مجلة المقتبس/العدد 33/الحسبة في الإسلام

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة المقتبس/العدد 33/الحسبة في الإسلام

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 10 - 1908


وأربعة مخطوطات فيها

عني المسلمون في القرون الأربعة الأولى خاصة بإقامة شعائر الدين على أصوله لتكون مدنيتهم فاضلة كما عنوا بوضع القوانين المدنية استخرجوها من روح الكتاب والسنة ليعملوا بها في معاشهم ومدنيتهم واجتماعهم. وكان يتولى ذلك في الأكثر ولاة الأمر بمعونة العلماء العاملين فإذا ما ضعفوا في بلد أو ناحية يتولى علية القوم من عامتهم ما يصدهم عن خرق سياج الشريعة وإخلال قواعد المدنية الفاضلة حتى لا يجوز قويهم على ضعيفهم ولا يجاهر أحد بمنكر ولا يعتدي على حق ولا يعمل عملاً من شأنه أن يجعل المدينة فاسقة فاجرة لئلا تهلك كما هلك القوم الفاسقون. وقد سموا هذا العمل الحسبة بالكسر وهو الأجر وهو اسم من الاحتساب أي احتساب الأجر على الله تقول فعلته حسبة واحتسب فيه احتساباً والاحتساب طلب الأجر.

وقد وردت في الكتاب العزيز عدة آيات صريحة في وجوب الحسبة وورد عن الشارع الأعظم آثار كثيرة وكذلك عن السلف الصالح والعلماء والعاملين من أهل الصدر الأول. والحسبة أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيضاً قسمت كما قسم الأمر بالمعروف إلى ثلاثة أقسام أحدها يتعلق بحقوق الله تعالى والثاني ما يتعلق بحقوق الآدميين والثالث ما يكون مشتركاً بينهما ويمكننا أن نقسمها إلى دينية ومدنية فالديني منها بطل من بلاد الإسلام منذ أصبحت حكوماتها لا تحافظ على جوهر الدين بالذات. والمدنية بقي أثر ضئيل منها في مصر خصوصاً إلى نحو أواسط القرن الثالث عشر للهجرة واستعيض عنها في بعض البلاد العثمانية بمجالس البلديات.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية أن أصل الحسبة أن يعلم أن جميع الولايات في الإسلام مقصودها أن يكون الدين كله لله وأن تكون كلمة الله هي العليا فإن الله سبحانه وتعالى إنما خلق الخلق لذلك وبه أنزل الكتب وبه أرسل الرسل وعليه جاهد الرسول والمؤمنون. وكل بني آدم لا تتم مصلحتهم لا في الدنيا ولا في الآخرة غلا بالاجتماع والتعاون والتناصر فالتعاون والتناصر على جلب منافعهم والتناصر لدفع مضارهم ولهذا يقال الإنسان مدني بالطبع فإذا جمعوا فلا بد لهم من أمور يفعلونها يجتلبون بها المصلحة وأمور يجتنبونه فيها من المفسدة ويكونون مطيعين للآمر بتلك المقاصد والناهي عن تلك المفاسد فجميع بني آدم لا بد لهم من إطاعة آمر وناهٍ فمن لم يكن من أهل الكتب الإلهية ولا من أهل دين فإنهم يطيعون ملوكهم فيما يرون أنه يعود عليهم بمصالح دينهم ودنياهم وغير أهل الكتاب منهم من يؤمن بالجزاء بعد الموت ومنهم من لا يؤمن وما أهل الكتاب فمتفقون على الجزاء بعد الموت ولكن الجوزاء في الدنيا متفق عليه من أهل الأرض فإن الناس لم يتنازعوا إن عاقبة الظلم وخيمة وعاقبة العدل كريمة ولهذا روي أن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مؤمنة.

قال والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل مسلم قادر وهو فرض على الكفاية ويصير فرض عين على القادر الذي لم يقم به غيره والقدرة هو السلطان والولاية فذوو السلطان اقدر من غيرهم وعليهم من الوجوب ما ليس على غيرهم فإن مناط الوجوب هو القدرة فيجب على كل إنسان بحسب قدرته أن يقول وبنو آدم لا يعيشون إلا باجتماع بعضهم مع بعض وإذا اجتمع اثنان فصاعداً فلا بد أن يكون بينهما ائتمار بأمر وتناه عن أمر وأولو الأمر أصحاب الأمر وذوو القدرة وأهل العلم والكلام فلهذا كان أولوا الأمر صنفين العلماء والأمراء فإذا صلحوا صلح الناس وإذا فسدوا فسد الناس كما قال أبو بكر رضي الله عنه للأحمسية لما سألته ما بقاؤنا على هذا الأمر قال: ما استقامت لكم أئمتكم. ويدخل فيهم الملوك والمشايخ وأهل الديوان وكل من كان متبوعاً فإنه من أولي الأمر. أهـ.

وقال ابن الأخوة: الحسبة من قواعد الأمور الدينية وقد كان أئمة الصدر الأول يباشرونها بأنفسهم لعموم صلاحها وجزيل ثوابها وهي أمر بالمعروف إذا ظهر تركه ونهي عن منكر إذا ظهر فعله وإصلاح بين الناس والمحتسب من نصبه الإمام أو نائبه للنظر في أحوال الرعية والكشف عن أمورهم ومصالحهم وبياعاتهم ومأكولهم ومشروبهم وملبوسهم ومساكنهم وطرقاتهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر. وقال الماوردي: الحسبة واسطة لين أحكام القضاء وأحكام المظالم فما ما بينها وبين القضاء فهي موافقة لأحكام القضاء من وجهين ومقصورة عنه من وجهين وزائدة عليه من وجهين فأما الوجهان في موافقتهما لأحكام القضاء فأحدهما جواز الاستعداء إليه وسماعه دعوى المستعدي علىالمستعدى عليه في حقوق الآدميين وليس هذا على عموم الدعاوي وإنما يختص بثلاثة أنواع من الدعوى أحدها أن يكون فيما يتعلق ببخس وتطفيف في كيل أو وزن والثاني ما يتعلق بغش أو تدليس في مبيع وثمن والثالث فيما يتعلق بمطل وتأخير لدين مستحق مع المكنة وللناظر في الحسبة من سلاطة السلطة واستطالة الحماة فيما يتعلق بالمنكرات ما ليس للقضاة لأن الحسبة موضوعة على الرهبة فلا يكون خروج المحتسب إليها بالسلاطة والغلظة تجوزاً فيها ولا خرقاً والقضاء موضوع للمناصفة فهو بالأناة والوقار أحق وخروجه عنهما إلى سلاطة الحسبة تجوز وخرق أن موضوع كل واحد من المنصبين يختلف فالتجاوز فيه خروج عن حده.

