مجلة الرسالة/العدد 960/الدكتور لوتس
مجلة الرسالة/العدد 960/الدكتور لوتس
بمناسبة ذكراه:
1867 - 1931
للأستاذ عبد الموجود عبد الحافظ
كان الدكتور لوتس عالما من علماء التناسليات في المقام الأول، فقد كان عالما مجربا في عالم التناسليات والنباتات وانتقال الصفات من جيل إلى جيل، ومن عصر إلى عصر. وقد نظر الدكتور (لوتس) فرأى بثاقب فكره وبعد نظره، أن مصر ذات الجو الدافئ والسماء الصافية والشمس المشرقة، تحقق له ما يصبو إليه من بحث في التناسليات وتتيح له فرصا لا تتوفر له في غيرها من بلاد العالم. ولذلك كثيرا ما أبدى رغبة شديدة في إنشاء منصب أستاذ في كلية العلوم، لعلم التناسليات، وأنه يجب أن تلحق بعمل هذا المنصب حدائق للتجارب العلمية فقد قال: (إن إنشاء منصب أستاذ لعلم التناسليات في كلية العلوم لمن أعظم الأعمال في مصر البلد الزراعي، وذا خطر عظيم في تقدم مصر وتقدم العلم في العالم أجمع)
ولد جون بول لوتس سنة1867 من أسرة هولندية معروفة، ولما بلغ مبلغ الصبيان التحق بمدارسها، وكان في أثناء ذلك يبدي اهتماما زائدا بفصائل النباتات وأنواعها، ويحاول معرفة كل شيء عنها. فلما أتم دراسته ولي وجهه شطر ألمانيا ليشبع رغبته في دراسة علم النبات، وهناك في مدينة (ستراسبورج) توجه نحو أعظم أساتذة علماء النبات، للتتلمذ عليهم وعلي رأسهم العالمان (ولنباخ) و (لدوباري) وبعد دراسات طويلة وأبحاث كثيرة، رحل إلى جاوة ليتوفر هناك على درس النباتات الكثيرة؛ وخاصة نباتي (الجنيتيوم) والطفيلي المعروف (بلأنوفورا) في الدور الجنيني. حتى إذا انتهى من أبحاثه هناك عاد إلى هولندا، فيعين مدرسا لعلم النبات في جامعة ليدن، ونظرا لجهوده وأبحاثه عين سكرتيرا عاما لأكاديمية العلوم الهولندية
ولكنه في سنة 1911 استقال من منصبه، وأنشأ في بلدة (قلب) حديقة ومحطة الأبحاث والتجارب في علم تناسل النباتات، وكان غرضه إتمام أبحاث العالم (مندل) وتحقيقها، وم زال يواصل الليل بالنهار مجدا مكافحا في البحث والتنقيب حتى بلغ فيه مقاما علميا عاليا، وقد أنشأ لذلك مجلة سماها (جنتيكا) أي التناسليات
ولم يكتف بذلك بل دفعه حبه البحث والوصول إلى الجديد من الآراء إلى تحمل المشاق وتجشم الأسفار والاغتراب عن وطنه، فزار أفريقية الجنوبية وزيلندا الجديدة واستراليا، ليدرس الأحوال التي تنشأ فيها النباتات الهجنة في الطبيعة، ثم زار إيطاليا في ربيع سنة 1931 لإتمام بحثه عن نبات (مهجنات البرميولا) وهو من النباتات التي تنبت في الربيع، وهناك قضي نحو شهرين أتم فيهما عمله الذي بدأه قبل ذلك بسنوات في منطقة البحيرات الإيطالية
لقد كان الدكتور لوتس وافر النشاط خصب الإنتاج يسعى بجهد متواصل لا يكل ولا يسأم، لا تثنيه الصعاب ولا تعوقه العقبات في سبيل ما يسعى إليه وتحقيق ما يريد. فإذا تجاوزنا عن مؤلفاته العلمية والفنية جدنا له مؤلفات أخري ذات قيمة عظيمة في دراسة تناسل النباتات منها: (النشوء) وهو كتاب دون فيه آراءه الخاصة، و (تاريخ نشوء المملكة النباتية) وهو مؤلف عظيم اشتمل على دراسة تسلسلية للنباتات وتطورها، وكتاب (نظريات التسلسل) وقد ضم فيه محاضراته وغيرها. وقد كانت كتبه موضوعا للبحث والمناقشة؛ وذلك لأن العلماء كانوا يجدون فيها مجالا للبحث والإنتاج لما كان لصاحبها من ملكة نفاذة
وقد ظل عدة سنوات يحرر مجلة (سنترابلت) ويبسط فيها آراءه الخاصة ونتائج أبحاثه الكثيرة، وقد بلغ لوتس مقاما علميا عظيما فكان يدعي إلى كل المؤتمرات النباتية الدولية، وتهافتت على طلبه الجامعات الكبيرة في مختلف أنحاء البلاد، فسافر إلى الولايات المتحدة وزيلندا الجديدة واستراليا وجنوب أفريقيا ثم انتهى إلى مصر. . ومن خصائصه أنه كان لغويا بارعا ناضج الفكر، ومحدثا لبقاء حاضر البديهة. . يحفظ عددا من النوادر التي جمعها من رحلاته الكثيرة. وكان يروي ما شاهد في رحلاته بطريق شائقة جذابة يظهر فيها الظرف والسخرية من الحياة
وأضاف الدكتور لوتس إلى عالم التناسليات مذهبا يقول بأن أنواعا جديدة تنشأ من مناسلة الأشكال المعتمة، لأنها إذا تناسلت اجتمعت منها مجموعات مختلفة الصفات عن النسل الأول، وهذه المجموعات لا تلبث أن تنفصل وتبدو في أشكال جديدة مميزة، وعلى هذا الأساس تنوعت النباتات وغيرها في الزمن الماضي وفي الحاضر وستتنوع في المستقبل
وفي 17 نوفمبر سنة 1931 أذيع نبأ وفاته، فكان له وقع أليم في دوائر مصر العلمية. . لأنه كان إلى شهر إبريل من تلك السنة يقوم بعمله في جامعة فؤاد الأول كأستاذ زائر لعلم التناسليات على أحسن وجه وقد كان لكرم خلقه أثر كبير في إحكام أواصر الصداقة بينه وبين كثيرين من أبناء البلاد المهتمين بالتقدم العلمي؛ ورغم قصر المدة التي قضاها في مصر فإن اهتمامه بالمسائل النباتية الخاصة بمصر كان ذا أثر عظيم في هذا الميدان
أسيوط
عبد الموجود عبد الحافظ