مجلة الرسالة/العدد 997/روح الإنسانية يقرع باب الإسلام
مجلة الرسالة/العدد 997/روح الإنسانية يقرع باب الإسلام
لمولانا محمد علي
للأستاذ على محمد سرطاوي
تمهيد:
هذا المقال القيم كتبه الزعيم الإسلامي العظيم مولانا محمد علي - الذي يدلف الآن إلى السنة السبعين من عمره المجيد الذي قضاه في خدمة الإسلام - منذ أيام في مدينة لاهور ونشرته مجلة (ليت) الإسلامية في عددها الصادر في اليوم الأول من أيار 1951 باللغة الإنجليزية.
لقد تفضلت الرسالة فنشرت في أعدادها 929، 930، 931 قصة جهاد الحاج خواجة كمال الدين تحت راية الإسلام في الشرق والغرب، ولكن قصة ذلك الجهاد لا تكون تامة إلا إذا قرن بها جهاد مولانا محمد علي الذي سنقدمه للقراء في بحث مفصل حين تصل إلينا من لاهور المعلومات التي طلبتها عن طريق الصديق الباكستاني المسلم الغيور السيد تصدق حسين القادري الذي يبذل من ماله وراحته الشيء الكثير في صمت المؤمنين لخدمة الدين الحنيف في عاصمة الرشيد. وأنا حين أنوه باسمه على صفحات الرسالة الغراء لا أكشف عن جندي مجهول من جنود الإسلام فحسب؛ وإنما أعطي صورة دقيقة عن شعور كل مسلم باكستاني تحت الشمس نحو الإسلام؛ فلقد طلب إلى أن يطبع على نفقته كتاب مولانا محمد علي المشهور (نبي الإسلام) إذا أنا أقدمت على ترجمته إلى اللغة العربية حتى يكون لي نصف ثواب العمل، فوعدته بذلك مغتبطا بعمل من هذا النوع.
ولكن انتظار ذلك المقال المفصل لا يمنع من ذكر ملخص لحياة مولانا محمد علي. فلقد ولد عام 1874 في قرية (مرار) في إمارة (كبورتلا) من مقاطعة البنجاب من عائلة متوسطة، ودرس في القرية مبادئ القرآن وقواعد اللغتين الفارسية والأردية. ثم دخل معهد الإرسالية في لاهور فقضى فيه سبع سنوات وأتقن اللغتين الإنجليزية والأردية، ودخل بعد هذا النجاح جامعة الدولة في لاهور وحصل على شهادتين عاليتين. وفي هذه الجامعة ظهرت اتجاهاته الدينية. وقد رغب في ممارسة المحاماة عام 1897، ولكنه بدلا من ذلك رأ تحرير المجلة الإسلامية المسماة (ريفيو أورلجن) التي كانت تصدر بالإنجليزية وبقي في هذا العمل حتى 1914. وبدأ بترجمة معاني القرآن الكريم عام 1908. وفي عام 1914 رأس الفرقة الأحمدية التي انشقت على القاديانية وجعل مقرها مدينة لاهور. ولقد كان صديقا حميما لمحمد علي جناح مؤسس الدولة الباكستانية العظيمة، يستشيره في كل الأمور التي لها مساس بالأمور الدينية، وله مؤلفات باللغة الإنجليزية كثيرة سأذكر معظمها.
ولسنا نجني على الحقيقة حين نزعم أننا نحن العرب المسلمين قد قصرنا في واجب الدعاية للإسلام والتمكين له في بقاع الأرض كما صنع المسلمون في الباكستان.
والأزهر على جلال قده وعلو مكانته في الحياة الإسلامية لم يساهم مساهمة فعلية في الدعاية للإسلام في مدة قرون عشرة من عمره السعيد.
واللغات الحية كالإنجليزية والفرنسية والألمانية لم يكن لها نصيب في مناهج الأزهر لإتقانها إتقانا واسعا للدعاية للإسلام عن طريقها بين الشعوب التي تتكلمها بالكتب والخطب والمجلات على طريقة الدعاة الإسلامية في الباكستان.
ولم ينحصر تقصيرنا في الناحية الدينية معاشر العرب؛ وإنما تجاوزها إلى النواحي الأدبية والسياسية: فلقد امتلأت المطابع في البلاد العربية بالصحف السياسية والمجلات الأدبية. ولكن أحدا لم يفكر في تأسيس صحيفة سياسية قوية باللغة الإنجليزية يتولى العرب أنفسهم الإشراف عليها مباشرة للدعاية للقضايا السياسية التي لا يعرف عنها الذين من إلا سمات مشوهة المعالم. حتى لم تكر جامعة الدول العربية في إنشاء صحيفة من هذا النوع.
