مجلة المقتبس/العدد 12/المسلمون في الفيليبين

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة المقتبس/العدد 12/المسلمون في الفيليبين

ملاحظات: بتاريخ: 15 - 1 - 1907



الفيليبين هي أرخبيل أو مجموع جزائر في الإقيانوس الكبير تتألف من نحو ألف ومائتي جزيرة صغرى وكبرى. وهذه الجزر هي القسم الشمالي من ماليزيا اكتشفها ماجللان الملاح البرتغالي ودعيت باسم فيليب الثاني ملك إسبانيا وهي ممتدة على 1500 كيلومتر من الشمال الشرقي من بورنيو بين بحر الصين والمحيط الباسيفيكي وتبلغ مساحتها السطحية 296. 000 كيلومتر مربع وأهم محاصيلها البن والأبازير البهارات وقصب السكر والأرز والتبغ والقنب ومن بحرها وأنهارها يستخرج عرق اللؤلؤ والدر بكثرة ومناخها شديد ولذلك كان أهلها وعددهم زهاء سبعة ملايين نسمة أشداء أقوياء. وقد اضمحل سكانها الأصليون إلا قليلاً بما داهمهم من بأس الفاتحين من الماليزيين وأكثر سكانها تمدناً اليوم هم التاغال وعددهم مليون ونصف والفيزايا وعددهم مليونان ونصف والفيكول وعددهم أربعمائة ألف والمورو أي المغاربة وهم المسلمون وعددهم كثير في الجزائر الجنوبية. وهم أخلاط من الماليزيين والصينيين والهنديين والعرب والجاحدين من الأوربيين ويعد في جملة المسلمين قوم من الجورامانتادو يقدمون أرواحهم فدية لله ويتقربون إليه بقتل الكافرين وهم متعصبون على الجملة على ما وصفهم أكثر من كتبوا عنهم.

ولقد استولت إسبانيا على هذه الجزر زمناً ولكنها لم تعمرها وغاية ما صرفت وكدها إليه تنصير السكان ليدينوا بالكثلكة فأصبح المتظاهرون بها والمنتحلون لها تسعين في المائة من السكان ولما لقي التاغال والميتيون ما لقوا من سيطرة رجال الدين وسوء الإدارة قاموا يريدون تخفيف ما نالهم وأن يعاملوا بالمساواة مع البيض فنشبت ثورة سنة 1896 ولم تنطفئ شعلتها إلا بوعد زعيم الثائرين أن تقوم إسبانيا بالإصلاح المنشود ولما لم تقم هذه الحكومة بوعدها عاد ذاك الزعيم يبدي نواجذ الشر في السنة التالية بمعاونة الولايات المتحدة وبعد أن حاربت الحكومة الأمريكية إسبانيا من أجل هذه الجزائر استولت على الفيليبين وكوبا وبورتوريكو ونكست أعلام إسبانيا وراح الأمريكان يستعمرونها فيحسنون استعمارها.

ولما مد السلام رواقه على هذا الأرخبيل وانتهى دور الكتائب والحسام جاء الدور للكتب والأقلام وأخذت المجامع العلمية تبعث برسلها للبحث والتنقيب لتنظر في تاريخ الفيليبين واجتماعها وعمرانها فانتشر منذ سنة نحو عشرين مصنفاً في الكلام على هذه الجزائر جملتها كتاب المورو أي مسلمي الفيليبين لوطنينا الفاضل الدكتور نجيب صليبي.

ولقد اطلعنا على مبحث في مجلة العالم الإسلامي الفرنسية اقتطفته من مصادر كثيرة ومنها كتاب جزائر الفيليبين الذي ظهر مؤخراً بالإنكليزية من قلم جون فورمان فآثرنا تحصيله للقراء ليقفوا على أحوال أولئك القوم ويعرفوا مبلغ عناية الغربيين بكل فرع من فروع العلم والاجتماع قالت المجلة الباريسية:

شغل المؤلف جزءاً عظيماً من كتابه بالكلام على المسلمين بعد أن أطال عشرتهم وخالط زعماء الثورة ورجال الحكومة منهم فجاء من ذلك ببيان رائده الإنصاف وسداه ولحمته التحقيق وقد أبان في كتابه علاقة مسلمي الفيليبين مع الإسبانيين سابقاً ومع الأمريكيين لاحقاً إلى أواسط سنة 1905.