وقال ابن خلدون أن الحسبة وظيفية دينية من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو فرض على القائم بأمور المسلمين يعين لذلك من يراه أهلاً له فيتعين فرضه عليه ويتخذ الأعوان على ذلك ويبحث عن المنكرات ويعزر ويؤدب على قدرها ويحمل الناس على المصالح العامة في المدينة مثل المنع من المضايقة في الطرقات ومنع الحمالين وأهل السفن من الإكثار في الحمل والحكم على أهل المباني المتداعية للسقوط بهدمها وإزالة ما يتوقع من ضررها على السابلة والضرب على أيدي المعلمين في المكاتب وغيرها من الإبلاغ في ضربهم للصبيان المتعلمين. ولا يتوقف حكمه على تنازع أو استعداء بل له النظر والحكم فيما يصل إلى علمه من ذلك ويرفع غليه. وليس له إمضاء الحكم فغي الدعاوي مطلقاً بل فيما يتعلق بالغش والتدليس في المعايش وغيرها وفي المكاييل والموازين وله أيضاً حمل المماطلين على الإنصاف وأمثال ذلك مما ليس فيه سماع بينة ولا إنفاذ حكم وكأنها أحكام ينزه القاضي عنها لعمومها وسهولة أغراضها فتدفع إلى صاحب هذه الوظيفة ليقوم بها فوضعها على ذلك أن تكون خادمة لمنصب القضاء وقد كانت في كثير من الدول الإسلامية مثل العبيديين بمصر والمغرب والأمويين بالأندلس داخلة في عموم ولاية القاضي يولي فيها باختياره ثم لما تفردت وظيفة السلطان عن الخلافة وصار نظره عاماً في أمور السياسة اندرجت في وظائف الملك وأفردت بالولاية.

قلنا أن الناس كانوا يتولون الحسبة بأنفسهم عندما تضعف الحكومات لأن مصلحة أهل كل بلد لا تتم إلا بذب ذي بعضهم عن بعض والتواصي بالحق والجري من العدل على عرق.

قال ابن الأثير في حوادث سنة إحدى وثمانين ومائتين أن المتطوعة تجردت للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكان سبب ذلك أن فساق بغداد والشطار آذوا الناس أذى شديد وأظهروا الفسق وقطعوا الطريق وأخذوا النساء والصبيان علانية وكانوا يأخذون ولد الرجل وأهله فلا يقدر أن يمتنع منهم وكانوا يطلبون من الرجل أن يقرضهم ويصلهم فلا يقدر على الامتناع وكانوا ينهبون القرى لا سلطان يمنعهم ولا يقدر عليهم لأنه كان يغريهم وهم بطانته وكانوا يمسكون المجتازين في الطريق ولا يعدي عليهم أحد وكان الناس معهم في بلاء عظيم وآخر أمرهم أنهم خرجوا إلى قطر بل وانتهبوها علانية وأخذوا العين والمتاع والدواب فباعوه ببغداد ظاهراً واستعدى أهله السلطان فلم يعدهم فلما رأى الناس ذلك قام صلحاء كل ربض ودرب ومشى بعضهم إلى بعض وقالوا إنما في الدروب الفاسق والفاسقان إلى العشرة وأنتم أكثر منهم فلو اجتمعتم لقمعتم هؤلاء الفساق ولعجزوا عن الذي يفعلونه فقال رجل فدعا جيرانه وأهل محلته على أن يعاونوه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فأجابوه إلى ذلك فشد على من يليه من الفساق والشطار فمنعهم وامتنعوا عليه وأرادوا قتله فقاتلهم فهزمهم وضرب من أخذه من الفساق وحبسهم ورفعهم إلى السلطان إلا أنه كان لا يرى أن يغير على السلطان شيئاً ثم قام بعده رجل من الحريبة من أهل خراسان فدعا الناس إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعمل بالكتاب والسنة وعلق مصحفاً في عنقه وأمر أهل محلته وهاهم فقبلوا منه ودعا الناس جميعاً الشريف والوضيع من بني هاشم وغيرهم فأتاه خلق عظيم فبايعوه على ذلك وعلى القتال معه لمن خالفه وطاف ببغداد وأسواقها.

إليك مثالاً مما حدث في حكومة الشرق الإسلامية عندما ضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعض الشيء ومثله جرى في الغرب في مثل هذه الحالة فقد قال ابن خلدون أنه كانت لعهده في القرن التاسع للهجرة بالمغرب نزعة من الدعاة إلى الحق والقيام بالسنة لا ينتحلون فيها دعوة فاطمي ولا غيره وإنما ينزع منهم في بعض الأحيان الواحد فالواحد إلى إقامة السنة وتغيير المنكر ويعتني بذلك ويكثر تابعه وأكثر ما يعنون بإصلاح السابلة لما أن أكثر فساد الأعراب فيها فيأخذون في تغيير المنكر بما استطاعةا إلا أن الصيغة الدينية فيهم لم تستحكم لما أن توبة العرب ورجوعهم إلى الدين إنما يقصدون بها الإقصار عن الغارة والنهب لا يعقلون في توبتهم وإقبالهم إلى مناحي الديانة غير ذلك لأنها المعصية التي كانوا عليها قبل المقربة ومنها توبتهم فتجد ذلك المنتحل للدعوة القائم بزعمه بالسنة غير متعمق في فروع الاقتداء والاتباع وإنما دينهم الإعراض عن النهب والبغي وإفساد السابلة ثم الإقبال على طلب الدنيا والمعاش بأقصى جهدهم. انتهى.

هذا غاية ما يقال في تعريف الحسبة وشيء من تاريخها ولمعة من حالتها وقد ألف علماؤنا ما يربي على عشرين كتاباً في الحسبة المدنية خاصة أظفرنا البحث بأربعة منها حتى الآن وها نحن نتكلم على الكتاب الأول منها قال مؤلفه في مقدمته بعد البسملة والحمدلة والصلولة: أما بعد فقد رأيت أن أجمع في هذا الكتاب ما يستند من الأحكام إلى الأحاديث النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام مما ينتفع به هذا المنفذ لمنصب الحسبة والنظر في مصالح الرعية وكشف أحوال السوقة وغير ذلك على الوجه المشروع ليكون ذلك عماداً لسياسته وقواماً لرياسته فاستخرت الله تعالى في ذلك وضمنته طرفاً من الأخبار وطرزته بالحكايات والآثار ونبهت فيه على غش المبيعات وتدليس أرباب الصناعات مما يستحسنه من تصفحه من ذوي الألباب والمعلوم المشهور أن الكتاب عنوانه عقول الكتاب وجعلته سبعين باباً يشتمل كل منها على فصول شتى.

