مجلة المقتبس/العدد 26/الرومان
مجلة المقتبس/العدد 26/الرومان
وصف إيطاليا
شعوبها القديمة: سكنت إيطالي عدة أجناس من الأمم لم يتحدوا في عاداتهم ولغاتهم فكان يعتبر السه لالعظيم الشمالي بين جبال الألب والأبنين جزءاً من إيطاليا وهناك نزل شعوب من الغاليين أتوها من الشمال. فكان الأتروسكيون ينزلون في البلاد الواقعة بين جبال الأبنين والبحر (هو إقليم توسكانيا) إلى نهر التيبر وفي جنوبه ينزل اللاتين. ولقد سكنت قبائل كثيرة في جبا الأبنين الوعرة وراء السهول الرومانية في الشرق والجنوب ولم تدع كل هذه الشعوب باسم واحد ولم تؤلف أمة واحدة بل كانت تنقسم لى أومبريين وصابنيين وفولسكيين وإيكيين وهرنكيين ومارسيين وسامنتيين ولكنهم يكادون كلهم يتكلمون بلغة واحدة ويعبدون أرباباً واحدة ولهم عادات واحدة. يتكلمون كالفرس والهنود واليونان بلغة آرية ولبعدهم وراء جبالهم عن الاختلاط بغيرهم احتفظوا بعاداتهم القديمة وعاشوا عصابات مع قطعانهم مشتتين في الخلاء ولم يكن لهم مدن ولا حواضر بل كانوا يلجؤن زمان الحرب إلى حصون أقيمت في الجبال وقد عرفوا بالشجاعة والقتال وبسلامة الأخلاق ومتانتها وكان منهم بعد حين أعظم قوة للجيش الروماني وفي أمثالهم: من يستطيع أن يتغلب على المارسيين أو أن يغلب بدونهم.
جاء في إحدى أساطيرهم أن الصابنيين نزل بهم خطب فادح فاعتقدوا أن الأرباب ساخطون عليهم فعقدوا العزم على أن يسكنوا غضبها وأن يقدموا ضحية إلى رب الحرب والموت كل من يولدون من الأولاد في إحدى فصول الربيع. ودعيت الضحية الربيع المنذور فأصبح جميع الأطفال الذين وضعتهم أمهاتهم تلك السنة ملكاً للرب حتى إذا بلغوا سن الرجال غادروا البلاد وبعدوا عنها إلى القاصية فتألفت عصابات فاختارت كل عصابة أحد حيوانات إيطاليا المقدسة دليلاً من مثل الصرد والذئب والثور وهي تتبعه كأنها تتبع مرسلاً من الرب وحيثما وقف الحيوان تنزل العصابة وتتخذه موطناً لها. وقيل أن عدة شعوب من إيطاليا كان أصلها من تلك الأسرات من النازحين وما زالت محافظة على اسم الحيوان الذي كان أجدادها اتبعوا آثاره في القديم وذلك مثل الهربينيين (شعب الذئب) والبيسانتينيين (شعب الصرد) والسامنتيين وكانت عاصمتهم تسمى بوفيانوم أي مدينة البقرة.
السامنتيون: كان السامنتيون من أقدر تلك الشعوب وقد سكنوا في إقليم الأبروز وهو معصى حقيقي فينزلون إلى السهول المخصبة في نابلي وبويل وينهبون المدن الأتروسكية والمدن اليونانية. جاهدوا قرنين في الرومانيين فكانوا كل مرة يردون على أعقابهم خاسرين إذ لم يكن لهم موطن ولا نظام ثم يعاودون القتال. وكان جهادهم الأخير شديداً. ولقد أتى شيخ إلى زعماء الجيش بكتاب مقدس كتب على نسيج من الكتان فأقاموا داخل المعسكر سوراً من نسيج الكتان وجعلوا في وسطه مذبحاً والجند واقفين من حوله شاهرين سيوفهم فيدخل أشجع المحاربين إلى السور وتؤخذ عليه العهود أن لا يهربوا من الزحف أمام العدو وأن يقتلوا المنهزمين فأخذ من أقسموا الإيمانات المغلطة وكانوا ستة عشر ألفاً ألبسة من الكتان فتألف منهم (كتيبة الكتان) وشرعت في القتال فقتلت عن آخرها.
