مجلة المقتبس/العدد 33/الرومان

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة المقتبس/العدد 33/الرومان

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 10 - 1908



معربة من كتاب تاريخ الحضارة لشارل سليوبوس

رومية الأصلية

رمية: على تخوم قطر اللاسيوم من ناحية بلا الإيتروسكيين يمتد سهل ذو بطائح تتخلله أكمات وتامات هناك على ضفة نهر التيبر أشئت مدينة رومية مقر الشعب الروماني المتفرق في الخلاء. ولقد كانت الحميات تنتاب تلك البلاد وحالتها من الكآبة والبؤس على جانب ولكن كان موقعها جميلاً ونهر التيبر بمثابة هوة قائمة في وجه الإيتروسكيين كما كانت تلك الآكام كالحصون وبين تلك المدينة والبحر ستة أميال وهو بعد لا يكاد ينجيها م سطوة قرصان البحر ويقربها قليلاً من تناول البضائع الواردة إليها. وكان مرفأ أوستي عند مصب نهر التيبر حياً من أحياء رومية كبير مثل بيرة مرفأ آثينة. فموقع رومية كان والحالة هذه مناسباً لحال أمة حربية تجارية.

تأسيس رومية: لا نعرف من حال القرون الأولى لرومية غير أساطير. والرومانيون أنفسهم لا لم يعرفوا عنها شيئاً مثلنا. قد اعدوا أن رومية كانت لأول أمرها مدينة صغيرة مربعة المساحة قائمة كلها على رابية بالاتين ويدعى مؤسسها رومولوس وهو الذي اختط سورها بمحراث مراعياً تخطيطها الشعائر الإيتروسكية. وكان الرومانيون يحتفلون كل سنة يوم 21 ابريل (نيسان) بعيد هذه المدينة فيطوفون حول سورها الأصلي فيدق أحد الكهنة مسماراً في بعض المعابد تذكاراً للحفلة. وكان يقدر أن الاحتفال بتأسيس تلك المدينة قد وقع في سنة 754 قبل المسيح.

أنشئت على الروابي الأخرى قبالة جبل بالاتين عدة مدن صغرى ونزلت عصابة من سكان الجبال من السابنيين في معبد الكابيتول كما حلت عصابة أخرى من متشردي الأيتروسكيين في جبال سليوس وربما كان ثمة أيضاً شعوب أخرى. وانتهت الحال بجميع أولئك الجماعات الصغيرة أن يجتمعوا في مدينة رومية الواقعة على رابية بلاتين ثم أنشئ سور جديد أحاط بالسبع أكمات. أما ساحة المريخ حيث يقف الجيش فكانت ممتدة إلى نهر التيبر من الشاطئ الآخر من النهر خارج السور فكان الكابيتول في رومية مثل الأكروبول في آثينة. ولقد قامت على هذا الصخر معابد الأرباب الثلاثة حامية المدينة وهي المشتري وجونون ومنيرفا وهنالك القلعة التي حوت خزانة الحكومة وسجلات الأمة. وفي أساطيرهم أنهم عثروا عندما حفروا أسس المدينة على رأس رجل قطع حديثاً فكان هذا الرأس فألاً حسناً أولوه بأن رومية ستغدو رأس العالم.

تقاليد بشأن الملوك وإنشاء الجمهورية: جاء في هذه التقاليد أنه حكم رومية ملوك مدة قرنين ونصف ولم تذكر فيها أسماؤهم وتاريخ وفياتهم بل ذكرت تراجمهم وقيل أنهم كانوا سبعة ملوك خرج الأول وهو رومولوس من مدينة آلب اللاتينية فأنشأ مدينة بالاتين وقتل أخاه الذي ارتكب محرماً بأن قفز من فوق خندق سور المدينة ثم حالف أحد ملوك السابنيين المدعو تاتيوس. وفي تقليد آخر أنه أنشأ في سفح المدينة حياً محاطاً بسياج حشر إليه جميع المتشردين الذين أحبو الانضمام إليه.

أما الملك الثاني وهو نومابومبيليوس فقد كان سابنياً وهو الذي رتب الديانة الرومانية آخذاً برأي إحدى الربات إيجري التي كانت تسكن في غابة وكان الملك الثالث المدعو تولوس مارتيوس حفيد نوما الموما إليه بنى جسراً من خشب على نهر التيبر وأنشأ جسر أوستي وعليهما كانت تمر تجارة رومية منذ ذاك الحين. وكان الملوك الثلاثة الآخرون من الإيتروسكيين وحدث من أمر تاركين القديم أن توسع المملكة الرومانية وأدخل الاحتفالات الدينية الشائعة في بلاد إيتر وريالو الإيتروكسكيين ونظم سرفيوس توليوس الجيش الروماني بان أدخل فيه جميع أهل البلاد بدون تمييز في موالدهم وأعمارهم. ووزعهم مئات مئات بحسب ثروتهم أما الملك الأخير المدعو تاركين الباهر فقد ظلم الأسرات الكبرى في رومية فتآمر عليه بعض الأشراف ووفقوا على طرده.

