مجلة الرسالة/العدد 924/الأزهر والثقافة الدينية وأثرها في الحياة المصرية

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 924/الأزهر والثقافة الدينية وأثرها في الحياة المصرية

مجلة الرسالة - العدد 924
الأزهر والثقافة الدينية وأثرها في الحياة المصرية
ملاحظات: بتاريخ: 19 - 03 - 1951



للأستاذ الشرقاوي

أقيمت في مصر منذ شهرين أو أكثر، المهرجانات لمناسبة تنشرح لها صدور المثقفين الذين يرجون أن تتعمق الثقافة المصرية كيفا، كما يراد لها أن تتسع كما، وأن تستوعب تلك هي المهرجانات التي أقيمت احتفالا بالعيد الفضي لجامعة فؤاد الأول.

وقد نالت هذه المناسبة من الاهتمام - وذلك أمر طبيعي - إلى حد أن شرفها جلالة الملك بحضور بعض حفلاتها، والى حد وضعها جميعا تحت رعايته السامية، وإلى حد أن يدعي لشهودها كبار رجال الفكر والعلم من بلاد العالم المختلفة، فحضرها مندوبون عن ثلاثين من الدول بلغ عددهم مائة وخمسة وسبعين، وقد شهدوا جميعا مدى ما وصلت إليه الثقافة المدنية في مصر من تقدم ونجاح.

ومنذ أيام قريبة رأينا وسمعنا عن حفلات تقام في إحدى مديريات مصر يتبرع فيها، أو يعلن فيها بالتبرع، بأموال ضخمة ستخصص لإنشاء مدارس، وقد تنشأ منها أو يستعان بها على إنشاء جامعة جديدة، فوق ما أنشئ من جامعات في السنوات الأخيرة. وأبادر فأسجل أن هذه مناسبات وتوجيهات تنشرح لها، كما قلت، صدور المثقفين الذين لا يرجون لوطنهم إلا الخير.

ولكن هناك شيء آخر هو الذي أريد أن أجعله موضوع هذا المقال.

منذ ذلك الوقت الذي كانت تقام فيه تلك المهرجانات الحافلة لعيد الجامعة، وإلى هذه الأيام القريبة التي تلبي فيها الدعوات وتبذل الأموال الضخمة، أو يوعد ببذلها، لإنشاء مدارس وجامعة جديدة، في هذا الوقت وذاك، رأينا وسمعنا، وما نزال نرى ونسمع، عن أمور تجري في جامعة عريقة تعتز بها مصر، ويحتاج العالم الإسلامي - أو هكذا يقال - لما تقوم به، أو لما يمكن أن تقوم به، من جهود في سبيل إحياء ثقافة هذا العالم وحفظ تراثه العقلي والأدبي والروحي. بل في سبيل تنمية هذه الثقافة وتعزيزها ومدها بعوامل البقاء والتقدم.

هذه الجامعة هي الأزهر.

والناس أمام هذا الذي رأينا وسمعنا عن هذه الجامعة فريقان، فريق يرى أن من خصائ رجل الدين التبتل والبعد عن رغائب الحياة وأن واجبه الأول هو الدعوة لدين الله وتعليم الناس وهدايتهم. وهذا الواجب مما لا يتخلى عنه رجل الدين الحق، مهما لقي في سبيله.

وفريق يرى أن رجل الدين إنسان يجب أن يعيش كما يعيش الناس، وأن توفر له أسباب الحياة، لا نقول الحياة الميسورة الموفورة، ولكن الحياة المعقولة المقبولة. وتوفير الأسباب لهذه الحياة سبب أو شرط لابد منه لتمكينه من أداء واجبه في الهداية والدعوة.

ولست الآن بسبيل التفنيد أو التأييد لأحد هذين الرأيين، أو كليهما، أو التوفيق والتأليف بينهما. بل أريد أن أعالج الأمر بما هو أعم وأشمل.

مهمة الأزهر، أو المفروض إنه مهمته، هي القيام بالرعاية على كل ما يتصل بالدين والعقيدة واللغة، ووسيلته إلى ذلك هي معرفة نوع معين من الثقافة هو الثقافة الإسلامية. وهذا النوع من الثقافة أو المعرفة إن لم يكن أهم الأسس التي تقوم عليها الحياة المصرية، فهو من أقوى أسسها، لأنه أحد مقوماتها الأصيلة، أو يجب أن يكون كذلك.

ومصر من أهدافها أن تمكن علاقاتها الثقافية وأن تمد نفوذها الأدبي في مجالين، الأول تلك البلاد العربية التي تربطنا بها جماعة الدول العربية أو وشائج الدين واللغة، والثاني مجال القارة الأفريقية أو مناطق خاصة فيها تحتاج لثقافة مصر ومعرفتها ونشاط أبنائها. وقد كان لرفعة رئيس الحكومة في هذا الشأن حديث أذيع منذ شهور وظل إلى عهد قريب موضع تعليقات الصحف في العالم.

هذه الأهداف الثقافية، أو ما هو أبعد مدى منها، لا يمكن أن يتحقق إلا على الأساس الأول من أسس حياتنا المشتركة مع هذه البلاد العربية وأهم مقوماتها، وهو الدين واللغة، ولا يمكن أن يأخذ سبيله إلى المجال الآخر إلا على أساس من ثقافتنا ولغتنا لكي تقوم بيننا وبين هذه البلاد علائق موثقة يمكن أن يكون لها دوام ورسوخ ونمو.

وهناك زعامة مصر على البلاد الإسلامية أو العربية. وسواء أكانت هذه الزعامة قائمة فعلا ويراد الإبقاء عليها وتعزيزها، أو هي هدف يراد الوصول إليه، فإن من أهم أسانيد هذه الزعامة ومبرراتها الحرص على خصائص ما هو (إسلامي) و (عربي) من الثقافة والفهم والفكر.

فهل يراد من الأزهر أن يكون هو سبيل الوصول إلى هذه الأهداف. .؟ إن كان الجواب (نعم) فيجب أن يدرك القوم، وأن يدرك الأزهر ويعمل والإدراك أول مراحل العمل للتمكن من الوصول إلى هذه الغايات، وأن تمهد السبل لهذا الوصول.

هناك احتمال آخر، هو أن ما يقصد بالدين واللغة شيء، ومواطن الدراسة للدين واللغة شيء آخر، وأن الثقافة واللغة أمران اعم من الأزهر والمعاهد الثقافية. هذا الاحتمال أو الغرض يهمس به قوم ويجهر به أقوام. وهم يقولون إن الأزهر قام بواجبه في الأزمان الماضية في حدود إمكانه وفي حدود الحاجة التي كانت قائمة في تلك الأزمان، وأن الأزهر أدى رسالته في ظروف كانت الملاءمة قائمة بينه وبين بيئته وعصره. ثم تغيرت الأزمان، وقد يكون تغير الإمكان والقدرة أو تطورهما أقل من تغير الزمن وتطوره، وقد تكون الملاءمة الآن مع العصر غير قائمة أو غير كافية.

هذا الوضع، أو التحديد للمسألة، يهمس به قوم ويجهر به أقوام. فإن كان هذا التحديد صحيحاً معتبرا عند أهل الاعتبار ومن بيدهم توجيه الحياة العامة في مصر، فإني أعتقد أن الحرص على مقومات حياتنا وثقافتنا، وعلى الأهداف الهامة التي تهدف إليها مصر لتعزيز مكانتها، الحرص على هذا وذاك، يجب أن يكون مقدما على اعتبارات الرعاية والمجاملة.

محمود الشرقاوي