مجلة الرسالة/العدد 98/من مآسي الفيضان في العراق

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 98/من مآسي الفيضان في العراق

ملاحظات: بتاريخ: 20 - 05 - 1935



الفلاح المنكوب

للأستاذ أنور شاءول

أًرأَيْتَ الحَقْلَ يُصبي الناظرينْ؟ ... أسَمِعْت الطَّيرَ حولَ الجدوَل؟

ذَاكَ يُحيي السعدَ في القلبِ الحَزينْ ... وَهْي تشدو تَغماتِ الأَملِ

أَنَشِقتَ الزَّهرَ قد فاحَ شذاهْ ... يُتْرِعُ الأرواحَ طيباً مُلُهِماً

فَتُذِيع الرِّيحُ سِراً قد طَواهْ ... في حَناياهُ ولم تَفْتَحْ فَما

أَوَعَى الفكْرُ حدِيثاً قد رواهْ ... بُلْبلٌ حُرٌّ أطالَ النّغما؟

قِصّةُ الفَلاَّحِ رَمْزِ الْبَائسينْ ... قِصَّةٌ تَعْصُرُ دَمْعَ المُقَلِ

سوفَ يَبقى ذِكْرُها في كلَّ حينْ ... وَمكانٍ غَيْمَمةً لا تَنْجلِي!

قد سَقَى الزرعَ صباحاً ومساءْ ... تارةً ماَء وَطوْراً عَرَقا

رمزُهُ في السَّعْي جِدُّ وَعَنَاءْ ... مُنْذُ ما الشَمسُ تُحَيِّ المَشرِقا

أَسًيُولُ الْغَيْثِ أم نارُ ذُكاءْ ... داهَمتْهُ ليسَ يَخشى المُلْتَقَى

مُستعيناً بِبنَاتٍ وَبَنينْ ... وبِزَوْجٍ ذاتِ خُلْقٍ أمثلِ

أُسْرَةٌ تَحْياَ بِمَسفوحِ الجبينْ ... تَرْتَجي الخيرَ جَراَء العملِ

هُو ذَا الزرع، وما أَوْفَرَهُ! ... يَنبئُ الفَلاّحَ بالخيرِ العميمْ

إن تُجِلْ طَرْفاً فلَنْ تحصُرَهُ ... أيْنَ مَنْ يُمكِنُهُ حَصْرُ النجومْ

ناضر الخُضْرَةِ؛ ما أزهَرَهُ؛ ... يُطْرِقُ الرأْسَ إذا هَبَّ نسيمْ

فمتى تُصْبحُ يَا مَرْعَى العيونْ ... ذَهَبيَّ اللَّوْنِ زَاهِي المَخُملِ؟

وَمتى حَبُّكَ يُهْدِي الجائعينْ ... خُبْزَةً تُشْبعُ ذَا الجَوْفِ الخليِ؟

رَقَدَ الفَلاحُ مَقْرُورَ الفؤاد ... حالماً والسَّعدُ في أحلامِهِ

يُبصِرُ الآتيَ مُنْصاعَ القِيادْ ... وَيَرى الأيامَ من خُدَّامِهِ

لا عناءٌ، لا شَقاَءٌ، لا سُهاَدْ ... قلُبهُ حُرِّرَ مِنْ آلامِهِ

يَا لأبناء الرزايا البائسينْ ... يَا لَمخْدوعي الرُّؤى والأملِ

ما دَرَوْا أنَّ اللَّيالي في الكَمينْ ... سوفَ تُصْلِيهِمْ بِخَطْبٍ جَلَ دَوتِ الآفاقُ ليلاً وَالقِفَارْ ... بِصُراخٍ رَدَّدَتْهُ الصَّائحات

قد طَغَى النهرُ فيا قَومُ البَدارْ. . . ... أَنْقِذُوا الأَنْفُسَ. . . صُدُّوا النّكَبَاتْ

أًنْقِذُوا النسوَةَ والوُلْدَ الصِّغارْ ... وَشُيُوخَ الحيِّ مِن قَبلِ الفَواتْ. . .

جنباتُ الكَونِ ضجَّت بالرَّنين ... فكأنَّ الشُّهْبَ حَطَّتْ مِن عَلِ

وتوالت صعقَاتُ الصَّاعقين ... يَستحِثُّونَ الخُطى في وجَلِ

وَزَهاَ الصُّبحُ وفي طلعتِه ... تبسمُ الأنوارُ في الأفق البعيد

إنما الفلاحُ من نَكْبَتِه ... يشتكي لله ذي البَأْسِ الشديد

الأسى والحزُنُ في نَظًرَتِهِ ... واللَّظى في صدرِه حامي الوُقُود

(أين حقلي وحِمَى كُوخي الأمين؟ ... أين زرعي؟ أينْ زاهي الُّنُبلِ؟

قد حواهُ اللُّجُّ مَسْدولَ الجفُون ... قَبْلَما لاقَى بَريق المِنْجَلِ)

ساَرَ والأطَفَالُ نَهْبٌ لِلْبُكاءْ ... وأًنينُ الأمِّ مَسْموعُ النّغَم

وَدَّ لو عادَ قليلاً لِلوراءْ ... إنمَا هَيْهَاتَ إرجاعُ القَدَمْ

أيْنَ يَأْوي؟ هُو ذا قَصرُ عَلاَءْ ... ظاهِرُ الرّونَقِِ، مَلْموس النَّعَم

(أيُّهَا السَّاكِن في القَصرِ الحصينْ) ... هتفَ الفلاّحُ: (هَلْ من مَوْئِلِ؟)

(ليسَ بَيتي مَلجَأً للِشاردين) ... صِرَخَ السَّاكِنُ في القَصر العَلي

بغداد

أنور شاءول المحامي