ومذ ذاك العهد (51) لم يملك الرومانيين ملك فكان البلاد الرومانية أو كما يقال الملك العام يحكم عليها حاكمان يختاران كل سنة ويسميان (القناصل). وليس من الممكن أن نعلم ما في هذا التقليد من الحقيقة لأنه نشأ قبل أن يبدأ الرومان في وصف تاريخهم بزمن طويل وفي هذا التقليد من الأساطير ما لا يسعنا قبوله برمته. وقد حاول بعضهم أن يفسر أسماء هؤلاء الملوك ويستدل منها بأنها رمز إلى جنس أو على طبقة خاصة كما حاول بعضهم أن ينشئ تاريخ رومية في عهده الأول على ضروب من الصور ولكن كلما بذلت العناية للنظر فيه صعب الاتفاق بين المشتغلين في ذلك على تقرير أمر وكثر الخلاف بينهم.

وصف ترتيبات الرومانيين على سبيل الإيجاز: كان في رومية نحو القرن الخامس قبل المسيح طبقتان من الناسي وهما الباترسين والبلبين (أي الأشراف والعامة) فكان الباترسيون من نسل قدماء الأسرات المقيمة منذ القدم في البقعة الضيقة في ظاهر مدينة رومية وكان لهم وحدهم الحق أن يظهروا في مجمع الأمة وأن يحضروا الحفلات الدينية وأن توسد غليهم الوظائف. ويعتقدون أن أجدادهم أسسوا المملكة الرومانية أو كما يقال المدينة الرومانية وأوصوا بها لهم فكانوا هم من ثم الشعب الأصلي في رومية أما البلبين فهم من نسل الغرباء النازلين في المدينة ولاسيما من المغلوبين من سكان المدن المجاورة إذ أن رومية أخضعت بالتدريج جميع المدن اللاتينية وضمن سكانها إليها بالقوة فأصبحوا رعايا لرومية لكنهم ظلوا غرباء عنها يخضعون لحكومة رومية دون أن يشركوها في شيء من الأمر فلا يدينون بالدين الروماني ولا يسوغ لهم أن يحضروا الحفلات الدينية ولا أن يتزوجوا من الأسرات الشرئفة وكانوا يدعون بالبلب أي الجمهور ولا ينظر إليهم بأنهم جزء من الشعب الروماني. وقد وجدت في الصلوات القديمة هذه العبارة لخير الشعب وخير البلبين في رومية.

وكان يجتمع أبناء البلاد وعليهم أسلحتهم كل سنة خارج المدينة في ساحة المناورات (ساحة المريخ) ينتخبون زعيمين يطلقون عليهم لقب القضاة أو القناصل. وكان هؤلاء القناصل في خلال السنة التي يتوظفون بها يحكمون رومية ويقودون جيشها وبيدهم حياة جميع أفراد الأمة وموتها. يرافقهم إثنا عشر رجلاً من حملة الفؤوس إشارة لما لهم من السلطة فيحمل كل منهم فأساً وحزمة قضبان لجلد المجرمين أو ضرب رقابهم. فيجلس القناصل على عادة قدماء الملوك على دكة تشبه العرش وهي كرسي عال من العاج. ويستعاض في أوقات الحروب الخطرة عن القنصلين بحاكم واحد يلقون إليه بزمام السلطة فيصبح الحاكم المتحكم والآمر الناهي وحده ويكون في قبضته الأربعة والعشرون جلاداً ولكن سلطته لا تدوم إلا ستة أشهر.

فيجمع القناصل مجلس الشيوخ وهو مؤلف من رؤساء الأسرات وكبار أرباب الأملاك للمفاوضة في المسائل المهمة ويدعى هؤلاء بالآباء ويدعى نسلهم بالأشراف فكان مجلس الشيوخ يصدر رأيه ويطلقون عليه رأي الشيوخ ومن العادة أن يلتزم القناصل امتثاله فكانت من ثم رومية محكوماً عليها من القناصل ومجلس الشيوخ في آن معاً.

النزاع بين طبقات الشعب: كان العامة وأهل الطبقة الوسطى عبارة عن شعبين متبايني سادة ورعية. ومع هذا كان حال أهل الطبقة الوسطى يشبه كثيراً حال الأشراف فهم يخدمون في الجندية مثلهم ويخدمون في الجيش على نفقتهم ويفادون بأرواحهم في خدمة الشعب الروماني وهم مثلهم من أهل الفلح والكرث يعيشون في قراهم وأماكنهم وكان كثير من أهل الطبقة المتوسطة أغنياء ومن أسرة قديمة والفرق بين الطبقة المتوسطة وبين الأشراف أن الأول كانوا من نسل أسرة عظيمة من بعض المدن اللاتينية المغلوبة على حين كان الأشراف من نسل أسرة قديمة من سكان المدينة الغالبة. ولم ترض نفوس أهل الطبقة الوسطى أن تظل ساكتة على ما قضي به عليها من المهانة بل ثار بينهم وبين الأشراف نزاع دام قرنين من نحو 293 إلى سنة 500 وإليك كيف بدأ ذلك على نحو ما ورد في أساطيرهم.

