مجلة الرسالة/العدد 902/الأدب والفن في أسبوع
مجلة الرسالة/العدد 902/الأدب والفن في أسبوع
للأستاذ عباس خضر
السجل الثقافي لسنة 1949
هذا هو السجل الثاني لمظاهر النشاط الثقافي في البلاد المصرية في جميع نواحيه، ما عدا الناحية التي تنهض بها معاهد التعليم وفق برامجها الرسمية، وقد صدر السجل الأول في العام الماضي عن سنة 1948. وتقوم بإعداده إدارة التسجيل الثقافي بوزارة المعارف، وهي إحدى الإدارات المتفرعة من الإدارة العامة للثقافة، وقد أنشأت إدارة التسجيل سنة 1947 وكان مديرها الأستاذ محمد سعيد العريان وهو صاحب فكرة التسجيل الثقافي وواضع مشروع السجل، ومما يؤسف له أن ظهر السجل الأول ثم الثاني ولم يشر إليه في أحدهما بكلمة، على حين أشيد - في مقدمة السجل الأول التي كتبها الدكتور محمد عوض محمد بك - بفضل الأستاذين محمد عبد الواحد خلاف بك ومحمد فريد أبو حديد بك على أن السجل ثمرة جهودهما، لأنهما كانا - على التعاقب - مديرين عامين للإدارة العامة للثقافة قبل الدكتور عوض بك. والحقيقة التي يجب أن تذكر أن إشراف هؤلاء الأساتذة الكبار على أعمال التسجيل كان من بعيد جدا. . والعمل كله قام به موظفو إدارة التسجيل ومديرها الحالي الأستاذ أمين دويدار. ومن تمام الحقيقة أن يذكر فضل خلاف بك خلاصة في إنشاء السجل والعمل على تحقيق فكرته وقد اقتنع وتشبع بها، ولكنه نقل قبل أن يبدأ العمل المباشر في إعداد المواد.
ونعود إلى هذا السجل الثاني الذي صدر أخيرا، فأقول أنه يدل على جهود موقفه بذلت فيه، والموازنة بينه وبين الأول تظهر الفرق واضحا بينهما، ولا عجب في ذلك فقد كان السجل الأول باكورة العمل، ومما يذكر أن هذا التسجيل الثقافي اجتهد فيه القائمون به على غير مثال سابق، ودون قواعد موضوعة أو توجيه يذكر من رؤساء، بل كانوا يتهمون بأنهم يلعبون وهم يعملون في صمت، حتى أخرجوا السجل الأول، وترقبوا صداه، فانتفعوا بما وجه إليهم من نقد صادق وما نقدوا رأيه أنفسهم، وأشرف على ذلك وشارك فيه مشاركة نافعة الأستاذ محمد عبد الله عنان الذي عين مراقبا في الإدارة العامة للثقافة بعد إعداد السجل الأول. فجاء السجل الثاني خطوة كبيرة نحو الكمال في هذا الفن الناشئ في مصر، الذي هو جدير بالرعاية والعناية باستكمال أدواته وتوفير أسبابه، ليبلغ ما يرجى له في تحقيق أهدافه من التعريف بإنتاجنا الثقافي وبيان اتجاهاته ومراميه، وليدل على ما بلغته البلاد في مجال التثقيف العام.
كان السجل الأول يميل في أكثر الأبواب إلى مجرد الإحصاء، فمليء بالجداول التي لا تفيد غير السرد والعدد، ومما اتبع فيه ذلك الباب الكتب، أما في هذا السجل فقد عدل عن ذلك في المواضع التي تحتاج إلى بسط وتبيين، ومن أحسن ما تم فيه ذلك باب الكتب، إذ عنى فيه، إلى جانب أسم الكتاب والمؤلف أو المترجم والمحقق والناشر، ببيان موضوع الكتاب بيانا موجزاً أو مسهباً بعض الشيء على حسب الحال والأهمية، ورتب ذلك ترتيباً حسنا.
