مجلة الرسالة/العدد 907/الكتب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 907/الكتب

ملاحظات: بتاريخ: 20 - 11 - 1950



تاريخ داريا

للقاضي عبد الجبار الخولاني

بتحقيق الأستاذ سعيد الأفغاني

كتاب وجيز جم الفوائد يقع في 152 صفحة من القطع الوسط

من مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق

للأستاذ عز الدين التنوخي

عهد المجمع العلمي إلى الأستاذ المحقق سعيد الأفغاني بنشر تاريخ داريا للخولاني فاستفرغ في تحقيقه وسعه، وقدم له مقدمة ممتعة في تواريخ البلدان. ولهذا التاريخ مزيتان تسترعيان الإعجاب:

الأولى: تفرده بروايات ومعلومات لا توجد في المطولات كتاريخ ابن عساكر الكبير. والثانية: بحث المؤلف عن داريا وأحوال أهلها وأنسابهم. وهو ينص آخر أكثر التراجم على ذراري أصحابها فنعلم مثلا أن صحابيا كأبي راشد الخولاني الذي سماه النبي وكناه بقي ولده يتناسلون بداريا حتى سنة 365 وهو عام قراءة تاريخ داريا على المؤلف.

وداريا كانت قديما أم قرى الغوطة، والمعقل الأول لليمنيين، وهي اليوم ثانية قرى الغوطة، بعد دوما العاصمة، وحاضرة القرى الجنوبية منها؛ ولبثت قرونا كثيرة منار العلم والأدب، فكان يقال: (من أراد العلم فلينزل بين عنس وخولان بداريا).

إن هذا التاريخ الذي يحق لأهل داريا أن يفاخروا به هو أحد تلك الكتب الجمة التي ألفها أسلافنا في تواريخ البلدان كالقاهرة والإسكندرية والصعيد ودمشق وبغداد وقرطبة وغرناطة وتونس والقيروان وغيرها. ومن مفاخر رجال داريا أبو الحسن علي بن داود المقري، وله خبر طريف يتصل بتاريخ دمشق وداريا معا ننقله على سبيل المثال لما في هذا التاريخ الممتع على إيجازه وحواشيه من فوائد. . ذلك أن أبا الحسن هذا كان يؤم أهل داريا فمات أمام جامع دمشق فخرج أهلها إلى داريا ليأتوا بإمامها إماما لجامعهم الكبير إذ لم يكن في دمشق خير منه، وكان فيمن خرج معهم القاضي أبو عبد الله بن النصيبي الحسيني وجلة شيوخ البلد. ولما بلغوا داريا مانع أهلوها بالسلاح في رحيل إمامهم إلى دمشق وخلو بلدتهم من فضله، فقال لهم قاضي دمشق:

- يا أهل داريا، أما ترضون أن يشيع في البلاد أن أهل دمشق احتاجوا إلى إمام داريا ليصلي بهم؟ فقالوا:

- رضينا، وألقوا السلاح

هذا، ويدل على مبلغ عناية المحقق الفاضل الأستاذ الأفغاني الذي أخرج لنا تاريخ داريا بهذا الضبط والإتقان أن الناسخ لهذا التاريخ شبه عامي، فكثرت أخطاؤه في أعلام الرجال وأنسابهم تحريفا أو أسقاطا، فاقتصر المحقق في الحواشي غالبا على ما يتعلق بتحقيق النص وضبط أعلامه وشرح لغوياته، ولم يتعرض لذكر الروايات المختلفة للحديثلأن نهجه الذي رسمه لنفسه أن يخرج للناس أصلا مضبوطا لا شرحا مبسوطا، ولم يغفل مع ذلك ذكر وفيات الرجال التي تركها المؤلف الذي لم يذكر من 47 ترجمة إلا وفيات سبعة من أصحابها.

إن الأستاذ الأفغاني مثال لرجال العلم المفتونين بدمشق بالعلم والأدب، والذين وهبهم الله للتحقيق جميل الصبر والدأب، قابل الله جميل صنعة للآداب، بجميل حمده والثواب.