رأى أهل الطبقة الوسطى ذات يوم أنفسهم مهانة فاعتصموا في جبل هناك وعليهم أسلحتهم وعزموا أن يناوئو الشعب الروماني فهال عزمهم جماعة الأشراف فبعثوا إليهم بالقائد منينوس أغريبا ليقص عليهم قصة الأعضاء والمعدة فرضيت الطبقة الوسطى بالدخول في الطاعة وعقدت محالفة مع الشعب فمنح رؤساء هذه الطبقة الحق في أن يمدوا يد المساعدة لأهل الطبقة الوسطى للأخذ بيدهم من حيف خحكام الأمة ولأجل أن يحولوا دون قيام أمر يخالف رغائبهم. وقد كان يكفي أن يلفظ أحدهم قوله فتو أي إني أعارض فيتوقف البت في الأمر. وقد كان الدين يحظر الانتقاض على المدافع عن حقوق الشعب ومن فعل ذلك استحق العقاب من أرباب الجحيم.

فضل أرباب الطبقة الوسطى آخذين أنفسهم بمجاهدة خصومهم من أهل الطبقة العالية وإذ كانوا أعز منهم نفراً وأكثر غنى وأيداً انتهت بهم الحال أن ظفروا بهم فتوصلوا أولاً إلى وضع قوانين عامة للجميع وأن يسمح بالزواج بين أهل الطبقة العالية والطبقة والوسطى وكان أصعب ما في هذا التغيير نزع الاستئثار بسلطة الحكم أو الذهاب بفضل الشرف وقد كان الدين يأمر بأنه يجب قبل ن يعين رجل حاكماً أن يطلب من الأرباب فيما إذا كانت توافق على انتخابه أم لا. فيسألون الأرباب عن رأيها في ذلك بزجر الطيور ويسمونه أخذ الفأل. بيد أن الديانة الرومانية القديمة لم تكن تسمح بأخذ الفأل إلا على اسم رجل من أهل الطبقة العليا وما كان يخطر في بال القوم بأن الأرباب يقبلون بحاكم من أهل الطبقة الوسطى. وكان ثمت أسر كبرى من الطبقة الوسطى تحرص على أن تصبح مساوية لأسر الأشراف في تولي المناصب كما كانت تساويها في الغنى والمكانة فاضطر أهل الطبقة الأولى إلى أن تفتح لهم جميع المناصب شيئاً فشيئاً فبدأوا يدخلون في مجلس القناصل سنة 366 وفي مجلس الحكم 355 والقضاء سنة 337 والمراقبة سنة 331 وزعامة الدين الكبري سنة 302 ومن ذاك العهد امتزج الأشراف أهل الطبقة العليا بأهل الطبقة الوسطى وأصبحوا شعباً واحداً.

الديانة

أرباب الرومان: اعتقد الرومان كاعتقاد اليونان بأن كل ما يحدث في هذا العالم هو مما قضت به إرادة خالق ولكنهم لم يعتقدوا بإله واحد يدبر العالم بل قالوا بتعدد الرباب بتعدد المظاهر المختلفة التي تتجلى فيها أوامرهم ونواهيهم. فهناك رب ينبت البذر وآخر يحمي حدود الحقول وثالث يحرس الثمار. ولكل رب اسمه وجنسه وعمله. وأهم الأرباب المشتري رب السماء وجانوس ذو الرأسين والمريخ رب الحرب وعطار رب التجارة وفولكان رب النار ونبتون رب البحر وسريس ربة الحصاد والأرض والقمر وجونون وومنيرفا.

ثم يجيء الأرباب من الدرجة الثانية فكانت تتجسد في بعض تلك الأرباب صفة من الصفات كالفتاء والاتحاد والراحة والسلام ويشرف بعضها على عمل من أعمال الحياة فعندما يولد المولود يأتيه رب يعلمه النطق وربة تعلمه الشرب وأخرى تقوي عظامه وربان يرافقانه إلى المدرسة وآخران يرجعان به وبالجملة فإنهم كانوا يعتقدون بوجود جيش من الأرباب من الدرجة الثانية. ويعتقدون بأن هناك أرباباً تجمي مدينة وحارة وجبلاً وغابة. ولكل نهر ولكل نبع ولكل شجرة رب خاص بها حتى لقد قالت امرأة صالحة في إحدى القصص من تأليف بترون الكاتب اللاتيني: إن بلادنا غاصة بالأرباب بحيث يسهل عليك أن تلقى فيها رباً من أن تصادف رجلاً.

ولم يتمثل الرومانيون كاليونان أربابهم على صورة مخصوصة فقد مضى زمتن طويل ولم يكن في رومية صنم فكانوا يعبدون المشتري في صورة حجر ومارس على صورة سيف. ولم يقتدوا إلا مؤخراً باتخذا الأصنام من الخشب على مثال أصنام الإيتروسكيين وأصنام الرخام على مثال أصنام اليونان ولم يتصوروا على العكس في اليونان أن بين الأرباب صهراً ونسباً ولا عزواً إليهم قصصاً كما كان يفعل اليونان مع أربابهم ولا يعرفون لهم جنة يعقدون فيها مجالسهم. وكان في اللغة اللاتينية لفظة مشهورة للتعبير عن الأرباب وهي (التجليات) فكانوا يعتقدون أنها تجليات قوة إلهية مجهولة. ولذلك لم يصورهم الرومان في صورة من الصور ولا نسبوا إليهم رحماً ولا صهراً ولا تاريخاً وكل ما كان يعرف عن الأرباب الرومانيين هو أن كل واحد منهم يسيطر على قوة من قوى الطبيعة ويستطيع أن يعمل للناس الخير والشر على ما يحب ويهوى.

