مجلة الرسالة/العدد 918/إلى النيل الخالد

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 918/إلى النيل الخالد

مجلة الرسالة - العدد 918
إلى النيل الخالد
ملاحظات: بتاريخ: 05 - 02 - 1951



للأستاذ حسن عبد الله القرشي

صوت العروبة في هديرك مرزم ... وعلى ضفافك شعلة تتضرم!

يا راكضاً كالدهر منطلق المدى ... تفتر للنعمى ومنك الأنعم

تجري السفائن فيك وهي موائس ... وتعب منك وأنت زاه تبسم!

طير الحنين لذكرياتك صادح ... كالفجر نشوان الرؤى يترنم!

تتراقص النسمات حولك حفلاً ... والطير زهراً في حماك تحوم

وترى الربى سكرى رضابك إنه ... جريالها وهو الحبيب المغرم

خضراء ناضرة تروق بمنظر ... شبه السماء تشع فيه الأنجم

وإذا استحث لك الربيع ركابه ... خلت الأواذي الصقيلة تحلم

فيك الحياة تدب ملء إهابها ... حب يضوع وفرحة وتنعم

يا غنوة الأجيال من عهد الألى ... ركزوا دعامات البلاد وعلموا!

أرسوا على متن الزمان حضارة ... هي مشرق للكون بل هي مبسم!

(أهرامهم) شتى العجائب ما ترى ... فيها سوى الإبداع، نعم الملهم

سل (كليوباترا) هل تألق مجدها ... بسواك تحبوه الضياء وتعصم؟

وسل (الفراعنة) العتاة ألم يروا ... سحر الجلال يرف منك عليهم؟

ما كان (فيضاً) ما غمرت به القرى ... بالأمس بل هي غضبة تتحدم

هي وثبة الضرغام ديس عرينه ... وفراهة الجر استشاط به الدم

يا (مصر) يا أم المكارم والعلا ... لك في النفوس مودة لا تهرم

روحية الإسلام أنت رجاؤها ... ومناط آمال تجيش وتعظم

لك بين أسفار الجهاد صحائف ... ريع الجبان لها وهش الضيغم!

أنشودة كم تغمتها عصبة ... تطأ الصعاب بعزمة لاتهزم

أمل العروبة أنت كم قلدتها ... عقداً بحبات القلوب ينظم!

أرخصت في إقدامك الثمن الذي ... هو للمعالي مهرها المتوسم

فترقبي الصبح الجميل فإنه ... في موكب البشرى إليك سيقدم! أشباب (وادي النيل) هذا يومكم ... يوم يفر له الجبان ويحجم

رنت الشعوب له وصفقت الدنى ... فاستدبروا الأحقاد فيه وأقدموا

(الشرق) يهفو نحوكم مستبشراً ... و (الغرب) في حنق يثور ويكظم

فثبوا على متن العزائم وابتنوا ... صرح اتحاد شامخ لا يهدم

وتنهازوا فرص الحياة فإنها ... كالبرق لا يأنى ولا يتلوم

ما (مصر والسودان) إلا دوحة ... روى ثراها نيلها المستحكم

جمعت أواصرها العتيدة وحدة ... بيد الإله وثاقها مستعصم

هيهات تجتث الغصون حماقة ... من غاصب مستعبد يتهجم

حييت يا نهر الخلود فقد زها ... فوق السماك فخارك المستلهم

لا زلت هدار العباب مصارعاً ... للخطب، مرهوباً، تعز وتكرم

حسن عبد الله القرشي