مجلة المقتبس/العدد 22/صحف منسية
مجلة المقتبس/العدد 22/صحف منسية
وصف عاصمة الأندلس
قال لسأن الدين بن الخطيب في (كتاب الأحاطة في أخبار غرناطة) عند ما ألم باسم هذه المدينة ووضعها ووصفها الجغرافي ما نصه: وبردها لذلك من المنقب الشتوي شديد وتجمد بسببه الادهان والمائعات ويتراكم بساحاتها الثلج في بعض السنين فجسوم أهلها بصحة الهواء صلبة وسحناتهم خشنهة وهضومهم قوية ونفوسهم لمكان الحر الغريزي جريئة وهي دار منعة وكرسي ملك ومقام حصانة. وكان ابن غانية يقول للمرابطين في مرموته وقد عول عليها للامتساك بدعوتهم (الأندلس درقة وغرناطة قبضتها فإذا تجشمتم يا معشر المرابطين القبضة لم تخرج الدرقة من ايديكم)
ومن ابدع ما قيل في الاعتذار عن شدة بردها مما هو غريب في معناه قول القاضي أبي بكر بن شبرين
رعى الله من غرناطة متبوا ... يسر كئيباً او يجير طريدا
تبرم منها صاحبي عند ما رأى ... مسارحها بالبرد عدن جليدا
هي الثغر صأن الله من أهلت به ... وما خير ثغر لا يكون برودا
وقال الرازي عند ذكر كورة البيرة: أن ارضها سقي غزيرة الأنهار كثيرة الثمار ملتفة الأشجار وأكثرها ادواح الجوز ويحسن فيها قصب السكر ولها معادن جوهرية من ذهب وفضة ورصاص وحديد وكورة البيرة أشرف الكور نزلها جند دمشق. . . وفحصها لا يشبه بشيء من بقاع الأرض طيباً ولا شرفاً الا بالغوطة غوطة دمشقز وقال بعض المؤرخين بعد أن عدد نباتاتها ومعادنها: وكفى بالحرير الذي فضلت به فجراً وقنية وغلة شريفة وفائدة عظيمة تمتاز منها البلاد وتجلبة الرفاق فضيلة لا يشاركه فيها الا بالبلاد العراقية وفحصها الافيح المشبه بالغوطة الدمشقية حديث الركاب وسمر الليالي قد دحاه الله في بسيط سهل تخترقه المذانب (مسيل الماء إلى الأرض) وتتخلله الأنهار والجدأول وتتزاحم فيه الغرف والجناحات في ذرع أربعين تنبو العين فيها عن وجهه. . .
وبعد أن فصل المؤلف كتابه إلى فصول كثيرة وأتى على ذكر ما آل إليه حال من ساكن المسلمين بغرناطة من النصاري وما ينسب لهذه الكورة من الاقاليم التي نزلها العرب وما اشتمل عليه خارج المدينة من القرى والجنات والجهات قال في احضاء بيوتها: وتذهب هذه الغروس المغروسة قبلة ثم يفيض تيارها إلى غرب المدينة وقد كثرت بها الجبال الشاهقة والسفوح العريضة والبطون الممتدة والاغوار الخائفة مكللة بالأعناب غاصة بالادواح متزاحمة بالبيوت والابراج بلغ إلى هذا العهد عدها في ديوان الحرص إلى ما يناهز أربعة عشر الفا نقلت ذلك من خط من يشار إليه في هذه الوضيعة. وقال في فصل آخر: ويحيط بما خلف السور من المباني والجنات في سهل المدينة العقار الثمن العظيم الفائدة المتعاقب الغلة الذي لا يعزفه الحمام ولا يفارق الزرع من الأرض البيضاء ينتهي ثمن المرجع منها إلى خمسة وعشرين ديناراً من الذهب العين لهذا العهد فيه مستخلص السلطان مايضيق عنه نطاق القيمة ذرعاً وغبطة وانتطاماً يرجع إلى دور ناجمة وبروج سامية وبيادر فسيحة ومصاب للحمائم والدواجن ماثلة منها في طوق البلد وحمى سورها جملة. . . إلى أن يقول بعد ذكر القرى والدساكر: أن أكثر هذه القرى امصار فيها ما يناهز خمسين خطبة تنصب فيها لله المنابر وترفع الايدي وتتوجه الوجوه. وجملة المراجع العلية المرتفعة فيها في الأزمنة في العام بتقريب ومعظمها السقيا الغبيط (اغبط النبات غطى الأرض وكثف وتدانى كانه من حبة واحدة) السمين الغالي ما ينيف على اثنين وستين الفا وينضاف إلى ذلك مراجع الأملاك السلطانية ومواضع احباس المساجد وسبل الخير ما ينيف على ما ذكر فيكون المجموع باحتياط خمسمائة الف وستين الفا والمستفاد فيها من الطعام المختلف المجلوب للجانب السلطاني ثلاثمائة الف قدح ويزيد ويشتمل سوادها وما وراءه من الارحاء الطاحنة بالماء ما ينيف على مائة وثلاثين رحى الحقها جناح الأمنة ولا قطع عنها مادة الرحمة بفضله وكرمه.