العبادة: قلما يحب الروماني أولئك الأرباب المجهولين الصفر الباردين. والظاهر أنه كان يخاف منهم فيخبأ وجهه عندما يتوسل إليهم وربما أتى ذلك لئلا يقع بصره عليهم ولكنه يذهب إلى أن الأرباب قادرون وأن من يرضيهم يخدمونه. قال بلوت (الشاعر الهزلي اللاتيني) إن الرجل الذي يرضى عنه الأرباب يكسبونه مالاً. ويعتقد الروماني بأن الدين عبارة عن مقايضة المنافع فيقدم المرء للرب نذوره وقرابينه ويمنحه هذا بعض المنافع فإذا ثقدم المرء ما يجب تقديمه للرب ولم يظفر بمتمناه يعتبر نفسه قانطاً مخدوعاً. ولقد قدم الشعب للأرباب من خلال مرض القائد جرمانيكوس نذوراً لتمن عليه بالشفاء ولما ذاع خبر موته سخط العامة وقلت المذابح وألقت في الشوارع بتماثيل الأرباب لأن هذه لم تعمل ما كان يرجى منها أن تعمله وهكذا فإنا نرى الفلاح الإيطالي لعهدنا هذا يشتم القديس الذي لم يعطه ما طلبه منه.

فالعبارة إذاً عبارة عن القيام بما يرضى عنه الأرباب من الأعمال والشعب يأتيهم بالثمار واللبن والخمر ويضحى لهم بالحيوانات. وفي بعض الأوقات يخرجون تماثيل الأرباب من معابدهم ويجعلونها على سرر ويولمون لها وليمة ويقومون بما يقوم به الشعب في بلاد اليونان فيبنون لهم دوراً جميلة وهي المعابد ويحتفلون بأربابهم.

ولم يكن يكفي في تعظيم أرباب الرومانيين أن ينفق الناس مالاً في سبيل إكرامهم بل كانت تنظر إلى الصور التي يقوم بها ذلك الإكرام فتقضي إرادتها أن تجري جميع أعمال التعبد والنذور والألعاب بما رسمته القواعد القديمة (الطقوس) فمتى أريد تقديم ضحية للمشتري كان عليهم أن يختاروا حيواناً أبيض وأن يذروا على رأسه دقيقاً مملحاً وأن يضرب بفأس وأن يقف المقدم لهذه الضحية على قدميه ويداه مرفوعتان إلى السماء حيث يقيم المشتري وأن يلفظوا بجملة تقديساً لاسمه. فإذا غلط المقدم بما يقول فمعنى ذلك أن الضحية لا تساوي شيئاً ويذهب القوم إلى أن الرب لا يرضى عما يقدم له. ولقد قام أحد الحكام بألعاب إكراماً للأرباب الحامية لرومية فقال شيشرون: إذا غيرت عبارة وإذا وقف اللاعب بالشباب أو انقطع الممثل فتكون الألعاب غير موافقة للشعائر الدينية فيجب إذ ذاك إعادتها. ولذلك كان أهل الرأي من الناس يحضرون كاهنين أحدهما يتلو الصلاة والآخر يتابعه فيما يقول.

يجتمع الكهنة وهم يدعون أخوة رافال كل سنة في معبد بجوار رومية فيرقصون رقصاً مقدساً ويتلون الصلوات وهي مكتوبة بلغة قديمة لا يفهم منها أحد شيئاً ويقتضي في أوائل الصلاة أن يدفع إلى كل كاهن مجموع قوانين مكتوبة في أول الجلسة. وظل الرمانيون بعد أن نسيت هذه اللغة بقرون يتلونها كل سنة دون أن يغيروا منها حرفاً. ومما يدل على أن الرومانيين كانوا يرمون إلى الوقوف عند حد ما رسمه أربابهم هو أنهم كانوا يقومون أحسن قيام بقواعد الدين. ولذلك يرى الرومانيون أنفسهم من أكثر البشر تديناً. قال شيشرون: إننا أحط من جميع الأمم أو مساوون لهم من كل وجه ولكننا نفوقهم من كل وجه في أمور الدين أي بعبادة الأرباب.

الصلاة: إذا صلى الروماني فليست صلاته لتزكية نفسه ومناجاة ربه بل ليطلب منه معونة ويسأل حاجة له. فمن ثم تراه قبل كل شيء عن الرب الذي يستطيع أن ينيله رغبته. قال فارون (الشاعر اللاتيني): يلزمنا أن نعرف أي الأرباب يتيسر له أن يعيننا في أحوال مختلفة كما نعرف أين يقوم النجار والخباز وهكذا قضت الحال بأن يعمد إلى سيريس للحصول على زروع جيدة وإلى عطارد لاكتساب المال وإلى نبتون للمعونة على ركوب البحار. فيلبس المستغيث ألبسة نظيفة لما وقر في الأذهان من أن الأرباب يرغبون في النظافة. ويقدم بين يدي نجوه ضحية لأن الأرباب لا يحبون أن يجيء وأيديه فارغة ويقف المستغيث ويكشف رأسه فينادي الرب إلا أن لا يعرف اسم الرب الذي يناديه ويقول الرومانيون أنه ما من أحد يعرف أسماء الأرباب الحقيقية. بل يكتفى بأن يقول له مثلاً: أيها المشتري الأعظم الرحيم أو بأس الأسماء التي تحب أن تدعى بها ثم يعرض عليه ما يريد عرضه متوقياً استعمال جمل صريحة كل الصراحة حتى لا ينخدع الرب فإذا قدم له خمر يقال له: تقبل طاعة هذا الخمر الذي أهرقه لأنه يسهل على الرب الاعتقاد بأنه يقدم له خمر آخر غير الذي قدم له وأن يعاقب به. ولذلك كانت صلواتهم مطولة كثيرة الحشو مملوءة بالمترادفات.

