مجلة المقتبس/العدد 50/مصطلحات آلات الطرب وأغاني العرب
مجلة المقتبس/العدد 50/مصطلحات آلات الطرب وأغاني العرب
كل من طالع كتاب الأغاني وبعض كتب الأدب القديمة التي تذكر بالغناء وأنواعه وآلات الطرب وملاهيه يقع على ألفاظ علمية اصطلاحية إذ نقر عنها في دواوينه اللغة ومعاجمها المطولة لا يرجع عنها إلا ما رجع بها حنين. ولقد حاول المستشرقون غير مرة البحث عنها في الكتب الأدبية التي ألفت في الصدور في الصدر الأول من زهو اللغة فلم يعثروا على ضالتهم كما لم يعثر عليها أدباء الشرق وعلماؤه. وقد وفق العاجز في هذه الآونة إلى وجود الضالة نبهاً في كتاب مخطوط كنت قد وصفته في المقتبس 28242_386 وعنوان البحث في كتابنا المذكور هو: العود ومصطلحاته وها نحن أولاء ننقل إلى الأدباء قراء المقتبس الأغر ما جاء من البحث تعميماً للفائدة ونتشاً لشوكة الجهل الناشبة في أذهاننا من هذا القبيل. قال صاحب الكتاب: العود ومصطلحاته في الصفحة 221 من المخطوط وما يليها:
كثيراً ما كنت أطالع في كتاب الأغاني ألفاظاً في مصطلح الغناء وما كنت أتوصل إلى فهمها حتى ظفرت أخيراً برسالة لعبد القادر بن غيبي الحافظ المراغي المشهور بعلم الألحان فأخذت عنه ما يتعلق بفتح مغلق الكلام الخاص بهذا العلم فأقول:
اعلم أن الألفاظ الواردة في كتاب الأغاني تتعلق كلها بالعود العربي فإذا علمت أن تركيب هذه الآلة هان عليك فهم ما أشكل عليك من مصطلحها فهذه الآلة طولها مثل عرضها مرة ونصفاً وغورها كنصف عرضها وعنقها كربع طولها في الراحة وثخن الورقة من خشب خفيف ووجهاً أصلب وتمد عليه أربعة أوتار أغلظها البم بحيث يكون غلظه مثل المثلث الذي يليه مرة وثلثاً. والمثلث إلى المثنى كذلك. والمثلث مثل الزير كذلك وقد ضبطوها بطاقات الحرير فقالوا:
يجب أن يكون البم أربعاً وستين طاقةً. والمثلث ثمانية وأربعين والمثنى ستاً وثلاثين. والزير سبعة وعشرين. ويجعل رؤوسها من جهة العنق في ملاوٍ والأخرى كمشط فتتساوى أطوالها. ثم يقسم الورق أربعة أقسام طولاً ويشد على ثلاثة أرباعه مما يلي العنق وهذا دستان الخنصر. ثم ينقسم الآخر تسعة ويشد على تسعة مما يلي العنق وهذا دستان السبابة. ثم يقسم ما تحت دستان السبابة إلى المشط أتساعاً متساوية ويشد على التسع مما يلي المشط ويسمى دستان البنصر فيقع دون دستان الخنصر مما يلي دستان السبابة. ثم يقس دستان الخنصر مما يلي المشط ثمانية أقسام وضعف إليها جزءاً مثل أحدها مما بقي من الوتر وشده فهو دستان الوسطى ويكون وقوعه بين السبابة والبنصر. فهذه الاصطلاحات هي المصححة للنسب فإذا جذب وتر منها إلى غاية معلومة سمي الزير فيجذب المثنى على نسبة تليه في الانحطاط وهذا مع الجنس بالخنصر والضرب حتى يقع التساوي.
فالزير كعنصر النار في الطبع والتأثير. والمثنى كالهواء والمثلث كالماء والبم كالتراب. فانطبق على الأخلاط والأمزجة أفراداً وتركيباً. ويقوى ما يكون على الأخلاط من سجايا وأمراض وأمكنة وأزمنة حتى قيل أن لطف النار مثل لطف الهواء مرة وثلثاً. وهكذا الهواء بالنسبة الماء والماء إلى التراب كما مر في الأوتار وأما وضعهم هذه الأوتار حتى جعلوها ثمانية فلما مر بك من أنها أول مكعب مجذور لأن الأرض كذلك فشاكلوا بذلك تسعة والقمر اثنا عشر وعطارد ثلاثة عشر والزهرة ستة عشر والشمس ثمانية عشر والمريخ أحد وعشرون ونصف والمشتري أربعة وعشرون وزحل سبعة وعشرون وأربعة أسباع والثوابت ثلاثون ولأن التثمين داخل في أشياء كثيرة تضاعف المزاج والطبائع وبالجملة قد اختلف ميل طوائف العالم إلى مراتب الأعداد كما عشقت الصوفية الواحد فطوت الأشياء فيه والمجوس الاثنين والنصارى الثلاثة وأهل الطبائع الأربعة وأهل الأوفاق الخمسة والهندسة الستة والحكماء الفلكيون السبعة فالذهن من حيث هو يستحسن النسب حتى إذا برزت إلى الخارج زادت النفس بسطاً فإن الكتابة تحسن بمناسبة حروفها استقامة وتدويراً وغلظاً ورقة واستدارة ولو بمجرد الانحناء فقد قيل أن الحروف كلها وإن اختلفت بحسب الأمم لا تخرج عن خط مستقيم ومقوس منها مركب منهما.