يونان إيطاليا: سكن إيطاليا الجنوبية طواريء من اليونانيين كما سكن بعضهم مدينة سيباريس وكروتون وتارانت وقوي فيها أمرهم وكثر سوادهم. بيد أن اليونانيين لم يلقوا بأنفسهم قط إلى الوقوع في التهلكة إذ لم يقصدوا رومية خوفاً من الأتروسكيين وما عدا مدينة كومس فإن المستعمرين من أبناء يونان كانت لهم إلى القرن الثالث صلات قليلة مع الرومانيين.
الأتروسكيون: أطلق اسم الأتروسكيين إلى الآن على أقليم توسكانيا فسمي تروسكي وهو إقليم حار رطب مخصب للغاية. وظلت حال الأتروسكيين إلى الآن طلسماً من الطلاسم لم نفكه فهم لم يكونوا يشبهون جيرانهم ولا يعلم من أين أتوا بل أننا لا نعرف اللغة التي كانوا يتكلمون بها إلا أن أبجديتهم تشبه أبجدية اليونان ولكن الآثار التي عرفت عن هذا الشعب قصيرة لا نتمكن معها من استثبات لغتهم.
كان الأتروكسيون يحسنون استخدام أرضهم في الزراعة على أنهم عرفوا بالبحارة والتجارة أيضاً وكانوا يذهبون كالفينيقيين إلى البلاد القاصية للبحث عن عاج الهند وعنبر البلطيق وعن القصدير والأرجوان الفينيقي والحلي المصرية المكتوب عليها حروف هيروغليفية وعن بيض النعام. وإنك لتجد من جميع هذه الأشياء في قبورهم. وكانت سفنهم تتقدم نحو الجنوب حتى جزيرة صقلية. وقد كان اليونان يكرهونهم ويدعونهم (التيرينيين المتوحشين) أو القرصان الأتروكسيين. وكل بحار في تلك العصور ساعدته الأحوال يأتي منه قرصان بحر فكان من مصلحة الأتروسكيين خاصة أن يردوا البحارة اليونان ويصدوهم ليخلوا لهم الجو في الشاطيء الغربي من إيطاليا ويستأثروا بتجارته. ولم يبقوا من آثارهم إلا حوائط حصينة وقبوراً وعندما فتح قبر أحد الأتروكسيين تشاهد وراء باب ذي عمد غرفاً فيها سرر وقد امتدت عليها جثث وحواليها حلي من الذهب والعاج والعنبر وأقمشة الأرجوان وفرش وأوان كبيرة منقوشة ما الجدران فيرسمون عليها صور حروب وألعاب وولائم ومشاهد غريبة.
وإن ما استخرج من القبور بالألوف هومن صنع الأتروسكية فازدانت به متاحفنا وصنع على مثال الأواني اليونانية هو من صنع الأتروسكيين أنفسهم وفيها مشاهد ميثولوجية يونانية ولا سيما صور الحروب التي جرت حول طروادة والأشخاص ناتئة حمراء على صفيح أسود وقد أسس الأتروسكيون فقي طوسكانيا اثنتي عشرة مدينة ولكل منها ملكها وحكومتها وكان لهم من الجانبين مستعمرات فلهم اثنتا عشرة مستعمرة في إقليم كامبانيا في جوار نابولي واثنتا عشرة في سهل البو.
ديانتهم: اعتقد التروسكيون بأرباب جبارين وربما كانوا أشرارً وأرقى أولئك الأرباب الأرباب المستورون المجهول أمرهم ثم يجيء بعدهم الأرباب الذين يرسلون الصاعقة وعددهم اثنا عشر رباً يؤلفون مجلساً لهم ويعتقدون أنه يقيم تحت الأرض في مدافن الأمواب أربائب مشائيم وكثيراً ما كانوا يمثلون صورهم على أوان من صنع أيديهم فيمثلون ملك الجحيم المدعو مانتوس في صورة جبار مجنح جالس وتاج على رأسه ومشعل بيده كما يمثلون شياطين آخرين مسلحين بسيف ومطرقة والحيات يقبضون عليها بأيديهم وهم يتلقون أرواح الموتى وأهمهم الشيطان شارون المعروف عند اليونان بهذا الاسم أيضاً وقد تخيلوه على صورة شيخ ذي هيئة قبيحة يحمل مطرقة ثقيلة ليضرب بها ضحاياه. ويعتقدون أن أرواح الموتى وتسمى (المان) تخرج ثلاثة أيام في السنة من مقرها في عالم الظلمات وتطوف الأرض تروّع الأحياء وتؤذيهم فيقدم لهم الأتروسكيون ضحايا بشرية تسكيناً لغضبهم لأنهم يحبون الدم. وكانت معارك المصارعين المشهورة التي اصطلح عليها الرومان ضحايا دموية إكراماً للميت في أصل نشأتها وكان للعرافين الأتروسكيين الذين دعوا بالهاروسبيسيين أو أهل الفل قواعد يجرون عليها للتنبؤ عن المستقبل فيرصدون أحشاء الضحايا كما يرصدون الصاعقة وطيران الطير فيقف العرف ويدير وجهه نحو الشمال ماسكاً بيده عصا معقوفة ويخط خط يقطع به السماء شطرين فشطر الشرق وهو على اليمين يكون فأل خير وفأل الشمال يكون فأل شر ثم يقطع الشطر الأول على قطع الصليب ويؤلف خطوطاً متوازية يكون منها في السماء شكل مربع يدعونه المعبد فيرمي العرّاف ببصره إلى الطيور التي تمر في ذاك المربع فبعضها كالنسر علامة خير وأخرى كالبومة طالع شؤم.