الفأل: يعتقد الرومان كاليونان بالفأل فيذهب إلى الأرباب يعرفون المستقبل ويرسلون للناس آيات يدركونها فيستنصح الروماني الأرباب قبل أن يشرع في عمل فإذا ما أزمع القائد فيهم أن يهجم على عدوه يبحث في أحشاء الموتى والحاكم قبل أن يجمع لديه مجلساً ينظر إلى الطيور السائرة (وهذا ما يدعونه أخذ الطالع والفأل) فإذا كان فيها إشارة موافقة يدركون بأن الأرباب استحسنت المشروع وإلا فمعناه أنهم غير راضين عنه.

وكثيراً ما يرسل الأرباب آيات من قبلهم ومن دون أن يسألوا إرسالها. وكل ظاهرة لم تكن متوقعة تعد فألاً على حادث غير منتظر. فقد ظهرت نجمة مذنبة قبل موت قيصر فذهب القوم إلى أنها إشارة إلى نعيه وإذا أرعدت السماء عندما كانت الأمة تجتمع للمفاوضة في أمر فمعنى ذلك أن كوكب المشتري لا يحب أن يبتوا أمراً ذلك اليوم ولذلك يبغضونه كل حادث طفيف ويؤلونه بأنه رمز إلى أمر يقع. فإذا أبر البرق أو سمعت كلمة من متكلم أو وقف جرذ في الطريق أو شوهد عراف فكل ذلك يأخذون منه العبر حتى أن مارسلوس كان إذا عزم على البداءة بعمل أمر بأن يحمل في محفة مغلقة ليكون على ثقة من أنه لا يرى شيئاً يتفاءل به.

وما كان ذلك مجرد خرافات للعامة بل كان للجمهورية الرومانية ستة طوالع تتنبأ لها بالمستقبل فكان لها كتاب للنبؤات تبالغ في العناية به دعته كتاب سيبيلين وكان لها فراخ مقدسة يقوم على تربيتها الكهنة وما كان يجري عمل عام ولا تلتئم جمعية ولا يشرع بانتخاب ومفاوضة بدون أن يعمدوا إلى أخذ الطالع أي أنهم ينظرون إلى السارح والبارح. وقد شاع سنة 195 أن الصاعقة انقضت على معبد للمشتري وأنه نبتت شعرة على رأس تمثال هركول فكتب أحد الولاة بأنه ولدت فرخة ذات ثلاث أرجل فاجتمع مجلس الأمة للمفاوضة في هذه الفؤل.

الكهنة: لا يقوم الكاهن في رومية بما يقوم به في بلاد اليونان من الأعمال الروحية بل كان ينقطع فقط لخدمة الرب فيلاحظ معبده ويدير شؤون أملاكه ويقوم بالاحتفالات لإكرامه وهكذا كانت جمعية الساليبن (الرقاصين) تحتفظ بترس سقط عليها من السماء كما زعموا وكان يعبد كما يعبد الصنم وكانت تقيم تلك الجمعية كل سنة حفلة رقص بالسيوف وهذا ما كان يتوفر عليه أعضاء تلك الجمعية. والأحبار يراقبون الحفلات الدينية فيضعون تقويماً للسنين ويحددون أوقات الأعياد التي يجب الاحتفال بها في أيام مخصوصة من السنة ورئيسهم هو الحبر الأعظم.

وما كان الكهنة ولا العرافون ولا الأحبار يؤلفون طبقة خاصة بهم بل كان يجري اختيارهم من كبار الرجال ويبقون على القيام بجميع وظائف الحكومة فمنهم من يتولى القضاء ومنهم رئاسة الجمعيات ومنهم قيادة الجيوش. ولذلك لم يتألف من الكهنة الرومانيين على قوتهم كما تألف من الكهنة المصريين طبقة كهنوتية فقد كان لحكومة رومية دين خاص بها ولم يكن للكهنة حق الحكم فيها.

عبادة الموتى: اعتقد الرومانيون كما اعتقد الهنود واليونان بأن الروح تبقى بعد موت الجسد فإن عنوا بدفن الجثة بحسب العادات فقد اعتقدوا بأن الروح تذهب لتحيا تحت الأرض وتصبح ربة وإلا فالروح ليس في استطاعتها الدخول إلى عالم الأموات بل كانت تعود إلى الأرض تدخل الرعب في قلوب الأحياء وتعذبهم ليدفنوها. حكى بلين لجون قصة شبح كان يختلف إلى أحد البيوت ويهلك سكانه هلعاً فاكتشف أحد الفلاسفة ممن كان له قوة قلب تمكنه من اقتفاء أثره إلى المكان الذي وقف فيه ذاك الطيف ـ عظاماً لم تدفن بحسب العادات المتبعة. وهكذا كانت روح الإمبراطور كاليجولا تطوف في حدائق القصر فاقتضى إخراج جثته ودفنه ثانية على ما رسمته الشعائر الدينية.