فنحن أحوج ما نكون إلى مجلات أدبية وصحف سياسية تصدر باللغات الأجنبية للدعاية إلى آدابنا ومشاكلنا التي لا تزال تفهم فمها مشوها والتي يشوهما خصومنا كما يشاءون في الرأي العام الدولي كما اقتضت مصالحهم ذلك التشويه.
ويقتضيني الاعتراف بالجميل أن أنوه بفضل الدكتور صفاء خلوصي أستاذ المشرقيات بجامعة لندن بما كان يكتب عن الأدب العربي باللغة الإنجليزية في مجلة (إسلامك ريفيو) من بحوث رائعة كان يتجلى فيها ذوقه الأدبي الرفيع وأسلوبه الفاتن في اللغة الانجليزية؛ ونحن نرجو من الدكتور الملهم أن لا يقصر بحوثه الرائعة على آداب العراق في المستقبل.
ونحن نرجو أن لا يبعد ذلك الوقت الذي نشاهد فيه كل قطر عربي صحيفة سياسية ومجلة أدبية تصدران بالإنجليزية وتبثان الدعاية لأدبنا وقضايانا. في الوقت الذي جعلت المواصلات الحديثة العالم بأسره بقعة واحدة وأرغمت البشر على التلاقي في صعيد واحد للتفاهم والتآلف في أجواء قد يسودها الحب والوئام إذا أشرق عليها نور الإسلام في داعية مركزة وقوية تقوم عليها قلوب مؤمنة بما في الإسلام من خير للإنسانية.
قال مولانا محمد علي:
تمد الإنسانية المعذبة في مشارق الأرض ومغاربها أكف الضراعة، مستنجدة بمن ينقذها من التردي في الهاوية السحيقة التي تنحدر إلى قرارتها في سرعة جنونية. فالاعتقاد بأن التقدم المادي غير المحدود، والسيطرة على الطبيعة بالشكل الذي لم يتوقعه الإنسان سيوصلان الإنسانية إلى السعادة والطمأنينة، قد قضت عليه حوادث السنين السابقة، وأضحت الإنسانية تشعر بفراغ هائل لا تستطيع ملئه غير مبادئ دين صحيح. لسنا ننكر أن التقدم المادي قد عاد على الإنسان بفوائد مادية على مقياس واسع؛ ولكنه في الوقت نفسه قد سلبه الشيء الكثير الذي يمكن أن يوصل السعادة الحقيقة إليه، وحرمه من السكينة وراحة الضمير. إن الإنسانية تتلمس طريقها في الظلام الحالك إلى الطمأنينة التي لا يوصلها إليها غير الإيمان بالله؛ والنظام الذي يسير عليه العالم بأسره. في حاجة ماسة إلى أن يقوم صرحه الشامخ على أسس متينة من الإيمان بالله ووحدة الإنساية، ولا يملك مثل هذا الأساس المتين لتثبيت صرح الإنسانية غير الإسلام
إننا نسمع هذا الصوت مدويا من ديار الغرب هاتفا: (لا يمكن لأوروبا. وهي في سبيل التحليق بحياتها العقلية في الآفاق النائية إلا الاستعانة فما في المجتمع الإسلامي من قوة وأجنحة جبارة تعين على ذلك التحليق البعيد)
ولعلها تنبعث إذ ذاك بين شعوب الشرق قوة جديدة تشيع الحياة في الإسلام، وربما حولته إلى اتجاه جديد إذا استمرت أوربا مندفعة وراء جنونها المادي. وأي إنسان ينكر الاحتمالات التي قد يتمخض عنها تطور من هذا النوع حين يرى على سبيل المثال ما قامت به الجمعية الأحمدية، بما تملك حركتها من قوة أخلاقية وعاطفية دينية عميقة، من النتائج البعيدة المدى في نشر الدعوة للإسلام في المواطن البعيدة عن البلدان التي أشرق نوره عليها.
