مجلة الرسالة/العدد 907/الأدب والفن في أسبوع

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 907/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 907
الأدب والفن في أسبوع
ملاحظات: بتاريخ: 20 - 11 - 1950



للأستاذ عباس خضر

ذكرى علي محمود طه:

كانت الذكرى الأولى لوفاة المغفور له الأستاذ علي محمود طه في هذا الأسبوع، فقد توفي - رحمه الله - يوم 16 نوفمبر سنة 1949. وها قد مضى عام ولم تبرح ذكراه نفوسنا، ولا يزال حر اللوعة على فقده يضطرم في أفئدتنا. وكيف ينسى (علي) وقد كان صادق الود وباعث الأنس؟ كيف ينسى مالئ دنيا الناس بأشعاره ومعطر الرجاء بفنه وظرفه؟ لن ينسى علي طه ما بقيت خوالد شعره، وما بقى الأحياء الذين ترك في نفوسهم أجمل الآثار وأطيب الذكريات.

لقد كان علي طه أحد القلائل الذين يجتذبون الناس إلى قراءة الشعر في هذا العصر. كان إذا غرد لنفسه أطرب، يصور الحب والجمال فتهفو النفوس إلى قوله، إذ تجد فيه أجمل مما يصوره. . تجد فيه جمال الفن وروح الشاعر الصافي؛ وكان إذ شارك قومه أعجب، شاعر يرنو إلى أهداف الجماعة، ويخفق قلبه بحب الخير وهو في هذا أيضاً ينشد الحب والجمال، فالخير جميل، وحبه حب. . .

سلام عليك يا شاعر الحب والجمال، سلام على روحك أيها الفقيد الصديق، سلام عليك كما تفقدناك فأوحشتنا طلعتك، سلام عليك كلما حزب أمر أو دعا داعي الوفاء، سلام عليك كلما تطلع عشاق الشعر إلى السحر والفتون.

سلام عليك أيها الملاح التائه، بل سلام عليك وقد وصلت إلى الشاطئ المجهول.

سلام عليك أيها الحلم الذي رأيناه، ولا نزال نغفى ليتصل. . .

هناك وهنا:

تلقى الأستاذ العزيز الإسلامبولي أمين مكتبة نقابة الصحفيين الكتاب التالي من إدارة الأنباء بالسفارة الأمريكية في القاهرة:

(نتشرف بإبلاغ حضرتكم أننا تلقينا طلبا من أحد المؤلفين الأمريكيين يشتغل الآن بوضع كتاب جديد بجامعة راتجرز عنوانه (دراسات توماس مان في خمسين عاما من سنة 1901 إلى 1950) ويعتقد المؤلف أن توماس مان زار مصر منذ أكثر من عشرين عاما مضت، ويذهب أن الصحف لا بد قد نشرت عنه بعض المقالات في ذلك الوقت، وظهر تبعا لذلك كثير من الأبحاث التي تناولت ترجمة حياته أو نقد أعماله، سواء كان ذلك في كتب أو نشرات أو مقالات في الصحف أو المجلات أو غيرها، ويود المؤلف المذكور الحصول على أسماء مؤلفي هذه الأبحاث وعنوانات المقالات التي نشرت وأرقام أعداد الصحف التي نشرتها وأسماءها ومكان تاريخ نشرها. ويكون من دواعي امتناننا لو تكرمتم بإحالة هذا الطلب إلى الإدارة المختصة في مكتبتكم لمراجعة الفهارس والسجلات التي تكشف عن البيانات المطلوبة. ونحن إذ نقدر لكم هذه المعاونة الكريمة، نود أن نؤكد لحضرتكم امتنان المؤلف لمساعدتكم له، ونرجو أن تتفضلوا بقبول وافر الاحترام)

أعجبتني هذه الروح العظيمة، وأشفقت ألا تصل هذه المعلومات ' إلى طالبها، فقد لا يتيسر لمكتبة النقابة - وإن كان الأستاذ الإسلامبولي أبدى استعدادا وتحمسا للمعاونة - أن توافي بكل المطلوب، ولا بد أنه قد أرسلت هذه الرسالة إلى هيئات أخرى في مصر كدار الكتب المصرية، وأشفقت أيضاً أن (تندشت) هذه الرسالة في المكاتب الحكومية التي يستطلب فيها الكسل والنوم - فأحببت أن أنشرها هنا، رجاء أن يهتم بها من يستطيع الإجابة عنها، فيسد عنها ثغرات. . .