الباب الأول: في شرائط الحسبة وصفة المحتسب

الثاني: في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الثالث: في الخمر والآلة المحرمة

الرابع: في الحسبة على أهل الذمة

الخامس: في الحسبة على أهل الجنائز

السادس: في المعاملات المنكرة

السابع: فيما يحرم على الرجال استعماله وما لا يحرم

الثامن: في الحسبة على منكرات السواق

التاسع: في معرفة القناطير والأرطال والمثاقيل والدراهم

العاشر: في معرفة الموازين والمكاييل والأذرع

الحادي عشر: في الحسبة على الطحانين والعلافين الثاني عشر: في الحسبة على الفرانين والخبازين

الثالث عشر: في الحسبة على الشوائين

الرابع عشر: في الحسبة على النقانقيين

الخامس عشر: في الحسبة على الكبوديين والبواريين

السادس عشر: في الحسبة على الجزارين

السابع عشر: في الحسبة على الرواسين

الثامن عشر: في الحسبة على الطباخين

التاسع عشر: في الحسبة على الشريجيين

العشرون: في الحسبة على الهراسيين

الحادي والعشرون: في الحسبة على قلائي السمك

الثاني والعشرون: في الحسبة على قلائي الزلابية

الثالث والعشرون: في الحسبة على الحلاويين

الرابع والعشرون: في الحسبة على الشرابيين

الخامس والعشرون: في الحسبة على العطارين والشماعين

السادس والعشرون: في الحسبة على البياعين

السابع والعشرون: في الحسبة على اللبانين

الثامن والعشرون: في الحسبة على البزازين

التاسع والعشرون: في الحسبة على الدلالين

الثلاثون: في الحسبة على الحاكة

الحادي والثلاثون: في الحسبة على الخياطين والرفائين والقصارين

الثاني والثلاثون: في الحسبة على الحريريين

الثالث والثلاثون: في الحسبة على الصباغين

الرابع والثلاثون: في الحسبة على القطانين

الخامس والثلاثون: في الحسبة على الكتانيين

السادس والثلاثون: في الحسبة على الصيارف السابع والثلاثون: في الحسبة على الصاغة

الثامن والثلاثون: في الحسبة على النحاسين والحدادين

التاسع والثلاثون: في الحسبة على الأساكفة

الأربعون: في الحسبة على البياطرة

الحادي والأربعون: في الحسبة على سماسرة العبيد والجواري والدواب والدور

الثاني والأربعون: في الحسبة على الحمامات

الثالث والأربعون: في الحسبة على السدارين

الرابع والأربعون: في الحسبة على الفصادين والحجامين

الخامس والأربعون: في الحسبة على الأطباء والكحالين والمجبرين

السادس والأربعون: في الحسبة على مؤدبي الصبيان

السابع والأربعون: في الحسبة على القومة والمؤذنين

الثامن والأربعون: في الحسبة على الوعاظ

التاسع والأربعون: في الحسبة على المنجمين

الخمسون: فصول تشتمل على معرفة الحدود والتعزيرات وغير ذلك

الحادي والخمسون: في القضاة والشهود

الثاني والخمسون: في الولايات والأمراء وما يقلدونه من حالهم وما يتعلق بهم من أمور العباد

الثالث والخمسون: فيما يلزم المحتسب فعله

الرابع والخمسون: في الحسبة على أصحاب السفن والمراكب

الخامس والخمسون: في الحسبة على باعة قدور الخزف والكيزان

السادس والخمسون: في الحسبة على الفاخرانيين والغضاريين

السابع والخمسون: في الحسبة على الأبارين والمسلاتيين

الثامن والخمسون: في الحسبة على المردانيين

التاسع والخمسون: في الحسبة على الحناويين وغشهم

الستون: في الحسبة على الإمشاطيين الحادي والستون: في الحسبة على معاصر السيرج واللزيت الحار

الثاني والستون: في الحسبة على الغرابليين

الثالث والستون: في الحسبة على الدباغين والبططيين

الرابع والستون: في الحسبة على اللبوديينن

الخامس والستون: في الحسبة على الفرانين

السادس والستون: في الحسبة على الحصريين والعيداني والكركر

السابع والستون: في الحسبة على التبانين

الثامن والستون: في الحسبة على الحشاشين والقشاشين

التاسع والستون: في الحسبة على النجارين والنشارين والبنائين

السبعون: يشتمل على تفاصيل من أمور الحسبة لم تذكر في غيره

هذه أبواب الكتاب ومنه يفهم ما بني عليه ولا بأس بإيراد فصول منه للدلالة على أسلوبه قال في الباب الأربعين في الحسبة على البياطرة: البيطرة علم جليل سطرته الفلاسفة في كتبهم ووضعوا فيها تصانيف وهي أصعب علاجاً من أمراض الآدميين لأن الدواب ليس لها نطق تعبر به عما تجد من المرض والألم وإنما يستدل على عللها بالجس والنظر فيحتاج البيطار لى حسن بصيرة بعلل الدواب وعلاجاتها فلا يتعاطى البيطرة إلا من له معرفة وخبرة فالتهجم على الدواب بفصد أو قطع أو كي أو ما أشبه ذلك بغير مخبرة يؤدي إلى هلاك الدابة أو عطبها فيلزمه أرش ما نقص من قيمتها من طريق الشرع ويعزره المحتسب من طريق السياسة.

فصل وينبغي للبيطار أن يعتبر حافر الدابة قبل تعليمه فإن كان أحفاً أو بلا (كذا) نسف من الجنب الآخر قدراً يخ \ حصل به الاعتدال وإن كانت الدابة قائمة جعل المسامير المؤخرة صغاراً والمقدمة كباراً وإن كانت يدها بالضد من ذلك صغر المقدمة وكبر المؤخرة ولا يبالغ في نسف الحافر فتغمز الدابة ولا يرخي المسامير فيحرك النعل ويدخل تحته الحصا والرمل ولا يشد الحافر بقوة فتزمن الدابة واعلم أن النعال المطرقة ألزم للحافر واللينة أثبت للمسامير الصلبة والمسامير الرفيهة خير من الغليظة وإذا احتاجت الدابة إلى تسريع أو فتح عرق أخذ المبضع بين إصبعيه وجعل نصابه في راحته وأخرج من رأسه مقدار نصف ظفر ثم فتح العرق تعليقاً إلى فوق بخفة ورفق ولا يضرب العرق حتى يحبسه بإصبعه سيما عروق الأوداج فإنها خطرة لمجاورتها للمري فإن اراد فتح شيء من عروق الأوداج خنق الدابة خنقاً شديداً حتى تندر عروق الأوداج فيتمكن حينئذ مما أراد.