دمشق

عز الدين التنوخي

عضو المجمع العلمي العربي

كتاب الخطابة لأرسطو طاليس

ترجمه وقدم له وحقق نصوصه وعلق حواشيه الأستاذ الدكتور

إبراهيم سلامه

للأستاذ أحمد محمود الحوفي كان أرسطو وما زال بدعا في تفكيره، وينبوعا ثرا صافيا يستقي منه الباحثون، يعتزون بآرائه، ويفصلون فيها القول، ويشققون منها الأدلة كأنها من وحي هذا العصر.

وقد فطن العرب في عصرهم الذهبي إلى نفاسة مؤلفاته، فترجموا بعضها، ثم استقل في العصر الحاضر معالي الأستاذ لطفي السيد باشا بترجمة كتاب الأخلاق ولكن (كتاب الخطابة) - وهو من أجل كتب أرسطو وأصحها نسبة إليه - نال بعيدا عن اللسان العربي في صورته الصحيحة الكاملة إلى أن نهض بترجمته (الأستاذ الدكتور إبراهيم سلامة) ترجمة دقيقة أمينة سلسلة موسومة بطابع الأديب الذواق حين ينقل من لغة يدرك بلاغتها إلى لغة يفقه أسرارها.

ولم يشأ أن يحبس عمله على الترجمة وحدها، ولو أنه فعل ذلك وحده لكان جديرا بالشكران، وإنما قدم الكتاب بمقدمة حافلة في نحو مائة صفحة، تشع نورا على أرسطو، وعلى كتاب الخطابة وهي وحدها بحث قيم، بل كتاب مستقل خليق بالإعجاب.

عرض المترجم في المقدمة حياة أرسطو وكتبه، وأثبت أصالة كتاب الخطابة من حيث أنه صحيح النسبة لأرسطو فليس لا لغيره ممن تقدمه من الخطباء أو ممن تأخر عنه من تلاميذه. ومن حيث إن أفكاره أصيلة في نفس أرسطو، فهو كما يقول (أرنست هافي (ذو طريقة ونهج تفرد به أرسطو، فلم يعرض أحد من سابقيه من خطباء وغير خطباء عرضه ولا نهج نهجه، ولا تزال جدته باقية على الزمن ولا تزال خصبة منتجة) وهو لذلك لم يقتصر على الخطابة القضائية كما فعل سابقوه ومعاصروه، بل شمل بحثه أنواع الخطابة كلها، وخالفهم في عرضهم طريقتهم وآرائهم.

وقد تطلب البحث أن يعرض للخطابة قبل أرسطو، فتكلم عن السفسطائيين، وعن المدرسة اليونية، والمدرسة الإيلية وتعارضهما، ومناقضة السفسطائيين لهما، ثم عن حملة سقراط وأفلاطون على السفسطائيين، ونظرة سقراط إلى الخطابة ونظرة أفلاطون، ليخلص من ذلك إلى نظرة أرسطو في الفن الأدبي وتفريقه بين الفلسفة من حيث إنها علم وبين الخطابة من حيث إنها خطة ومنهج يتبعان الخطيب، ومن حيث إن هدف الخطابة الإقناع وهدف العلم البرهان. . . الخ.

ثم ساير كتاب الخطابة في الزمن، فعين زمن كتابته، ووضع بعثه في أوربا في القرن السادس عشر، والترجمات العدة التي تناولته من 1608 إلى 1932 وقرر أنه انتقى ترجمتين اعتمد عليهما: أحدهما ترجمة (إميل رويل والثانية ترجمة حديثة ظهرت عام 1932 م ل (مدريك دوفور

وافترض أن يقال: إن الكتاب قد شرح قديما، وأضيف إلى الفكر العربي بفضل أبن سينا وأبن رشد، فماذا يدعو الآن إلى ترجمته؟

ورد على هذا التساؤل بأنه لا يضير الفكر العربي أن تترجم إليه آثار أرسطو عدة تراجم، هذا على فرض أن ما قام به الفيلسوفان العربيان يعد ترجمة.

