مجلة الرسالة/العدد 932/الأدب والفن في أسبوع
مجلة الرسالة/العدد 932/الأدب والفنّ في أسبُوع
للأستاذ عباس خضر
إقرار كلمات محدثة:
يذكر قراء (الرسالة) البحث القيم الذي ألقاه الأستاذ أحمد حسن الزيات في العام الماضي بمؤتمر مجمع فؤاد الأول للغة العربية، وكان موضوعه (حق المحدثين في الوضع اللغوي) ونشرته الرسالة إذ ذاك، وقد عقبت عليه وأوردت أهم ما دار في مؤتمر المجمع.
وكان ذلك البحث تمهيداً وأساساً للنتيجة العملية التي ظفرت بها اللغة في الأسبوع الماضي، إذ عرض الأستاذ على مجلس المجمع في جلسة يوم 2مايو سنة 1951 طائفة من الألفاظ المسموعة عن المحدثين على خلاف ما سمع عن العرب الأولين في الصيغة أو في الدلالة، وعددها واحد وخمسون، أقر المجمع منها تسعة وثلاثين ورفض أربعة، وأحال ثمانية إلى لجنة الأصول لبحثها.
ولا شك أن الألفاظ التي أقرت تعتبر منذ اليوم مضافة إلى اللغة الصحيحة، وهي ليست في المعاجم الحالية بطبيعة الحال، ولابد أن يشتمل عليها ما يوضع بعد من المعاجم، ولهذا الموضوع أهمية كبيرة، ليست مقصورة على إضافة هذه المجموعة من الألفاظ بمعانيها الجديدة إلى اللغة، وإنما هي إلى ذلك في إقرار قبول الوضع والسماع من المحدثين، فلم تعد اللغة وقفاً على ما سمع من العرب الأولين، بل صار للأحياء الذين يستعملونها حق التصرف فيها على حسب حاجاتهم، على أن يشرف المجمع على استبدال هذا الحق باعتباره المختص باللغة القيم عليها.
وفيما يلي طائفة من الألفاظ التي وافق عليها المجمع مع بيان الأستاذ الزيات ما يسوغ إقرارها، والبقية في الأسبوع القادم:
1 - ساهم: يستعمل المحدثون ساهم بمعنى شارك وقاسم، والعرب لم يستعملوه إلا في المقارعة وهي الغلبة في القرعة. ولاستعمال المحدثين أصل فقد قال العرب: تساهموا واستعملوا السهم بمعنى المقاسم لغيره بالسهم، قال البديع في إحدى رسائله (أفترضى أن تكون سهم حمزة في الشهادة).
2 - هدف وأستهدف: صاغ المحدثون من الهدف بمعنى الغرض، هدف إلى الشيء قص إليه، وأستهدف الشيء جعله هدفاً له. والعرب لا يستعملون هدف أليه بمعنى دخل وقارب، ولا أستهدف الشيء إلا لازماً بمعنى أنتصب وأرتفع ودنا منك.
3 - المظاهرة: يستعمل المحدثون للمظاهرة بمعنى إعلان رأي أو إظهار عاطفة في صورة جماعية، وهي تقابل في هذه الدلالة لفظ في الفرنسية والإنجليزية. والعرب يستعملونها بمعنى العون من الظهر، كالمساعدة من الساعد والمعاضدة من العضد، والمكاتفة من الكتف. والأقرب إلى المعنى الحديث تظاهروا تظاهراً، فقد قالوا تظاهر فلان بالشيء أظهره، ولكن المظاهرة شاعت حتى ليصعب على الناس العدول عنها.
4 - تجمهر: يقول المحدثون: تجمهر الناس: اجتمعوا. والعرب يقولون: تجمهر علينا: تطاول، ولاستعمال المحدثين أصل من قولهم: جمهر التراب: جمع بعضه فوق بعض.
5 - الكتلة والتكتل: يقول المحدثون: تكتل الناس: صاروا كتلة، أي جماعة متفقة على رأي واحد. والعرب لا يعرفون تكتل إلا بمعنى تجمع الشيء وتدور، ولا من الكتلة بمعنى ما جمع من التمر والطين ونحوها، والكتلة في لغة العلوم والحضارة تقابل لفظ في الفرنسية والإنجليزية.