فصل وينبغي للبيطار أن يكون خبيراً بعلل الدواب ومعرفة ما يحدث فيها من العيوب ويرجع الناس إليه إذا اختلفوا في الدابة وقد ذكر بعض الحكماء في كتاب البيطرة أن علل الدواب ثلثمائة وعشرون علة تذكر ما اشتهر منها فمنها الخناق الرطب والخناق اليابس والجنون وفساد الدماغ والصداع والحمر والنفخة والورم والمرة الهائجة والديبة والخشام ووجع الكبد ووجع القلب والدود في البطن والمغل والمغص وريح السوس والقطاع والصدام والسعال البارد والسعال الحار وانفجار الدم من الدبر والذكر والنحل والحلق وعصار البول ووجع المفاصل والرهصة والرحس والداحس والنملة والنكب والجلد واللقوة والماء الحار في العين والناحر ورخاوة الأدنين والضرس وغير ذلك مما يطول شرجه فيفتقر البيطار إلى تحصيل معرفة علاجه وسبب حدوث هذه العللل منها ما إذا حدث في الدابة صار عيباً دائماً ولولا التطويل لشرحت من ذلك جملاً كثيرة وتفاصيل فلا يهمل المحتسب امتحان البيطار بما ذكرناه ومراعاة فعله بدواب الناس والله أعلم.

وقال في فصل في الحسبة على الحمامات وقوامها وذكر منافعها ومضارها: وقد ذكر عن بعض الحكماء أنه قال خير الحمامات ما قدم بناؤه واتسع هواؤه وعذب ماؤه وأعلم أن الفعل الطبيعي للحمام التسخين بهوائه والترطيب بمائه فالبيت الأول مبرد مردب والبيت الثاني مسخن مجفف والحمام يشتمل على منافع ومضار فأما منافعها فتوسع المسام واستفراغ الفضلات وتحلل الرياح وتحبس الطبع إذا كانت سهولته عن هيضة وتنظيف الوسخ والعرق وتذهب الحكة والجرب والإعياء وترطب البدن وتجود الهضم وتنظج النزلات والزكام وتنفع من حمى يوم ومن حمى الدق والربع بعد نضج خلطها عند طول المقام فيها وتسقط شهوة الطعام وتضعف الباه وأعظم مضارها صب الماء الحار على الأعضاء الضعيفة وقد تستعمل على الريق والخلاء فتجفف تجفيفاً شديداً أو تهزل وتضعف وقد يستعمل الحمام على قرب عهد بالشبع بعد الهضم الأول فإنه يرطب البدن ويسمنه ويحسن بشرته.

فصل وينبغي أن يأمرهم المحتسب بغسل الحمام وكنسها وتنظيفها بالماء الطاهر غير ماء الغسالة ويفعلون ذلك مراراً في اليوم. ويدلكون البلاط بالأشياء الخشنة لئلا يتعلق ماء السدر أو الخطمى فينزلق الناس عليها ويغسلون كل يوم حوض النوبة من الأوساخ المجتمعة فيه وكذلك الفساقي والقدور من الأوساخ المجتمعة من المجاري والعكر الراكد في أسفلها في كل شهر مرة لأنها تركت أكثر من ذلك تغير الماء فيها في الطعم والرائحة ولا يسد الأنابيب بشعر المشاطة بل يشدها بالخرق الطاهرة أو الليف الطاهر ليخرج من الخلاف ويستعمل فيها البخور في اليوم مرتين بالحصالبان الذكر أو المصطكى أو اللادن ولا يدع الأساكفة وأصحاب اللبد يغسلون شيئاً من اللبد ولا من الأديم في الحمام فإن الناس يتضررون برائحته ولا ينبغي أن يدخل الحمام مجذوم أو أبرص وينبغي أن يكون للحمامي ميازر يؤجرها للناس وتكون عريضة حتى تستر ما بين السرة والركبة ويأمر بفتح الحمام في السحر لحاجة الناس إليه للتطهر قبل وقت الصلاة ويلزم الوقاف حفظ أقمشة الناس فإن ضاع منها شيء لزمه ضمانة على الصحيح. ويتخذ بالحمام زيراً كبيراً برسم الماء الحلو أو عذباً إن كان يشرب برسم شرب الناس لاسيما في زمن الحر فإن ذلك من المصالح وكذلك فليكن عنده السدر والادلوك فقد يحتاج الإنسان له ولا يمكنه الخروج مإلى ظاهر الحمام ولو رتب سداراً دائماً على الباب الحمام لبيع السدر وآلة الحمام كان ذلك حسناً.

فصل ويلزم صاحب النوبة باستعمال الأمواس الجيدة الفولاذ حتى ينتفع الناس بها وينبغي أن يكو المزين خفيفاً رشيقاً بصيراً بالحلاقة ويكون حديده قاطعاً كما ذكرناه ولا يستقبل الرأس ومنابت الشعر استقبالاً ولا يأكل كل ما يغير نكهته كالبصل والثوم والكراث وغيره في يوم نوبته لئلا يتضرر الناس برائحة فيه عند الحلاقة ولا يحلق شعر صبي إلا بإذن وليه ولا عبداً غلا بإذن سيده ولا يحلق عذار أمرد ولا تحت مخنث.

فصل ويلزم المحتسب أن يتفقد الحمام في كل وقت ويعتبر ما ذكرناه وإن رأى أحداً قد كشف عورته عزره على كشفها لأن كشف العورة حرام وقد لعن رسول الله الناظر والمنظور والنساء في هذا المقام أشد تهاتكاً من الرجال ولهن محدثات من المنكر أحدثها الآن من الملابس ما لم يخطر للشيطان في حساب وتلك لباس الشهرة التي لا يستتر منه أسبال مرط وأدنى جلباب ون جملتها أنهن يعتصبن عصائب كأمثال الأسنمة ويخرجن من جهارة أشكالها في الصورة المعلمة.