وكان السجل الأول جامعا مملوءا بما لا يستحق الالتفات إليه من التوافه وما ينشر عنه في الصحف لمجرد التظاهر، فقد حشد في باب المحاضرات كل من هب ودب ومليء بالعظات والخطب التي تلقى في الكنائس والمساجد يوم الأحد والجمعة. وكذلك الروايات السينمائية فقد ذكرت جميعها بما فيها من سخف وهذر، ومن فيها من شكوكو والكحلاوي وكميليا. الخ. أما السجل الثاني فقد مال إلى التمحيص والاختيار.
ويعتبر هذا السجل مرجعا هاما للوقف على مظاهر الإنتاج الثقافي المصري في الأبواب المختلفة من تأليف وترجمة وصحافة وهيئات ثقافية ودور كتب عامة معارض ومتاحف إلى آخر ما احتواه. وتستطيع مصر الآن أن تجيب على ما يراد معرفته من هذه الشؤون، فقد كانت الأسئلة ترد إلى الجهات المصرية من جهات أجنبية فيما يتعلق بتلك النواحي الثقافية، فلا نستطيع إلا أن نمسك عن الإجابة.
ولا بد من الإشارة إلى بعض الهنات التي نرجو أن يلتفت إليها، ففي باب المسرح والسينما عدل عن الشمول إلى اختيار روايات، وكان لا بد وفق خطة التعريف التي اتبعت في الكتب، من تقديم هذه الروايات بنبذ موجزة، وهذا حسن، ولكن الذي نلاحظه أن الروايات (المختارة) عرف أكثرها بملخص حوادثها لا بموضوعها، وليس العيب في ذلك راجعا إلى محرر السجل لأنه لم يجد موضوعا لهذه الروايات يتحدث به. وكان ينبغي إزاء ذلك أن تهمل هذه الروايات التي لا موضوع لها، ويقتضي ذلك أن يهمل 99 % منها، وليكن. في باب الكتب فنون مختلفة كالأدب والتاريخ عد منها (الفنون والصناعات) بابا واحدا، على بعد ما بين الصناعات والفنون الجميلة، فوضع مثلا إصلاح السيارات وأشغال (التريكو) مع مبادئ الموسيقى وتاريخ الطرز الزخرفية والفنون الجميلة. .
ولم تستوف كل الكتب بينها من حيث التعريف بموضوعها، ونفهم من المقدمة التي كتبها للسجل الدكتور عوض بك باعتباره المطبر العام للثقافة - أن التعريف الكامل بجميع الكتب لم يتيسر لأن (الميزانية) لا تسمح لإدارة التسجيل الثقافي بشراء كل ما يصدر من الكتب لاستيفاء الكتابة عنها، ورجا أن يعاون في ذلك أصحاب الكتب والناشرون بالإمداد بالمعلومات الكافية لتكوين الصورة الواضحة عن الكتب التي يخرجونها.
أما معاونة أصحاب الكتب والناشرين فلا شك أنها ليست محققة من الجميع، ولعل كثيرا منهم يرى أن الإدارة يجب أن نشتري نسخة بدلا من تبادل المكاتبة بينه وبينها، على أنه قد تكون المعلومات التي ترسل إلى الإدارة غير دقيقة أو غير وافية وخاصة من الناشرين.
ولست أدري كيف تضيق بشراء نسخة من كل كتاب بصدر في خلال العام؟ وخاصة أن ذلك ضروري للعمل، كما أنه ضروري لكرامة الإدارة والاحتفاظ بإسمها فلا يقلب إلى (إدارة التسول الثقافي!)
إنصاف المرأة
هو أسم كتاب جديد للكاتبة الأدبية العربية - ولا أقول السورية - وداد سكاكيني والكتاب يتضمن موضوعات مختلفة ينتظمها السلك النسوي فهو كما تقول المؤلفة في المقدمة (ينبثق من الموضوع الواحد الذي يمس المرأة في حياتها وحاجتها مسا قريباً، ويتحدث عن نفسها وجنسها، في البيت والمجتمع، في الثقافة والشمائل، في الانطواء والتحرر) وهي وإن كانت تتحدث عن المرأة عامة إلا أنها تتجه إلى العربية في ماضيها وحاضرها، وتخص السورية في أحوالها وأهدافها الحاضرة.