وخطر لي هذا السؤال: ترى ماذا يحدث إذا طلب مؤلف مصري مثل هذا الطلب من إحدى السفارات المصرية؟ ولست أدري أي شيطان جعلني أتخيل الجواب على الوجه التالي: تحول السفارة الطلب إلى وزارة الخارجية، وهذه تحوله إلى وزارة الداخلية، وهذه تحوله إلى قسم البوليس التابع له المؤلف. . ويستدعي المؤلف إلى القسم، ويفتح له (محضر) يسأل فيه عن اسمه وصناعته وسنه، ومحل إقامته وشيخ حارته. . . الخ، ثم يسأل: كيف تجرؤ وأنت من (الأهالي) على أن تكلف جهة (أميرية) بمثل هذا الكلام الفارغ. . وأخيرا يفرج عنه بضمانة شيخ الحارة. . .

المطلوب تصحيح أوضاع:

ليست هي الأوضاع الدستورية التي يتحدث عنها المعارضون السياسيون والتي ضمنوها عريضتهم المعروفة، وإنما هي كما ترى في الرسالة الآتية: وبعد فإننا نتوسل إليكم سيدي - وأنت الذي لم ترد لنا رجاء - أن تتكرم بإفادتنا عن الحكم في هذه المشكلة أو (التقليعة) الجديدة التي تفتت عنها العبقرية الأزهرية في عصر الذرة.

ليست هذه المشكلة هي بناء المدينة الأزهرية وسط المقابر والتلال! ولا في إحجام الشيوخ عن إخراج العلم للناس في ثوب قشيب! ولا في عدم مساعدة الطلاب صحيا أو اجتماعيا أو خلقيا!! لا يا سيدي، ليست مشكلتنا اليوم من هذه الأنواع فالكلام في هذا، يعد في عرف كثير من شيوخنا، خروجا على العقيدة. . وقد يشطب الطالب من كليته لمثل هذا. .

وإنما مشكلتنا بسيطة للغاية، وهذا ما دعانا إلى الالتجاء إليكم، أنشئت كلية الشريعة في (خرائب الدراسة) ومع أن الشرائط الصحية، لا تتوفر في كثير من فصولها، تجد أمرا عجبا. . تجد أن الألواح السوداء، وأعنى (السبورات) موضوعة خلف الطلاب!!

ورجونا المختصين كثيرا لتصحيح هذا الوضع، وجعلها أمام الطلاب؟ ولكن لأمر لا نعلمه، تصر إدارة الكلية على هذا الوضع الشاذ! وليس بعسير على سيدي، أن يتصور حالة الطلاب، حينما يريدون أن يتتبعوا شرح المدرس لمسألة ما، هي السبورة، ويلووا أعناقهم إلى الوراء!!

لا أدري أهذا منظر مضحك، أم محنق، ولكن الذي أدريه أن إلحاحنا لجعل هذه الألواح أمامنا، باء بالفشل، وكثيرا ما سمعنا من بعضهم أنهم كانوا يتلقون العلم - وهم على الحصر - فلا يشكون! أما نحن طلاب اليوم. .؟

. . وانتهينا إلى هذا الحد. .

ولو كان هم واحد هان خطبه ... ولكنه هم وثان وثالث.

متعك الله بالصحة والسعادة لخدمة المجتمع البائس الحائر

ضياء الحائر

بكلية الشريعة

لك الله يا ضياء! إنك لست (حائرا) من قليل. . فقد تكشفت لنا حيرتك منذ شهور عن (حيرة الجيل الجديد في الأزهر) إزاء المؤلفات القديمة المعقدة، تلك الحيرة التي أرجو أن تزول على يد فضيلة الأستاذ الأكبر عبد المجيد سليم.

أما الموضوع الذي يحيرك اليوم فأمره بالغ العجب. . ولولا ثقتي بك ما صدقت هذا الذي تصف. على أنك لم تبين لنا وجهة نظر (المختصين) في وضع السبورات وراءكم ظهريا. . فقد يرون مثلا أن في ذلك تمرينا لعضلات العنق بتحريك الرأس للنظر إلى الوراء!

وقد يكون الغرض أن تحدسوا ما على السبورة وهي خلفكم، على طريقة اللعبة التي تعصب فيها العينان! وقد اكتفيت بما سمعته من بعضهم أنهم كانوا يتلقون العلم على الحصر أما أنتم فاحمدوا الله على أنكم جالسون على مقاعد، فما أشد طموحكم! أتريدون مع ذلك أن تكون السبورة أمامكم. .؟

في الأمور التافهة ما يبعث أحيانا على التأمل، ووضع السبورات خلف الطلاب في كلية الشريعة من هذا القبيل، وأنا لا أزال أتخيل هذا المنظر الطريف وأتأمل. . . إنني أيضاً حائر. . .