وقال في الحسبة على الأطباء الطبائعية والكحالين والجرايحيين والمجبرين: الطب علم نظري وعلم أباحت الشريعة تعلمه لما فيه من حفظ الصحة ودفع العلل والأمراض عن هذه البنية الشريفة وقد ورد في ذلك أحاديث منها ما ورد عن عطاء بن السائب قال دخلت على أبي عبد الرحمن السلمي أعوده فأراد غلام له أن يداويه فنهيته فقال: دعه فإني سمعت عبد الله بن مسعود يخبر عن رسول الله أنه قال ما أنزل الله داء إلا وأنزل له دواء. وربما قال: سفيان شفاء علمه من علمه وجهله من جهله إلى أن يقول: والطبيب هو العارف بتركيب البدن ومزاج الأعضاء والأمراض الحادثة فيها وأسبابها وأعراضها وعلاماتها والأدوية النافعة فيها والاعتياض عما لم يوجد منها والوجه في استخراجها وطريق مداواتها ليساوي بين الأمراض والأدوية في كمياتها ويخالف بينها وبين كيفياتها فمن لم يكن كذلك فلا يحل له مداواة المرضى ولا يجوز له الإقدام على علاج يخاطر فيه ولا يتعرض لما لا علم له فيه وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال رسول الله من تطبب ولم يعلم منه طب قبل ذلك فهو ضامن وينبغي أن يكون لهم مقدم من أهل صناعتهم. فقد حكي أن ملوك اليونان كانوا يجعلون في كل مدينة حكيماً مشهوراً بالحكمة ثم يعرضون عليه بقية أطباء البلد ليمتحنهم فمن وجده مقصراً في محله أمره بالاشتغال وقراءة العلم ونهاه عن المداواة. وينبغي إذا دخل الطبيب على المريض أن يسأله عن سب مرضه وعما يجد من الألم ثم يرتب له قانوناً من الشربة وغيرها من العقاقير ثم يكتب نسخة لأولياء المريض بشهادة من حضر معه عند المريض فإذا كان من الغد حضر ونظر إلى دائه ورفع قارورته وسأل المريض هل تناقص به المرض أم لا ورتب له ما ينبغي على حسب مقتضى الحال وكتب له نسخة وسلمها لأهله وفي الثالث كذلك وفي اليوم الرابع كذلك وهكذا إلى أن يبرأ المريض أو يموت فإن برئ من مرضه أخذ الطبيب أجرته وكرامته وإن مات حضر أوليائه عند الحكيم المشهور وعرضوا عليه النسخ التي كتبها الطبيب فإن رآها على مقتضى الحكمة وصناعة الطب من غير تفريط ولا تقصير من الطب قال: هذا قضى بفروغ أجله وإن رأى الأمر بخلاف ذلك قال لهم خذوا دية صاحبكم من الطبيب فإنه هو الذي قتله بسوء صناعته وتفريطه. فكانوا يحتاطون على هذه الصورة الشريفة إلى هذا الحد حتى لا يتعاطى الطب من ليس من أهله ولا يتهاون الطبيب في شيء منه. وينبغي للمحتسب أن يأخذ عليهم عهد أبقراط الذي أخذه على سائر الأطباء ويحلفهم أن لا يعطوا أحداً دواءاً مضراً ولا يركبوا له سماً ولا يصفوا السموم عند أحد من العامة ولا يذكروا للنساء الدواء الذي يسقط الأجنة ولا للرجال الذي يقطع النسل وليغضوا أبصارهم عن المحارم عند دخولهم على المرضى ولا يفشوا الأسرار ولا يهتكوا الأستار ولا يتعرضوا لما ينكر عليهم فيه.

فصل وأما الكحالون فيمتحنهم المحتسب بكتاب حنين أعني العشر مقالات في العين فمن وجده قيماً فيما امتحنه به عارفاً بتشريح طبقات العين وعدد السبعة وعدد رطوباتها الثلاثة وما يتفرع من ذلك من الأمراض وكان خبيراً بتركيب الأكحال وأمزجة العقاقير أذن له المحتسب بالتصدي لمداواة أعين الناس ولا يفرط في شيء من لات صنعته مثل صنانير النشل والظفر ومباضع الفصد ودرج المكاحل وغير ذلك وأما كحالو الطرقات فلا يوثق بأكثرهم إذ لا دين لهم يصدهم عن التهجم على أعين الناس بالقطع والكحل بغير علم ومخبرة بالأمراض والعلل الحادثة ولا ينبغي لأحد أن يركن إليهم في معالجة عينه ولا يثق بأكحالهم وأشيافهم فإن منهم من يضع أشيافاً أصلها النشا والصمغ ويصبغها ألواناً مختلفة فيصبغ أحمر بالسيلقون والأخضر بالكركم والنيل والأسود بالقافيا والأصفر بالزعفران ومنهم من يجعل أشيافاً من مائها ويعجنه بالصمغ ومنهم من يعمل كحلاً من نوى الإهليلج المحرق والفلفل وجميع غشوش أكحالهم لا يمكن حصرها فيحلفهم المحتسب على ذلك إذ لا يمكنه منعهم من الجلوس.

فصل وأما المجبرون فلا يحل لأحد أن يتصدى للجبر إلا بعد أن يعرف المقالة السادسة من كتاب قوانين الجبر وأن يعلم عدد عظام الآدمي وهي مائتا عظم وثمانية عظام وصورة كل عظم منها وشكله وقدره حتى إذا انكسر منها شيء أو انخلع رده إلى موضعه على الهيئة التي كان عليها فيمتحنهم المحتسب على ذلك.

فصل وأما الجرايحيون فيجب عليهم معرفة كتاب جالينوس المعروف بفاطاجالس في الجراحات والمراهم وأن يعرفوا التشريح وأعضاء الإنسان وما فيه من العضل والعروق والشرايين والأعصاب ليتجنب بذلك في وقت فتح المواد وقطع البواسير ويكون معه دست المباضع فيه مباضع مدورات الرأس والموربات والحربات وفاس الجبهة ومنشار القطع ومخرقة الأذن ورد السلع ومرهمدان المراهم ودواء الكندر القاطع للدم ومنهم من يتهرجون على الناس بعظام تكون معهم فيدفنونها غي الجرح ثم يخرجونها منه بمحضر من الناس ويزعمون أن أدويتهم القاطعة أخرجتها. ومنهم من يضع مراهم الكلس المغسول بالزيت ثم يصبغ لونه أحمر بالمغرة وأخضر بالكركم والنيل والأسود بالفحم المسحوق فيعتبر عليهم ذلك.

وقال في الحسبة على الزعاظ: يجب على المحتسب أن ينظر في أمر الوعاظ ولا يمكن أحداً ممن يتصدى لهذا الفن إلا من اشتهر بين الناس بالدين والخير والفضيلة عالماً بالعلوم الشرعية وعلم الأدب حافظاً للكتاب العزيز ولأحاديث النبي وأخبار الصالحين وحكايات المتقدمين ويمتحن بمسائل يسأل عنها من هذه الفنون فإن أجاب وإلا منع كما اختبر الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه الحسن البصري وهو يتكلم على الناس فقال له: ما عماد الدين، قال: الورع. قال: فما آفته. قال: الطمع. قال: تكلم الآن إذا شئت. ومن كانت هذه الشرائط فيه مكن من الجلوس على المنبر في الجوامع والمساجد وفي أي بقعة أحب ومن لا يدري ذلك كان جاهلاً بذلك أمنع من الكلام فإن لم يمتنع ودام على كلامه عزر ومن عرف شيئاً يسيراً من كلام الوعاظ وحفظ من الأحاديث وأخبار الصالحين مثل ذلك وقصد الكلام يسترزق به ويستعين على وقته فسح له بشرط أن لا يصعد المنبر بل يقف على قدميه فإن رتبة صعود المنبر رتبة شريفة لا تليق أن يصعد عليه إلا من اشتهر بما وصفناه وكفى به علواً وسمواً أن النبي صعد عليه والخلفاء الراشدون من بعده والعلماء والأئمة وكان العصر الأول لبا يصعد فيهم المنبر إلا أحد رجلين خطيب في جامع يوم جمعة أو عيد أو رجل عظيم الشأن يصعد المنبر يعظ الناس ويذكرهم بالآخرة وينذرهم ويحذرهم ويخوفهم ويحثهم على العمل الصالح وكان للناس بذلك نفع عظيم.