ثم قوانين الغناء لا تخرج عن ثمانية. (ثقيل أول) ورسمه:
تنَّ تنَّ تنَّ. تنَّ تنَّ تنَّ
وهو مركب من تسع نقرات هي ثلاث متواليات وواحدة كالسكون فخمس مطوية الأول. (وثقيل ثان) وهذا رسمه:
تنَّ تنَّ تنَّ. تنَّ تنَّ تنْ
وهو مركب من إحدى عشرة وهي ثلاث متواليات فواحدة ساكنة فثقيلة فأربع مطوية الأول (وخفيف الثقيل الثاني) ويسمى: الماخوري وهذا رسمه: تنْ تنْ تنَّ تنْ تنْ تنَّ
وهو مركب من ست وثلاث متواليات فسكون على ثلاث. (ورمل) ويسمى ثقيل الرمل وهذا رسمه:
تنَّ تنْ تنْ. تنَّ تنْ تنْ
وهو مركب من سبع وهي: ثقيلة أولى فمتواليتان فسكون وهكذا إلى الآخر (وخفيفه) وهذا رسمه:
تنْ تنْ. تنْ تنْ. تنْ تنْ. تنْ تنْ
وهو مركب من ثلاث نقرات متوالية متحركة (وخفيف الخفيف) ورسمه:
تنْ تنْ تنْ. تنْ تنْ تنْ
وهو مركب من نقرتين بينهما سكون قدر واحدة (وهزج) ورسمه:
تنْ تنْ تنْ تنْ. تنْ تنْ تنْ تنْ
وهو مركب من نقرة كالسكون ثم سكون قدر نقرة ثم بين كل اثنتين سكون فهذه أصول التراكيب وإنما تكرر بحسب استيفاء الأدوار.
(فالمسلي) بالتشديد نسبة إلى المسلة من آلات الخياطة وتسمى هذه وما بعدها (الأجناس المركبة) وهي كثيرة ولكن تعود أصول منها على التاسع ثمانية: أحدها وهو المسلي وسمي بذلك لرقة مدخله وسلطه ويدل على اجتماع الأخلاط في الصدر والشراسيف والقلب وكمال الربو والدبيلات وامتلاء المعدة ويعرف به تحرير الخلط من باقي البسائط وهو سهل.
وثانيها المائل وهو عكسه هيئة ودلالة.
وثالثها الموجيُّ وهو المختلف الأجزاء تدريجاً بحيث يكون الأعظم الخنصر ويظهر اختلافه عرضاً ينشبه الأمواج ومنه اسمه وهو يدل على فرط الرطوبة والاستقاء الزقي واللحمي وذات الرئة وغلبة الأمراض البلغمية.
ورابعها النمليّ سمي بذلك لدقته وضعف حركته ويقع في رابع الحارة فيدل على الموت في الخامس وبعد الموضع في وجود الحمي فيدل على الموت في الحادي عشر ويكون عن الدودي أيضاً فيرد عليه أيضاً فيرد عليه إذا انتعشت القوى بشرب ما يقوي القوى كدواءِ المسك والبادزهر وأنكر قوم انقلابه والصحيح ما قلناه وكل ما دل عليه الدودي دل عليه النمليّ لكن أشد رداءةً وضعفاً في القوى.
وخامسها الدودي وهو موجيّ ضعفت حركته بإسهال إن طال. وإلا فالمجفف من داخل كأخذ نحو الأفيون وما يكثف المزاج إلى فساد الرطوبات وقد يقع في البحارين لنقص الرطوبات ويكون ابتدؤه عند الموجي كما في النبضة.
وسادسها المنشاري وهو ما اختلف أجزاؤه تواتراً وسرعة وصلابته عكسها وكان قرعه للأصابع متفاوت التساوي كأسنان المنشار يدل على فرط اليبس ويختص بذات الجنب والدبيلات والأورام.
وسابعها المرتعش ويدل على الرعشة ونحوه من أمراض العصب بحسب مواقع أجزائه كما مر.
وثامنها المتشنج ودلالته كالمنشاري مطلقاً في غير ما اختص أي ذات الجنب به.
هذا واعلم أن اللحن يسمى مطلقاً إذا لم يكن مقيداً بلفظة تدل على وصفه كالثقيل والخفيف وخفيف الخفيف. ويذكر بعد اللحن موقع الإصبع الذي يبتدأ به ليهتدي إلى قراره فيقال مثلاً ثاني ثقيل مطلق أو ثاني بالوسطى أو بالخنصر في مجرى البنصر أو خفيف رمل بالبنصر أو خفيف ثقيل أول بالبنصر إلى غير ذلك وهو المعروف عند اصحاب هذا الفن بمواقع الأصابع في الدساتين. والله الموفق. اهـ نقله بحرفه.
بغداد:
ساتسنا.