6 - الجلطة وتجلط الدم: الجلطة بالضم هي الجزعة الخاثر من اللبن الرائب، وقد توسع فيها المحدثون فأطلقوها من باب التشبيه على الجزعة من الدم إذا تخثر، وقد اشتقوا منها تجلط الدم إذا تخثر.
7 - الدخان ودخن: يطلق المحدثون الدخان علىالتبغ، ودخن بالتشديد على إحراقه وهو من قبيل المجاز المرسل.
8 - الحشيش والحشاش: يريد العرب بالحشيش ما يبس من الكلأ، وبالحشاش من يقطع بهما فوق ذلك المادة المخدرة المعروفة، ومن يتعاطاها.
9 - القنبلة: القنبلة في اللغة: الطائفة من الناس أو من الخيل، ومصيدة يصاد بها أبو براقش، وفي استعمال المحدثين القذيفة المتفجرة يقذف بها مدفع أو طائرة أو يد (وافق المجمع على هذه الكلمة على أن ينص أصلها الفتح ثم ضمت وعلى أنها أقرت لأنها تعرفت وشاعت).
10 - الفشل - فشل الرجل: كسل وضعف وتراخى وجبن عند حرب أو شدة. والمحدثون يستعملون فشل بمعنى خاب، كأنهم يطلقون السبب ويريدون المسبب، فهو من قبيل المجاز المرسل.
11 - الجيل: الجيل: الصنف من الناس، وقد توسع فيه المولدون، فاستعملوه على أهل الزمان الواحد، ويظهر ان هذا الاستعمال قديم، فقد قال المتنبي (وإنما نحن في جيل سواسية شر على الحر من سقم على بدن).
12 - القاع: القاع ارض سهلة مطمئنة قد انفرجت عنها الجبال والآكام. والمحدثون يستعملونه في أقصى الشيء وعمقه ونهاية اسفله، فيقولن قاع بئر وقاع النهر تفادياً من ذكر القعر.
13 - القهوة: يستعمل المحدثون القهوة في المكان الذي تشرب فيه، وهو مجاز مرسل علاقته الحالية، كقولهم نزلنا على ماء بني فلان، أي على بئرهم، والمؤمنون في رحمة الله أي في جنته. وهذا الاستعمال صحيح يغنينا عن كلمة المقهى الثقيلة.
14 - غير: يدخل المحدثون عليه أداة التعريف، ويجمعونه على أغيار، ولم يسمع ذلك عن الأولين. والتعريف والجمع أمران تقتضيها الحال، وعلى الأخص في لغة القانون.
15 - الغيرية: عرف المتقدمون الغيرية مقابلاً للعينية، وهي أن يكون كل من الشيئين خلاف الآخر ويستعملها المحدثون اليوم مقابلاً للأنانية فتكون معنى من معاني الإيثار.
16 - الشقي: ضد السعيد. والمحدثون يطلقونه أيضاً على اللص وقاطع الطريق (وافق المجمع على هذه الكلمة على أن يزاد في شرحها أن تدل على الأطفال (العفاريت).
17 - التأميم: أمم الرجل المكان قصده. والمسموع اليوم من المحدثين أنهم يقولون: أمم الشيء: جعله ملكاً للأمة.
18 - التدويل: أشتق المحدثون من لفظ الدولة - دول المكان وغيره جعله دولياً.
19 - التصنيع: قال العرب: صنع الجارية: أحسن أليها وسمنها، وتصنيع الشيء: تحسينه وتزيينه بالصناعة. والمحدثون يريدون بالتصنيع معنى جديداً وهو جعل الأمة صناعية بالوسائل العلمية.
20 - التركيز: ركز الرمح ونحوه: غرزه في الأرض. والمحدثون يطلقون التركيز على التكثيف والتجميع والحصر، فيقولون: ركز اللبن ونحوه: كثفه، وركز فكره في كذا: حصره.
21 - أعدم المجرم: يقول المحدثون: أعدم الجلاد المجرم، شنقه. والمسموع عن العرب: أعدم الرجل: افتقر، وأعدم فلاناً: منعه، وأعدم الله فلاناً الشيء جعله عادماً له.
22 - التقاليد: جمع تقليد. ويريد بها المحدثون السنن الموروثة والعرف المتناقل. وهي من قول العرب قلده في كذا، تبعه من غير نظر ولا تأمل.
23 - القيم: يقول المحدثون كتاب قيم ومقالة قيمة، أي له ولها قيمة. ولم يسمع عن العرب هذا المعنى، وإنما يطلقون القيم على زوج المرأة وعلى من تولى الأمر. والقيمة الديانة المستقيمة.