حول مشكلة القراءة:

قرأت بالعدد 901 من الرسالة الغراء ما تفضلتم بكتابته تعليقا على مقال للأستاذ محمد علي غريب بجريدة الزمان عن مشكلة القراءة أو ظاهرة الإعراض عن القراءة المتفشية بين المتعلمين. وقد أرجعتم ذلك إلى طريقة التعليم من إرهاق التلاميذ والمدرسين مما يبغضهم في الكتب. وإني إذ أؤيد ما تفضلتم بذكره أضيف إلى ذلك أن الأستاذ غريب ناقض نفسه حين عرض لاستهلاك الموظفين تفكيرهم في تفهم منشورات العلاوات وحسبان الأقدميات بدلا من قراءة كتاب لعبقري موهوب.

إذ كيف يطلب من مثل هذا الموظف الذي يضني نفسه وتفكيره في محاولة زيادة دخله ولو قروشا معدودات، أن يدفع من دخله هذا الذي لا يكاد يكفي قوته وقوت أولاده ما يكفي لقوت فكره وعقله. أليس الأجدر من ذلك طبع الكتب طبعة شعبية إلى جانب الطبعة المرتفعة الثمن، وإذا أردتم اختبار مدى نجاح ذلك فهاكم سلسلة أقرأ التي تقدمها دار المعارف، وغيرها. ففي ذلك تسهيل لغير القادرين من محبي القراءة وتشجيع لغيرهم علاوة على الكسب المادي والأدبي الذي يصيب الكاتب نفسه.

ولا يفوتني أن أذكر في هذا المجال أن هناك كتبا كثيرة لكتاب أفاضل طبعت ووزعت بالثمن العادي عدة مرات حتى أصبحت السوق منها في حالة تشبع، فلو أعيد طبع مثل هذه الكتب طبعات شعبية لفتحت سوقا جديدة رائجة تعود بالخير على البلاد. وأمامنا في هذا وغيرها.

وختاما تفضلوا بقبول فائق الاحترام.

محمود طه

تعقيبي على هذه الرسالة يشمل ما يلي:

1 - هل الموظفون يريدون أن يقرئوا ولكنهم لا يستطيعون شراء الكتب؟ أنا لا أسلم بهذا، فأن أي موظف يمكنه - إذا أراد - أن يستعيض عن الجلوس في القهوة بالقراءة، وما يبذله في الأولى يكفي للثانية، وهل هم - وأعني بكل هذه الغالبية لا الجميع - يستفيدون من الكتب الزهيدة الثمن التي أشار إليها الأستاذ؟ أو هل يستفيدون من دور الكتب العامة بالقراءة فيها والاستعارة منها؟ وهناك غير دار الكتب المصرية مكتبات في كثير من المصالح والدواوين وكثير من عواصم الأقاليم وخاصة مكتبات المدارس والمعاهد والكليات. أنا شخصيا قرأت أكثر ما قرأت عن طريق الاستعارة، فلم تسعفني الظروف دائما بشراء ما أردت من الكتب، ومن المعروف نفسيا أن مستعير الكتاب يسرع إلى قراءته أكثر ممن يشتريه، ولهذه الحقيقة فضل علي كبير. . .

2 - إذا سلمنا أن مسألة الثمن مشكلة، فهي مشكلة، فهي مشكلة الراغبين في القراءة ذوي الدخل القليل، وهم نادرون، والكثرة لا نريد أن تقرأ كتبا ولو أهديت إليهم.

3 - أثمان الكتب عندنا أقل من البلاد الأخرى، والكتب الرخيصة الثمن التي تصدر في إنجلترا مثلا، هي كتب قديمة يعاد طبعها بنفقات قليلة بعد أن شبع أصحابها كسبا.

4 - انصراف الناس عن قراءة الكتب يرجع بعض أسبابه إلى المؤلفين، فهؤلاء لا يكتبون في مسائل العصر ولا يصورون واقع الحياة، وإنما يهربون إلى التاريخ والدراسات، أو يعتكفون مع تأملاتهم العاجية، فالنتيجة المؤسفة أن الناس ينظرون في الكتب فلا يجدون أنفسهم فيها، فيرغبون عنها إلى الصحافة التي تربطهم بها بالواقع وتعرض عليهم صور الحياة

5 - أرى أننا نسرف كثيرا في الغض من شأن الصحافة من حيث فائدتها في القراءة، أو نقلل من أهميتها بالنسبة إلى المؤلفات الحديثة. حقا هناك كثير من المجلات المسلية التافهة، ولكن هذا لا ينبغي أن يجور على غيرها من المجلات ذات المنهج الثقافي؛ وكثير من الصحف اليومية والأسبوعية تنشر أشياء ذات قيمة، وقراءة كل ذلك لا شك مفيدة، وهي تمتاز على الكتب - كما سبق - بأنها متجددة، تساير الزمن، وتلائم روح العصر، وتربط القراء بعجلة الحياة.

عباس خضر