فمن ثم كان مما يهم الأحياء والأموات على السواء المحافظة على العادات الدينية فكانت أسرة الميت تنصب كومة من الحطب يحرقون فيها الجسد ويجعلون الرماد في صندوق يضعونه في القبر. وكان لهم معبد خاص بدفن الأرباب أي الأرواح التي أصبحت أرباباً فيأتي أهل الميت في أوقات معينة إلى زيارة القبر حاملين طعاماً. ولا جرم أنهم اعتقدوا قديماً أن الروح محتاجة إلى الغذاء لأن القوم كانوا يهرقون الخمر واللبن على الأرض ويحرقون لحم المنكوبين ويتركون في الأواني لبناً وحلويات. وكانت هذه الاحتفالات بالموتى تدوم ما شاء الله أن تدوم وما كان لأهل بيت أن يتخلوا عن أرواح أجدادهم بل يظلون على العناية بقبورهم ويأتونهم بالغذاء لإطعامهم. ثم أن تلك الأرواح التي تتأله أو تصبح في عداد الأرباب تحب ذريتها وتحمي أحفادها من البوائق وهكذا كان لكل أسرة أرباب يحمونها يدعونهم آلهة البيت.

عبادة البيت: اعتقد الرومان كاعتقاد الهنود بأن اللهيب رب كما أن البيت مذبح فكان لكل أسرة بيت تعبده وتقوم على العناية به ليل نهار تحمل إليه الزيت والشحم والخمر والبخور فيتصاعد اللهب ويسطع كأنه منبعث من الضحية. فكان الروماني قبل أن يبدأ بتقديم الطعام للميت يشكر لرب البيت ويدفع له جزءاً من الأطعمة ويصب له قليلاً من الخمر وهذا ما يدعونه بالصب والإهراق حتى أن هوراس نفسه على قلة اعتقاده كان يتعشى أمام بيته مع خدمته ويصب الطعام ويصلي الصلاة المعتادة.

وكان لكل أسرة رومانية في بيتها قبر يجعل فيه أرباب البيت وأرواح الأجداد ومذبح البيت. وكان لمدينة رومية بيت مقدس في قبر الآلهة فستا وهي عبارة عن أربع عذارى من أعظم الأسرات الرومانية عهد إليهن حراسته وذلك لأنهم يرون أن لا ينطفئ اللهيب المقدس مطلقاً ولا يعهد بالقيام عليه إلا الأناس من الأطهار فإذا أبت إحدى تلك العذارى أن تقوم بما فرض عليها التوفر عليه من هذه الخدمة يدفنونها حية في قبو لأنها ارتكبت عملاً طالحاً وأوقعت الشعب الروماني في خطر.

الجيش الروماني

الخدمة العسكرية: لم يكن يكفي لقبول الرجل في خدمة الجيش الروماني أن يكون وطنياً رومانياً بل يجب أن يكون له بعض الموارد ليجهز نفسه بالسلاح على نفقته لأن الحكومة لم تكن تعطي الجندي سلاحاً حتى أنها لم تكن تعطيه جراية يأكلها إلى سنة 403 وعلى هذا فلم يكن يجند من الوطنيين إلا من كانوا يملكون بعض ثروة أما الفقراء فكانوا يعفون من الخدمة العسكرية وبعبارة ثانية ليس لهم الحق في خدمتها ويحق لكل وطني له بعض الغنى أن يقبل في الجيش بعد أن يكون أبلى بلاء حسناً في عشرين حملة وإذا لم يقم بذلك فهو تبع للقائد أي منذ سن السابعة عشرة إلى السادسة والربعين فكل فرد في رمية كما في المدن اليونانية وطني وجندي في آن واحد والرومان أمة مؤلفة من صغار أرباب الأملاك المدربين على القتال.

التجنيد: متى احتاجت الحكومة إلى جند يصدر القنصل أمره إلى جميع الوطنيين اللائقين للخدمة بأن يجتمعوا في معبد الكابيتول وهناك يلتئم ضباط تختارهم الأمة وهم يختارون من ينبغي لهم من الجند لتأليف جيش وهذا هو التجنيد عند الرومانيين ويسمونه الاختيار. ثم يجري التحليف العسكري فيبدأ الضباط أولاً يقسمون اليمين المألوفة ثم الجند وكلهم يقسمون الطاعة للقائد وأن يقاتلوا دون أعلامهم حتى يكونوا في حل من إيمانهم في نضره. فيتلو رجل عبارة ويتقدم كل فرد في نوبته فيقول: وأنا أيضاً فيرتبط الجيش إذ ذاك بالقائد ارتباطاً دينياً.

دعي الجيش الروماني أولاً الفرقة أو التجنيدة ولما نما الشعب أصبح يؤلف بدل الفرقة فرقاً والفرقة الرومانية عبارة عن 4200 أو 5000 رجل كلهم من أبناء البلاد. وكان أصغر جيش على الأقل عبارة عن فرقة وكان كل جيش بقيادة قنصل عبارة عن فرقتين على الأقل. ويتألف نحو نصف الجيش من هذه الفرق وكان على جميع شعوب إيطاليا الخاضعة لرومية أن تبعث إليها ببعوثها ويدعى هؤلاء الجنود المحالفون وهم تحت قيادة الضباط الرومانيين. وكنت ترى المحالفين في الجيش الروماني أكثر عدداً من كتائب الوطنيين. وجرت العادة أن يبعثوا مع كل أربع فرق (16800 جندي) عشرين ألف راجل من المحالفين وهكذا كان الشعب الروماني في حروبه يستخدم رعاياه أكثر من مواطنيه.