24 - أثث البيت: أشتق المحدثون من الأثاث وهو متاع البيت: أثث المسكن جعل فيه أثاثاً، والمتقدمون لا يقولون إلا أثاث الفراش أو البساط إذا وطأه ووثره.
الأدب في تاريخ (الأهرام):
أصدرت صحيفة (الأهرام) في الأسبوع الماضي، عدداً ممتازاً لمناسبة مرور خمس وسبعين سنة على إنشائها، وقد عنيت بإبراز تاريخ مصر في هذه الفترة (1876 - 1950) ذلك التاريخ المنعكس على صفحاتها، فهي سجل حافل ومرجع شامل لما مر بالبلاد في تلك الحقبة من أحداث وما قام فيها من مسائل ومشكلات، وكانت مجال الأقلام في كل ما يهم الناس ويشغل الأذهان من شؤون السياسية والاجتماع والاقتصاد. . . الخ.
وقد حفل العدد الممتاز ببيان النواحي المختلفة للحياة المصرية من حيث انعكاسها على صفحات الجريدة، ونال كل شيء من عنايتها عدا الأدب. . . أشتعل العدد على مختلف الشؤون، حتى الرياضة وأبطالها والسباق وأسماه الخيل، أما الحركة الأدبية وأعلامها فلم تظفر بكلمة واحدة!
ولم ذلك؟ ألأن (الأهرام) لم تكن في حياتها الماضية مجالاً للأدب، ولم تعكس صفحاتها شمسه، أم أنها أصبحت الآن لا تعنى بالأدب ولا تحسب له حساباً؟
أما الأول فلا، فحياة صحيفتنا العريقة زاخرة بآثار الأدباء وقصائد الشعراء، وقد التحرير ورياسة التحرير فيها أدباء كبار، ولا أظن أدبياً من الأدباء المعروفين إلا كتب فيها، وقد خصصت في كثير من الأحيان صفحة للأدب صالت فيها الأقلام وجالت، وإن اختلط الحابل بها النابل. . .
ومن الطريف في هذا الصدد، بل من التليد، أن الترخيص الذي صدر بإنشاء (الأهرام) سنة 1895 تضمن ما يدل على أن الشؤون الأدبية كانت من أغراض إنشائها، وهذا هو نص الترخيص:
(رخصت الخارجية لحضرة سليم ثقلا باشا بإنشاء مطبعة تسمى الأهرام، كائنة بجهة المنشية بالإسكندرية، يطبع فيها جريدة تسمى الأهرام تشتمل على التلغرافات والمواد التجارية والعلمية والزراعية والمحلية، وكذا بعض كتب كمقامات الحريري وبعض ما يتعلق بالصرف والنحو واللغة والطب والرياضيات والأشياء التاريخية والحكمة والنوادر وما يماثل ذلك وقد أمرت الخارجية محافظ الإسكندرية بعدم المعارضة للمذكور في إنشاء المطبعة المحكي عنها).
ولاشك أن الكاتب التحرير الذي كتب ذلك الترخيص كان يريد أن يذكر الأدب في جملة ما ستعني به الأهرام، فعبر عن ذلك بمقامات الحريري والصرف والنحو واللغة والحكمة والنوادر. . .
هذه لمحة خاطفة عن ماضي (الأهرام) بالنسبة للحركة الأدبية التي أهملتها في عددها الممتاز الأخير، وهو ماض ينطق بأن الأدب كان من أهم نواحي حياتها، لا في الموضوعات الأدبية وحدها، بل الأدب يتمثل كذلك أحياناً في الأسلوب الذي تصاغ به المواد الأخرى، فقد كان محرورها يتعمدون الجزالة والإتيان بالعبارات التي يعدونها من بليغ القول على حسب المفهوم العام للأدب في عصرهم، وكثيراً ما كانوا يأتون بالأسجاع في العناوين مثل (أنباء الحرب والقتال في بلاد الترنسغال) وذلك إظهار للمقدرة الأدبية على ما كانوا يفهمونها. . .
فلم يبق إذن إلا أن (الأهرام) الآن لا تعني بالأدب ولا تحسب له حساباً. . . ولكن إذا حق لها أن تتجرد منه في الحاضر، فهل يجوز لها أن تمسحه من التاريخ. .؟
عباس خضر