وفي زماننا هذا لا يطلب الواعظ إلا لتمام شهر ميت أو لعقد نكاح أو لاجتماع هذيان ولا يجتمع الناس عنده لسماع موعظة ولا لفائدة وإنما صار ذلك من نوع الفرح واللعب والاجتماع وتجري في المجلس أمور لا تليق من اجتماع الرجال والنساء ورؤية بعضهم لبعض وأشياء لا يليق ذكرها وهذا من البدع المضلة وكان الأولى حسم الباب في ذلك والمنع منه وإن تعذر فلا يمكن (المحتسب) من ذلك إلا رجلاً مشهوراً بالدين والخير والفيلة كما تقدم من شرطه ن يكون عاملاً لله مجتهداًُ قولاً فعالاً. قال الله تعالى: {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين} وقال: {يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً} والفقهاء والمتكلمون والأدباء والنحاة يسمون أهل الذكر والوعاظ قصاصاً. قال بعض العلماء: مجالس الوعاظ خير المجالس وملابسها أفخر الملابس فيها ترق قسوة القلوب وفيها يتاب عن الذنوب ويعترف بالعيوب.

وقال في معرفة القنطار والأرطال والمثاقيل والدراهم: لما كنت هذه المعاملات وزنها اعتباراً للمبيعات لزم المحتسب معرفتها وحقيقتها لتقع المعاملة بها على الوجه الشرعي وقد اصطلح أهل كل إقليم على أرطال تتفاضل في الزيادة والنقصان ونحن نذكر من ذلك ما لا يسع المحتسب جهله ليعلم تفاوت الأسعار أما القنطار الذي ذكره الله العظيم في كتابه الكريم فقد قال: معاذ بن جبل هو ألف ومائتا أوقية وهو قول ابن عمر ورواه أبي بن كعب عن النبي وعن الضحاك ألف ومائتا مثقال ورواه الحسن عن النبي وقال أبو نصره هو ملء مسك ثور ذهباً أو فضة وعن أنس بن مالك قال النبي القنطار ألف دينار وعن ابن عباس والضحاك إثنا عشر ألف درهم أو ألف دينار دية الرجل المسلم وعن أبي صالح مائة رطل وهو المتعارف بين الناس. والرطل اثنتا عشر أوقية والأوقية اثنا عشر درهماً وهذا لا خلاف فيه لكن الرطل فيه اختلاف كثير في الأمصار والبلدان فالرطل الحجازي مائة وعشرون درهماً والرطل المصري مائة وأربعة وأربعون درهماً والرطل البغدادي مائة وثلاثون درهماً والرطل الدمشقي ستمائة درهم والرطل الحلبي سبعمائة وعشرون درهماً والرطل الحموي ستمائة وستون درهماً والرطل الحمصي سبعمائة وأربعة وتسعون درهماً والرطل الليتي مائتا درهم والجروي ثلاثمائة واثنا عشر درهماً والرطل الحراني سبعمائة وعشرون درهماً والعجلوني والرومي ألف ومائتا درهم والرطل الغزاوي سبعمائة وعشرون درهماً والرطل المقدسي والخليلي والنابلسي ثمانمائة درهم والرطل الكركي تسعمائة درهم.

وفي المحلات أرطال مختلفة فالمتعامل بها في الأسواق ما يذكر: مدينة قوص ولها أحوال رطل اللحم والخبز والخضر ثلاثمائة وخمسة وعشرون درهماً وباقي الحوائج مائتا درهم. مدينة أسيوط بمختلف الأحوال فالخبز واللحم ألف درهم ويسمى مناً وباقي الحوائج ليتي مائتا درهم. ومنفلوط اللحم والخبز ليتي مائتا درهم وباقي الحوائج مصري مائة وأربعة وأربعون درهماً. أخميم مدينة مختلفة احوال: الخبز واللحم ألف درهم ويسمى منا والباقي ليتي مائتا درهم. منية بني خصيب على رطل مصر مائة وأربة وأربعون درهماً. ديروط الصربان على رطل مصر مائة وأربعة وأربعون درهماً. مدينة المحلة رطلان وثلثا رطل يكون أربعمائة درهم. ثغر الإسكندرية رطلان وأوقيتان ثلاثمائة واثنا عشر درهماً. ثغر دمياط رطلان وربع ونصف أوقية ثلاثمائة وثلاثون درهماً. البلبيسي رطل وربع مصري مائة وثمانون درهماً. منية سمنود رطلان وسدس ثلاثمائة درهم. مدينة الفيوم مائة وخمسون درهماً ولم أسمع أن بلدة وافق رطلها البلدة الأخرى إلا نادراً أو قرية لقرية لا يؤبه بهما والأوقية م نسبة رطلها جزء من اثني عشر جزءاً.

وأما المثقال فاتفق على أنه درهم ودانقان ونصف وهو أربعة وعشرون قيراطاً والقيراط ثلاث حبات أو أربعة أسباع حبة وهو خمسة وثمانون حبة وخمسة أسباع حبة ووزن كل حبة منها مائة حبة من حبوب الخردل البري المعتدل قال بعض العلماء: الدرهم خمسون حبة وهمسا حبة من حب الشعير كما ذكرنا. ووزن كل حبة من الدرهم سبعون حبة من حب الخردل البري المعتدل والدينار مثل الدرهم وثلاثة أسباعة والدرهم ثم الدينار بنصفه وخمسه وهذا يفيد تقريباً على ما ضبطه الأئمة فإن عرف الدرهم الإسلامي بطريق غير هذه الطريق وتحقق قدره كان ذلك معتمداً في معرفة المثقال وإلا فلا ضابط إلا بما تقدم ذكره من حب الشعير. واختلفت في سبب استقراره على هذا الوزن فذكر أن عمر بن الخطاب رضي اللهعنه لما رأى اختلاف الدراهم وأن منها البغلي وهو ثمانية دوانيق ومنها الطبري وهو أربعة دوانيق ومنها ما هو ثلاثة دوانيق ومنها اليمني وهو دانق قال: انظروا الأغلب مما يتعامل فيه الناس من أعلاها وأدناها فكان الدرهم البغلي والطبري بينهما فكانا اثنى عشر دانقاً فأخذ نصفها فكان ستة داوانيق فجعل الدرهم الإسلامي ستة دوانيق ومتى زدت عليه ثلاثة أسباعه كان مثقالاً ومتى نقصت من المثقال ثلاثة أعشاره كان درهماً وكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل وكل عشرة مثاقيل أربعة عشر درهماً وسبعان والله أعلم.