والحق أن ما نقله أبن سينا عن أرسطو كتاب الخطابة مضطرب غامض في كثير من نواحيه وموضوعاته، لأنه لم يعمد إلى الكتاب يترجمه، وإنما حاول أن يستفيد منه، فأدمج بعضه ببعض، وخلط بعضه ببعض، وأغفل الأمثلة الأدبية التي أودعها أرسطو كتابه، وكذلك فعل أبن رشد، وأن كان مختصره أسهل فهما من شرح أبن سينا.

على أن باعثا آخر يقتضي هذه الترجمة أن كتاب أرسطو لا تزال أفكاره حية خصيبة، ولا تزال صادقة في تطبيقها، فمن الخير للأدب العربي أن يترجم ترجمة حديثة سهلة التناول قديرة على تخطي العقبات التي كانت تعوق الترجمة القديمة الحرفية مع ما بذل أصحابها من جهد مشكور.

على أن هذا التساؤل - وقد ورد عليه الدكتور المترجم - لا مدعاة له إذا علمنا أن كتاب الخطابة قد ترجم إلى الفرنسية عشر مرات، فمن العجز والتهاون ألا يترجم إلى العربية هذه الترجمة المستوفية شرائط الجودة.

ثم عقد المترجم بحثا قيما في أثر أرسطو في البلاغة، أشاد فيه بفضل الدكتور طه حسين في تنبيه على العلاقة بين البيان العربي والبيان اليوناني.

ونوه بهذا البحث القيم وبإعجاب المستشرق المرحوم كراوس به، وقرر أن نفسه بدأت تساوره منذ ذلك الحين ليترجم كتاب الخطابة، وعقب على رأي الدكتور طه حسين ببسط له وتدليل.

واقتضى ذلك أن يعرض لآراء الجاحظ وأثره في البيان العربي وتعصبه للعرب، ورجح أن الجاحظ كان على علم بكتاب الخطابة قبل أن يترجمه حنين بن إسحاق أو إسحاق بن حنين.

واقتضى ذلك أيضاً أن يعرض لآراء أبن المعتز وأصالتها وتأثر بعضها بأرسطو وخاصة ملائمة الأسلوب التي سماها العرب ملائمة الكلام لمقتضى الحال.

والمذهب الكلامي الذي أخذوه من جدل أرسطو ومنطقه.

ثم عرض لتأثر قدامة بن جعفر بأرسطو، وأحال من أراد التوسع على كتابه الآخر (بلاغة أرسطو بين العرب واليونان).

وقد أحسن صنعا بأن قدم لكل فصل من فصول الكتاب بكلمة موجزة جمع فيها ما تفرق من فقراته، ليدرك القارئ إدراكا جمليا ما في الفصل من أفكار، لأن أرسطو لم يكن يكتب كما يكتب المحاضرون كتابة مرسلة مترابطة، بل كان يكتب فقرات في الموضوع الواحد كل فقرة تحمل فكرة.

وأحسن صنعا بهذه التعليقات القيمة التي أضافها إلى الترجمة وهي كثيرة قلما خلت منها صفحة، كما أنه ذيل الكتاب بفهرس مفصل يوضح معالمه، ويرشد إلى أجزاء كل موضوع منه.

وبعد:

فإن الدكتور إبراهيم سلامة قد نفح الأدب العربي بهذه الترجمة نفحة عظيمة القدر بالغة الأثر، وحقق ما كان يصبو إليه الأدباء والباحثون منذ عهد بعيد أن يقرئوا خطابة أرسطو كاملة النقل دقيقة الأداء صائبة الترجمة ممتسقة الموضوع، وما من شك في أن هذه الترجمة عمل أدبي عظيم جدير بالإشادة والتقدير.

وأن الأدب العربي ليتطلع في شوق إلى الجزأين الآخرين من كتاب الخطابة، وإلى (بلاغة أرسطو بين العرب واليونان)، ويشرأب في لهفة إلى كتاب أرسطو في الشعر، ويدفعه إلى ذلك ما يتمتع بع الدكتور سلامه من بسط وعمق في الثقافة، ومقدرة على تذوق البلاغة العالية في الفرنسية والعربية، واقتدار على التعبير الطيع، ومكانة ملحوظة مرموقة.

أحمد محمد الحوفي

المدرس بكلية العلوم بجامعة فؤاد الأول