التسليح: اعتاد الرومان كاليونان أن يحاربوا مترجلين متدرعين بالدروع والخوذ والمسامي (الطماقات) قابضين بأيديهم اليسرى على ترسة ليدفعوا بها الضربات. مضى عليهم زنمن وهم يقاتلون بالرمح والسيف فكانوا إذا تلاقوا بالعدو يجتمعون كتيبة واحدة على نحو ما كانت تجتمع الكتائب الرومية ثم عمدوا إلى استعمال ضرب آخر من ضروب الكر والفر. وتقسم الفرقة على سرايا صغيرة كل سرية مؤلفة من 120 جندياً مانييول أي الفريقة لأن علمهم عبارة عن حزمة من الحشيش فتصطف كل فرقة منفصلة عن جارتها بحيث يكون المجال أمامها متسعاً للعمل على حدتها فيضرب جنود فرق الصفوف الأولى بحرابهم ويضعون سيوفهم في أيديهم ويبدؤون القتال. فإذا اندحروا يتراجعون إلى الفضاء الذي وراءهم فيزحف الصف الثاني من الفرق في نوبته إلى القتال فإذا ما دحر ينكفئ راجعاً نحو الخط الثالث وهذه الفرق هي خيرة رجال الجيش يحملون الرماح وهم واسطة لقيادة أخوانهم الآخرين لقتال الأعداء بهم.

وبعد فإن الجيش الروماني لا يتألف جملة واحدة للقتال في آن واحد بل أن القائد يعبئ جنوده مراعياً حالة الأرض التي يتخذها ساحة لقراع الأعداء. ولما التقى كتائب جنود الرومانيين وفرق المكدونيين في جبال سينوسيفال في تساليا للمرة الأولى وهما أشهر ما عهد من الجيوش في العهد القديم كان ميدان القتال عبارة عن أكمات وتلعات فلم يكن في إمكان الستة عشر ألف محارب من المكدونيين أن يظلوا متماسكين متجمعين بل كان صفوفهم ذات فروج فزحفت الفرق الرومانية ودخلت الفضاء الذي كان يتخلل صفوفهم ومزقت شملهم كل ممزق.

التمرينتا: لم يكن لرومية محال للألعاب الرياضية فكان الجنود يتمرنون في ساحة المناورات أي في ساحة المريخ في الضفة الثانية من نهر التيبر وهناك كان الشاب يسير ويعدو ويقفز وعليه العدة الكاملة من السلاح يلعب بسيفه ويضرب بحربته ويستعمل معوله فإذا ما علاه الغبار والعرق يجتاز نهرالتيبر عائماً. وكثيراً ما كان الرجال المدربون بل والقواد يشاركون فتيان الجند في تمريناتهم إذ كان من دأب الروماني أن لا ينقطع عن التمرين حتى كانت القاعدة المتبعة إذ ذاك أن لا يترك الجنود حتى في الحرب بلا عمل فيمرنون مرة في اليوم على الأقل فيشغلونهم بإنشاء الطرق والجسور والمجاري إذا لم يكن أمامهم عدو يقاتلونه ولا متاريش يقيمونها.

المعسكر: يحمل الجندي الروماني حملاً ثقيلاً مؤلفاً من سلاح وأوان وأطعمة تكفيه أياماً ووتد يبلغ وزن مجموعها ستين رطلاً رومانياً وإذا تلاقى الجيش بجيش العدو يسهل عليه الحرب بسرعة إذ لا يكون له من الأثقال ما يشغله.

وكل مرة كان يريد الجيش الروماني الوقوف ليعسكر يخط المساح نطاقاً مربعاً ويحفر الجند في محيط ذاك النطاق هوة عميقة ويبقون التراب في ناحيتهم في الداخل يكون منحدراً ويضربون فيه أوتاداً وهكذا يكون المعسكر محمياً بنطاق من أوتاد وأرض ذات وهاد وفي داخل هذه القلعة المؤقتة يضرب الجنود خيامهم ويجعلون سرادق القائد في الوسط ويبقى العيون والحراس طوال الليل يحرسون المعسكر وهكذا يكون الجيش في مأمن من كل عدو مفاجئ.

تعليم الجند: يعلم الجيش الروماني تعليماً قاسياً فيحق للقائد أن يميت جنده أو يبقي عليهم والجندي الذي يترك محله أو يركن إلى الفرار في الزحف يحكم عليه بالموت فيربطه حملة الفؤوس بعمود ويضربونه بالعصي ويقطعون رأسه أو يقع عليه الجند فيضربونه بالعصي.

وإذا تمردت كتيبة من الجيش يقسم القائد المجرمين إلى عصابات كل عصبة مؤلفة من عشرة أشخاص يقترعون في كل عصابة على واحد يكون نصيبه الإعدام ويسمون هذا التعشير أي أخذ واحد من عشرة أما الباقون فيقضى عليهم أن يعطوا خبز شعير ويزكوهم يعسكرون خارج المعسكر ليكونوا أبداًُ على خطر من مفاجأة العدو لهم.