وحكى سعيد بن المسيب أن أول من ضرب الدراهم المنقوشة عبد الملك بن مروان وكانت الدنانير ترد رومية وكانت الدراهم ترد كسروية وحميرية قليلة فأمر عبد الملك الحجاج بضرب الدراهم بالعراق فضرب بها سنة أربع وسبعين وقيل خمس وسبعين ثم أمر بضربها في النواحي سنة ست وسبعين وكتب عليها الله أحد الله الصمد. وحكة يحيى بن النعمان الغفاري أن أول من ضرب الدراهم مصعب بن الزبير عن أمر عبد الله بن الزبير سنة سبعين على ضرب الأكاسرة وعليها بركة من جاني والله من جانب ثم غيرها الحجاج بعد سنة وكتب بسم الله الحجاج وهذه فائدة ذكرت هاهنا لتعلقها بذكر الدراهم فيجب على المحتسب أن لا يهمل أمر هذا الباب وينظر فيه كل وقت والله أعلم.

وقال في معرفة الموازين والمكاييل والأذرع: أصبح الموازين وما استوى جانباه واعتدلت كفتاه وكان ثقب علاقته في وسط العمود ويحدد الثقب ويجعل المسمار فولاذاً حتى تكون سريعة الجريان فمتى لم يفعل ذلك كانت تسكن فيضر بالمشتري.

فصل ويأمر أصحاب الموازين بمسحها وتنظيفها من الأدهان والأوساخ في كل ساعة فإنه ربما يجمد شيء من جرمها فيضر كما ذكرنا وينبغي إذا شرع في الوزن أن يسكن الميزان ويضع فيها البضاعة من يده في الكفة قليلاً قليلاً ولا يهمز الكفة بإبهامه فإن ذلك كله بخس وتكون موازين الباعة معلقة ولا يمكن لأحد من الباعة أن يزن بميزان الأرطال في يده ومن البخس الخفي في ميزان الذهب أن يرفعه بيده تلقاء وجهه ثم ينفخ في الكفة التي فيها المتاع نفخاً خفيفاً فيرجح بما فيه وذلك أن المشتري يكون عينه على الميزان لا إلى فم صاحبه.

ولهم في الميزان صناعة يحصل بها البخس مثل أن يلصق شمعة تحت أحد كفتي الميزان أو يشكل رزة الميزان العليا بخيط شعر رقيق لا ينظره المشتري فيحصل له في ذلك تفاوت. ولهم أيضاً العلاقة التي تسمى الموى وهو أن يكون عمود الميزان فولاذاً ويعمل لسانه أرمهان أو يعوج رأس اللسان إلى الجانب الذي يردي أن يأخذ به فيحصل له ذلك القدر الحرام فيلزم المحتسب مراعاة ذلك في كل وقت. واعلم أنك وليت من الكيل والميزان أمراً من أجله هلكت الأمم السالفة فباشرهما بيدك مباشرة الاختبار ولا تقل أهلها عثرة فإن الإقالة لا تنهى عن العثار وكل هؤلاء من سواد الناس فمن لم يفقه نفسه وليس همته إلا فرجه أو ضرسه فحدهم التعزير التي هي نزاعة للشوى تدعو من أدبر وتولى.

فصل والقبان القبطي فينبغي للمحتسب أن يختبره بعد كل حين فإنه يفسد بكثرة استعماله في وزن الحطب والبضائع الثقيلة ويتخذ عنده عيارات من حصى في خرائط ليف هندي أو خيش ويضعها في موضع لا تصل إليها النداوة ولا الغبار ويعين لعيار القبانين رجل يوثق بدينه وأمانته ولا يشوبه في ذلك رياء ولا محاباة لأحد من أبناء جنسه ويلزم المحتسب أن لا يمكن أحداً من الوزن بالقبان إلا من ثبتت أمانته وعدالته ومعرفته بالعدول من أهل الخبرة في مجلسه فإنها صناعة عظيمة والبائع والمشتري واقفان لا يعلمان صحة ذلك من سقمه إلا من لفظه فيعتبر فيه ما ذكرناه.

فصل وينبغي أن يتخذ الأرطال من حديد ويعتبر المحتسب ويختم عليها بختم من عنده ولا يتخذوها من الحجارة لأنها إذا قرع بعضها ببعض فتنقص فإذا دعت الحاجة إلى اتخاذها لقصور يده عن اتخاذ الحديد أمره المحتسب بتجليدها ثم يختمها بعد العيار ويجد النظر فيها بعد كل حين لئلا يتخذوا مثلها من الخشب ورؤوس اللفت ولا يكون في الحانون الواحد دستان من ارطال أو صنج من غير حاجة لأنها تهمة في حقه ولا يتخذ عنده إلا ما جرت العادة باتخاذه مثل ثلث الرطل وثلث أوقية وثلث درهم لمقاربة النصف وربما اشتبه ذلك عليه بالنصف في حال الوزن عند كثرة الزبون والله أعلم.

فصل وينبغي للمحتسب أن يتفقد عيار المثاقيل والصنج والرطال والحبات على حين غفلة من أصحابها فإن في الصيارف من يأخذ حبات الحنطة فينقعها في الماء ثم يغرز فيها رؤوس الأبر الفولاذية ثم تجفف فتعود إلى سيرتها الأولى ولا يظهر فيها شيء ويأمرهم أن يجعلوا لون صنج الفضة مخالفاً للون صنج المثاقيل فربما وضعوا صنجة النصف درهم عوض الرباعي وبينهما تفاوت وكذلك صنجة الثمن عوض صنجة القيراطين والله اعلم.

فصل في المكاييل قال الله تعالى: {ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون * ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين} وقال : المكيال على مكيال المدينة والوزن على وزن مكة. والمكيال الصحيح ما استوى أعلاه وأسفله في الفتح والسعة من غير أن يكون محصور الفم ولا يكون بعضه داخلاً وبعضه خارجاً وينبغي أن يشده بالمسامير لئلا يصعد فيزيد أو ينزل فينقص وأجود ما عيرت به المكاييل الحبوب الصغار التي لا تختلف في العادة مثل الخردل والبرسيم والبزرقطونا والكسفرة وما أشبه ذلك يكون في كل حانوت من المكاييل الصحيحة مكيال وربع مكيال وثمن مكيال مختوم عليها بختم الحسبة لأن الحاجة تدعو إلى اتخاذ ذلك.

