرة قدراً من المال وتطالب به من وجدتهم منهم فيكون بذلك مجال لظلم الضعاف من هذه القبائل يرهقهم مشايخهم منزله وقد يأخذونه بجريرة جاره أو أخيه فإن بعض أولئك البدو قد يهربون في بعض سني المحل أو لغرض آخر فلا يلبث عمال الدولة أن يستوفوا من أبناء تلك القبيلة ما هو في ذمة الهاربين وكثيراً ما تقاضت الحكومة من واحد يفرض على خمسة من عشيرته.
مثال ذلك أن العمامرة من الحويطات كانوا أغنياء على عهد تأسيس اللواء أي منذ سبع عشرة سنة فلم تمض بضع سنين حتى أصبحوا أفقر الفقراء يتلك القاعدة السخيفة في الإدارة وتفرقوا تحت كل كوكب ومنهم من انقلب إلى حسمه وغزة أو أوغل في البادية إلى نجد والشرق.
نعم إن الحكومة حتى الآن لم تعمل لعمران اللواء من شأنه رفع الحيف وكشف الظلامات لتعمر البلاد بل على العكس أتت ما خرب به عمرانها وابذعرّ سكانها فبدلاً من أن ترسل لهم واعظاً يعلمونهم بلغتهم بعثوا إليهم في الدور البائد تسعة من الأتراك تحت اسم وعاظ لا يعلمون العربية فاشتغلوا سنين بالتجسس وبث المفاسد وبهذا تأصلت النفرة في قلوب القوم بدلاً من تأليف شاردهم وساعد على ذلك في الأكثر انحطاط طبقة اكثر الموظفين الذين يعينون في أمور الإدارة وبذلك زاد الأهلون مراناًَ على الاحتيال تخلصاً بزعمهم من فساد الحال وركنوا إلى شيخوهم على ظلم فيهم أكثر من حكومتهم التي تريد الخير بهم على الجملة وإن كانت لم تهتد إلى الطريق حتى الآن في اختيار الجياد من العمال.
كان الرجاء معقوداً بتأسيس حكومة الكرك أن تغدو عمالتها كلها بعد هذينم العقدين من السنين جنة لما خصتها به الفطرة من المواهب وتنقلب تلك الخيام السوداء كما قال أحد العرافين دوراً قوراء فأصبحت بسوء الإدارة بيوت ارزاء ولأواء.
كاد أولئك البادية يضعون ثقتهم بالحكومة يوم تولى أمرهم إداري يقيم نصاب العدل ويرفع عن عاتقهم عدوان زعمائهم الجاهلين ولكن جرى الأمر على عكس ذلك فأخذ السكان يستضعفون حكومتهم خصوصاً بعد أن قاموا منذ زهاء سنتين وهجموا على دار الحكومة وكان بلغهم أنها تريد إحصاء نفوسهم والحقيقة أنها كانت في صدد انتخاب نائب منهم يمثلهم في مجلس الأمة. ولو أحسن متصرفهم إذ ذاك التصرف صحت عزيمة الحكومة على إنزال العقوبة الشديدة بمن شقوا عصا الطاعة لما حدث اليوم أحدث فخرب العامر والغامر وتضرر الحاكم والمحكوم عليه.
فإن يوماً في فتنة يخرب ما لا يعمر في سنين. وعدل ساعة يحيي الأرض أكثر من كل قوة في غير محلها. فوا أسفاه لبلاد مثل هذه تؤوي الملايين من البشر يعيشون من تربتها سعداء وهي اليوم لا ينولها سوى ألوف لا يستفيدون منها ولا يفيدون وها قد زادت اليوم فوق خرابها خراباً. وكانت بالأمس مملكة ذات منعة وهي الآن بما تحيفها من الدمار عبرة لمن اعتبر فسبحان من يشقي ويسعد ويغني ويفقر.