لا يقبل الرومانيون أن يغلب جندهم ولا أن يؤسروا فقد سلم من القتل ثلاثة آلاف جندي بعد وقعة كان وراحوا يهيمون على وجوههم إلا أن مجلس الشيوخ أرسلهم يخدمون في صقلية بدون جرايات ولا ألقاب شرف ريثما يخرج العدو من إيطاليا وبقي ثمانية آلاف جندي في المعسكر فقبض عليهم وقد عرض هانيبال أن يعيدهم إلى الحكومة لقاء فدية طفيفة تدفعها عنهم فأبى مجلس الشيوخ أن يفتديهم.

الغلبة: متى كتب الظفر لأحد القواد يصدر مجلس الشيوخ أمره إليه بأن يحتفل بما تم له من الغلبة دليلاً على تشريفه فيحتفل بذلك احتفالاً دينياً في معبد المشتري فيسير في المقدمة الحكام والشيوخ ثم تأتي العجلات مملوءة بالغنائم والأسرى مقيدين من أرجلهم وفي المقدمة عربة مذهبة تجرها أربعة جياد يأتي القائد الغازي متوجاً بالغار وجنده يتبعونه مترنمين بأدوار دينية يرددون فيها اسم الظفر فيجتاز هذا الموكب المدينة بهذا الاحتفال ويطلع إلى معبد الكابتول وهناك يضع الغازي أغصان الغار على أرجل المشتري ويحمده على أنه كان سبباً في نصرته وعند انتهاء الحفلة تضرب أعناق الأسرى كما فعلوا مع الزعيم الغالي فرسختوركس أو أن يلقوا الأسير في مطبق (حبس مظلم) يموت جوعاً كما فعلوا مع جوكورتا ملك فوميديا أو أنهم يكتفون بأن يسجنوا الأسير. وقد دام ظفر بولس أميل الذي تغلب على ملك مكدونية (167) ثلاثة أيام مرت في اليوم الأول 250 مركبة تحمل لوحات وتماثيل وفي الثاني ما غنمه من الأسلحة و75 برميلاً من المال وفي اليوم الثالث 120 ثوراً من ثيران الضحايا والملك البرسي في المؤخرة لابساً السواد يحف به خاصته مقيدين وثلاثة أولاد له مدوا أيديهم للأمة يضرعون إليها وأخذوا يحركون شفقتها.

فتح إيطاليا: كان في رومية معبد خاص بالرب جانوس تبقى أبوابه مفتحة ما دام الشعب الروماني في الحرب. ولم يغلق هذا المعبد إلا مرة واحدة دامت بضع سنين في خلال خمسمائة سنة التي طال فيها عمر الجمهورية الرومانية وعليه فإن رومية عاشت في حرب دائمة وإذا كان جيشها أقوى جيش ي عصره انتهت بها الحال أن تتغلب على جميع الشعوب الأخرى وأن تفتح العالم القديم.

فبدأت بإخضاع جيرانها أولاً فأخضعت اللاتينيين أولاً ثم الشعوب الأخرى النازلة في الجنوب مثل الفولسكيين والإيكيين والهريكيين ثم الإيتروسكيين والسامنتيين ثم المدن اليونانية. وكان هذا الفتح من أشق الفتوح وأبطئه. بدأ على عهد الملوك ولم ينتهي إلا في سنة 266 أي بعد قرون ذلك لأنه كان على الرومانيين أن يقاتلوا شعوباً هم وإياهم من عنصر واحد على شاكلتهم في القوة والنجدة والشجاعة. ومن هذه الشعوب من أبى إباؤها أن تخضع للرومان فما كان من رومية إلا أن أبادتهم فأصبحت سهول فولسكا الغنية قفراً ذات بطائح ومستنقعات ولم تعد بطائح بونتين صالحة للسكنى حتى يوم الناس هذا وقد كانت بلاد السامنتيين تعرف بعد ثلاثمائة سنة من الحرب التي وقعت فيها بما بقي فيها من بقايا المتاريس أكثر مما تعرف بخلو جوارها من السكان وكان فيهخا 45 معسكراً للإمبراطور دسيوس و86 للقائد فابيوس.

الطرق العسكرية: أقام الرومانيون في جميع إيطاليا طرقاً عسكرية ليتسنى لهم أن يبعثوا بالبعوث القاصية وكان هذه الطرق عبارة عن طرق مستقيمة مرصوفة بالجير والحجر والرمل وبلغ من متانتها أنها صبرت على اليام خلال ذلك العهد برمته. وقد أكثر الرومان منها في عامة بلاد إيطاليا فليس فيها بقعة لا ترى فيها إلى اليوم أثراً من آثار تلك الطرق الحربية وكانوا يسمونها باسم الوالي الذي أمر ببنائها وأهم هذه الطرق طريق أبين الممتد إلى الجنوب إلى البطائح بوتين حتى ترانتا وبرندس ثم طريق فلامنين الذي يجتاز طريق أبنين ويصل إلى بحر الإدرياتيك وطريق أورلين الذي يقطع إقليم طوسكانيا آخذاً إلى الشمال على طول الشاطئ حتى بلاد الغول ثم طريق أملين الممتد من بحر الإدرياتيك مجتازاً جميع سهل بو.