المسلمون اليوم هم عبارة عن ثمانية أو تسعة أعشار جزيرة مينداناو الكبرى وجميع أرخبيل سولو مع جنوبي بالوان وكانوا منتشرين في الشمال من تلك البلاد على عهد الفتح الإسباني ولما نزلت الحملة الإسبانية الأولى في جزيرة لوسون سنة 1507 اختلطت لأول أمرها مع الراجا (حاكم) توندو وابن أخته الراجا سليمان في مانيلا حاضرة الفيليبين اليوم وكان قائد الجيش الإسباني العام إذ ذاك يرى سكان توندو ومانيلا مسلمين ويطلق عليهم في مكاتباته الرسمية لفظ المورو أي المغاربة ولم يكن لأحد من الإسبانيين شك في ذلك لأن المغاربة لم يطردوا الطرد الأخير من إسبانيا إلا سنة 1492.

ولقد اختلفت الأقوال في دخول الإسلام إلى تلك الجزر والمرجح أن الجزر الجنوبية مثل ميداناو وسولو انتشر فيها الإسلام لقربها من مسلمي شمالي بورنيو فاستولى المسلمون على سلطنة بورنيو عقيب أن خربوا مملكة الماجاباهيت من بلاد جاوه سنة 1473 ولم يتحارب الإسبانيون مع سلاطين المسلمين إلا في سنة 1577 وقد تقدم السلطان عبد القهار عدة ملوك مسلمين ومنه بدأ تاريخ الفتن بين المسلمين والإسبانيين. وبالجملة فإن الإسلام انتشر في مينداناو وبورنيو بمساعي دعاة العرب على أنه لم ينتشر حقيقة في جنوبي الفيليبين إبان الفتح الإسباني ولم تنتحل سولو الإسلام إلا بعد أن جاءها دايكس من بورنيو وتزوج أحد زعمائهم المدعو اندازولان - وكان استولى أولاً على جزيرة بازيلان ثم على سولو - من ابنة زعيم من أعيان المسلمين في مينداناو وانتحل الإسلام وأسس سلطنة سولو ثم قويت شوكته باتحاده مع بورنيو ومينداناو.

وعادت الأحقاد القديمة فتجددت بين الإسبانيين والمسلمين وحمل الإسبانيون على هؤلاء مدفوعين بعامل السخط الشديد وفي سنة 1576 ثار لاكاندولا والراجا سليمان في جزيرة لوسون ولكن قوة الإسبانيين إذ ذاك حالت دون انتشار الكلمة الإسلامية وإن بقيت اليوم بقية من ذرية لاكاندولا في بعض القرى فقد انحط مقامهم وأصبحوا نكرة لا تعرف حتى أن أحدهم كان خادماً في مطعم فرنسي في مانيلا سنة 1885.

وقد بعثت إسبانيا سنة 1596 حملة على مينداناو فقتل قائدها عند نزوله إلى البر وأغار والي سولو بنفسه سنة 1638 فاحتل بعض المراكز في شاطئ ميداناو حيث لقب الراجا سيبوجي سنة 1640 بلقب السلطنة. ولم تكن هذه السلطنة وذاك الاحتلال إلا اسماً لا حقيقة لهما إذ بقيت الفتن قائمة قاعدة بين المسلمين الأصليين والمسيحيين الفاتحين ولاسيما في القرصنة. فدامت الغزوات البحرية بين الفريقين بلا انقطاع مدة ثلاثة قرون فريق يعتقد أنه يجاهد جهاداً مقدساً وهم المسلمون وفريق يدعي أنه يحارب باسم الصليب وهم المستعمرون الإسبانيون.

وفي أواسط القرن الثامن عشر حدثت بين المسلمين والإسبانيين فترة غريبة ذلك بأن المفاوضات بينهم انتهت بأن يكاتب ملك إسبانيا سلطان سولو الذي قاوم أحد أخوته مكانه فجاء مانيلا يطلب مساعدة حاكمها. ورأى السلطان محمد عليم الدين أن يتنصر فتعمد ولحقت به أسرته وبدأت تتعلم في مانيلا التعليم الإسباني المسيحي وبعد سنتين رخص له بأن يذهب من مانيلا إلى سولو وزامبوانكا في موكب له فاضطر أولاً أن يكتب إلى السلطان محمد أمير الدين في مينداناو وينصح له بلسان شديد اللهجة أن ينضم إلى الإسبانيين. وبعد سفره بقليل تبين للحاكم الإسباني أن العبارة العربية كانت مخالفة للعبارة الإسبانية التي كتبها بنفسه ووقع عليها ولذلك أمر بسجنه في زامبوانكا ثم أعيد إلى مانيلا ولم يسع الوالي الإسباني إلا أن يعود إلى تنصير ذاك الحاكم المسلم ولو صورة.

ولما احتل الإنكليز مانيلا سنة 1763 وجدوا السلطان مسجوناً فأطلقوا سراحه فراح إلى سولو وأقام على استئصال شأفة الإسبانيين في مينداناو وأصاب الإنكليز أيضاً شيءٌ من شره وإن أحسنوا معاملته. وقد بعث الإنكليز إلى سولو بمائة وخمسين رجلاً لتوطيد قدمهم فيها فدعاهم أحد زعماء المسلمين إلى مأدبة وذبح منهم 144.

