مجلة المقتبس/العدد 3/الكتب والجراثيم

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة المقتبس/العدد 3/الكتب والجراثيم

ملاحظات: بتاريخ: 24 - 4 - 1906



العاقل يأخذ من كل كلامه أطيبه ومن كل نصيحة أنفعها فلو أراد مثلاً أن يعمل بجميع ما يشير به علماء البكتريولوجيا ويعتقد بفعل الجراثيم اعتقادهم بها لانقطعت يده عن العمل ولسانه عن الأكل وأنفه عن الشم وجسمه عن الحركة ولكن الحكيم يأخذ الكلام ويزنه بميزان الإنصاف ويقلبه على محك البصيرة فلا يقبله أو يقبل منه إلا بعد عرضه على فيصل العقل ومحكم التجارب.

ارتأى أحد نطس أطباء الفرنسيين مؤخراً أن أحسن واقٍ للمرء من الجراثيم أن يطالع من الكتب ما صدر من المطابع حديثاً ويقطع أوراقها بمقطع من العاج إذ قد ثبت بالفحص البكتريولوجي أن في الكتاب الحديث قليلاً من الجراثيم التي لا تضر ولكن في دفات الكتب وتحت مغابن أوراقها التي تتداولها الأيدي كثيراً كأسفار المكاتب وغرف القراءة ألوفاً من الجراثيم القتالة يتجلى ذلك بالعين المجردة لمن يحدق فيها وفي كل سطح مربع من أمثال هذه الكتب 43 جرثومة فيتكون من كتاب مؤلف من ثلاثمائة إلى أربعمائة صفحة عدد مدهش من الجراثيم. وليست كل هذه الجراثيم مما يضر ويؤذي على رأي علماء البكتريولوجيا بل أن معظمها من النوع الذي يكثر وجوده على سطح جلدنا ورأس أصابعنا وفي غبار الجو. ولكن الخطر كل الخطر آت من أولئك المسلولين أو الناقهين من الحمى الحصبية من ينظرون في تلك الكتب المعدة لقراءة الخاصة والعامة ويودعونها من سموم أمراضهم ما لا يشفى صاحبه. الخطر آت من أولئك المرضى الذين يسعلون ويعطسون ويمرون أصابعهم وهي مبتلة بلعابهم على صفحات تلك الكتب. فإن ما يتركه المسلول أثناء مرضه أو الناقه من الحمى في ثلاثين أو أربعين يوماً من نقاهته أو المصاب بالدفتيريا من الباشلس والجراثيم بين تضاعيف الأوراق لا يقدر مضرته إلا الباحث.

وليست الحوادث التي تدل على انتقال الأمراض المعدية بواسطة الكتب والرسائل والأوراق العتيقة بنادرة فقد أورد بعضها الدكتور لوب الفرنسي في تقريره إلى المجمع الطبي الباريسي ومن أعظم ما قصه من هذا القبيل ما شهدته بلدية خاركوف من أعمال روسيا من فتك السل في مستخدميها فتكاً ذريعاً وبعد البحث ظهر لها أن هذا المرض كان يفتك فيمن كان عهد إليهم العمل في سجلات الإدارة خاصة فسلمت أوراق تلك السجلات للبحث البكتريولوجي فثبت بعد الاستقراء أن أحد موظفي تلك الإدارة وكانت مهمته الرجوع إلى تلك السجلات أصيب بالسل وكان من عادته أن يبل رأس إبهامه ليقلب أوراق دفاتره فأبقى بين أوراقها كمية وافرة من جراثيم مرضه نمت على الزمن حتى جاء من بعده وأخذت تسري إليهم.

ومن الأمثلة أيضاً أن امرأة وضعت طفلاً فكان الطبيب يطبها ويطبه على أحدث الطرق في منع الفساد فمات الطفل في اليوم الثالث عشر من يوم ولادته بعد أن خرجت له بثور متعددة ثم تناولت هذه البثور والدته فماتت بعد مدة أيضاً وكان سبب ذلك كتاب عتيق استعارته الأم من إحدى غرف المطالعة كانت تقرؤه وهي ترضع طفلها فنزع الطبيب جلد الكتاب وبعض ورقات منه فشهد فيه جراثيم ذاك المرض الذي قضى على النفساء وابنها.

وما برحت مسألة العدوى بالكتب شاغلة بال الباحثين من علماء الصحة. ويقولون أن الخطر في الكتب المدرسية عظيم جداً لأنها تنتقل من يد إلى أخرى حتى تتمزق وتسود ويحشر فيها من ضروب الجراثيم أشكال إلا أن بعضهم يقول إن الجراثيم لا يطول عمرها على صفحات الكتب كثيراً فباشلس السل يعيش مائة وثلاثة أيام وجرثومة الهواء الأصفر 48 ساعة وجرثومة الخناق 28 يوماً وباشلس الحمى التيفوئيدية يعيش من أربعين إلى خمسين يوماً. ويقول قوم أنه لا ينبغي أن يوثق بهذه الأرقام لأنه ثبت أن سم الخناق يعيش كثيراً في الثياب وأن أحسن الطرق أن تطهر الكتب وليس من طريقة لتطهيرها إلا بإمرارها على بخار فورمول إلا أنها إذا مرت عليه تهرأ الورق وتمزق بعد حين ولابد أن يمر الكتاب على هذا البخار صفحة صفحة. وحدث ما شئت أن تحدث عن العناء الذي يلقاه من يعهد إليه تطهير ألوف من الأسفار. وكيفما دارت الحال فإن النظافة مطلوبة شرعاً وعقلاً والوقاية لازمة واختيار الكتب النظيفة خير من القذرة. وعسى أن يكون فيما تقدم عظة لمن اعتادوا أن يعيروا الكتب والمجلات وينقلوها إلى أيدي كثيرين حتى ممن لا يعرفونهم فيقللون بذلك من عدد مبتاعيها ويجلبون بها جراثيم مضرة بهم.