وينبغي للمحتسب أن يجدد النظر في المكاييل فإن من الحمصانيين والفوالين والعلافين من يأخذ قطعة خشب يحفرها مكيالاً فيكون طولها شبراً مثلاً والمحفور في داخلها أربع أصابع فيغتر الناس بسعتها وطولها ولا يعلمون المقدار المحفور وهذا تدليس لا يخفى ويراعى أيضاً ما يلصقونه في أسفل المكيال فإن منهم من يلصق في أسفله الجبر أو الجبس الأسود فيلصقونه لصقاً لا يكاد يعرف منهم من يلصق في جوانبه الكسب فلا يعرف لهم ولهم في مسك المكيال صناعة يحصل بها البخس فلا يدع الكشف عليهم في كل وقت وأما الكيالون فلا خير فيهم ولاسيما في هذا الزمان فإن أكثرهم يكتال ما يقبضه زائداً ويسمى عندهم الفرز والطرح وعند الصرف يجعله ناقصاً ويسمى عندهم المسفق وقد ذمهم الله تعالى بما ذكرنا في أول الفصل فينبغي للمحتسب أن يحذرهم ويخوفهم عقوبة الله تعالى وينهاهم عن البخس والتطفيف في ذلك كله ومتى ظهر له من أحدهم خيانة عزره على ذلك وينهره حتى يرتدع به غيره.

وخرّج أبو داو عن أحمد بن حنبل قال صالح بن أبي ذئيب: خمسة أرطال وثلث واسند البخاري إلى عبد الله بن أحمد بن حنبل ذكر لي أبي أنه عير مد النبي فوجده رطلاً وثلثاًوفي كتاب عقد الجوهر أن أهل المدينة لا يختلف اثنان أن مد النبي الذي يؤدى به الصدقات ليس أكثر من رطل ونصف ولا أقل من رطل وربع وقال بعضهم: رطل وثلث وهو الذي عليه أكثر العلماء. والولبة ستة عشر قدحاً من نسبة كيل البلد.

فصل الأذرع سبع أقصرها القاضية ثم اليوسفية ثم السوداء ثم الهاشمية الصغرى وهي الثلاثية ثم الهاشمية الكبرى وهي الزيادية ثم العمرية ثم الميزانية فأما القاضية وهي تسمى ذراع الدور وهي أقل من ذراع السوداء بإصبع وثلثي إصبع وأول من وضعها ابن أبي ليلى القاضي وبها يتعامل أهل كل وادي وأما اليوسفية إلي يذرع بها القضاة الدور بمدينة السلام وهي أقل من ذراع السوداء بثلثي إصبع وأول من وصفها القاضي أبو يوسف وأما الذراع السوداء فهي أطول من ذراع الدور بإصبع وثلثي إصبع وأول من وصفها الرشيد وقدرها بذراع خادم أسود على رأسه وهي التي يتعامل بها النسا في ذراع البز والتجارة والأبنية وقياس نيل مصر.

وأما الذراع الهاشمية الصغرى وهي البلالية فهي أطول من الذراع السوداني بإصبعين وثلثي إصبع وأول من أحدثها بلال ابن أبي بردة وذكر أنها ذراع جده أبو موسى الأشعري وهي أنقص من الزيادية بثلاثة أرباع عشر وبها يتعامل الناس بالبصرة والكوفة وأما الهاشمية الكبرى فهي ذراع الملك وأول من نقلها إلى الهاشمية المنصور وهي أطول من الذراع السوداء بخمس أصابع وثلثي إصبع ويكون ذراعاً وثمناً وعشراً بالسوداء وينقص منها الهاشمية الصغري بثلاثة أرباع عشر وسميت زيادية أن زياداً مسح بها أرض السواد وهي التي تذرع بها أهل الأهواز أما الذراع العمرية وهو ذراع عمر بن الخطاب رضي الله عنه التي مسح بها السواد قال موسى بن طلحة: رأيت ذراع عمر بن الخطاب التي مسح بها أرض السواد وهو ذراع وقبضة وإبهام قائمة قال الحكم: إن عمر عمد إلى أطولها وأقصرها وأوسطها فجمع منها ثلاثة وأخذ الثلث منها وزاد عليها قبضة وإبهاماً قائماً ثم ختم طرفيه بالرصاص وبعث ذلك على حذيفة وعثمان بن حنيف حتى مسحا بها أرض السواد وكان أول من مسح به بعده عمر بن هبيرة وأما الذراع الميزانية فيكون بالذراع السوداء ذراعاً وثلثي ذراع وثلثي إصبع وأول من وضعها المأمون وهي التي يتعامل بها الناي في ذراع البريد والسكور والسوق وكري الأنهار والحفائر والذراع المقدر الشرعي الذي ذكره الإمام الغزالي وغيره فهو أربعة وعشرون إصبعاً والإصبع ست شعيرات بطن حبة لظهر أخرى والشعيرة ست شعرات بشعر البغل الناعم والله أعلم.

وقد وردت أسماء في الأبواب المتقدمة في أول هذا المبحث نسيت لطول العهد بها وكثرة دخول الألفاظ الأعجمية بدلها مثل البوارديين الذين يطحنون السدر وهو من المطهرات كالصابون إذا غش يضر ولا ينفع والفاخرانيين والغضاريين وهم الذين يصنعون الزبادي السلطانيات من الحصا المطحون والغضارون باعة الكيزان والمسلاتيين صناع المسلات والمرادنيين الذين يعملون المرادن آلات الغزل القديمة تعمل من خشب السماسم أو من السنط الأحمر، وتمثيل المؤلف بالكيل المصري بدل غيره كما رأيت فيالحسبة على الموازين والمكاييل وكما جاء في الحسبة على الهراسين فيه دلالة على انه مصري من أهل القرن السابع ومما يستأنس به أن الكتاب ألف لمصر ما ورد أيضاً في الحسبة على الكتانيين فقال إن أجود الكتان المصري الجنوبي الغض وأجوده الناعم المؤرق وأردأ القصير الخشن الذي يتقصف ولا يخلطون جيده برديئه ولا الكتان البحري بالصعيدي ولا الصعيدي بالكوري وقال في الحسبة عل معاصر السيرج والزيت الحاروعيارة الجرة بالركل المصري ستة وعشرون رطلاً وربع الرطل وسكت وكذلك مثل بالرطل المصري في عصر الزيت وفي غيره.

للبحث صلة