وبعد أن انجلت إنكلترا عن قاعدة تلك البلاد عدل الإسبانيون من معاملتهم للمسلمين فاعترفوا سنة 1836 باستقلال سلطانهم هناك حتى إذا كان عام 1884 سيروا عليه حملة واستولوا على حاضرة بلاده فراح السلطان وخاصة رجاله يحتفظون بألقابهم فأدرت حكومة إسبانيا عليهم رواتب ومشاهرات إلا أن المسلمين لم يبرحوا يلجؤون إلى الغارة والنهب في السواحل حتى قيل أن غارات المسلمين قويت شوكتها سنة 1876 فلم يعد حكم إسبانيا في سولو إلا اسمياً.

وهكذا جرت حوادث بين الحكام الإسبانيين والسلاطين المسلمين يخضع هؤلاء تارة وينتقضون أخرى مثل سلاطين باكات وبوهاين وكودارنكان المتحالفين مع داتواوتو ولما ضاقت إسبانيا ذرعاً ببعض القبائل المسلمة وانتقاضها الحين بعد الآخر عزمت غداة ثورة سنة 1896 أن تطرد المسلمين من عقر دارهم وتسكن فيها جماعة من المسيحيين الوطنيين ثم خضع بعض أولئك الأمراء للإسبانيين خضوع حب لأن منهم من كان يقدر المدنية الغربية قدرها ولذلك ظلوا على موالاة الأمريكيين أيضاً بعد أن استولوا على هذه الجزائر.

ويؤخذ مما كتبه فورمان أن الأحقاد القديمة بين الإسبانيين والمسلمين دامت على أشدها مدة ثلاثة قرون وظل المسلمون هناك يذكرون ما وقع لإخوانهم مسلمي إسبانيا. ومما كانت تجري الشروط عليه بين مانيلا الإسباني وحاكم سولو المسلم أن لا تمس شعائر المسلمين. وعلى ما حاولته إسبانيا من تنصير المسلمين فقد خرجت من الجزائر كيوم دخلتها ولم تفلح فيما قصدت إليه. ولا شك أن جمهورية الفيليبين تحسن معاملة المسلمين كالإسبانيين وكذلك المسلمون لم يكونوا أقل عداء لسكان البلاد المسيحيين من معاداتهم للبيض.

ولما استولى الأمريكيون على الجزائر لم يمسوا المعتقدات الإسلامية ولا عملوا على نقض شرع أهل الإسلام وإن كانوا ينكرون عليهم ترتيباتهم في حكومتهم وهي حكومة أعيان ارستوكراطية وقد انتقد أحدهم على حكومة الولايات المتحدة أن وطدت نفسها على انتظار إدخال تعديل في حال المسلمين هناك وتعليلها الأمل بأن نشر التعليم العام بينهم سيؤدي بعد إلى نتيجة حسنة. على أن الأمريكان كانوا يوجسون خيفة من نظام الإقطاعات الشائع بين المسلمين هناك. وقد نادت حكومة أميركا بأن يظل أهل ولاية المسلمين يحكمون أنفسهم بأنفسهم ولم تتداخل إلا بعض الشيء في حكومتهم وإدارة بلادهم وتمتاز حكومة أميركا عن إسبانيا بأن طريقتها في حكم تلك الجزيرة والمسلمين من أهلها خاصة هو بتدريب الأهلين على المبادئ الديمقراطية أما إسبانيا فقد أرادت أن تحمل على الإسلام نفسه لتخلص من المسلمين. ولو اقتربت بعض الزعماء المسلمين من الأمريكان سياسياً مع احتفاظهم بأخلاقهم من الوجهة الاجتماعية لما طال على البلاد عهد السلام.

وقد عنيت الحكومة الأمريكية بتنظيم شؤون المسلمين وتأسيس بلديات لهم في الجزر تقيم مع المجالس الوطنية وتعمل بالعادات الوطنية ما أمكن وهي العادات التي لا تنافي عادات الشعوب المتمدنة ولا أخلاقها وقد بلغ عدد جيش الاحتلال الأميركي النازل في جزيرة سولو وحدها 4839 رجلاً و294 ضابطاً على أن المحاربين من أهلها لا يتجاوزون العشرين ألف رجل. وفي تلك الولاية 41 مدرسة فيها 2114 تلميذاً و15 معلماً أمريكياً و50 معلماً مسيحياً وطنياً و9 معلمين مسلمين والمدارس غاصة بالتلاميذ والمتعلمين حتى أن 240 طفلاً من المسلمين حرموا من الدرس الآن فباتوا ينتظرون لأن المدارس ملئت بالتلاميذ والطلاب من المسلمين.