انتقل إلى المحتوى

مجلة المقتبس/العدد 36/بين العرب والفرس

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة المقتبس/العدد 36/بين العرب والفرس



من أشهر القصائد الاجتماعية العربية قصيدة لقيطو بن يعمر الأيادي ينذر قومه غزو كسري إياهم وكان لقيط كاتباً في ديوان كسرى فقطع لسان لقيط وغزا إياداً. قال ابن دريد في كتاب الاشتقاق الذي نشره سنة 1854: ومن رجالهم لقيط بن معبد صاحب القصيدة التي أنذر بها إياداً لما غزتهم الفرسي وهي:

كتاب في الصحيفة من لقيط ... إلى من بالجزيرة من إياد

يعني جزيرة العرب وله قصيدة أخرى على العين مشهورة. وقد تيسرت لنا عدة مظان ومنها بعض مخطوطات فعارضنا القصيدة عليها منها هنا أصح الروايات وأضفنا إليها بعض زيادات وها هي بنصها المعجب:

يادار عمرة من محتلها لجزعا ... هاجت لي ألهم والأحزان والجذعا

تامت فؤادي بذذات الجذع خرعبة ... مرت تريد بذات العذبة البيعا

بمقلتي خاذل أدماء طاع لها ... نبت الرياض تزجي وسطه ذرعا

وواضح أشنب الأنياب ذي شر ... كالأقحوان إذا ما نوره لمعا

جرت لما بيننا حبل الشموس فلا ... يأساً مبيناً ترى منهما ولا طعما

طوراً أراهم وطوراً لا بينهم ... إذا تواضع خدر ساعة لمعا

يا أيها الراكب المزجي على عجل ... نحو الجزيرة مرتاداً ومنتجعا

أبلغ إياداً وخلل في سراتهم ... إني أرى الرأي إن لم أعص قد نصعا

يا لهف نفسي إن كانت أموركم ... شتى وأحكم أمر الناس ما اجتمعا

إني أراكم وأرضاً تعجبون بها ... مثل السفينة تغشى الوعث والطبعا

إلا تخافون قوماً لا أبا لكم ... أمسوا إليكم كأمثال الدبا سرعا

أبناء قوم تآووكم على حنق ... لا يشعرون أضر الله أم نفعا

أحرار فارس أبناء الملوك لهم ... من الجموع جموع تزدهي القلعا

فهم سراع إليكم بين ملتقط ... شوكاً وآخر يجني الصاب والسلعا

لو أن جمعهم راموا بهدته ... شم الشمايخ من ثهلان لا تصدعا

في كل يوم يسنون الحراب لكم ... لا يهجعون إذا ما غفى شجعا

خزر عيونهم كأن لحظهم ... حريق نار ترى منه السنا قط ويحققون حيال الشول آونة ... وتنتحون بدار القلعة الرتعا

وتلبس ثياب إلا من ضافية ... لا تفزعون وهذا الليث قد جمعا

أنتم فريقان هذا لا يقوم له ... عصر الليوث وهذا هالك صقعا

وقد أظلكم من شطر ثغركم ... هم له ظلل تغشاكم قطعا

مني أراكم نياماً في بلهينة ... وقد ترون شهاب الحرب قد سطعا

فأشفوا غليلي برأي منكم حسن=يضحي فؤادي له ريان قد نقعا

ولا تكونوا كمن قد بات مقتنعاً ... إذا يُقال له أدفع غمة كنعا

يسعى ويحسب أن المال تخلده ... إذا استفاد طريفاً زاده طمعاً

فقنوا جيادكم واحموا ذماركم ... واستشعروا الصبر لا تشتشعروا الجزعا

وشروا تلادكم في حرز أنفسكم ... وحرز نسوتكم لا يهلكوا هلعاً

ولا يضع بعضكم بعضاً لنائبة ... كما تركتم بأعلى عيشة نجعا

اذكوا العيون وراء السرح واحترسوا ... حتى ترى الخيل من تعدائها رجعا

فإن علبتم على ظن بداركم ... فقد لقيتم بأمر حازم فزعا

هيهات لا مال من زرع ولا أبل ... يرجى لغابركم أن أنفكم جدعا

لا يلهكم أبل ليت لكم أبلا ... أن الغدور بخطب منكم قرعا

لا تثمروا المال للأعداء أنهم ... أن يظفروا يحتووكم واليلاد معاً

والله ما أنقلب الأموال منذ بدا ... لأهلها أن أصيبوا مرة تبعا

يا قوم إن لكم من قوم أولكم ... إن ضاع آخره أو ذل واتضعا

ماذا يردّ عليكم عزّ أولكم ... مجداً قد أشفقت أن يفنى وينقطعا

فلا تغرنكم دنيا ولا طمعٍ ... أن تنعشوا بزماع ذلك الطمعا

يا قوم لا تأمنوا إن كنتم غيرا ... على نسائكم كسرى وما جمعا

يا قوم بيضتكم لا بها ... أني أخاف عليها الأزلم الجذعا

هو العناء الذي تبقى مذلته ... إن طار طائركم يوماً وإن وقعا

هو الجلاء الذي يجتث أصلكم ... فمن رأى مثل ذا رأياً ومن سمعا

قوموا قياماً على أمشاط أرجكم ... ثم أفزعوا قد ينال الأمن من فزعا وقلدوا أمركم لله دركم ... رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعا

لا مترفاً أن رخاء العيش ساعده ... ولا إذا عض مكروه به خشعا

لا يطعم النوم إلا ريث يبعثه ... همّ تكاد حشاه تحطم الضلعا

مسهد النوم تعنيه أموركم ... يروم منها إلى الأعداء مطلعا

ما أنفك يحلب در الدهر أشطره ... يكون متبعاً طوراً ومتبعا

وليس يشغله مال يثمره ... عنكم ولا ولد يبغي له الرفعا

قد أثمر على شزر مريرته ... مستحكم السن لا قحماً ولا ضرعا

كمالك بن سنان أو كصاحبه ... زين القنا يوم لاقى الحارثين معا

إذ غابه غائب يوم فقال له ... دمث لجنبك قبل النوم مضطجعا

فساوروه فألفوا أخا علل ... في الحرب يحتمل الرئبال والسبعا

مستنجداً يتحدى الناس كلهم ... لو قارع القوم عن أحسابهم قرعا

هذا كابي إليكم والنذير لكم ... لمن رأى مثل ذا رأباً ومن سمعها

فقد بذلت لكم نصحي بلا دخل ... فاستيقظوا أن خير العلم ما نفعا