ولقد تنبأ الأتروكسيون عن مستقبلهم بأنفسهم فهم الشعب الوحيد من بين الشعوب القديمة الذي لم يعتقد بأنه خالد وكانوا يقولون أن بلادهم يدون أمرها عشرة قرون وهذه القرون لم يكن كل واحد منها مؤلفاً من مئة سنة ولا تعين مدة القرن إلا بعد أن يجري له فأل. ففي سنة 44 وهي سنة وفاة قيصر ظهر في السماء نجم مذنب فقال أحد العرافين من الأتروسكيين في رومية في جمع من الأمة أن هذا النجم يشير إلى نهاية القرن التاسع وابتداء القرن العاشر وهو آخر قرن يستقيم فيه أمر الأتروسكيين.
نفوذ الأتروسكيين: كان الرومان أمة نصف متوحشة فاقتدوا كثيراً بالأتروسكيين وهم أكثر منهم تمدناً وأخذوا عنهم بعض المصطلحات الدينية خاصة مثل ألبسة الكهنة والحكام والشعائر الدينية وعلم معرفة الغيب وزجر الطيور وعندما كان الرومانيون يؤسسون مدينة يجرون على شعائر الأتروسكيين فيخط المؤسس لها بالمحراث سوراً مربعاً وللمحراث سكة من النحاس يجرها ثور أبيض وبقرة بيضاء فيتبع الناس المؤسس ويلقون بمزيد من العناية جميع مدر الأرض من ناحية السور وتصبح كل الهوة التي يشقها المحراث مقدسة لا يستطيع أحد أن يتعداها للدخول في السور ولذلك اقتضى أن يقطع المؤسس تلك الأثلام أو الهوى المقدسة من عدة مواقع فكل مكان يتخطاه المحراث يفتح فيه باب وكل فرجة لم تمسسها السكة تبقى غير مقدسة وتكون باباً يسوغ منه الدخول. ولقد أسست رومية بحسب هذه المراسيم الدينية وكانت تسمة رومية المربعة ويقولون أن مؤسسها قتل أخاه عقاباً له عن تجاوزه السور المقدس الذي خطه ثم جرى الاصطلاح أن تخطط أسوار المستعمرات والمعسكرات الرومانية بل وحدود المساكن بحسب هذه القواعد الدينية وبخطوط نصف هندسية. وكان دين الرومانيين من أصل أتروسكي فنقلوه إلى أرجاء العالم القديم بأسره ولذلك حق لآباء الكنيسة أن تسمي بلاد الأتروسكيين أم الخرافات.
اللاتينيون: نزل اللاتينيون في بلاد الآكام والشعاب الواقعة جنوبي نهر التيبر وهي يطلق عليها اليوم اسم برية رومية وكانوا قليلاً عددهم ولم تكن مساحة البقعة التي يسكنونها أكثر من 270 كيلومتراً مربعاً وكانوا من عنصر واحد كسائر الطليان يشبهونهم باللغة والدين والأخلاق ولكنهم يفوقونهم بالتمدن بعض الشيء يزرعون الأرض ويبنون المدن الحصينة وينقسمون إلى شعوب صغيرة مستقلة ولكل شعب أرضه الخاصة به ومدينته وحكومته وتدعى تلك المملكة الصغيرة مدينة.
ولقد قامت ثلاثون مدينة لاتينية فألفت منها مجتمعاً دينياً يشبه مجتمع الأمفكتيون اليوناني وأخذوا كل عام يحتفلون احتفالاً عاماً بعيد لهم وتندب كل مدينة عنها من يمثلها في مدينة ألب فيذبحون صوراً ضحية للرب المشترك بينهم وهو كوكب المشتري اللاتيني.