تتحدث الأستاذة وداد حديث الأدب والفن الهادئ أحيانا، فتتملى التاريخ أو تطالع الواقع الراهن وأحينا يثيرها ما يحيق بالمرأة من ظلم وجحود فتحمل على خصومها والزارين عليها والمنكرين حقوقها، سالكة في ذلك سبيل التفنيد والإقناع بالحجة. وهي في كل ذلك تمتع القارئ بسحر حديثها الذي يشبه ما تحدثت عنه في فصل (كيف نتحدث) الذي بدأته بما رواه أبو حيان التوحيدي في الإمتاع والمؤانسة، من أن جماعة من الكبراء سألوا معاوية عما هو أبقى في سرور الحياة وأجمل في النفس وأحلى، فقال: أنه الحديث. . . فقد ذقت الطيبات ونعمت باللذات وبلغت جهد ما يبتغي المرء من دنياه، فلم أجد أبقى في النفس ولا أمتع للفكر من حلاوة الحديث وسحر الكلام. ومن لطائف المؤلفة في هذا الفصل، ردها على من يتندرون على المرأة بأنها لا تجيد من الحديث إلا الكلام على الطعام وألوانه، والثياب وأزيائها، والخدم ومشاكلهم، والملاهي وسلواها_إذ قالت: (إن صبح هذا في أكثر نسائنا فإن الرجال مع سبقهم إلى الثقافة وكثرة تمازجهم وأتساع آفاق الحياة أمامهم، ما تزال أحاديثهم إذا جدوا لا تعدو اللغو في السياسية والأحزاب) وإني - على رغم هذا - أشكو إلى الله إنا لا نلاقي كثيراً أمثال السيدة وداد اللائي يخرج حديثهن عن الثياب وتفصيلاتها ومن تزوجت ومن طلقت. . . إلى آخر تلك الثرثرة الفارغة.
ثم لنعرج على هذا الفصل (أدب النسوة) فقد وجدت به ما يدعو إلى بعض المناقشة. ترى المؤلفة أن أدب النساء (هو في تصوير الحياة النسائية المبهمة والعادات المحجوبة عن الرجال فأي كاتب مهما بلغ وعيه واستفاض وحيه يستطيع أن يحيط بأسرار النساء وهي عندهن في آبار عميقة وتحت حجب ضيقة؟ فكثير من أحاديثهن لا يفضين به إلى الرجال ولا يقدر أن يستله منهن إلا الكاتب، فسر السحر والتعاويذ وضروب الكيد بينهن والحسد وستر المنكر وتزوير الجمال وتصوير الأمومة، كل هذا في عالم النساء لا يقيض للكاتب أن يجول فيه، أما للكاتبة فلها فيها جولات مجليات.
وأنا أولا لا أوافقها على تخصيص بعض مجالات الأدب للنساء وبعضها للرجال، فلا نعد موضوعا ما من اختصاص الأديبة لأنه من خصائص النساء لا ينبغي أن يتعرض له الأديب، وقل مثل ذلك في العكس، لأن مدار الأمر على انفعال الأديب أو الأديبة بالموضع ومقدار إطلاعه فيه ومعرفته لدقائقه، وإذا سلمنا بأن كلاً من الرجل والمرأة أدرى بحسنه وشؤونه فلا ينبغي أن ننكر على من يتعلق خاطره بموضوعات الجنس الآخر أن يتناولها. وأذهب - أكثر من هذا - إلى أن هناك ما تعرفه المرأة عن الرجل أكثر مما يعرفه الرجل عن الرجل، وقل أيضاً مثل ذلك في العكس.
ثم أقول: هل أسرار المرأة النساء وحياتهن المبهمة اللائي يحجبنها عن الرجال مما تكشفه المرأة في أدبها وتفضي به الكاتبة في كتابتها؟ أليس الذي يدفعها إلى حجبه عن الرجال يمنعها من البوح به فيما تكتب للجميع وفيهم الرجال؟ حقا هناك حياة خاصة بالنساء لا يعرف الرجل دقائقها كما تدركها المرأة. ولكن الحق كذلك أن الرجل أقدر وأجرأ على إذاعة ما يقف عليه من أطرافها
وبعد فلم أر في تحية هذا الكتاب القيم خيراً من أن أناقش بعض ما جاء فيه، ومن قيمة الكتاب أن تقدح الأذهان وتثير الخواطر وتدعو إلى المناقشة.
عباس خضر