مجلة الرسالة/العدد 989/من يسمع؟

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 989/من يسمع؟

ملاحظات: بتاريخ: 16 - 06 - 1952



مهداة إلى الأستاذ الحوماني

للأستاذ خليل رشيد

تفضل الأستاذ الحوماني قبل هنيهة من الزمن فأولاني ثقته لشرف المساهمة في كتابه من يسمع؟ وها أنا أجيب دعوة الأستاذ الحرماني شاكراً له ثقته الغالية؟ راجيا تفضله بالقبول:

من يسمع؟

من يسمع عنوانه جديد لكتاب جديد من مبدعات الأستاذ الحوماني وضعه بعد خروجه عن ألف فكرة لألف رجل في كتابه مع الناس. وللأستاذ الحوماني فكرة واحدة يعتز بها هي إيمانه بقول المنقذ الأعظم صلى الله على ذاته الزكية: لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. .

والكتاب فكرة لم تولد بعد. . ولكنا نلمس روح الثورة والتمرد على المجتمع وعاداته المكبوتة في نفس الأستاذ التي ينبئ بها عنوان كتابه من يسمع؟ وأكاد أسمع بحة صوته وهو يبث شكاته وأذاته من صدى عنوان كتابه هذا. وأستطيع أن أرى سحنة وجهه وقد بدت عليها سورة الغضب. وثورة الأديب. وإني لأستشف قلبه وقد سيطر عليه كلمة من يسمع.

أي نعم يا أستاذ

أصرخ ملء فمك

أغضب ملء جمجمتك

تألم ملء قلبك

فليس هناك من يسمع. ولن تجد من يسمع. ولو أخرجت ألف كتاب وكتاب على غرار فلان

من يسمعك. . من يصغي لصرير قلبك. . من يسمع قلمك القاسي المرير وهو ينشد أنشودة الإصلاح. ويرعف باسم الحق الذبيح صابا وعلقما على صفحات فلان؟

من يسمعك. وأنت ترجع لحنا حزينا. وتنشد نشيدا مؤلما فيه عنف الموت وصرامته على قيثار فلا من يسمع هذا اللحن الحزين والكل ثمل بكأس حواء يتغنون بوحي الدموع والنهود والقبل؟

وقد جن الناس بالثمر المجنون. فهم بين لاه بالثمر وعابث بالعفاف. ليس هناك من يسمع، أو يصغي لحديث فلان، وأنشودة فلان وفيه صرامة الحق ومرارة الصراحة

من يسمع كلمة الحق وصرامة القول فيها. ومن يستسيغ مشرب كأس ملؤها صاب وعلقم. وأي مسمع لا ينبو النغم الشاكي الحزين؟

من يسمع كلمة المصلح وهو يدعو إلى بيع موت عاجل بحياة آجلة؟ من يصغي لحديث المرشد وهو يدعو إلى قتل اللذة المرذولة وموت العاطفة وكبح الشهوات. والانضمام تحت راية نفسه؟

ومن يسمع غرزة مبضع الجراح وهي تستأصل شأفة الداء. ولا تتقزز نفسه؟

من يسمع نداء الضمير وهو يصرخ من الأعماق بمواساة الضعيف وصلة الرحم ونصفه المظلوم. ونبذ العداوة والبغضاء ونزع ما في الصدور من غل؟

من يسمع كتاب الله وهو يدعو إلى ما فيه الخير والصلاح والنفع العميم للبشر؟

من يسمع دعوة الرسل والمبشرين لطريق الهدى والصلاح. ومن يسمع دعوة الأديب وهو يدعو إلى ارتقاء المثل العليا، والمثل العليا صعبة المرتقى؟

من يسمع دعاة العقل والفضيلة وفيها ما فيها من جهد وكفاح؟

نعم أيها الأستاذ؟

لن تجد من يسمع لضياع الموازين وفقدان المقاييس. وضيعة الأخلاق. .

لن تجد من يسمع. وليس هناك من يسمع ولن يسمع فلان. وليس هناك من يسمع فلان. . ما دام فلان. . لا يريد أن يسمع قول الحق. وكلمة الصراحة وكل الناس على شاكلة فلان حتى أنا وأنت:

وإن أبيت إلا أن تسمع هؤلاء الصم شكاتك. فاصرخ ملء فمك حتى تتمزق رئتاك وحنجرتك وردد

من يسمع؟

فلن تجد من يرد عليك غير صدى بعيد من أغوار الماضي وأعماق التاريخ

لقد أسمعت إذ ناديت حيا ... ولكن لا حياة لمن تنادي خليل رشيد