إن الغرب متعطش إلى مبادئ الدين الإسلامي، والمسلمون يتطلب منهم الإخلاص لدينهم الحنيف أن يشمرا عن ساعد الجد ويخرجوا من عزلة الضعفاء، ويقدموا للغرب ما هو في أشد الحاجة إليه من غذاء روحي. ولقد خطت الجمعية الإسلامية في لاهور بالباكستان الخطوة الأولى في هذا السبيل حين أسست الإرساليات الإسلامية في أوربا وأمريكا وفي أقطار الدنيا الأخرى منذ زمن بعيد. وهي بالإضافة إلى ذلك ذد أصدرت سلسلة من الكتب الإسلامية باللغة الإنجليزية بكثرة واستعداد وإتقان لم يسبق لها مثيل، ثم راحت تترجم هذه الكتب إلى لغات العالم المختلفة بعد أن بثت فيها مبادئ الإسلام وروح الإسلام ونبي الإسلام. . بأبرع ما يكون العرض؛ وبأصدق ما يكون العربي ولعل من تمام الفائدة أن نشير إلى هذا الجهد الجبار بشيء قليل من التفصيل:
1) لقد تأسست الإرساليات الإسلاميات لبث الدين الحنيف في وكنج بإنجليزية. . وبرلين بألمانيا. . وهوج في هولندا. . وسان فرنسكو في الولايات المتحدة؛ وإلى جانب هذه المراكز الكبيرة أنشئت مراكز أخرى للغاية نفسها في نيجيريا. . وغانا الهولندية، وغانة البريطانية؛ ونرننداد؛ وإندونيسيا، وسيام وبورما، وأماكن متعددة أخرى في بلاد الهند
2) لقد تم إنشاء مسجد فخم في برلين
3) ترجمت معاني القرآن الكريم إلى تسع لغات؛ نشرت منها فيما سبق ترجمات بالإنجليزية، والألمانية، والهولندية، والأوردية وتمت ترجمته أيضا إلى خمس لغات أخرى هي التميلية، والسندهية، والجرموخية، والخاسية، والجافية، وقد تمت هذه الترجمات وأصبحت معجة للطبع الآن. وتقوم اللجان الأخرى بترجمة معاني القرآن إلى البنغالية؛ والسيامية، والبرمية؛ والهندية، والفرنسية
4) لقد وزعت من ترجمة القرآن بالإنجليزية أكثر من ستة آلاف نسخة مجانا، وبلغ مجموع النسخ الموزعة أربعين ألفا. وتتخذ العدة الآن لطبع عشرين ألف نسخة جديدة
5) ولقد ترجمت حياة الرسول ونشرت في سبع عشرة لغة من لغات العالم، كالإنجليزية؛ والألمانية، والعربية؛ والألبانية. . ووزعت مجانا أكثر من عشرين ألف نسخة.
6) ويعتبر كتاب (الدين الإسلامي) الذي ألف بالإنجليزية دائرة معارف بذل في تأليفه جهد كبير؛ وهو يتحدث عن مصادر الإسلام ومبادئه العملية، وتعاليمه. وقد تم نشره في لغات ثلاث هي: الإنجليزية، والهولندية؛ والتركية. . وهو ينقل الآن إلى اللغة العربية.
7) ومجلة (ليت) الإسلامية الأسبوعية التي تصدر بالإنجليزية في لاهور ويشرف على تحريرها أفراب الدين أحمد؛ تقوم بعمل جبار في نشر مبادئ الدين في أنحاء الدنيا التي يتكلم الناس فيها الإنجليزية. . وهي تطفح كل أسبوع بالمواضيع الإسلامية الرائعة ويشترك في تحريرها فطاحل الكتاب.
8) ونشرت كتب أخرى متعددة عن نواحي الإسلام في ثلاثين لغة من لغات البشر.
9) تنشر رسالة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها بين الأمم والأفراد عن طريق إرسال الكتب الإسلامية مجانا إلى أكثر من خمسة آلاف مكتبة في العالم من مجموعة الكتب التالية:
أ) ترجمة معاني القرآن الكريم إلى الإنجليزية مع التعليقات المطولة على الآيات الكريمة
ب) الديانة الإسلامية
ج) مختصر الأحداث النبوية
د) محمد رسول الله
هـ) الخلافة الأولى
و) نظام العالم الجديد
ز) الأفكار الخالدة للنبي محمد
ح) تعاليم الإسلام
10) توزيع كتب مجانية عن نواحي الإسلام المختلفة في عدة لغات بكميات هائلة، وهي ترسل مجانا لكل من يرى في نفسه القدرة على توزيعها
11) تأسيس ثلاث مدارس عليا للدراسات الإسلامية
12) إن الموازنة السنوية للدعاية الإسلامية تزيد على عشرة ملايين روبية أي ما يساوي أكثر من مائة أف جنيه إسترليني. وتبلغ ممتلكات الجمعية الإسلامية الأحمدية في لاهور أكثر من خمسين مليونا من الروبيات.
وتغتبط هذه الجمعية بقبول التبرعات من جميع المسلمين الذين يسرهم أن يروا نور الإسلام مشرقا في ظلام الدنيا، فالزكاة والربح الذي تدفعه المصارف على الأموال الودعة لديها، والصدقات الأخرى. . هي موارد إسلامية ينبغي أن تصرف لهدف عظيم من هذا النوع يخدم مبادئ الإسلام. والذين تهزهم الأريحية ويجدون لديهم الرغبة في إرسال شيء، فليوجهوا مشكورين ما يرسلون إلى أمين سر الجمعية الإسلامية الأحمدية في لاهور بالباكستان
بغداد - أعظميه
علي محمد سرطاوي