وقال في وصف أخلاق أهل ذاك القطر وعاداتهم وملابسهم: فتبصرهم في المساجد أيام الجمع كانهم الازهار المفتتحة في البطاح الكريمة تحت الاهوية المعتدلة. وذكر أصولهم وانسابهم وجندهم واسلحتهم ثم قال: وأعيادهم حسنة مائلة إلى الاقتصاد والغنى بمدينتهم فاش حتى في الدكاكين التي تجمع صنائعها كثيراً من الأحداث كالخفافين ومثلهم واشار إلى طعامهم وفواكههم وصرفهم (سكتهم) فقال ما نصه: وعادة أهل هذه المدينة الانتقال إلى حلل العصير اوإن إدراكه بما تشتمل عليه دورهم والبروز إلى الفحوص بأولادهم وعيالهم معولين في ذلك على شهامتهم واسلحتهم على اكتاد دوابهم واتصال امصارهم بحدود ارضه. وحليهم في القلائد والدمالج والشنوف والخلاخل الذهب الخالص إلى هذا العهد في اوالي الجدة واللجين في كثير من آلة الرجلين فيمن عدأهم والأحجار النفسية من الياقوت والزبرجد والزمرد ونفيس جوهر كثير ممن ترتفع طبقاتهم المستندة إلى ظل دولة او اصالة معروفة موقرة.
وحريمهم حريم جميل موصوف بالحسن وتنعم الجسوم واسترسال الشعور ونقاء الثغور وطيب النشر وخفة الحركات ونبل الكلام وحسن المجاورة إلا أن الطول يندر فيهن وقد يبلغن من التفنن في الزينة لهذا العهد والمظاهرة بين المصبغات والتنافس بالذهبيات والذيباجيات والتماجن في أشكال الحلي إلى غاية نسأل الله أن يغض عنهن فيها عين الدهر ويكف كف الغدر ولا يجعلها من قبيل الابتلاء والفتنة وأن يعامل جميع من بها بستره ولا يسلبهم خفي لطفه بعزته وقدرته.
وصف لسأن الدين امة ملك قشتالة فقال: وحال هذه الأمة غريبة في الحماية الممزوجة بالوفاء والرقة والاستهانة بالنفوس في سبيل الحمية عادة العرب الأول وأخبارهم في القتال غريبة من الاسترجال والزحف على الاقدام أميرهم ومأمورهم والجثو في الأرض أو الدفن في التراب والاستظهار في حال المحاربة بعض الالحان المهيجة ورماتهم قسيهم عربية جافية وكلهم في دروع ولا لجام عندهم والتقهقر مقدار الشبر ذنب عظيم وعار شنيع ورماتهم يسبقون الخيل في الطراد وحالهم في باب التحلي بالجواهر وكثرة آلات الفضة غريب.